الخميس، 31 أغسطس 2017

دموع الشوارع

عندي رغبة في الحديث عن الغاز المسيل للدموع. لإن تجربة التعرض ليه لمن خاضها هي تجربة شديدة الحساسية. بدليل كل الثائرين السابقين الذين لا يتذكرون أيام الثورة إلا برائحتها. بالنسبة لي الدموع اللي كانت بتنزل مني - أيام ما كنت بتعرضله بنزق واقتراب وعدم معرفة وخوف سابق، كانت بتتماهى مع دموع حقيقية مرتبطة بأسى وغضب يشبه الغضب الطفولي البكّاء. لما أمك تضربك عشان كنت عايز حاجة وزنّيت عليها، فتغضب وتعيط وتقول "يووه!". نفس اليوه كانت بتتقال لما كنا بنُقبل على الشوارع في جماعات قوية بمطالبات ثورية ونتضرب على دماغنا فنجري في شوارع تانية لوحدنا. دموع مرتبطة بصعبانية على النفس بنحسها كل مرة وكإنها أول مرة، ونُعيد إفراز مشاعر الصدمة والغضب واليأس والانهيار لبلد بتدوس على اللي بيحاولوا يرفعوها وبترفع اللي متقّلينها بالسرقة والسماجة والسلاح التقيل. دموع مهما هربت منك مش هتعرف تهرب منها لإنها بتجمع فيها الوجع الجسدي والألم المعنوي والانهيار النفسي. بتنزل من عينيك شايلة صور حقيقية لناس تعرفها وماشية في طريقك، وناس تعرفها وقاعدة في بيتك، وناس ماتعرفهاش وحاربوا عشانك، وناس ماتعرفهاش وبتحارب عشانهم، وصور خيالية لبلد فيها حب وخير وجمال وعدل وأمل وحرية وحياة. بلد فيها تعاطف وفرص وشغف وحافز واتّساق. بلد فيها شوارع نضيفة وهوا صحي وأرض كريمة ومصانع منتجة وتعليم محترم وسوق فيه مكان للناس تشتغل اللي بتحبه. بلد فيها قانون أقوى من السلاح، ونظام يرتب الناس والبلاد في صورة منسجمة مش يقسم الأراضي للغيلان ويحاصر الناس في سجون صغيرة وكبيرة، وأمان للناس من شر الاستقطاب والكراهية والتقسيم والجهل والظلم الاجتماعي والفساد. دموع بنخرج احنا منها زي ما بتخرج منا، بعيون جديدة تشبه عيون اللي قام من النوم بعد ما نام مكسور، مستسلمة أو قابلة للتحدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق