معلق معايا النهاردة مشهد احمد عصام وهو بيقوم من فرشته غضبان وبيكسر اللمبة الوحيدة اللي وعينا عليها من ساعة ما دخلنا الأوضة دي، عشان ابراهيم كان فاتح النور وهو عاوز ينام. أنا كنت أجازة في الأيام دي بس الحقيقة الخناقة دي والخناقات التانية اللي حصلت في إطار الأوضة ومحيطها كانت دايمًا بتثير في قلبي الضحك المتجدد. كل خناقاتنا التافهة والمستمرة كانت حاجات بنفتكرها مع بعض في اخر الأيام ونضحك، بما فيها خناقة اخر كام يوم نفسها.
كذا حد قاللي متوقعين منك تكتب حاجة عن الجيش، بس أنا مش متوقع اني اكتب حاجة منظمة عن الجيش، كإن حصل كذا في الشهر الأول، وبعدين حصل كذا في الشهر الخامس. الذاكرة اللي اكتسبناها في المكان والزمان دول عبثية زي ما حياتنا كانت عبثية ساعتها. عشان كدة كل لما اكتب الاقي مشهد معين هو اللي مسيطر، وهو اللي بينده اصحابه ودوايره عشان يدخلوا في الحكاية، لإن الحكاية عمرها ما كانت خطية، ولإن شهور الجيش عمرها ما كانت زي شهور الشوارع والجامعات والمكاتب.
أخويا في الجيش دلوقتي وانا مش عارف اتوقع هو حياته ماشية ازاي لإن كل واحد بيبقى ليه تجربة ذاتية جدًا في التعامل مع السياق ده. بس عارف احس بحاجات كلنا كنا بنحسها، سما مفتوحة عالنجوم، وصحيان قبل ما مصر كلها تصحى، وجري واحنا لسة مغمضين عينينا، ضلمة ولسة ناس صاحية وبتحكي وناس تانية نايمة وبتحارب، أغراب بيمشوا معانا للكانتين يبقوا أغلى كنوزنا، وأيام طويلة بانتظار لواءات هتيجي تاخد صورة، أيام قصيرة فيها صلاة ولعب ودردشة ونوم، أكل جماعي من أقل الموارد بس فيه ضحك مش في مطاعم عايمة، وميا قليلة لما بتيجي فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها، وانتظار إن الحياة ترجع للألوان تاني لما الأجازة اللي كله بيألف عنها قصص تحصل، كإنه يوم الميعاد.
اسلام مرة زنقني في الكلام وقطعنا بعدها فترة كانت طويلة عليا ساعتها بس انا حسبتها دلوقتي لقيتها قصيرة. وإسلام شاطر اوي في بستفة اللي قدامه وده من أكتر المواضيع اللي كانت معصبة الرائد ابراهيم منه ومننا كلنا ويمكن من الفوج كله. بس هو لما زنقني في الكلام انا زعلت عشان هو مسابليش فرصة اكون غلطان ومسابش لنفسه فرصة يتقبل ده، فكنت بقعد في الدورية كتير افكر في المأزق الأخلاقي وإزاي هخرج منه. بس من ناحية تانية كنت بخرج من الفوج كله في رحلات الشهر الأخير مرات بصحبة الرائد ومرات تانية لتأمين قيادات ورحلات مختلفة. كنت مبسوط بتجربة التأمين بس كنت زعلان لما كنت بشوف انعكاسي في عيونهم على إني أضعف واحد في المجموعة.
النوع ده من الهزار ساعات بيكون خفيف بس لما يتكرر وييجي من مصادر متنوعة وبطرق مختلفة بيسيب آثار مش لطيفة، وبيربي حوافز دفاعية غاضبة ضد ناس كتير، وده من المواضيع اللي كانت مزعلاني كذلك، إني مكنتش بستكتر إحساس أي حد بالاستحقاق في أي حاجة، وبالمقابل كنت عاوز ناس أكتر تحترم وجودي وتجربتي الجسدية. وأنا بقول ده في وسط الحكاية عشان اطلقه في الهواء، مخليهوش في قلبي تاني.
كوبتري من الألغاز اللي هفضل وقت كبير مش فاهمها، إزاي عرفناه بالصدفة في الفيلا بتاعت المنوب لما كان بيرميلنا الفاكسات ويجري، وإزاي فجأة حصلتله حادثة واختفى شهور، وازاي رجع بشخصيته الجديدة، وبقى جزء لا يتجزأ من الأوضة، حرفيًا. المشي بصحبة كوبتري كان بالنسبة لي نوع من الرياضة التأملية. رحلاتنا الطويلة للكانتين اللي جنبنا، والأطول للكانتين في 106، علمتني حاجات كتير عن نفسي وعن العالم. حتى الأغاني اللي كنا بنكررها في الأوضة، وكونتينر الريد اللي فيه ناس بقت تاكل منه، ودفتر الأوامر اللي بحاول اقرا فيه كل يوم وبفشل، وضيف بقى قعدات أحمد سيد ودخانه وضحكه، اجتماعاتنا المغلقة اخر شهرين لما مكناش لاقيين حاجة نعملها، مرتبة إسلام اللي محاربش في الجيش قد ما حارب عشانها، وأيام لاكاسا والنوم في المكتب وهو نضيف والفوج كله أجازة.
ابراهيم قلبه ابيض ومن أطيب الناس اللي تعرفها، بس هو مايبانش كدة. لإن ابراهيم اتعرف في الفوج بتلات حاجات، السيجارة، والمشية، وأكبر إيد في المعسكر، يعني لو عدى من بعيد هتشوف ايده قبل ما تشوف وشه. وده لإن ابراهيم كان هو جوهرة المكتب في الأعمال اليدوية، تقطيع ورق، تكسير ابواب، تصميم اقفال، تعليق احبال، وكان كمان بيزرع شجر من بعد ما جيراننا في الخفيف قصوا الشجرة اللي كانت مدارية على شمعتنا. ابراهيم كان ليه صحاب في كل مكان، كان بيجيلنا المكتب كل الأشكال والألوان من كل الوحدات اللي حوالينا، يقعدوا ويشربوا الشاي وساعات يناموا جنبنا. غير حروب الشوارع اللي كانت بتندلع ورانا، انا وإسلام نكون بنطبع حاجات رئيس العمليات مستعجل عليها وفي شتايم ودم بيطرطش وناس حرفيًا مش هيسيبوا بعض غير بموتة. كنا نرجع من التهزيق نلاقيهم مولعين الصوابع ومقتولين ضحك.
محمدي بقى علاقتي بيه كانت غريبة من نوعها، لإننا دخلنا المكتب في نفس اليوم وكان فيه حرب محدش شايفها بين مين دخل الأول ومين أقدم. بس ساعات كنا هنموت ونتخلى عن الحكمدارية دي لبعض لما كنا بنصحى من النوم نلاقي عميد وعقيد ورائد جايين علينا. عشان كدة وصلنا لاتفاق - ضمني برضو - اننا مش هنفتح الموضوع ده لحد ما نخرج، وهنفضل سايبين الحكاية عايمة كدة وربنا يسهل. الحلو في الموضوع اني انا ومحمدي معظم اتفاقاتنا وكلامنا كان ضمني وبالفهم المشترك، عشان كدة كنا ساعات بنصدم بعض خصوصًا في الأجازات، بس انا من واقع معايشتي اقدر اقولك ان فلوس الدنيا مكنتش تساوي ضحكة محمدي، لإننا مابنشوفهاش غير في النوادر. محمدي اتشهر في الفوج بوش السعد، عشان هو اللي رفع الفاكس بتاع التفتيش للمقدم محمد، ورفع الفوج كله معاه. بس انا مش هفتح الباب ده دلوقتي، لكن خليكو مستعدين للي هتشوفوه جوة!
