الخميس، 7 سبتمبر 2017

أمام أعيننا

سنكتشف، ربما بعد فوات الأوان الذي يكون لاكتشافنا فيه نشوة، أننا لا نملك خبرة تاريخية مسبقة بما ستكون عليه شكل علاقاتنا في المستقبل، كجزء من جهلنا الشامل بما سيكون عليه مستقبلنا، وإن كان الأخير قد داعبته صناعات المؤلفين وخيالات الحالمين والمكتئبين، الشموليين والفوضويين، وهذا مجال كبير للأدب والسياسة والفلسفة والاجتماع لن خوض فيه. ما استرعى تفكيري الآن، هو هذا الاشتباك الاجتماعي الجديد، الذي انبثق من تطور تكنولوجيا المعلومات فصارت المعلومات والناس شيئا متشابها، وصار الناس جزءا من شبكة كبيرة، يسكنها جزءا لا بأس به من التعداد السكاني العالمي، قابل للزيادة مع تطور الأجيال. الآن علمنا ما نحن بصدد اكتشافه. هذه الشبكة الاجتماعية التي داعبنا خيوطها الصغيرة في بدايات القرن، ستكبر مثلما نكبر تماما، لتعيد هي اكتشافنا. تساءلت: هل ستمر علينا العقود، فتشيب رؤوسنا، ولم نزل ننظر إلى تلك الشاشات، نبعث بالإعجابات، ونراسل أصدقائنا، ونكتب ما يأتي في ذهننا ونقرأ ما يكتب الناس؟ أعلم أن آباءنا الآن يحترفون الأمر مثلنا وربما أفضل، لكنني لا أتحدث هنا عن مسألة العمر كمسألة مستقلة، لكنني أتحدث عن عمرنا نحن، نعم أيها القارئ، نحن، أنت وأنا، وأصدقاءنا.

هل ستظل صفحاتنا مفتوحة لرحلة السنوات والعلاقات؟ هل سنتصالح مع مرور الوقت ونحن نراقبه، هناك في قائمة النشاط، يراكم الشهور والسنين والذكريات معا، جميعا؟ هل سنمرر في نفس المكان حبنا الأول، مراهقتنا الساذجة، نزقنا المندفع، أوهامنا في الصداقة، صدمات الوطن، لطمات المجتمع، ساقية العمل، مركبة الزواج، حافلة الأطفال، قطار العمر الذي يذهب من الشباب إلى الشيب، واثقا.. هل سنتحمل كل هذه الحكاية في كتاب واحد، كلوح محفوظ، مزود بخاصية اللمس؟

بالطبع لن يتحول جميعنا إلى أشباح مستخدمين، كانوا هنا ومضوا، فهناك من سيكمل الرحلة، لكنني أراها حتى الآن رحلة تستدعي الدهشة، أن تقلب صور صديقك، وقد تغير وجهه بفعل الأحداث، وصارت ضحكته ابتسامة، وتنمقه ميزة ماضية ذهبت مع الذين ذهبوا، فنتجت صورة غير متناسقة، صورة على أي حال.

ثم تتحول الذكريات السابقة إلى إشارات متبادلة هنا وهناك، وربما تعليقات بحكم المناسبات والضرورة والأحداث، بالون اجتماعي جمع فراغا كان موجودا، وسيظل على اي حال.

تشغلني الحياة، الحياة في كل شئ، توجد لتنتهي يوما بعد يوم، انظر للفقرات من فوقك كيف بدأت مندفعة، فتصاغرت، حتى سقطت في الفراغ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق