ذات يوم حملت سرا. كان سرا صغيرا لم يتطلب بئرا لحفظه، ولا لسانا جافا لإمساكه. كان سرا صغيرا في حجم بذرة رمتها يد القدر في قلبي. غفلت عنها فنمت، تجاهلتها فأزهرت، أنكرتها فأثمرت، شغلت عنها فأينعت، صرت حجراً فصارت شجرة، وكبرت حتى ضاق قلبي عن الإحاطة بها، كلمة طيبة أصلها ثابت في قلبي، وفرعها في سماء الغيب.
حملت سرا صغيرا، وعندما تضاعف قررت أن أفشيه. سأفشي السر. سأمسك هاتفي لأفشي، طرحت الهاتف أرضاً، ونزلت جواره: الرياضة مهمة للجسد، لعبت ٥٠ ضغط، ثم قمت لممارسة بعض الإحماء.. لم أكتفي، نزلت إلى الصالة الرياضية في شارعي، جددت الاشتراك السنوي، حاولت الهروب من المدرب الذي لم يراني منذ ثمانية أشهر، فشلت، رآني، سألتزم بكل ما قال بالتأكيد، أنهيت جولتي بين الآلات والأجساد، جففت العرق، وتمنيت الغرق، غرقت بعدها في النوم، حلمت، ثم ذهبت في الغيب.
استيقظت صباح اليوم التالي، جسدي منتعش، ذهني رائق، السر يلمع في مقدمة رأسي، ويتردد في الغرفة صوت الحديث بيني وبين نفسي، سأمسك هاتفي لأفشي. هناك ١٥ رسالة غير مقروءة، وسبعة إشعارات، ومكالمتين فائتتين. اليوم ليس يوماً مناسبا للتفاعل. سأكتب مقالا عن آفة العصر، أو عن موت الأمل في مصر. تراودني الرغبة في الكتابة كثيراً. لابد أن أستعيد طاقتي وحماسي: أولاً سأبحث عن شيء آكله، فمنذ صحوت وأنا على السرير، فلابد أن أتخذ الخطوة الأولى إلى الشبشب، ثانياً، سأبحث عن مكان ملائم للكتابة، وأنا لا أقبل بأنصاف المعايير: فتحت ورقة وكتبت معايير المكان، ثم انشغلت في حصر الأماكن القريبة والبعيدة التي تناسب مهمتي، ثم ضيقت نطاق الاختيار لتصبح المنافسة بين أربعة أماكن، أذن الظهر وبلغني التعب، سأستشير أحد الأصدقاء لمساعدتي في الاختيار بين المربع الذهبي. اتصلت بأول من جاء ببالي، وجدت رقمه مغلقا. لماذا أغلق صديقي هاتفه؟ إنها أول مرة أتصل به لأجد هاتفه مغلقا.. لابد أن هناك شيء ما، سأذهب إليه. ارتديت ملابسي ونزلت إلى السيارة لأجدها بلا بنزين، ثم عزمت على تفويلها لتفاجئني المحفظة بعدم وجود كاش. ذهبت إلى ماكينة السحب لتظهر لي رسالة بتجاوز البطاقة تاريخ التجديد، وعدم إمكانية السحب، مما يعني أنني: لن أفول، لن أذهب إلى صديقي، لن أنزل للكتابة في أحد أماكن المربع الذهبي، ولن آكل.. سأفشي السر!