الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

أربعاء جديد وأجواء متداخلة

ضربتني الآن قناعة غامضة بأن الشعر يستيقظ بعد انتصاف الليل. قناعة ربما سأهجرها لأعوام قادمة. حدث ذلك بينما كنت آكل الملاعق الأخيرة من طبق الكشري الذي لم أكمله في وقت الغذاء، وأسمع "قوم فسرلك كيف بعيش للوطن"، ولا أعلم من المتهم الرئيسي في ذلك: الأكل أم الليل أم حامد سنو؟ أشعر أنني بالأمس، وكذلك غداً.. لأن هذه اللحظة ستُستسخ عشرات المرات بطول خط الزمن ذهاباً ورجوعاً، ستكرر وكأني أقف بين مرآتين يمثلان الماضي والمستقبل، وكل منهما يأخذني معه بنفس الطريقة، وينقلني بنفس الوضع، بينما أقف مكاني - أندهش. سأجد بعد ذلك أنني أقف على سلم يصعد في اتجاه آخر، اتجاه مجهول، ربما يصعد إلى ممر سيفضي في دقيقة إلى حضانتي القديمة. سأدخل وأسلم على طنط سهير وأذوب من جديد في ماضي لم يعد يسعني، كأنني أتذكر قول محمود بنداري "يا صاحبي في المجمل .. لبس الحياة ضيق .. وانا لبس روحي تخين .. محتاج مقاس أوسع .. عمركش شفت حزين .. بيغني يوم الأربع؟" سألاحظ لشئ ما في دماغي دائماً ما يسبقني بدقائق أو ساعات، أن اليوم هو الأربع فعلاً، وأنني ربما أكون حزيناً بمعنى من المعاني، وأنني لا أريد أن أكف عن الأغاني. كِدت أن أسقط أكثر من مرة في بئر الشعر بعد إذ أطلقت رهاناً صغيراً بأنني سأتوخى الحذر في سيري على ذلك الحبل، لئلا أقع فتبتلعني الجبال وترهصني الأوراق الرديئة. "لما اترك الأشعار .. حتماً هكون أجمل" قلت. "حتماً هكون أجمل؟ .. أنا already سئ .. يا صاحبي في المجمل .. لبس الحياة ضيق". هكذا كنا نتبارى بأحزاننا، لكننا في ذلك كنا فرحين، نكسر القدر بالسخرية، وتحدى الوجع بالبلاغة، البلاغة التي وجدنا فيها خيالنا سماءً نطير فيها بعيداً عن تراب الواقع ومهزلته. الملحمة التي نقلناها إلى أرضنا فسجلناها كآية تشهد أننا حاربنا مرفوعي الرأس. "ضيعت عمرك عالفرحة .. وكبرت فقير .. فكرك هتطير؟ .. عباس، مماتش بغلطة ريش .. أو لفة سير .. عباس، اتوضى، وصلى .. وصل للقمة الأعلى .. ونط، وعافر، طار .. من كتر الفرحة ماصدقش .. قلبه قرر ينهي المشوار .. ويقف في الجو .. عمرك يحلو .. لما تموت في اللحظة الأحلى" هكذا وقف الأخ في الجو، وهكذا أقف أنا الآن، أنظر للقادم وأنتظر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق