الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

تأملات (4) : الذكرى والثورة والأمل

كأن السماء تتفق على مشاغلتي الآن فتُرسل لي المطر والثوّار والهتافات والغاز والأفكار والمشاعر الحزينة. ماتت رضوى , ومات نجم , واقترب يناير ولازلت هاهُنا أعبث بالوقت وأتأمل في تفاصيل الفراغ. سنة مرّت وأنا أكتب هذه المُذكّرات المُرهِقة , المؤلمة. سنة مرّت وأنا أحمل فوق رأسي هم كتابة تاريخ الأيام الذي يُمحى بأصوات الفسدة التي يطنّون بها في آذان الشعوب , ولكننا نحن , والله لن ننسى.

كتبتها في أواخر ديسمبر من عام 2013 , كتبتها لأبيّن حقيقة أمري من الثورة والبلد والأحداث وتراكم الوعي وحقيقة الغضب المتزايد تجاه الأمور. السطحيون لا يرون إلا ما يسبح أمام أعينهم , لا يألون جهداً في تبيّن الأمور وربطها , في تأمل الأسباب والنتائج , يتكاسلون عن التفكير والمتابعة ولا تجدهم إلا ويسألونك بكل تساهُل واستغراب : “ عايزين إيه يعني ؟ ” , وكأنهم لا يعيشون معنا على نفس الأرض.

كتبتها وأنا أمنّي النفس بالإنتهاء قبل الخامس والعشرين من يناير 2014 , قبل احتمال الهلاك في كل مرة أحمل فيها روحي على راحتي وأمضي إلى الشارع بحثاً عن الحُريّة والوطن , وألهو بها أمام الأسلحة التي لا تصبر على القتل , كأنها تتغذّى على الأرواح الحُرة , البريئة من الذنوب , الأرواح التي تستحق الحياة في مواجهة الأسلحة التي تستحق ألا تُصوّب إلى داخل الوطن.

والآن وقد دارت الدائرة وأتى ديسمبر الجديد , أتيت بروحي من مكانها البعيد وقُلت , الآن سأحملك على يدي لعلّنا نعود معاً , ولكنني أخاف إذا ما عدنا ألا أكمل ما عَهَدت إليه , وأنا الرجل الذي لا يحب مخالفة الوعود , كيف أفاضل بين أن تستمر الكتابة عن الثورة وبين الثورة ذاتها؟ فليرحمنا الله من وطنٍ نخاف فيه من الحِلم , الحلم الذي يقتل.

أشعر أنني لا أكاد ألاحق أنفاسي , يمر الوقت ولا أفعل شئ , لا أهتم بالدراسة اهتماماً جيداً ولا أكتب الشِعر ولا أُكمل المذكرات ولا أتعلّم شيئاً أحبّه , بل إنني أصبحت لا أحب , وهذا هو الجديد , ربما هذا هو المفاجئ في ذلك الكلام كله , علّمني الحُب ألا أحب , لأنني إذا أحببت سيقتلني الوَجد والشوق والصبر. ما لهذه الحياة التي تقتل كل شئٍ جميل ؟ ولكنني أصر على الأمل , أحاول وأحاول من أجل الأمل فقط , أحب الناس وأتعلق بهم من أجل الأمل , أكاد أضحي بعمري أو بنفسي أملاً في بلدٍ جديد لن يغيره دمي في شئ , ولكن خلقنا الله لا نعلم كيف نسكُت عن الضُر.

هذا ما كان في نفسي في هذه الليالي الخفيفة , الثقيلة , ولعل الله يهديني إلى الرُشد والصلاح , ويلهمني الصبر والأمل , ويهبني الحُب والرحمة , ويرزقني بالخير حيث ولّيت وجهي , ويسمع دعائي إنه سميع الدعاء , والسلام عليكُم ورحمةَ الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق