بقالي كذا يوم بفكر اني نفسي اكتب باللغة دي، اللغة اللي بتكلم بيها وبفكر بيها. يعني تخيلوا كدة اننا طلعنا بنفكر بلغتين مش بلغة واحدة؟ يعني لو جيت تكتب عن حاجة بلغتك هتقول افكار غير اللي هتقولها لو كتبت باللغة العربية! مش هدخل في خناقة انهي احسن وفي إشكاليات الماضي والمستقبل. واحنا على مشارف نهاية العالم مش هنفكر في مستقبل، لكن هنفكر في لحظاتنا القليلة اللي احنا لسة ماسكينها. في حبستنا في بيوتنا اللي ورتنا حاجات كتير اكتر من اللي كنا بنشوفها واحنا بنلف الكرة الأرضية كل يوم على رجلينا. في اللحظة الأخيرة دي، هنبطل نحط خطة، عشان مش هتتنفذ، فهنبدأ نرتجل.
خرجت من شوية من تجارب إحدى الصديقات للقيام برحلة فضائية مفترضة، وقابلت في طريقي محاولات عديدة لتوثيق اكتشافات الكوارانتين الإسباني، وافتكرت وانا في اسبانيا لا كاسا اللي هينزل بعد اسبوع تقريبا، عشان نتابع مع بعض فوضى البروفوسير الغير خلاقة، ونستمتع كلنا بالعالم الصلب اللي صنعته الحداثة، اللي أذابها باومن في مختبر سوائله، وبخّرها الاحتباس الحراري، وراحت في مهب الريح.
كنت بفكر شوية في أناشيد التضحية والجهاد الإسلامي مش كوثائق شاهدة على تاريخ معين، لكن كتحف فنية مجردة، ممكن بعد ألف سنة نجمدها ونحطها في متحف، ونسميه متحف الأصوات اللي صدقت أغانيها، لحد ما ماتت فيها. وهنوثق الأعمال دي في كتاب هنسميه تحفة الموت، نحطه على نفس الرف جنب كتاب شرح القصيدة الروح لمحمد يوسف رشيد.
وجودنا في اللحظة دي هو وجود مفارق تماماً. بتبقى قاعد وصاحبك بيكلمك من مدينة تانية عشان يقولك ان الشركة اللي هو قدم واتقبل فيها من اسبوع مشروعها اتقفل على حظه. انت اصلا قاعد عشان النشاط اللي كنت بتعمله مع الناس برة مابقالهوش وجود في الحظر. كل صحابك مستنيين حاجة هم مش عارفينها. كل العالم بيوثق لحظة فريدة، كل الناس بيورونا لو مكنتش عجلة الإنتاج هرست حياتهم كانوا هيبقوا مبدعين قد ايه؟ وقد ايه مخنا بيكتشف حاجات أكبر لما بنديله فرصة كافية للتأمل؟
كله متفق إننا هنخرج من التجربة دي مش زي ما دخلنا، لا كاقتصادات مستنزفة، ولا كأنظمة صحية مكنتش مستعدة لوباء في القرن الواحد والعشرين، ولا كأنظمة تعليم وبحث علمي مش مواكبة حاجة الإنسانية لاستغلال كل فرصة لحماية نفسها من خطر الموت والانهيار. ولا طبعاً كأنظمة حكم معندهاش خطة لإنقاذ الملايين من فاقة كبرى ناتجة عن ركود النشاط الاقتصادي وخسارة أعمال كتير مبنية على تدفق الناس في الشوارع! كل الحاجات الكبيرة اللي سيطرت على مخيلاتنا بدأت تتضائل قصاد حاجة اكبر تبت أيديهم. كل الأنظمة بتحاول تلحق الكارثة، وكله ملطوط الكبير قبل الصغير. الفيروس تجاوز الحدود والطبقات، وتعامل مع الإنسان على إنه إنسان في كل مكان، لكن فيه ناس لسة مش فاهمة إن الشر ممكن يعم، زي ما الخير ممكن بالظبط.
هكمل كلامي مع سجادة الصالون، وهقولكم لو عرفت حاجة مهمة..
إلى لقاء افتراضي آخر: جميل، ونظيف، ومتطور.
حقوق ملكية العنوان محفوظة © نورا 2020


