السبت، 28 نوفمبر 2015

أنا والثورة (الكتاب الثالث) : الجزء الثالث



عندما ذهبت إلى البيت , تابعت على موقع " تويتر " خبر إلقاء البنات المُعتقلات في الطريق في الصحراء , ثم قدرتهم على الوصول لمن استطاع الوصول إليهم وإقلالهم مرة أخرى إلى القاهرة بسلام , وتم حجز الشباب , الذين ربما ظلوا يُحاكموا بهذه الوقفة حتى شهور قليلة ماضية , أو حتى الآن , لن أبحث الآن , سأكتُب.

نِمت يومها وطغى على رأسي اليأس بعد أحداث يوم طويل , وبعدما عيا جسدي من الإرهاق والسير والجري والغاز السام الغبي , وصحوت يوم الخميس 28 نوفمبر 2013 متأخراً , غير آبه بمحاضراتي ولا بأي شئ , لبست ملابسي السوداء , ووَضعت كمامة الغاز في جيب سُترتي السوداء الخارجية , وبلا حقيبة , نزلت.

وصلت في وقت الظهيرة , وأول من قابلني وقتها هو صديقي أحمد البدوي , أو أن صديقي الآخر اسلام عاطف قابلني أولاً اثناء جلوسي شارداً في منطقة " الجبلاية " بحرم الكلية , وتحدثنا قليلاً عن ديواني وذهب , وكُنت في هذا اليوم اُفوّت امتحان ( ميد تيرم ) بلا إحساس بالذنب , كل تفكيري يومها كان عن كيف أن هذه حياة عليّ أن أحياها وأتعايش معها ؟ كيف نُعتقل ونُطارد بالليل ونسعى للعلم والبناء بالنهار , شئ ما لا منطقي يحدث في هذا البلد , شيطان ما يُحركها لكي تُصبح عَبَث في عَبَث , لن أستجيب لنداء التعايش السلمي مع الواقع البغيض , لأنني لا أستطيع أن أنسى معاناة الأمس , ولماذا ؟ فقط لنعبر عن رأينا. هذا عرض خاص لبلادنا فقط , ولفترة محدودة , عبر عن رأيك وستُقتل أو تُصاب أو تُعتقل أو تطارد في الشوارع , كل الخيارات مفتوحة أمامك , فقط تكلم!

قابلني أحمد البدوي في جلستي هذه وسألني " مالك؟ " بعدما رأى مظهري , فحكيت له عما أشعر من يأس وإحباط , وأسهبنا قليلاً في الحديث , وكان أحمد البدوي واقعياً , ومتفائلاً في نفس الوقت , وأنا اُحب فلسفته على أي حال.

بعدها قُمت لأرى أصدقائي في الناحية الأخرى من الكلية , ناحية " حورس " .. أذكر أنني كنت مع صديقي محمد أسامة وصديقي الآخر محمود مُعز , عندما سمعنا دوى إطلاق نار يأتي من الخارج , فقال محمد أسامة أن هذا يعني أن فاعلية ( طلاب ضد الانقلاب ) بدأت , ثم قمنا وتفرقنا قليلاً لنذهب ونتابع ما يجري عن قرب , وذهبت أنا وصديقي محمود معز باتجاه البوابة الرئيسية لنرى.

كانت البوابة مفتوحة في البداية , خرج بعض الطلاب ومنهم أنا لنرى الإشتباكات القائمة بين قوات الأمن المركزي على يمين كلية الهندسة وطلاب ضد الانقلاب أمام بوابة جامعة القاهرة , وعندما رأينا أن قوات الأمن المركزي تعتدي على طلاب ضد الانقلاب بالغاز المسيل للدموع والخرطوش وتصيبهم وتطاردهم حتى أبواب الجامعة , غصبنا كرد فعل فطري لمن يشاهد مشهد اعتداء قوات مسلحة على طُلاب عُزل , مثلنا , فهتفنا أو هتف البعض ضد الداخلية , فالتفتت الداخلية نحونا وأرسلوا لنا كتيبة سوداء من الملثمين المقنعين المسلحين بالعصي والخرطوش ليجروا ورائنا ولأول صدمتنا وذهولنا الأبدي : ليرفعوا في وجوهنا الأسلحة مباشرةً !!!

جرى الطلاب وتدافعوا ناحية البوابة الصغيرة المفتوحة , للحظة فكرت في أنني لن أسارع للدخول قبل طُلاب آخرين , فأهرب من وقع العصا ويُصابوا هُم , وانتظرت عدة ثواني حتى دخل الطلاب جميعاً , وحاولت أن أعطل أقرب غبي كان يرفع العصا في وجه الطلاب ثم في وجهي , بلا جدوي , يلعن اللي شال عقولكم وحط بدالها جزم!

عفواً , حاولت تعطيله حتى تأكدت من دخول جميع الطلاب فدخلت وقفل الطلاب البوابة ورائي وعساكر الأمن أمامها مباشرةً , بعدها تجمعنا عند البوابة الكبيرة وهتفنا ضد الداخلية وربما كان أشهر هتاف " الداخلية بلطجية " .. في هذه اللحظة - لحظة الهتاف - التفت لنا عسكري الأمن من فوق المدرعة وأرسل لنا قنبلة غاز داخل حرم الكلية , اصطدمت بمبنى الإدارة ثم وقعت على الأرض , وكانت هذه هي صدمتنا الثانية , أنه يمكن الاعتداء على الكلية نفسها , وليس على الطلاب فقط.

عندما اُطلقت القُنبلة جرينا في أرجاء الكُلية , وكان الغاز قد أثر على اتزاني - كما حدث قبلها بيوم - فساعدني محمود مُعز على المسير إلى أقرب مصدر ماء لكي أغسل وجهي , ثم وضعت الكمامة ومشيت قليلاً في الكُلية وعُدت إلى ساحة الكلية أمام البوابة مرة أخرى , وهنا اختلف المشهد تماماً فعندما عُدت كان تجمع الطلاب منقسم لجزئين , جزء يحتشد عند البوابة الكبيرة والجزء الآخر مُنتشر بساحة الكلية أمام البوابة الكبيرة , دخلت الساحة وقد بدأ إطلاق طلقات الخرطوش من قبل عساكر وضباط الداخلية الواقفين أمام البوابة على الطلاب المحتشدين الواقفين خلفها , وأصيب عدد من الطلاب من هذه الطلقات منهم صديقي محمود معز وصديقي الآخر حسين سويدان وصديقي الثالث أحمد ابراهيم وغيرهم , ثم كان تجمع آخر ثم طلقات خرطوش أخرى تصيب! وفي لحظات وجدت نفسي أمام البوابة أحاول منع هذا السيل الغبي من الاندفاع نحو الطلاب , منعه بإشارة يدي أو بوقوفي أمامهم إن لزم الأمر , ولكني لم أمنعه , ففي لحظة واحدة حدث شيئين , لا أملك علم الغيب لكي أفصله تماماً ولكني أفهمه كذلك في عقلي , عندما تقدمت باتجاه البوابة الكبيرة رافعاً يدي لقوات الأمن السوداء أن توقفوا , لم يتوقفوا , وظلوا يوجهوا صوبنا الأسلحة , وسمعت الأصوات تناديني بأن " إرجع " وأصوات أخرى متداخلة , وفجأة وجدت جسدي يطير إلى أقصى اليمين , أحدهم يحملني - حرفياً - ويضعني وراء الحائط ويصرخ في وجهي عن الجنون الذي أفعل , وكانت هذه الأيدي التي حملتني أيدي صديقي أحمد يحيى الذي يلومني ويسب أيماناتي حتى اليوم على هذه اللحظة الذي كِدُت أفقد فيها حياتي , وأما الشئ الآخر الذي حدث في نفس اللحظة , هو أن الرصاصة التي انطلقت من فوهة أحد قوات الأمن من أمام البوابة , اخترقت جسد طالب في السنة الأولى من قسم الكهرباء , يُدعي محمد رضا.

وكانت هذه , تحديداً , اللحظة التي غيّرت الكثير , جداً.

28 نوفمبر 2015


أنا والثورة (الكتاب الثالث) : الجزء الثاني



عندما تستعرض اللحظات المثيرة في حياتك , المليئة بالأحداث والتفاصيل , قد يبدو لك أن بعض الثواني تمددت قليلاً لتصبُح دقائق , عندما تستعرض اللحظات المثيرة في حياتك , المليئة بالأحداث والتفاصيل , قد يبدو لك في بعض الأحيان أن الزمن قد توقف بك , وحدك. ووقتها فلن تنسى ما حدث أبداً.

عندما بدأ العدوان على المظاهرة , كنت في المكان الأيسر باتجاه المظاهرة , وخلفي الشارع , وكنت وسط الناس لأنه عندما صَعَدت حدة الأمور صَعَد قلبي وهَبط وأمنت نفسي وسط الحشد , ثم أنه بعد أن بدأ العدوان حدث شيئين متضادين في الاتجاه :
أولهما أن الجزء الأكبر من المظاهرة , جرى باتجاه الشارع المؤدي إلى ميدان سيمون بوليفار ,
وثانيهما أن الجزء الآخر من المظاهرة انقسم جزئين آخرين , فأولهم تم إمساكه عندما عمد ضُبّاط الشُرطة إلى إحكام الكمّاشة على المتظاهرين في الصفوف الأولى , ومنهم كانت منى سيف , وبنت أخرى , وشاب آخر حاول حمايتهما من أيدي المخبرين , والجزء الآخر وقف ذاهلاً للحظة , عندما رأي منظمي الوقفة يقعوا في براثن الغربان , عفواً , الشُرطة , وأنا كنت من الجزء الثاني , ولكن في الحقيقة فقد دبّت الرهبة في قلبي وآثرت الجري باتجاه سيمون , وفي أول طريقي وجدْت سارة شريف على ما أعتقد أو أتذكر , وقفت فجأة وقررت الرجوع , حاولت منعها بلا جدوى , ثم وقعت هي مع صديقتها منى سيف في قبضة الشرطة , وأكمَلت أنا جري , وفي أثناء ركضي انضممت لجموع الراكضين , ثم أنني وجدت أحد الشجعان يقف بشمروخ في وسط الشارع وفي مواجهة الشُرطة , أعتقد أنه قُبض عليه أيضاً , وأثناء جريي وقعت من فرط تأثير الغاز , والتقطني شاب نحيف مثلي , تعرفت عليه بعد ذلك , اسمه اسلام جيفارا , التقطني قبل أن أسقط وساعدني حتى وصلنا إلى كوبري قصر النيل , وهو مُعتقل الآن فقد كان بجانبي أيضاً في مظاهرة الاتحادية في مايو 2014 , هي لُعبة صغيرة , كلعبة النَرد , تتساءل متى يختارك الحظ لتكون من المعتقلين أو القتلى , هي لُعبة أحكمتها علينا الأنظمة الفاسدة , وهي وإن كانت لا ترقى لمستوى فيلم The Hunger Games , فعلى الأقل إنها أخذت منه شيئاً , وهو أنك تعلم مصيرك تماماً , طالما شاركت في اللعبة من البداية , ولكنك لا تعلم أين تلقاه.

التقطنا أنفاسنا عند أسود قصر النيل , وتجمعنا حثيثاً ثم صرنا حشداً قليلاً ثم تكلمنا بعضنا مع البعض , وقررنا أن الوقوف هنا ليس مجدياً , وكان المطرب الشاب رامي عصام بيننا , وقررنا أننا لن نترك زملائنا في قبضة الشرطة وأننا في الشارع حتى يعودوا , وذهبنا باتجاه ميدان طلعت حرب , وفي مسيرنا كَبُر عددنا وعلت هتافاتنا حتى وصلنا إلى ميدان طلعت حرب , وما هي إلا أوقات قليلة حتى عادت وجوه ثورية معروفة للميدان , وتم إغلاق طرق الميدان أمام السيارات , وكانت الخطة أن نسد الطريق على مدرعات الأمن اللاهثة , ولكنهم أرسلوا لنا القنابل من السماء على أي حال , وجرينا مرة ثانية.

جريت شارع طلعت حرب بأكمله , ثم بعد الجري وقفت , وبحثت عن الناس من حولي , تفرقوا في البلاد .. وعُدتُ خائباً , قررتُ في هذه اللحظة أن أستغل الحقيبة التي أحملها على ظهري وأن أذهب لشراء بعض الأدوات التي تفيدني في طبع ديواني الأثير , وكنت قريباً من العتبة , فأتممت حاجات الديوان , و...عُدت للميدان.

ويكأنني عُدتُ إلى ساحة المعركة , فأول ما وجدته في مسيري من محطة محمد نجيب إلى ميدان طلعت حرب هي النار المتصاعدة من إطار سيارة في وسط الطريق المؤدي للميدان , ودخلت, فوجدت أن الحشد تضاعف والروح ارتفعت , ثم هتف البعض , ثم تكلم البعض الآخر , ثم إنني لا أعلم بالظبط ماذا حدث كي يحدث مثل هذا , فبعدما جريت كانت العربات في الطرقات والناس تسير , وعندما جئت اختفت العربات وفرغت الشوارع إلا من البقية الثائرة , فقد كنا قاربنا على منتصف الليل , وهُنا باغتتنا الشُرطة بأعداد أخرى من قنابل الغاز المسيل للدموع , لنجري , ولكن هذه المرة باتجاه واحد , لنجتمع مرة أخرى عند البنك الأهلي.

عند البنك الأهلي , فهمنا من بعض الاتصالات أن بعض أعضاء لجنة الخمسين - ومنهم خالد يوسف - انسحبوا من الجلسة اعتراضاً على حبس النُشطاء , وفهمنا أيضاً أن الإعلام يتحدث عن الأزمة , وأننا هُنا "دوشة في دماغهم لحد ما يطلعوا زمايلنا " ... في هذه الأوقات كان زملائي في كلية الهندسة يكلمونني للاطمئنان على وجودي وسلامتي لعلمهم مسبقاً وجودي في الأحداث , وعندما فرغت بطاريتي , حفظت بسرعة رقم صديقي ( أحمد مجدي ) إذا لم تخونني الذاكرة ثم ذهبت لـ ( ست البنات ) - وهو اللقب الذي أطلق عليها بعد الاعتداء عليها في أحداث مجلس الوزراء - ولم أتذكر اسمها حالياً , وحدثت أصدقائي الذين أصروا على رجوعي , وأكثرهم ( ندا منصور ) التي أتذكر صوتها وهي تقول لي " إرجع يا هيثم " , فلا أجد نفسي إلا وأنا أقول " حاضر يا ندا " , وأنهض من على الرصيف , وأذهب إلى البيت.

28 نوفمبر 2013

أنا والثورة (الكتاب الثالث) : الجزء الأول



منذ عامين , وتحديداً في يوم الأحد 24 نوفمبر عام 2013 , كُنت ووالِدَتي في الشارع لقضاء بعض الحاجات , وإذا بنا نعبُر من جانب سيارة اُجرة , سَمِعت المذيع يتحدث عبر الراديو , في أن الدولة أصدرت قانوناً جديداً , يُدعى قانون التظاهر , فَضَحِكت.

ضَحكت لإنني كنت أظن أن هذا محض هراء , وأن هذا كله لا يمكن أن يحدث , فكيف لسُلطة جائَت على ظهور المتظاهرين أن تمنع التظاهر , وكيف تمنعه أصلاً ؟ ضَحكت قائلاً لأمي : لأ , لأ !

قبلها بأيام قليلة كنتُ في وسط البلد , أتظاهر مع فريقي الجديد , جبهة طريق الثورة , الجبهة التي حاولت أن تشق طريقاً للثورة وسط مجاهل الإسلاميين ومدافع العسكر , التي حاوَلت على الأقل , حتى داسَت الدبّابة علينا جميعاً.

في هذه الأيام - قبل إصدار القانون - بدأنا نظهر في الشوارع رفضاً لحُكم العسكر وبياناً أننا لسنا إخواناً أيضاً , وهذا شئٌ لو تعلمون عظيم , إذ بعدما عملت آلة الإعلام على عقول الشعب لأسابيع طويلة , في تمجيد القائد والبذّة والبيادة والكاب , وفي تحقير وتخوين ودهس وحَيوَنة - نعم حَيوَنة - كل من يعارض النظام القاتل الجديد , كيف بعد كل ذلك تقنعهم أن هنالك شباب مصري طَموح يسعى لبناء وطن حُر مدني شريف ؟ كيف تقنعهم بأنه يمكنك أن تكره السيسي وتُحب الوطن ؟ كيف ذاك الحُب أمسى خبراً , وحديثاً من أحاديث الجَوَى ؟

وكانت عدة أيام من التظاهرات المتفرقة كان آخرها حتى ما قبل إصدار القانون مظاهرات إحياء الذكرى الثانية لمذبحة محمد محمود , والتي بدأت من قبلها بيوم عندما كُنا نحتفل في مهرجان ( الفن ميدان ) , فجاءت سيارة شُرطة لترمي علينا السلام , فرميناها وانطلقنا حتى وصلنا إلى الميدان الممنوع علينا دخوله من بعد احتلاله , ميدان التحرير. واحتفلنا.

وفي اليوم التالي جئنا بأعداد أكبر وأكبر , أظنه من أحد أكبر تجمعاتنا - نحن الثوار فقط - في هذه الفترة , وفي نهاية اليوم قُتِل طالب كلية الهندسة الشهيد ( محمود عبدالحكيم ) برصاص الداخلية وبعدها أخلوا الميدان بالمدرعات.



نعود , في يوم 24 نوفمبر 2013 صدر قانون التظاهر , وسط رفض عارم , وساخر , ومُتَحدّي من قطاعات الإسلاميين والثوار وربما الليبراليين وحتى من بعض القريبين من دوائر اتخاذ القرار.

وكانت الجلسات تُعقَد أيامها للجنة التأسيسية لوضع الدستور في مجلس الشورى لوضع المواد بالدستور ومناقشتها وتعديلها وإقرارها , وكانت مجموعة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين " دعت - من قبل إصدار قانون التظاهر - لوقفة أمام مجلس الشورى أثناء عقد الجلسة للمناداة برفض إقرار مادة محاكمة المدنيين عسكرياً والتمسك بالحقوق المدنية للمواطن المصري وعدم إهدار حقوقه القانونية أمام المحاكم العسكرية.

وفي يوم الجُمعة 27 نوفمبر 2012 , ذهبت مجموعات الثوار الرافضة لإقرار المحاكمات العسكرية للمدنيين للتظاهر أمام مجلس الشورى بشارع القصر العيني , كانت الإجراءات الأمنية مشددة في محيط المنطقة , ولسذاجتي نويت الذهاب لمكان الوقفة من الناحية الأخرى للمجلس , أي أنني لكي أصل سيتوجب عليَّ عبور شارع مكتظ بمدرعات الأمن ! ولكنني عندما اتجهت صوب الشارع استوقفني أحد الضباط , فقلت له أنني أريد مجلس الشورى (!) فأشار لي أن أذهب من الناحية الأخرى.

فتُهت وتبلبلت في وسط المدينة حتى اهتديت لجماعة من الثائرين في عرض الطريق ومشيت ورائهم , فعبرنا الميدان معاً وسط إشارات يدوية متبادلة بيننا وبينهم لا داعي لتوضيح معانيها هُنا , وانطلقنا باتجاه مجلس الشورى , وعندما وصلنا وجدنا حشد كبير بانتظارنا , انتشرت اللافتات الصفراء المميزة للمجموعة قائلة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين " , وتعالت الهتافات , وجاء بعض الصحفيين للتصوير والتسجيل , بعدها بوقتٍ قصير تم تشغيل آلة التنبيه الخاصة بسيارة المطافي , وتأهب عساكر الأمن فجأة , ثم أمسك أحد الضباط بمكبر الصوت قائلاً لنا أن اذهبوا لأن المظاهرة سيتم فضها بعد خمس دقايق , وما هي إلا دقيقتين حتى على الصوت , ودب الخوف , وتدافع الناس بالاتجاه وعكس الاتجاه , وبرزت الاعتراضات ومحاولات إقناع الضباط بغير جدوى , ورُش الماء , ودَوّت السارينة , وقُذِفَت القُنبلة المسيلة للدموع في آخر الشارع الذي بدأنا نجري فيه.

28 نوفمبر 2015

الأحد، 15 نوفمبر 2015

نور فريدة

طِلِع ان الدنيا
بتعرف تتغير
وآدي ليلة جديدة
غير كل ليلة
وهتعرف إنك
مابقتش صغيّر
وتشوف فريدة
نورت العيلة

اقرالها كلامك
قولّها أحلامك
لسة في اللفة
واحكيلها شوية
في أصول الخفة
وحكاوي الناس
وبلاد الشافعي
وجناح عباس
ونشيد الرافعي
وألحان درويش
وفيه ناس بتموت
لبلادنا تعيش
وفيه ناس بتفوت
وأرواحها بتبقى
والناس علشان
ترتاح راح تشقى
وإن اسمي شومان
صاحب على عهده
شاعر على قده
عاشق ولا عنده
أغلى من الحُب
وإن البير دايماً
يمسك ويصُب

الأخ الأكبر
من كل اخواته
ربنا يكتبله
أفراح في حياته
احفظها عشانها
لما تكون اكبر
واكيد اعمارنا
بكرة هتتغير
بحكاوي جديدة
وتعَلّي الشيلة
وهتعرف إنك
مابقتش صغيّر
وتشوف فريدة
نوّرت العيلة

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

الذكرى الثالثة للكتاب الأول



زي النهاردة من سنتين .. 4 نوفمبر 2013 :)

نزلت كلية الهندسة وكنت شايل في شنطتي اول ابن ليا في الحياة , أول "كتاب" اكتبه , اول حاجة مادية اعرف امسكها بإيدي واقول انا عملتها , وافرح:)

كنت شايل على ضهري حاجة كل صحابي كانوا بيشجعوني عليها من ساعة ما شافوني بكتب , حاجة كنت كل ما اوريها لواحد منهم عينه تنور ومايصدقش اني عملت كدة , مايصدقش اني فعلاً كان عندي العزم اني اكمل الطريق واكافح فيه لوحدي لحد ماوصل ... فاكر اول ما وريته لمصطفى احمد وبعدين محمد الزمر وبعدين محمود معز وبعدين احمد هاني وبعدين احمد صبري وبعدين محمد ياسر وبعدين كل الناس ... كل دول كنت بدور في عينيهم على نفسي اللي بحاول الاقيها , هيثم اللي كنت بلاقيه وسط فرحتهم بيا اللي انا نفسي مش واصلها .. تصديقهم وشغفهم لصاحبهم اللي لسة ماصدقش ومش هيصدق في نفسه , كنت بلقط منهم اللحظات دي عشان عارف انها مش هتدوم وإني هرجع صغير قدام عيني , بس هفتكر لحظات معينة كنت كبير اوي في عين الناس , هكبر في عيني عشانهم!

زي النهاردة استلمت اول نسخة طبعتها من كتابي من مكتبة الرسالة في بين السرايات , كتابي اللي فضلت كذا شهر قبلها بنظمه وبرتب أفكاره , من ساعة ما نفس الرفيق مصطفى احمد - اللي هيبقى ليه تأثيرات عليا في حاجات تانية هتتقال في وقتها - قالي انشر أشعاري اللي كنت بدأت انزلها من نهايات 2011 مروراً بـ2012 و2013 مع التطور والتنوع كل ما مر الزمن , وكل ما مر الزمن بقى يظهر شكلي اللي بكتب بيه , كل قصيدة اكتبها كانت بتضيف جزء جديد في هيثم اللي لسة ماكملش , جزء جديد الناس تشوفه في هيثم وتشوف هيثم منه ... انا ممتن لكل لحظة عشتها وسط الناس دي , الناس دي لحد ما اموت واتدفن واتحول تراب هتفضل عندي بالدنيا كلها , الناس اللي تشوف فيك الجزء المنور اللي انت مش شايفه , اللي تشدك وتعلّيك وتعلى معاك .. محمود بنداري سبب اني ارجع اكتب , بعد ما كنت بكتب فصحى ومش عارف اسلك طريقي فيها , محاولاتي مكانتش سيئة جداً بس كانت مترددة ومش واضحة , محمود اللي استفز موهبتي , محمود اللي بدأت اكتب عشان اكلمه , عشان اقوله اني بحبه , عشان اقوله ان كلامه جاي من بير غويط محدش وصله قبل كدة , البير اللي ماسبتوش طول فترة كتابتي, ولا سابني , البير اللي كل مرة اكتب فيها حاجة حلوة كنت بطلع منه , محمد الزمر اللي مهتم إني اطلع للناس اكتر مانا نفسي مهتم , اللي بيوصي عليا فنانين كبار وصغيرين وانا لسة مش مهتم , اللي هيفضل ورايا لحد ما يبقى ليا القدر اللي هما شايفين اني استحقه , شكراً لكل حاجة عيشتها وسطكم , وسط ناس بتحب للحب , بتعاشر للعشرة , مافيش اي ربط ما بينا ولا دراسة ولا مصلحة ولا اي حاجة في الوجود غير اننا عايزين نبقى موجودين مع بعض , عارفين كل واحد ايه عند التاني , عارفين ان كلنا مهمين وان كل واحد هو حاجة في حد ذاته ومهم لكل فرد في المجموعة وللمجموعة كلها .... رغم اني كتير بقعد معاهم ساكت ومش في المود ومش مبسوط وعايز امشي وقرفان وويرد وحاجات كتير , اتعودوا عليها وحبوني بيها ... شكراً لكل لحظة حتى لو مافرقتش في الوجود بس فرقت جوة النفوس , لحظة زي لحظة الكتاب , الكتاب ماتنشرش , ( او للي قروا البوست - ربنا ما أرادش :) ) , ولا هيتنشر , لكن هتفضل لحظة تُذكر , لحظة هفتكر فيها روحي كل ما اضل الطريق , هفتكر فيها يعني ايه صحاب , يعني ايه حب :)