الخميس، 27 فبراير 2020

15 مارس



سأخبرك بشئ على سبيل الكلام العابر، لو قلته بين الحديث لما توقفتي عنده لحظة. لكنني سأقوله الآن، حيث يملأ فضاء الصمت كل الذي بيننا من كواكب. نجمة حياتي البعيدة، تتباعد، تنشر العجز في مفاصل مخلوق ضئيل، لكن نورها أبداً لا يختفي. الشئ هو أنني أحياناً أخاف من كلامي، من كتابتي. أتخذ حذري كلما ولجت مدونتي بحثاً عن نص ما. رتبت احتياطاتي قبل ذلك بكثير، ونظمت كل شئ في مكانه، لئلا أقابل في طريق بحثي ما لا أستعد لرؤيته. ستقع هذه الرسالة حتماً في ثقبي الأسود، سأتناساها وأنساها، لكني سأحتفظ بها هنا، في خبرتي، دمي وجلدي، بثور وجهي التي لا أستطيع إصلاحها، ولا أريد، وسأحتفظ بحقي في التعبير عن وطأة ثقيلة لا أتحمل تجاهلها يوماً بعد يوم.

في مثل هذه الأيام، اعترفت لي صديقة بإعجابها، وكانت أيام عيد الحب، وعندما لم أستطع الاستجابة لذلك، اعتبرت صديقتي العزيزة ذلك إهانة، وأنا أتحسس جيداً من جرح أحد - لا تضحكي من ذلك بعد إذنك، فسوف آتي إليكِ بعد قليل -. ذهبت إلى صديقتي تلك في اليوم التالي على الفور، حتى أتمكن من شرح أمري لها. أخبرتها أنني خرجت من تجربة ثقيلة جداً على قلبي، ضغطته حتى اتخذ شكلها، وسأحتاج إلى خمسة أعوام للتعافي. أعطيت لنفسي استحقاق تطبيب قلبي وأعجبني ذلك، واعتقدت أنني أملك من الوعي والنضج ما يكفي لإتاحة الفرصة والوقت الكافيين كي تعود الأشياء داخلي إلى ترتيبها الصحيح، فأمتلك القدرة بعد ذلك على الأخذ والعطاء، وكان ذلك قمة الصدق والعدل في رأيي، ولا يزال.

الذي لا يعجبني في هذه القصة، أن الأعوام تمر، والجرح لا يندمل. وأنا لم أكتب ذلك بالسهولة التي تقرأينها بها الآن. لأن هذه الكلمات، مهما استنطقنا البلاغة كي تُقربها، لن تقترب مما يدور في الداخل. لا أكتب الآن، لأحيي الموتى ولا لأبرئ الأكمه والأبرص، فأنا كبير بما يكفي لأعلم حقائق الأشياء ومواضعها. وإنما أكتب، يا عزيزتي، إنصافاً لنفسي المهدورة. رسالتي التي قطعت بها كل جميل بيننا، هي من الأشياء التي أحظر على عيني رؤيتها، من الوقت الذي أرسلتها فيه. كل هذه الكلمات التي بدت لك حقداً وكراهية، إنما كانت دفاعاً عن الحب، الذي دُفن حياً، ولم يموت.

كل شئ في العالم يبدو خاملاً، بلا معنى. ما معنى النضال لحياة الناس إذا كانت حياتنا حطاماً؟ وما معنى الكلام إن لم يغنِ عن الواقع شيئاً؟ إنما نزين إدراكنا بأوهام جميلة، نغمي بها أعيننا عن بؤس الواقع وفشل الأيام. لا أعلم إذا كان الذي اخترقني منذ أيام حلماً جميلاً أم كابوساً مريعاً، ألحق بي الحزن حتى نسيت الأكل والشرب والعمل. لماذا نفعل ذلك بأنفسنا؟ ولماذا - برأيك - لا ننسى ما نريد أن ننساه؟ كنتي اختبار، أصعب اختبار دخلته، وأظنني لم أخرج بعد. هل تعلمين ما الغريب حقاً؟ أنني لو عاد بي الزمن أعوام كثيرة، سأكرر نفس أخطائي، بحذافيرها، وسأسير في نفس الطرقات، وأجلس في نفس المجالس، وأتأكد من ذلك كل يوم، حتى يأتي يوم لقائك مجدداً. عود صديقي الأبدي لم يكن بلاغة لفظية، إنما هو حقيقة قلوبنا الحزينة، القلوب التي آمنت بالأمل فكفر بها، فتوحدت مع ذواتها حتى صارت دراويش صغيرة لإله لم يتجلى إلا في الداخل، بحثت في كل الأشياء حتى وجدته في كل الأشياء، صارت مثل الشجر والحجر والتراث، يعلم الجميع بوجودها، لكن لا يهتم بها أحد.

تبادلنا الاعتذار والتسامح مرة على كل شئ. لكن احياناً يباغتني كل شئ من جديد، يسألني عن كل وعد بغدٍ أفضل لم يتحقق، وكل ميلاد للحظة فارقة، أبداً لم تكون.

في هذا اليوم، ولد العالم الذي أعرفه، وفي هذا اليوم ولدت. وفي كل يوم، يتحطم العالم فوق رأسي، وفي كل يوم أموت.

فسامحوني على طفولتي المتأخرة، وسامحوني على شيخوختي المبكرة، وسامحوني على عجزي الدائم، وسامحوني على ثغري الباسم.

السبت، 1 فبراير 2020

عزاء أجداد الورق : القراءة الكاملة

الربع الأول : خرتيت سياتل

بقول شعر في كلامي
ومابقولش كلام في شعري
وبربي في المشاعر
بدل ما اربي شعري
وانا شعري كان قصير
لكن بيطول بدري
هو احنا بقينا خفاف
ولا السنين بتجري؟
كنا الأول نتشاف
بعدين كنا بنتسمع
ودلوقتي بنُفتَرَض
وبدل ما كنا نخاف
الـbit عادي بتجتمع
ومفيش طاقة بتِنطَرَد
كل الدنيا بتتطور
وعشان موبايلي ينور
الخرتيت انقَرَض
تاريخ العالم جدلي
وقصايده مادية
رايح اتجاه عدلي
ولا العباسية؟
كل الطرق تؤدي
للملهاة الإنسية
فاتلهي في خراب كوكبنا
بدل ما تتلهي فيا
دي قصيدة للخرتيت
الخرتيت المقتول
وقصيدة للإنسان
الإنسان القاتل
وقصيدة للفنان
المضروب بالكاتل
وقصيدة للأحزان
في أبراج سياتل
..
الربع الثاني : تفكيك لغة الأسماك
القصيدة مانتهتش
هي القصيدة اتقالت؟
معلش كنت بجرب
والعقرب لسة فالت
كل الساعات بتسرب
كل الساعات اتشالت
وانا لسة قاعد بشرب
من أيام تانية تالت
بس دي قصص قديمة
قالك عالأصل دور
انت معندكش أصل
فبلاش تقعد تحور
كنت التاني عالفصل
وكان وشك منور
ليه ورد شبابك دبل
لما الربيع اتغير
ايه ده هو انت شجرة
متنكر في إنسان
ولا انت لسة قرد
متعلق في الأغصان
ولا في طور التطور
بتلعب طرزان
ولا اتحولت حمامة
وكفرت بالأوطان؟
زهقت من المناقشة؟
غرقت في سطوري
امسك هحدفلك قشة
او ابقى سمكة بوري
بتتكلم بالبلالين
وتسافر في بحوري
بالونة زائد بالونة
المية أصل الكون
بالونتين بالونة
المية مالهاش لون
خمسة وعشرين بالونة
المية كلت فرعون!
..
الربع الثالث : الديك مرشداً للعابرين في المياه العكرة
ماتفهمنيش غلط
أو مش لازم تفهمني
لا انا محمد حسان
ولا سيد القمني
دي قصيدة عن الإنسان
في المعترك الضمني
وقصيدة عن الألوان
والعصف الذهني
انا ذهني مشتت جدا
بس انا لازم اجمعه
ومفيش ديك بيدن
بس الشعرا بيصنعوا
يا عمال الأوطان
العالم راح .. إرجعوا
جالك الطوفان
وابنك ضايع .. دعه
المشاعر مختلطة
ويبدو مفيش فكرة
فالأحسن تقلب بطة
وتعدي الضفة الأخرى
يمكن تجيب نطة
فتعدي سور بكرة
وتغسل شنطة هدومك
لو البحور عكرة
دي قصيدة للأنهار
للنفس الإنساني
مش لزيادة الأسعار
والظلم العمراني
وانا عمري ماقول أشعار
إلا لأوطاني
وانا وطني مساحته كبيرة
أكبر من كاس البيرة
أغلى من سعر الليرة
ادفى من احضاني
ده كلام عن السيرة
لكن مش مترتب
كل اللي بيقوله
ان انا حي وبكتب
..
الربع الرابع : الغزاليين ومديح سيد قشطة
القصيدة مانتهتش
ونحدد موضوعنا
بقالنا كتير بنقول
فطبيعي اننا جوعنا
وده وضع مش معقول
عشان احنا فقدنا المعنى
احنا يا هيثم ككلام
بنتكاثر عالفاضي
بيرنا ضاق بينا
وبيرتك بتراضي
والوضع هنا متأزم
ويستلزم قاضي
وشغل لنا موسيقى
واسمعنا دقيقة
هي دي الدواوين
ولا ده تقرير بيئة
هو انت من الدراويين
وبتقرا من الأعمال؟
اصل احنا غزاليين
بنحب نربي غزال
وبنغزل أي قصايد
وبنرعى كلاب وغنم
ونغني كلام ونغم
وبيعملولنا مصايد
بننده سيد قشطة
وهنحكيلك عن سيد
سيد  محبوب الماء
كل الصحاب عنده
سيد قوي الأعضاء
مش سهل تجرح جلده
سيد سريع عداء
فمن المستحيل صيده
واحنا بنحب سيد
بيعلمنا اجتماعه
مع كل الأسياد
وصبره والتماعه
راقبوه يا ولاد
ولاد سيد لو جاعوا
ماياكلوش الأجداد
ودي قصة جناني
وبحوري وألواني
وسمكي وإنساني!