من كذا سنة فيه شاعر مصري عظيم اسمه محمود بنداري اخترع جملة انا بعتبرها قانون من قوانين الحياة , مع انها لأول وهلة تبان العكس تماماً. " عمرك يحلو , لما تموت في اللحظة الأحلى ".
العظمة اللي في الجملة دي هي انها اختصرت كل معاني السعادة اللي بنحس بيها , لما نوصل في الإحساس لدرجة اننا نهمل أي حاجة تانية باعتبارها ضئيلة قدام اللحظة دي , وإن اللحظة دي بالذات هي اللي غطت العمر من أوله لأخره كإنه مكنش فيه بؤس في العالم قبل كدة , وإن كل اللي حصل كان إرهاصات وتجيلات للمفارقة الكبرى , للحقيقة اللي عشانها كان كل السعي ده.
أنا مش حاسس دلوقتي غير اني في اللحظة الأحلى , اللحظة اللي حسيت فيها اني جيت هنا في المكان ده وحصلي كل اللي حصلي عشان اوصلّها , من أول ضرب الكلية مروراً بالتحويل لحد دخولي الاتحاد بالصدفة ووجودي مباشرةً وبدون مقدمات ومن أول يوم في المكان اللي المفروض أكبر اتحاد في الجامعة يوجه رسايله منه. انتهاءاً بالرسالة الأخيرة : أديروا ظهوركم للأسوار واسقوا الأزهار فالشوك لا ينمو في أرضنا.
وبعد , أنا بعلن اعتزالي المجال العام لفترة قد تطول وقد تقصر , كل اللي يعرفني كويس او حتى مش كويس هيعرف ان القرار ده نتيجة مباشرة ومنطقية لظروف كتير حصلت على مدار سنتين. مش هكلمكم عن قد ايه الاتحاد ده تعب عشان يوصل حاجة لإن ده ظاهر لكل بصير , بس هكلمكم عن قد ايه كان عندنا حاجات اكتر بكتير نفسنا نحققها والظروف ماساعدتناش , عن حاجات مقدرناش نوفيها كلها وعن مشاريع ماتكتبلهاش النجاح والظهور , بس يبقى اني انا وكل حد انتمى للكيان ده وبذل نفسه فيه لدرجة التماهي , فخورين بكل حاجة قدرنا نطلعها وكل حد حضرلنا حاجة بننظمها وكل حد حس بكلمة بنقولها وكل حد عرف الفرق بين المسؤولية والاختيار.
وبشكل شخصي , انا فخور بكل حاجة عملتها او فكرت فيها مع الاتحاد او مع اي حد , وبكل حاجة حاولنا فيها وماقدرناش عشان طاقتنا ماكانتش ملكنا , وبكل حد عرفني عشان شخصي مش عشان حاجة تانية , وبكل حد اختلف معايا واحترمني , وبكل حد لسة بيقدر يشوف النور في اخر النفق ويتمسك بالأمل.
انا بنتمي لمحمد رضا اللي ذكراه التالتة هتحل بكرة , للإنسان المظلوم المقتول عشان هو ماعملش حاجة , بنتمي لشيماء وأنس وهالة ومصطفى متولي والطفل عمر بياع البطاطا ولأسماء وميادة وجيكا والجندي ومينا والشيخ عماد وخالد سعيد وعبدالرحمن ومودي وسالي والشرقاوي , وبتمنى اشوف اليوم اللي بلدي تستحق فيه أسماء زي دي تتعلق على جدرانها وتنتمي ليها , بلدي اللي شافوها في اللحظة الأحلى , قبل ما يغمضوا عيونهم ويسلمونا الروح.
انا في حاجة شديدة للهدنة والوقوف شوية والتفكير في كل اللي حصل واللي هيحصل لإن عمرنا مش بإيدنا وأيامنا بتجري وبتجر معاها الشهور والسنين , واللي مايلحقش يعرف هو بيعمل ايه كل فترة هيقوم يبص في المراية يلاقي شعره أبيض وهو لسة ماتحركش من مكانه ولا كسب اي اضافة. وانا بعد كل ده, مش هبقى عايز اكسب اكتر من سيرة طيبة وفكرة صدقتها ووصلتها للناس.
اشوفكم بخير