الثلاثاء، 7 يناير 2014

أنا والثورة (الكتاب الأول) : الجزء الثاني

ها أنا أعود كي أُكمِل ما بدأت .. وإني وقد عزمت على كتابة مُذكّراتي عمّا رأيت في هذا البلد في السنين الأخريات .. فلن يتركني ضميري أتراجع .. ومن يعلمني يعلم هذا .. ولو أن الإلهام غائب عنّي هذه الفترة .. ولو أنني أذكُر مشهداً مشوشاً عمّا تلى من أحداث .. إلا أنني بصدد مسئولية أدبية وأخلاقية يتوجب عليّ ألا أتركها تضيع .. وما أكثر مما ضاع من جراء التَرك .. وما أطول هذه المُقدمة ! لنُكمِل جاهدين .. وبالله نستعين.

الأحد 9 اكتوبر 2011 .. كُنتُ أعتَزِم الخروج مع صديقي المُقَرّب لشراء بعض الأشياء من مدينة نصر .. كان هذا بعد المَغرب .. فَهِمت أمي وطبيعتها القَلِقة بشأن الخروج بشكل عام .. وخاصةً وقد بدأت الفوضي تضرب البلاد في أماكن وأوقات مختلفة .. وقد جرى الحديث في الإعلام عن غضب الأقباط لما حدث مؤخراً من هدم كنيسة في قرية الماريناب بمحافظة أسوان وعدم اتخاذ السلطات الرسمية موقفاً جراء ذلك .. ولم تكن هذه هي أول مرة فقد تكررت مثل هذه الأحداث قبل ذلك مرات وفي مناطق مختلفة وبأيدي المتشددين أحياناً وبأيدي الدولة أحياناً أخرى .. وقد أعلن آلاف الأقباط اعتصامهم مساء الرابع من أكتوبر أمام مبنى ماسبيرو احتجاجاً على أحداث الماريناب والمطالبة بتقديم الجناة للمحاسبة، ودعا القس فلوباتير والراهب متياس المتظاهرين للاعتصام، فيما انسحبت حركات اتحاد شباب ماسبيرو وحركة اقباط بلا قيود وقال المتحدث الرسمي لأقباط بلا قيود انهم يرفضون وجود الجلابية السوداء في إشارة إلى الكهنة، وفي مساء 4 أكتوبر 2011، قامت قوات الشرطة العسكرية بفض اعتصام الأقباط بالقوة، عقب قيام قوات من الأمن المركزي بضرب المتظاهرين وتعقبهم حتى ميدان التحرير ثم انسحبت لتحل محلها قوات الشرطة العسكرية التي طالبت الأقباط بإنهاء اعتصامهم، وعندما رفض المعتصمون ما طلب منهم، فضت اعتصامهم بالقوة وقامت بإطلاق أعيرة نارية أصابت 6 معتصمين. كما أظهرت لقطات مصورة على موقع اليوتيوب قيام جنود من الشرطة العسكرية بالضرب المبرح لأحد المتظاهرين وهو الشاب رائف فهيم الذي أعلن اتحاد شباب ماسبيرو عن تنظيم احتفالية لتكريمه في مطرانية شبرا الخيمة، والتي دعا فيها القس فلوباتير جميل عضو الاتحاد وكاهن كنيسة العذراء، جموع الأقباط لتكريم الشاب بالمشاركة في أكبر مسيرة للأقباط تشهدها مصر «على حد قوله» يوم الأحد 9 أكتوبر، والذي عرف إعلامياً بيوم الغضب القبطي حيث تظاهر آلاف الأقباط في مسيرات بست محافظات مصرية، أهمها تلك التي ذهبت إلى مبنى ماسبيرو.

قالوا لي أنّ " فيه قلق يابني بلاش تنزل النهاردة " .. فأجبت بأنّه لا يوجد شئ وأنني سأذهب بعيداً عن أي موقع محتمل للأحداث فلا تقلقوا .. فنزلت .. وقلقوا .. وسألت في طريقي في شارع شبرا عمّا إذا كان هناك بالفعل مسيرة كبرى للأقباط اليوم ؟! فلم يجيب أحد .. وانطلقنا إلى مدينة نصر ومرّت الساعات حتى أتاني الإتصال من البيت .. " إرجع يا ولا الدنيا مقلوبة وأمك مبتنطقش .. إرجعععع ! " .. انتابني القلق وقفزت في أول أتوبيس يتجه لرمسيس .. وفيما أنا كذلك فتحت الـ " فيس بوك " في هاتفي وتأكدتُ أن هناك أشياء خطيرة تحدُث .. وعلى الجسر النازل إلى رمسيس كان المنظر من أعلى .. سيارات وإطارات محروقة .. وشباب متفرقين في الشوارع .. في نفس الأحيان لابد أن نتذكر تناوُل الإعلام المصري الرسمي للحدث .. إذ قالت المذيعة حينها أن الأقباط اعتدوا على الجيش المصري وقتلوا ثلاثاً من جنوده وأصابوا عشرين .. وأنه لابد للشعب المصري من النزول وحماية الجيش.

سقط في هذا اليوم أكثر من 27 قتيل .. بين رصاص حي ودهس بمركبات الجيش .. وعلّق رئيس الوزراء على الأحداث بقوله «إن المستفيد الوحيد هم أعداء الثورة وأعداء الشعب المصري من مسلميه ومسيحييه.. ما يحدث الان ليس مواجهات بين مسلمين ومسيحيين، بل هو محاولات لإحداث فوضى واشعال الفتنة بما لا يليق بأبناء الوطن الذين كانوا وسيظلون يداً واحدة ضد قوى التخريب والشطط والتطرف» .. وجاء في بيان المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية : " الأقباط يشعرون بأن مشاكلهم تتكرر كما هي باستمرار دون محاسبة المعتدين، ودون إعمال القانون عليهم أو وضع حلول جذرية لهذه المشاكل. " .. وخرجت بيانات أخرى من دول العالم تنديداً لما حدث  كما قوِّل على لسان هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة أنه من واجب الحكومة حماية دور العبادة المسيحية في مصر، وأن بلادها مستعدة لإرسال قوات لحماية هذه الأماكن، ما استدعى استنكارًا قبطيًا وإسلاميًا وليبراليًا، وهو ما ثبت عدم صحته بعد ذلك. أما لاحقًا فقد دعا باراك أوباما لاحترام «حقوق الأقليات» وقال أن بلاده تقف مع مصر في هذا الموقف الصعب والمؤلم .. وقد عمّ الغضب أوساط الشباب وبدأت الأصوات تعلو بضرورة محاسبة المجلس العسكري وانطلق الهتاف " الشعب يريد إعدام المُشير ".

اندمجت بعد ذلك في أجواء الدراسة وأخذني المُجتمع الجديد الذي دخلته .. مجتمع الجامعة .. وصادقت الكثير من الناس حتى أنني لم أكن على ما يرام في تحصيلي للعلم لانشغالي إلى هذا المُجتمع المثير .. ثم ذهبت الأيام وأتت .. وسألني  أحد أصدقائي الجدد فيما نحن صاعدين لتلقي إحدى المحاضرات عمّا إذا كُنت سأشارك في جُمعة رفض وثيقة السلمي  التي أثارت غضباً عارماً لاحتوائها على بنود تعطي القوات المسلحة وضعاً مميزاً بالإضافة لإحتوائها على مواصفات لاختيار الجمعية التأسيسية التي من المفترض أن يختارها أعضاء مجلس الشعب الذي سيتم انتخابه بدايةً من 28 نوفمبر 2011 , ومطالبة المجلس العسكري بتحديد موعد لترك السُلطة في موعد أقصاه ابريل 2012 ,والتي دعت إليها القوى السياسية  الثورية والإسلامية وغيرها .. فأجبتُ بالإيجاب .. وشاركت في هذه المظاهرة الحاشدة التي أُعلن انتهائها بنهاية اليوم حتى لا يتم تعطيل العملية الإنتخابية .. إلا أن بعض المصابين وأسر شهداء الثورة أصرّوا على الإعتصام بميدان التحرير .. وقد كان.

هيثم شومان
الثلاثاء 7 يناير 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق