سنظل ننتمي إلى من انتموا لنا , إلى من تمسكّوا بتراب الأرض حتى ذابوا فيه , سنظل نذكرهم للأجيال حتى وإن أنكرتهم القوانين والكُتُب , كل هذه التُراهات سراب أمام الحقيقة , دم الشهداء هو الحقيقة , وأرواحهم التي بذلوها فداءً للحرية والكرامة لن تنزل للحظةٍ واحدة عن مكانتها الخالدة.
أيها الشهداء , الأحياء عند ربكم , عيشوا في سلامكم الأبدي , فقد عاهدناكم منذ كانت كتوفنا تصطك في الصفوف الأولى أننا لن نبيع شرف المعركة , أن سيسقط منا من يسقط ولن يغلبنا الخوف ولا اليأس.
أيها الشهداء , عَصَفت بنا الهزائم , الواحدة تلو الأخرى , تأخذ من أرواحنا أرواحاً ومعاني وبسمات , لم يبقى لحياتنا معنى بعد أن سرقوا المعاني وزيّفوا رائحة الهواء. إننا الآن نتورط يوماً بعد يوماً , ولحظة بعد لحظة في هذه الهزيمة , نرضى بالواقع القوي لئلا نُقتل , نصمت وإن صرخت عقولنا وقلوبنا , أصبحنا نتظاهر في مُخيلاتنا التي لم يستطيعوا اختراقها بعد ولكن تجري المُحاولة. هُنا حريتنا التي لم نزل نتمسك بها , هُنا دمائكم التي لن نُضيعها هباء.
سنظل نحمل حقيقتكم وإن حملونا على الزيف. سنظل نرى القُبح وإن جملّوه. ونعرف المَرَض وإن خدّروه. ستبقى أعيننا تلاحق الفاسدين والقاتلين والمنافقين , هُنا في صمتها الصاخب , صمت أعيننا الأكثر إيلاماً من حديث ألسنتنا.
أيها الشهداء , انعموا بجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها , عند من إذا قال للشئ كُن فيكون , ونحنُ : لم نكُن حتى نكون , ولكننا نحملها , تلك الأمانة الثقيلة التي أورثتموهنا , سنحارب وإن بدونا في غفلة من الزمن كأننا ارتضينا الخسارة وتماهينا مع المُنتصر.
لم تكن دماؤكم يوماً لتذهب هباءً منثوراً , ولن تُصبح أرواحكم يوماً هشيماً تذروه الرياح , ولا سعيكُم خائب , ولا رجاؤكم مردود , ولا أملُكم مفقود , ولا طريقكُم مسدود.
سننتصر حتى لو توالت علينا السنين , ورمى لنا الدهر بوجوهه القبيحة , بأفّاقيه المتعلقين بحبال الخيبة , بمنافقيه المتسربلين في أثر الأقوياء , يقبضون من أثرهم في كل وادِ , ألا ضَل سعيهم ولا اهتدى ابداً , بمؤرخيه الذين كتبوا صحيفة وشطبوا أخرى , فأبانوا أوجه وأماطوا وجوه , بسفّاحيه الذين إذا نزلوا أرضاً أفسدوها يقتلون الخلق بغير حساب , كلا سيعلمون.
وسنعلم نحنُ : أننا لم نُفقد في دوامات التاريخ من غير أثر , وأننا حالفنا العزم ونقصتنا الإرادة والمعرفة , وأننا لن ننسى بمرور السنين والشهور : حلماً زرعناه , ودماً رويناه , ووطناً سنحصده , وفساداً سننقضه.
والسلام عليكم , وعلينا بعدكم , وعلى بلادٍ ستتنصر لكم ولو بعد حين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق