منذ عامين , وتحديداً في يوم الأحد 24 نوفمبر عام 2013 , كُنت ووالِدَتي في الشارع لقضاء بعض الحاجات , وإذا بنا نعبُر من جانب سيارة اُجرة , سَمِعت المذيع يتحدث عبر الراديو , في أن الدولة أصدرت قانوناً جديداً , يُدعى قانون التظاهر , فَضَحِكت.
ضَحكت لإنني كنت أظن أن هذا محض هراء , وأن هذا كله لا يمكن أن يحدث , فكيف لسُلطة جائَت على ظهور المتظاهرين أن تمنع التظاهر , وكيف تمنعه أصلاً ؟ ضَحكت قائلاً لأمي : لأ , لأ !
قبلها بأيام قليلة كنتُ في وسط البلد , أتظاهر مع فريقي الجديد , جبهة طريق الثورة , الجبهة التي حاولت أن تشق طريقاً للثورة وسط مجاهل الإسلاميين ومدافع العسكر , التي حاوَلت على الأقل , حتى داسَت الدبّابة علينا جميعاً.
في هذه الأيام - قبل إصدار القانون - بدأنا نظهر في الشوارع رفضاً لحُكم العسكر وبياناً أننا لسنا إخواناً أيضاً , وهذا شئٌ لو تعلمون عظيم , إذ بعدما عملت آلة الإعلام على عقول الشعب لأسابيع طويلة , في تمجيد القائد والبذّة والبيادة والكاب , وفي تحقير وتخوين ودهس وحَيوَنة - نعم حَيوَنة - كل من يعارض النظام القاتل الجديد , كيف بعد كل ذلك تقنعهم أن هنالك شباب مصري طَموح يسعى لبناء وطن حُر مدني شريف ؟ كيف تقنعهم بأنه يمكنك أن تكره السيسي وتُحب الوطن ؟ كيف ذاك الحُب أمسى خبراً , وحديثاً من أحاديث الجَوَى ؟
وكانت عدة أيام من التظاهرات المتفرقة كان آخرها حتى ما قبل إصدار القانون مظاهرات إحياء الذكرى الثانية لمذبحة محمد محمود , والتي بدأت من قبلها بيوم عندما كُنا نحتفل في مهرجان ( الفن ميدان ) , فجاءت سيارة شُرطة لترمي علينا السلام , فرميناها وانطلقنا حتى وصلنا إلى الميدان الممنوع علينا دخوله من بعد احتلاله , ميدان التحرير. واحتفلنا.
وفي اليوم التالي جئنا بأعداد أكبر وأكبر , أظنه من أحد أكبر تجمعاتنا - نحن الثوار فقط - في هذه الفترة , وفي نهاية اليوم قُتِل طالب كلية الهندسة الشهيد ( محمود عبدالحكيم ) برصاص الداخلية وبعدها أخلوا الميدان بالمدرعات.
نعود , في يوم 24 نوفمبر 2013 صدر قانون التظاهر , وسط رفض عارم , وساخر , ومُتَحدّي من قطاعات الإسلاميين والثوار وربما الليبراليين وحتى من بعض القريبين من دوائر اتخاذ القرار.
وكانت الجلسات تُعقَد أيامها للجنة التأسيسية لوضع الدستور في مجلس الشورى لوضع المواد بالدستور ومناقشتها وتعديلها وإقرارها , وكانت مجموعة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين " دعت - من قبل إصدار قانون التظاهر - لوقفة أمام مجلس الشورى أثناء عقد الجلسة للمناداة برفض إقرار مادة محاكمة المدنيين عسكرياً والتمسك بالحقوق المدنية للمواطن المصري وعدم إهدار حقوقه القانونية أمام المحاكم العسكرية.
وفي يوم الجُمعة 27 نوفمبر 2012 , ذهبت مجموعات الثوار الرافضة لإقرار المحاكمات العسكرية للمدنيين للتظاهر أمام مجلس الشورى بشارع القصر العيني , كانت الإجراءات الأمنية مشددة في محيط المنطقة , ولسذاجتي نويت الذهاب لمكان الوقفة من الناحية الأخرى للمجلس , أي أنني لكي أصل سيتوجب عليَّ عبور شارع مكتظ بمدرعات الأمن ! ولكنني عندما اتجهت صوب الشارع استوقفني أحد الضباط , فقلت له أنني أريد مجلس الشورى (!) فأشار لي أن أذهب من الناحية الأخرى.
فتُهت وتبلبلت في وسط المدينة حتى اهتديت لجماعة من الثائرين في عرض الطريق ومشيت ورائهم , فعبرنا الميدان معاً وسط إشارات يدوية متبادلة بيننا وبينهم لا داعي لتوضيح معانيها هُنا , وانطلقنا باتجاه مجلس الشورى , وعندما وصلنا وجدنا حشد كبير بانتظارنا , انتشرت اللافتات الصفراء المميزة للمجموعة قائلة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين " , وتعالت الهتافات , وجاء بعض الصحفيين للتصوير والتسجيل , بعدها بوقتٍ قصير تم تشغيل آلة التنبيه الخاصة بسيارة المطافي , وتأهب عساكر الأمن فجأة , ثم أمسك أحد الضباط بمكبر الصوت قائلاً لنا أن اذهبوا لأن المظاهرة سيتم فضها بعد خمس دقايق , وما هي إلا دقيقتين حتى على الصوت , ودب الخوف , وتدافع الناس بالاتجاه وعكس الاتجاه , وبرزت الاعتراضات ومحاولات إقناع الضباط بغير جدوى , ورُش الماء , ودَوّت السارينة , وقُذِفَت القُنبلة المسيلة للدموع في آخر الشارع الذي بدأنا نجري فيه.
28 نوفمبر 2015


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق