الخميس، 12 أبريل 2018

تأملات (7) : كل دالة لها دليل



تعرف تتخيل حياتك من غير مرايا؟ غريبة صح؟ احنا كل يوم بنبص على انعكاسنا في المرايا مرة عالاقل ونقرر اذا كان شكلنا النهاردة حلو ولا عادي ولا مش فارقة، اذا كنا راضيين المرة دي عنه ولا لأ. تخيل بقى حياتك من غير مرايا في يوم؟ عادي صح، اكيد شكلك مش هيختلف اوي عن اليوم اللي قبله. طب اسبوع؟ اصعب شوية.. طب شهر؟ طب سنة؟ هتبدأ تنسى شكلك وتدركه بس في عيون الناس وانطباعاتهم لما بيشوفوك.

انت ككائن حي ليك وجود شكلي وعندك وسيلة بتدرك بيها الوجود الشكلي وهي العين، بس الوسيلة دي جزء منك مش هتقدر تخرج من سياقها وتدركه، وليك وجود جوهري وعندك وسيلة بتدرك بيها الوجود الجوهري وهي الروح، بس برضو الوسيلة دي جزء منك مش هتقدر تخرج من سياقها وتدركه. المرايا قدرت تعكس شكلك عشان تشوفه، بس لسة لم يوجد شئ يقدر يعكس جوهرك عشان تحسه، فبتتحسسه طول الوقت من إدراكات الناس المحيطة، زي ما كنت بتحاول تفهم شكلك لما المرايا اختفت من حياتك فجأة.

ايه اهمية انك تعرف شكلك وجوهرك اصلا؟ لإنك طول الوقت بتتعرف على الوجود اللي حواليك بس انت مش موجود فيه، فانت طول الوقت محتاج تحس انك موجود فيه، بما يعوض انك مش قادر تشوف وجودك او تحسه بالظبط، بس عالاقل لاقطه من عيون واحساس الناس هنا وهناك، من زوايا مختلفة قدرت تكون فكرة عن خارجك وداخلك - فكرة صحيحة او حتى خاطئة، وقدرت ترسم خيال لنفسك في الوجود ده وكأنك موجود فيه بلا شك.

بتحس احيانا ان الناس في الشارع مش واخدة بالها منك؟ كإنهم متعمدين يتجاهلوك كلهم؟ كإن العالم أدار لك ظهره في اليوم ده؟ مش بتقول كدة؟ بس بيتولد عندك احساس بالاستنكار والغضب إحساس عايز يعلن عن وجودك في العالم وبقوة كمان، فبترجع تبص في المرايا وبتنزل تاني يوم وكل الناس بتبص عليك كإنهم بيقولولك صباح الخير وكإن العالم صالحك وبتبقى مبسوط انك موجود في عالم كل الناس دي وبالضرورة في عالمك انت.

ايه اللي يثبت انك عظيم او عادي؟ سعيد او حزين؟ ذكي أو سئ الحظ أو مرهف الحس أو غاضب أو حابب أو متفاءل أو ضعيف أو مؤتنس؟ ايه اللي يثبت انك شفت صورة جميلة او شاهدت فيلم مؤثر أو التقطت فكرة مختلفة؟ ايه اللي يثبت انك شهدت صدفة غريبة او حلمت حلم مثير او قدرت تخطط لأيامك الجاية؟ ايه اللي يثبت ان الموسيقى لمستك او الأيام وحشتك أو الكلمات خذلتك؟ ايه اللي يثبت ان كتابتك شعر او ان حكايتك سر او ان عملك متقدر او ان سعيك متفسر؟ ايه يثبت ان الأكلة كانت حلوة او ان الرحلة كانت ممتعة او ان النهاردة اجمل من امبارح او بكرة ممكن يكون احلى او ان فيه لحظات في عمرك اغلى؟ مفيش اثبات على اي حاجة غير بإثبات الوجود نفسه لروحك مع ارواح الناس، بس بطريقة مختلفة عن طريقة الأشكال اللي بتعتمد عن الرؤية عن بعد. وهي تعارف الأرواح وائتلافها.

الناس هي مرايا الناس، اللي بتثبت وجودهم وحالاته. ومفتقد المرايا دي مش هيقدر يشوف ولا يحس بنفسه احساس حقيقي. هيضطر يفترض، والافتراض ده ممكن يبقى صائب أو خائب، حسن أو سئ، يقربه للناس او يكرس عزلته، على حسب خبرته السابقه وتفكيره وانطباعات الناس عنه وانطباعاته هو عن الناس والسياق الموجود فيه.

"ولا لون للماء فيما يقال .. ولكن تلونه بالأواني"
ابو العلاء المعري

{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ}
[الأنبياء:30]

السبت، 7 أبريل 2018

نسيان

سهم الحب قاسي
بس انت اقسى
عايز درع مقاسي
قد يصد فأسا
الأفكار في راسي
قولي قبل مانسى
انا ضيعت كاسي
ولا شربته خلسة؟

الأربعاء، 4 أبريل 2018

فانتازيا الثورة : الملحمة التاسعة



مرت الأعوام كسابقتها. هل أقول أشد وطأة؟ لم تعد المبالغات تعني شئ. فقد تجمد كل شئ ماعدا الزمن الذي لابد أن يذهب ولا يعود. ظل الجنرال يعلو أكثر فأكثر. تضاعف مريدوه ولمعت صورته وصار ذكره محبوباً ومرهوباً معاً. لم تعد السخرية منه مقبولة في الأوساط الشعبية كيفما كان. ومن تحته حكومة قوية لها اليد الطولى في إقرار كل شئ نيابةً عن الشعب. لم يعد الناس يتذمرون من الزيادات الدورية في أسعار السلع والمواصلات. يقولون "غلي بجد؟ طب كويس اني عرفت" ثم يكملون طريقهم. تخرج قوات الأمن في حملة أمنية كل فترة يذهب فيها من يذهب. العين الحمراء لا يمكن أن تغمض طويلاً لئلا يظن بها الناس النوم فيصحو هم. هم لا يصحون أبداً. صار اختفاء الأصدقاء قضاءاً وقدراً يستجلب دعوات من يعرفونه بألا يتم إيذاءه. صار بيع الأراضي والمنتجعات وتأجير الأماكن السياحية والمتاحف للدول الخليجية وبعض الدول والشركات الصديقة في الخارج أمراً طبيعياً. يحفز الـ"ميمات" الساخرة من حين لآخر فيضحك الناس، ثم يضعوا شواحنهم في هواتفهم ويناموا. زادت الوجوه الإعلامية وتنوعت وتطورت مناهجهم في إقناع المواطن. هم يعلمون أن لكل فئة خطابها، ولا يخطئون في ذلك أبداً. أخذ الأمر شكلاً أكثر احترافية، وارتبطت مؤسسة الرئاسة بشركات عالمية للتنظيم والدعاية والعلاقات العامة. وأصبح من وراء الرئيس جيشاً من الشباب من خريجي الجامعات المحترفين في المجالات المختلفة، يهتمون بكل تفصيلة وتلمع عيونهم أمام فرص الصعود في السلم الوظيفي لهذه الكيانات الكبرى وأن ينالوا من العلاقات والمكانة الاجتماعية ما يحفظ لهم أمانهم في مستقبل سعيد: وظيفة عالية الأجر في شركة عالمية لتنظيم مؤتمرات الرئيس، وعلاقات كافية مع أسماء معلومة وأخرى سرية تكفي لإخراج كل معارفهم من أي ورطة. كان الحدث السياسي الأبرز في هذه الفترة هو الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2020، وكانت المنافسة فيها على أشدها بين نواب الرئيس المخضرمون، ووجوه جديدة تتطلع إلى فرص ذهبية لإظهار مواهبهم في دعم الدولة المصرية. شن المخضرمون حملات عديدة لتشويه هؤلاء الصاعدين لأخذ كراسيهم التي أخذوها بالجهد والعرق. من غيرهم دعم الرئيس منذ لحظة ظهوره الأولى وقت أن كان العالم كله يسير ضده؟ من غيرهم تحمل حملات التشويه والسخرية من فلول الثورة المصرية قبل القضاء عليها تماماً؟ من غيرهم أعلن عن دعمه لمصر والوطن والدولة في أكثر من مناسبة؟ من غيرهم صرف عشرات الآلاف من الجنيهات لحشد الناخبين في دائرته للوقوف صفاً واحداً وراء مصر؟ من غيرهم ملأ الشوارع بلافتات الدعم والتأييد في طول مصر وعرضها، كأنها رواسي أن تميد بكم، فلم تسقط مصر كما اُريد لها! الآن يأتي هؤلاء الشباب "الملزق" لكي يمثلوا الشعب بكل بساطة! وفي المقابل التقط هؤلاء الشباب المثقف الخيط سريعاً، وصاروا يتكتلون مع بعضهم البعض في كل محافظة، حتى أفضت هذه التكتلات إلى كيان موحد سمي بائتلاف شباب الدولة المصرية، وبدأوا في شن حملات مضادة على كل من يقترب من أحدهم، حتى خاف البعض من مواجهتهم علناً قائلاً أنه سعيد بالمنافسة الشريفة، وأن الشعب سيختار من يثق في وطنيته التي لم يخفيها في أحلك الظروف. ثم بدأ التصويت، وعلى عكس انتخابات 2015، فقد كانت نسبة المشاركة هذه المرة عالية، إذ انتشر أعضاء حملة ائتلاف شباب الدولة المصرية في كل منطقة، يحدثون الناس عن البرامج والقوانين التي ستغير حالتهم، ويسألنوهم أين كان المخضرمون من خمسة أعوام فاتت وأنتم تكابدون معاناة مستمرة ومتزايدة فلا يتذكركم أحد إلا في المناسبات؟ لاحظ المخضرمون اللعبة وبسرعة شديدة وظفوا شباباً من كل منطقة بأجور عالية في حملاتهم الانتخابية لكي يقوموا بتنظيمها ونشرها بين الناس لمواجهة دعاية ائتلاف شباب الدولة الملزقة. فنزل الفريق الآخر بدوره يحدث الناس عن أن الفترة السابقة كانت فترة التخلص من أعداء الدولة، وأنهم يحضرون العمل الآن لفترة البناء والتعمير، وأن ذلك يستلزم أن يصبروا وأن يتيحوا لهم الفرصة كاملة، وألا ينسوا جميلهم في حماية الأوطان. ثم - وهم قادرون على ذلك - غمزوهم بفرص جديدة للتوظيف في المصالح والهيئات الحكومية المحلية، أو للقيام بترشيح أبنائهم في انتخابات المحليات ودعمهم، أو للحصول لهم على فرص تدريب في الشركات العالمية في مؤسسة الرئاسة، والعديد من "الخدمات" لأهل الدائرة، ولم لا وهو موجود من أجل خدمتهم؟ المهم أن النتيجة جاءت تعادل تقريباً في نسبة تمثيل كل من الفريقين في المجلس. وعندما انتبهت "الأجهزة" إلى كارثة قد تحدث إذا اختلفت الفريقان، عقدوا سلسلة من الاجتماعات المكثفة مع قيادات كل من الفريقين للوصول لأرضية مشتركة وتذويب الكتلتين في كتلة واحدة من أجل مصر، وأن الرئيس تابع بنفسه ما حدث أيام الانتخابات وأعرب عن "قلقه" من أن يؤثر هذا الاختلاف على الدولة، وأنه لن يسمح بذلك، فهم الفريقان على الفور أن الرئيس يلوح بورقة حل مجلس النواب، فوافقوا فوراً على التكتل الجديد، واختلفوا على التسمية، ثم توصلوا لأن تكون تسمية وسط بين ائتلاف دعم مصر وحزب كلنا معاك من أجل مصر وائتلاف شباب الدولة المصرية فأسموه ائتلاف دعم الدولة من أجل مصر ثم أسموه "دعم" تسهيلاً. ولاحظ الجميع أن هذا البرلمان أقوى من سابقه، الذي وصفه البعض من أعضاء "شباب الدولة" سابقاً ببرلمان الأيدي المرتعشة، مما أفضى إلى توترات طفيفة سرعان ما قمعها مرتضى منصور رئيس المجلس الجديد، الذي كانت تكفي نظرة واحدة منه لأن يتنازل عضو عن طلب كلمة أو يصرف نظره عن طلب إحاطه لوزير صديق. انطفأت لعبة السياسة ومتابعتها سريعاً وكان أول قرار لمنصور منع البث التلفيزيوني لجلسات البرلمان ثم استمر كل شئ تحت القبة كما هو العهد بها ومر الزمان كما هو العهد به. على الجانب الآخر كانت الحركات المعارضة تحاول من حين لآخر تصعيد الحس السياسي للناس إلى مستوى السخرية أو الاعتراض كما كان يحدث من قبل بلا جدوى. وحاولوا أكثر من مرة إعلان اتفاقهم على الوحدة من أجل تغيير النظام، لكن مع الهجمات الإعلامية والإلكترونية الشاتمة أو الساخرة ينتهي كل شئ وذلك بعد اختلاف الرفاق على توقيع أحدهم أو على صياغة أحد بنود الوثيقة. استمرت محاولات الملائمة، من بقايا أحزاب وحركات، من مثقفين وأدباء، من أساتذة جامعة، وكل شئ كان ينتهي إلى لا شئ. يعود أحمد ليعبر الطريق إلى مدرسته الثانوية ليسجل الحضور. وتهبط ميرفت إلى المترو حاملة حقائبها الثقيلة بعد يوم عمل وشمس حارقة. وينتظر مجدي محطته في حلوان عندما ينزل الناس جميعاً إلى المحل البعيد. ويصعد الليل فوق المقهى ليرسل إلى الشباب نسيماً رطباً يليق بماتش الأهلي وطنطا، فيمتزج مع رائحة الشيشة فانيليا كريز. كل ذلك حدث قبل ديسمبر 2021، وخصوصاً قبل احتفالات رأس السنة التي دعى إليها مرتضى منصور وعدد من قيادات المجلس في سهرة خاصة أقامها عدد من أمراء الخليج في الفور سيزونز بالقاهرة. فقد بُغت منصور عندما سأله الأمير محمد بن أحمد عن تحضيرات الدولة والمجلس للانتخابات الرئاسية القادمة. وفي ظهر يوم السبت 1 يناير 2022، طرح مرتضى منصورعلى المجلس موضوع التعديل الدستوري في مادة تحديد مدد الرئاسة "لعدم وجود من يصلح لتولي منصب الرئيس القادم في الفترة العصيبة التي تمر بها مصر". عاد ائتلاف شباب الدولة المصرية للظهور مرة أخرى والإفصاح عن تحفظهم وسعيهم للنقاش. عندها اشتعلت النيران في أعين مرتضى منصور واندهش نصف المجلس الآخر من هذا الكلام الصادم الذي يُقال داخل مجلس النواب عام 2022. فأصدر قراراً بفصلهم جميعاً. حينها حرك محامون تابعون للائتلاف عدة دعاوي ضد قرار المجلس ورئيسه في المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية، فقضت الأولى ببطلان قرار الرئيس، الذي عاد في الجلسة التالية ليجدهم جالسين أمامه، وفي أيديهم توقيعات عزله من رئاسة المجلس. عُزل مرتضى منصور من رئاسة مجلس النواب واشتعلت معركة جديدة بين المخضرمون والشباب على ما الخطوة التالية؟ رئيس المجلس من المخضرمون بالطبع لكن ماذا سنفعل في الموضوع الذي عُزل على إثره مرتضى منصور؟ على الناحية الأخرى قاد مرتضى منصور وبعض أصدقائه الإعلاميين معركة إعلامية شرسة ضد مجلس النواب ككل "الذي اخترقته العناصر الإرهابية حتى تمكنت منه". فأصدر النائب العام قراراً بفتح التحقيق في الاتهامات بالإرهاب وهدم الدولة والسعي لقلب نظام الحكم وبدأت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق على الفور. وانتهت التحقيقات إلى اختراق المجلس وخيانته للقسم الدستوري. وأصدر الرئيس بتاريخ الجمعة 14 يناير 2022 قراراً بحل مجلس النواب. ثم أصدر قراراً بتعديل المادة 140 من دستور 2014 والتي كانت "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة." لتصبح "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ويجوز إعادة انتخابه." وذلك بتاريخ الثلاثاء 25 يناير 2022، ويُنشر في الجريدة الرسمية.

انتهى.

*فانتازيا الثورة: الملحمة التاسعة*