الجمعة، 9 سبتمبر 2022

قد تموت الآن، لكنك لن تموت وحدك


قد تموت الآن، لكنك لن تموت وحدك كما عشت، ستموت معك كل الكلمات التي لم تقولها، كل الحب الذي لم تعبر عنه، كل القصائد التي زارت رأسك ولم تكتبها، كل العوالم التي بناها خيالك ولم تستقر على أرض، كل الأحلام بوطن أقل قسوة وأكثر تعبيراً عن قاطنيه، كل الهتافات التي احتفظنا بها لثورة جديدة تعدل ما شيدناه وقلبته العاصفة، كل الأبحاث التي كتبناها في المستقبل لرفعة هذا البلد وسعادة الأجيال التي خلفناها بعدنا، كل النقاشات التي لم تدور والحفلات التي لم نحضر واللحظات التي لم نقتنص.

لماذا نقول كل ذلك؟ سأذكرك كي لا تنسى، لكنك ستُنسى بالتأكيد، لأنك عشت وحدك، وقد تموت الآن، لكنك لن تموت وحدك كما عشت، ستموت معك كل تطلعاتك الوظيفية في عالم التنافس، سيموت معك طموحك العلمي ومكانتك الأدبية، سيموت معك زواجك ممن تحب وأطفالك الذين سيعيدون شغفك للحياة، ستموت معك علاقاتك الاجتماعية التي لم تستطع إنقاذها، والأسفار التي لم تحضر حقائبها، والأكلات التي لم تجربها، والضحكات التي تبادلتها في جلسات صافية لم يحضرها سوى أصدقائك والقمر والهواء وصوت الست والبال الهادئ، ستموت معك كل التجارب الاستثنائية؛ لم يسعفك الوقت للحاق بحياة الجبل، لم تنم في الواحة، لم تعش في الجزيرة، لم تلف العالم على ظهر سفينة، لم تحجز مقعدك مع الناجين إلى المريخ، لم تقابل نبي مجهول، لم تشهد النيرفانا، لم تقبل نيرفانا أو أمل، لم تفقد الأمل وتحمل السلاح في وجه الدول، لم تتوحد مع الآلة وتصبح جزءًا من الماتريكس فتصبح تائها غير عارف ما الواقع وما المصفوفة، لم تعبر الثقب الأسود وتقبض الزمن، لم يحملك نوح ولم يحاورك المسيح ولم يصحبك محمد، أعتذر لمحمود العسيلي، لست استثنائي، أنت واحد من ٧.٧ مليار إنسان، يعيشون الآن فوق كوكب الأرض، وسيمكثون داخله بعد قرن، وسيموت معهم كل صخب في حياتهم، كل غضب يكنونه لحكام اليوم، سيستبدل هذا الغضب بغضب جديد يحمله أولادهم وأحفادهم لحكام آخرين لم يولدوا بعد، بعضهم لن يخيب ظن التاريخ فيفسد فيها ويسفك الدماء، والبعض الآخر سيصبح في الأرض خليفة، ويترك ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وحينها سنعرف ما لا يموت: كل ما يبذر فيزهر فيثمر، وفي ذلك يستوي الشجر والعمل الصالح والعلم النافع والحب والحلم. سأحرص على ترك بذوري في كل ميدان، فقد أموت الآن، لكن سيعيش الأثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق