الخميس، 28 سبتمبر 2017

إلى أين تتجه الأشياء؟

الكيفيات (5) : كيف أصبح للصمت صوت؟

ربما جاءت اللحظة التي لا مفر فيها من الكتابة. اللحظة التي كلما واتتني قذفتها بعيدا. ككرة يستفزني كمالها كلما نظرتها من قريب، فدفعت قدمي صوبها منتصرا. والآن قد صرنا - أنا وهي معا - في مواجهة الحائط، فلن يطير أحدنا. كم وددت لو أنني أستطيع رفع ذراعي وتحريكهما فيرتفع جسدي عن كل مكان.

لكن متى كانت الأساطير في مدى أذرعنا؟ لا أستطيع إلا أن أمشي، كما أمشي كل يوم، لأخوض ذات الأحاديث، وأحل ذات الخلافات، وأقابل ذات الأشخاص. لا مجال للمراوغة في الحياة، ولكن ذلك ليس بموضوعنا، إن كان لنا موضوع.

والأكيد أن لنا ذات، ولن نذهب بعيدا للبحث عن مكونات هذه الذات كما ذهب الفلاسفة وعلماء النفس، ولا للبحث عن الذات نفسها كما فعل السادات، ولكن لتأكيد وجودها ربما مع عدم وجود أي شئ آخر ذي ثقل في حياتي، على الأقل إلى هذه اللحظة.

وربما تكون هذه هي المشكلة، عدم وجود الموضوع. وجود ملهيات دائمة التداخل والتلون، حالما تختفي تطغى رنة الصمت في الأذن، فالصمت - في النهاية - أصبح له صوت، كما أصبح للعدم شكلا وأشكالا.

أشعر أنني اقف هكذا، مفاخرا بنفسي، رافعا رأسي، متربعا على قمة الفشل. ألوح لكم، فلوحوا لي، وامضوا في طرقاتكم، وأفسحوا المجال للملوحين الجدد، فلا وقت لدي لاعتياد الأشكال وحفظها، فذاكرتي ممتلئة بحفظ قصتي، قصة صعودي الغريب على جبل اللاشئ، مديرا ظهري للناس والحجارة، ناظرا للشمس كي أرى. أي حمق أنا فيه؟

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

ديوان الفتح (5) : مسرح الرمال المتحركة

كإني رمل ف ساعة 
بضيق كل اما بوصل 
أو شعلة من ولاعة 
تحرق كل اما تحصل 
أنزل 
برملي 
وأمْلي 
واطلع 
بنفسي 
وجُمَلي 
واخُد نَفَس 
وانزل تاني 
وأعيد وازيد 
في ألحاني 
يا بُعبُع الشعر الحاني 
إمشي .. رَوَّح 
وهات معاك كرسي ومسرح 
عايز اعترف إني بفرح 
على غُرّة 
قاعد بترسم حرية 
يا سجين طُرة 
والجوقة ترسم عالشاشة 
أيام مُرة 
تَسقُط حيطانكو الغشاشة 
ف أعمق حُفرة 
وتذيع وراها بلاد بتضيع 
وعباد هايمة 
دايمة في جهل وقلة عيش 
وفتن نايمة 
مغروسة تحت بياد الجيش 
وعصَى الساحر 
مهزومة تحت آلات السوق 
واللوايح 
وتذيع وراها شموس تِعمِي 
وإنسان سايح 
رايح على برستيج إسمي 
وتنفيخ جسمي 
طايح في أفراد مش مجموع 
رابح ورق تأمين الجوع 
يا ألف هنا وألفين مبروك 
دمك مسفوك 
يا ألف عافية وميت بركة 
اسمَك في بيانات الشركة 
والشركة فوق تربة جريحة 
والبنت جنب التسريحة 
وتحت الصورة 
الفكرة لازم دايماً تفضل 
منصورة 
مشي الحواجب عالقورة 
وغطي الشفة 
شبه الموديل المشهورة 
بأشهر وقفة 
أشهر من النار على علم 
علم السلاح والانفتاح 
وكسر القلم 
على الوشوش الفقيرة 
فقر طبيعي 
يا بلد التسعين مليون 
بيعي .. بيعي 
كل السلع هنا متباعة 
في الفاترينا 
وإزازها يعكس أشكالنا 
المسكينة 
أشكالنا لما تَحَوَّلنا 
من ناس لجماد 
واقفين على إزاز الصورة 
وقفة حداد 
وفي طول وقفتي بصيت في مرايتي المكسورة 
وحسيت 
كإني رمل ف ساعة 
بضيق كل اما بوصل 
أو شعلة من ولاعة 
تحرق كل اما تحصل 
وانا لما هحصل هحرق 
والنار ماهيش بتفرق 
ازاي البحر يغرق 
دي جمل مش في الكلام 
أنا الأمل واليأس 
وأنا الغد والأمس 
وأنا القمر والشمس 
والحرب والسلام 
أنا كنت بقول ايه..
أنا جايلك في الكلام 
وفي أتوبيس الهيئة 
وانا قلت كل حاجة 
ولا نسيت شيئاً
مشاعري مضطربة 
لكن.. أفكاري متضايقة 
أنا خدت ميت ضربة 
طب ليه الخلايا فايقة 
ليه فايقة الخلايا
يابني ركز معايا 
مانتاش سامع غنايا 
ولّا انت أصلاً بعيد 
طب حلمت بمُنايا 
ولّا خيالك مريض 
يابني قريت الآية 
ولّا لعنت الورق 
يابني حكيت الحكاية 
ولّا ماضيك افترق 
يابني لبست العباية 
ولّا الملاك اتحرق 
يابني أكلت الكفاية 
ولّا لحست المرق 
يابني خلقت الرواية 
ولّا اختصرت الحدث 
يابني انتشيت بالغواية 
ولّا مشيت عالصراط 
يابني رفعت الراية 
ولّا انحنيت للبلاط 
يابني ناديت الداية 
ولّا قتلت الحلم 
يابني رفضت الجباية 
ولّا مشيت في الظلم 
يابني سامعني وشايفني 
ولا لامحني وحاسسني 
فكر في ايه اللي حابسني 
وانت هتوصل يابني 
يابني اعدل المرايا 
وبُصلي وركز 
إمشي ورايا 
إمشي واتعكز 
على العصايا 
اللي ذكرها الكنز 
عَلى خُطايا 
في طريق يَبرز 
لكل فارس 
مُغترِب غاضب 
لكل ساعي 
مُتّحد طالب 
أقطع دراعي 
وأمسكُه وأرفع 
وأقول ده دِرعي 
وضِلع م الأضلُع 
حماني إذ أشفِق 
وإذ أشرُع 
ورماني فوق شجرة 
بلا أفرُع 
فَرّعت 
فَ أثمَرْت 
كي أشبع 
وشربت ماء السماء 
ورضيت بالاحتماء 
تحت الرياح والرمل 
فوق الرماح والقتل 
كل اما اتقتل اروي 
وأزهِر 
كل اما اختفي 
أذوي 
وأظهر 
جوة الورق والشاشات 
أنا بقلب الصفحات 
وفي ليالي الشتات 
بتتبع البصمات 
واجري ورا العلامات 
والكتابات 
والأغاني 
كل اما اخلّص أرجَع 
أحكي واقول تاني 
طلعوا الحبايب ونزلوا 
وقربوا وبِعدوا 
وصَعّبوا وسَهِّلوا 
الحب مين يقتله 
يا مموتين القلوب 
الحب مين يقتله 
يا مضللين الدروب 
الحب مين يقتله 
يا مفجرين الخطوب
الحب مين يقتله
وانا خطبي أجَلّ وأجْلَى 
يتشاف من بُعد فرسخ 
وغُنايا أطَلّ وأحلى 
وجِدري عميق مترسّخ 
وابعد عني يا شيطان 
ألّا الحيطان تتوسخ 
أنا بيتي بين شُطآن 
الفراديس والبرزخ 
وانا مش طُوَى النسيان 
الأساطين بتأرّخ 
وده مش هوا الألحان 
ده البراكين بتصَرّخ 
تُعلن عن التغيير 
تُعلن عن القَلَبان 
سيُغَنّي في الدنيا 
شاعر شارب شومان 
يُخرُج من المجهول 
ويستقيم ويقول 
ويحب ويصدّق 
ويئب
و..
يبدأ

يوميات شاعر مأزوم

1. لم أجد موضوع 
2. لكن كُلي رغبة 
3. وتَورّطْتُ مجدداً 
4. ووَرّطْتَك مَعي 

1. الكلمات تُراوغ 
2. تَظهر وتَختفي 
3. والخيال غيرُ تام الوضوح 
4. لكي نستطيعَ تَمَثُّله 

1. الموسيقى نسبية 
2. لكنَّ الشاشة صَمّاء 
3. وقد يتعذَّر نقل أي شئ 
4. فنتعزَّى بالمُحاوَلة 

1. المُحاوَلة لا تضُر 
2. إلا من يهوَى الحِساب 
3. فيقولُ علا وارتَفَعْ
4. ولا يُريد أن يقول وَقَعْ

5. رَغمَ ما في ذلِكَ مِن مَنطِق

فتح العين (5)

عايز اخرج برة الذات
واقطف بلح أمهات
البلحة الأولى حامضة
والبلحة التانية غامضة
تفتكر التالتة تابتة؟

وأتوه في زحمة ناس
فاضت بها الإحساس
وغمرت المداين
أنا ماشي لكن، باين
رجليا مش ثابتة

بصيت لتحت، سِبت
بصيت لفوق ضِعت
هنا النجوم تِتشكِل
وهنا العباد تِتنكِل
كل الحبال فالتة

فكيت أيادي الأمل
وحجبته وِسْط الجُمَل
وحَلّيت الأتب
وقَريت من الكتب
سفر يوحنا ومتّى

أنا رسول نفسي
أنا بقول وبَنسِي
فني كَلوح نطّاط
نِمت على البلاط
وصحيت على شلتة

السبت، 23 سبتمبر 2017

"عزيزي بادفوت، الجو بدأ يبرد قليلا، الشتاء حتما في الطريق، أشعر بالوحدة الآن أكثر من أي وقت مضى، وأعلم أنك الوحيد من بين الجميع ستفهمني"

الأحد، 17 سبتمبر 2017

بين التحية والوطنية: سقط القناع


موضوع تحية العلم عملته الدولة لتأكيد السيطرة الجسدية والفعلية على الطلاب، الجسدية، انها تتحكم في أجسامهم في لحظة معينة، والفعلية، انها تتحكم في أفعالهم كمان في اللحظة دي، يعني تتحكم فيهم شكلا ومضمونا. بعد ما عدت سنين كان الطلاب فيها موجودين بأجسامهم حيث لا ترضى القوات، وكانت أفعالهم نابعة منهم مش من أي مظلة شوفينية أمنيتها تمشيهم على مزاجها وتكبت أحلامهم عشان عيون الدولة ماتتئذيش لما تشوف حرية.

وممكن ندلل على موضوع السيطرة الجسدية والفعلية ده بطابور الصباح في عائلة ونيس. ونيس كان فارض بالفعل إطار أخلاقي من الطبيعي جدا ان أسرته كانت ملتزمة بيه لدرجة كبيرة ومش خارجة عن سيطرته. بس يعمل ايه عشان يأكد السطوة الأخلاقية دي؟ يخليهم يقفوا كل يوم الصبح متراصين في مكان واحد قدامه، ويغنوا نشيد غير ذات معنى، وبالتالي يتأكد إن خضوعهم لسطوته الأخلاقية مكنش صدفة عشان هما أخلاقيين، لأ، عشان هو اللي أخضعهم، خضوع محض، خالي من الأسئلة عن جدوى الطابور والنشيد في مسيرة الأخلاق. ولو تجرأ حد منهم وسأل أو امتنع عن الطابور احتمال كل الأسرة تتشكك في أخلاقه واحترامه لأبوه، مش كحاجتين، إنما كحاجة واحدة متداخلة بشكل مربك للجميع.

ده يشبه الوطنية المفترضة اللي بعض الناس بتقول انه ايه يعني لما نظهر بعض الوطنية، وإن تحية العلم تبدو غريبة لكنها لا تدعو للرفض والسخرية زي ما بيحصل وإن دي مبالغة. لكن الحقيقة ان كل الناس عارفة ان الفعل ده فعل سلطوي ودون جدوى في مسيرة الوطنية الحقيقية. لكنها وطنية رأسية نازلة من عند اللي بايعين الوطن وولاده من البداية. وخضوعنا ليها هيبقى خضوع محض، شبه خضوع أولاد ونيس، خضوع للسلطة اللي قررت النهاردة توقف الطلاب طابور، كشكل مقابل تماما لوقفات الطلاب كانوا بيقفوها في وش الدولة وبيغنوا للوطن اللي سرقته منهم.

احترامي للعلم في تحيته بالتحية اللي تليق بيه، التحية اللي بتنبع من القلب، وبتطلع في إيمان بثورة رفعت الأعلام كلها وموتوها، في أمل في وطن يساعنا ويساع ولادنا رغم إحباط اللحظة، في قراءتنا لكل حاجة بتفتح عينينا على الدنيا اللي في خيالنا، وكتابتنا للعالم اللي يليق بإنسانيتنا. انا أعرف اثبت وطنيتني وأقف ثابت قدام سلاح بيدوس زناده ناس بيحيوا العلم كل يوم، وماظنش إني في أي يوم هحتاج ابقى زيهم.

ونذكر في هذا الصدد إعلان محمود درويش المدوي لما قال:

ﺳــــﻘﻂ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ،
ﺳـــﻘﻂ ﺍﻟﻘﻨـﺎﻉ
ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ْ
ﺇﻻّﻙ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺡ ﻟﻸﻋﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ،
ﻓﺎﺟﻌﻞ ﻛﻞ ّﻣﺘﺮﺍﺱ ﺑﻠﺪ
ﻻ ……… ﻻ ﺃﺣـــﺪ ْ
ﺳﻘﻂ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ
ﻋﺮﺏ ٌﺃﻃﺎﻋﻮﺍ ﺭﻭﻣﻬﻢ
ﻋﺮﺏٌ ﻭﺑﺎﻋﻮﺍ ﺭﻭﺣﻬﻢ
ﻋﺮﺏ ٌ .… ﻭﺿﺎﻋﻮﺍ
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻏﻤـّﺲ ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮﻱّ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﻭﺍﺳﺘﺮﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ
ﻛـُﻦ ﺃﻧﺖ َ. ﻛـﻦ ﺣﺘّﻰ ﻳﻜـــﻮﻥ
ﻻ ……… ﻻ ﺃﺣـــﺪ

حوار متخيل (3) : لما الواقف ميّل

إعمل نفسك غبي ، تنجو من العتاب واعمل نفسك نبي ، وفاتح الأبواب واعمل نفسك شاعر ، بتقرا من الكتاب
اعمل نفسك غبي ، تنجو من العتاب ، وتصاحب الجميع واعمل نفسك نبي ، وفاتح الأبواب ، بتكلم السميع واعمل نفسك شاعر ، بتقرا من الكتاب ، وتبشر بالربيع
الخريف ابتدا ، والشتاء آت وجمعولك العدا ، وثأرهم بات وخفّتك تقلت ، وحضورك مات
يا نبي ، إرجع سَماك ، الأنبيا اتصلبوا يا غبي ، فهمك حَماك ، الأذكيا اتضربوا يا شاعر لم اقلامَك ، الصحف اتكتبوا
الصحف اتكتبوا وانت كتاباتك زبد ده طريق اللي انت ماشيه؟ ده خوف طويل الأمد وده شعر اللي انت حاشيه ده خليط قسوة وكمد رتبلي بيت القصيد عايز اجتمع بالعُمَد
رتبلي بيت القصيد أصل القصيدة اتبلّت رجعتلنا حافية ده شابّ عايز يصيد لكن السمك ملّت من ترعة القافية والعقل بيشلّت على دفوف دافية والوحي ليه اتأخر ده سرقته المافيا
مافيا غامضة تجتاز صحاري الضبع الضاري وتيجي قصيدتي؟
كلمت العمدة يجيبلي سلاح وفرق أفراح تروي مصيبتي وقلبنا اليوم وسابنا النوم وهجرنا القوم واتملى دارنا وانا من ده لده شطحت بعقلي ووسط مسائلي شفت حبيبتي!

الخميس، 7 سبتمبر 2017

كالضوء الذي دخل المكان، ولم يستقر فيه

أنتظر أحدهم، ليأتي، ويجلس معي، صدفة، بينما أجلس وحيدا، في مكان اعتدت على وجود الرفاق فيه، وإن اعتدت على الصمت معهم أيضا، كما أنا الآن، مع نفسي، فهل يمكن أن يكونوا موجودين، بطريقة أو بأخرى، بينما لا أراهم؟ في ذاكرة المكان، وذاكرتي، على نفس الكراسي، يصدحون بنفس الأصوات، ويعيدون نفس المواضيع، ويكررون نفس الإفيهات، بنفس الحماسة دائما، فأبتسم ابتسامة خفيفة، مثل التي ترتسم على وجهي الآن، متخذا نفس موقفي وأنا معهم هناك، فأنا أبذل قصارى جهدي لكي أثبت، أن اللحظتين لم تفقدا إمكانية التوحد، وبالتالي لم أفقد أنا إمكانية الاحتفاء بالذكرى، بدلا من الحزن على انقضاءها.

أمام أعيننا

سنكتشف، ربما بعد فوات الأوان الذي يكون لاكتشافنا فيه نشوة، أننا لا نملك خبرة تاريخية مسبقة بما ستكون عليه شكل علاقاتنا في المستقبل، كجزء من جهلنا الشامل بما سيكون عليه مستقبلنا، وإن كان الأخير قد داعبته صناعات المؤلفين وخيالات الحالمين والمكتئبين، الشموليين والفوضويين، وهذا مجال كبير للأدب والسياسة والفلسفة والاجتماع لن خوض فيه. ما استرعى تفكيري الآن، هو هذا الاشتباك الاجتماعي الجديد، الذي انبثق من تطور تكنولوجيا المعلومات فصارت المعلومات والناس شيئا متشابها، وصار الناس جزءا من شبكة كبيرة، يسكنها جزءا لا بأس به من التعداد السكاني العالمي، قابل للزيادة مع تطور الأجيال. الآن علمنا ما نحن بصدد اكتشافه. هذه الشبكة الاجتماعية التي داعبنا خيوطها الصغيرة في بدايات القرن، ستكبر مثلما نكبر تماما، لتعيد هي اكتشافنا. تساءلت: هل ستمر علينا العقود، فتشيب رؤوسنا، ولم نزل ننظر إلى تلك الشاشات، نبعث بالإعجابات، ونراسل أصدقائنا، ونكتب ما يأتي في ذهننا ونقرأ ما يكتب الناس؟ أعلم أن آباءنا الآن يحترفون الأمر مثلنا وربما أفضل، لكنني لا أتحدث هنا عن مسألة العمر كمسألة مستقلة، لكنني أتحدث عن عمرنا نحن، نعم أيها القارئ، نحن، أنت وأنا، وأصدقاءنا.

هل ستظل صفحاتنا مفتوحة لرحلة السنوات والعلاقات؟ هل سنتصالح مع مرور الوقت ونحن نراقبه، هناك في قائمة النشاط، يراكم الشهور والسنين والذكريات معا، جميعا؟ هل سنمرر في نفس المكان حبنا الأول، مراهقتنا الساذجة، نزقنا المندفع، أوهامنا في الصداقة، صدمات الوطن، لطمات المجتمع، ساقية العمل، مركبة الزواج، حافلة الأطفال، قطار العمر الذي يذهب من الشباب إلى الشيب، واثقا.. هل سنتحمل كل هذه الحكاية في كتاب واحد، كلوح محفوظ، مزود بخاصية اللمس؟

بالطبع لن يتحول جميعنا إلى أشباح مستخدمين، كانوا هنا ومضوا، فهناك من سيكمل الرحلة، لكنني أراها حتى الآن رحلة تستدعي الدهشة، أن تقلب صور صديقك، وقد تغير وجهه بفعل الأحداث، وصارت ضحكته ابتسامة، وتنمقه ميزة ماضية ذهبت مع الذين ذهبوا، فنتجت صورة غير متناسقة، صورة على أي حال.

ثم تتحول الذكريات السابقة إلى إشارات متبادلة هنا وهناك، وربما تعليقات بحكم المناسبات والضرورة والأحداث، بالون اجتماعي جمع فراغا كان موجودا، وسيظل على اي حال.

تشغلني الحياة، الحياة في كل شئ، توجد لتنتهي يوما بعد يوم، انظر للفقرات من فوقك كيف بدأت مندفعة، فتصاغرت، حتى سقطت في الفراغ.

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

ديوان الفتح (4) : برهان بارتفاع القمر

القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
يا صباح الخير
على الواقع
يا مساء الخير
على الأوقع
المشاعر تغلب
الفكرة
كنت شاعر عشت
عالذكرى
اللي أمسي
ظل في بكرة
سِبت أبوابي
بلا أكرة
رمّيت اعتابي
على السحرة
فاستحالت عِجل
وخواره
سَمّع اهل البيت
وأدواره
لما انا ضليت
فقلت امشي
لما نوره هل
في رمشي
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
ايدي جابت آخر
العالم
ايدي لمست أول
المعنى
راح تراجع ايه
كتير باعنا
واحنا شعرا مين
بيسمعنا
غير قلوب قاعدين
على الناصية
ناصية الميادين
بلا حاشية
نستعين بالدين
أو نسبه
نكره المضمون
أو نحبه
انت شاعر دون
بلا رقة
والليالي تهون
مش بتبقى
كنت بِتشدد
على الدقة
والعبث مدد
على أرضك
وانت ماشي تقول
كدة برضك
ايوة كدة يا بقف
يا مغفل
نظرتك للسقف
راح تنزل
فوْق دماغك فوُق
دي مش سما
بص تاني لفوْق
قبلما
تكتفي بالفكرة
ِتتعمى
عن مشاهدة ما
يدور حولك
انت لا قوتك
ولا حولك
انت يا فتوتك
بص جنبك
القدر مَوِّتك
على جنبك
وانت لسة بتكتب
المطلع
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
صدري راح ينزل
وراح يطلع
قلمي راح يغزل
وراح يقطع
والحياة بتذل
وبتمنع
وإنت لو بتمل
ولا بشبع
من كتابة القل
والمَجزع
بلغات بتشل
وبتِسمع
وَهو المطلوب
في المسائل
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
كنت بحلم ايه
مانيش فاكر
كنت بحلم ليه
لما هصحى
والقصايد ليه
اصبحت عاجزة
عندها حساسية
مالفصحى
هو ده موشح
لأ دي مرثية
هي دي معلقة
دي منسية
دائرة مغلقة
على الداير
والمداين مقة
على الثاير
والمذابح تقع
في فبراير
وَتُسبب بقع
على قلوبنا
ده يادوب نمشي
ويا دوبنا
بص في الساعة
بقت عشرة
عدي خدلك بصة
عالنشرة
البنات حلوة
البلاد كشرة
اسمع الغنوة
بقت عشرة
هي دي مخزن
جراحاتك
يا جريح احزن
في آهاتك
مش في قلب الناس
القلوب تقسى
مش في ودن الناس
الودان تنسى
مش في عين الناس
العيون غلسة
تكشف العورات
من الشهوة
تمضغن القات
مش القهوة
والدواب تقتات
على الجيفة
شمعة في الظلمات
بس مخيفة
والسطور اوقات
تبقى سخيفة
لو كاتبها مات
وقت كتابته
والعناكب سكنت
مكتبته
كل أمله يعيش
كما الكامل
قام وفتح الشيش
وكان آمل
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع