هل صلّيت على النبي محمد اليوم ؟
صلّي عليه إذاً واستمع إلى بقية الحكاية , فما سيأتي أعظم مما فات , أو كما قال شيخ الثوار ذات يوم في إحدى لافتاته المُلفتة : " اللي فات ظُلم , واللي جاي ظُلُمات " .
تحرّوا معي سياق الأحداث , ما آل إليه المشهد في عهد الرئيس المدني الذي علّقنا عليه آخر أمل للثورة , الفرصة التي أضاعها بفشله واستئثاره بالأمور , وظنّه أن من يؤيدونه سمعاً وطاعة عمياء سينفعونه وحدهم , ساء ما يحكمون .
كان الإعلان الدستوري الذي أصدره مُرسي ومن بعده أحداث الاتحادية هما البداية الواضحة لانقلاب الأمور , لن يعود شيئاً إلى الوراء بعد الآن , وقد بيّنت في السابق ردود الفعل على الأحداث , الأمر الذي اعتبره البعض انتهاءً لشرعية الرئيس , أو بداية لنهايته .
يوم الخميس 8 ديسمبر 2012 أعلنت الرئاسة إلغاء الإعلان الدستوري وإبقاء آثاره , وإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد .
يوم الجمعة 14 ديسمبر تظاهرت بعض القوى لرفض دستور الإخوان , وكان الهتاف : " باطل " .
يوم السبت 15 ديسمبر 2012 بدأ الاستفتاء على الدستور .
لا أتذكر من عيوب هذا الدستور إلا وجود مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين , وفي هذا السياق ينبغي أن نلتفت إلى ما قاله السيد عمرو موسى تعليقاً على دستور 2012 وتبريراً لرفضه له , ويا للعجب , إذ قال : " أنا لا أتفق أبداً مع تقديم المدنيين للمحاكمات العسكرية , لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين "
في أواخر ديسمبر 2012 تم إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور , لتكون : نعم بنسبة 63.83% في مقابل لا بنسبة 36.17%
في يوم 8 ديسمبر 2012 نشرت اليوم السابع خبراً بعنوان :
القوات المسلحة: الجيش لن يسمح بالعنف ويدعو الجميع للالتزام بالحوار.. ولا ننحاز إلا لشعب مصر العظيم ونحرص على وحدته.. وعدم الوصول إلى توافق لن يكون فى صالح أى من الأطراف والوطن سيدفع الثمن
والذي جاء فيه :
" أصدرت القوات المسلحة بيانا اليوم نشر على صفحة المتحدث الرسمى على الفيس بوك نصه:
"تتابع القوات المسلحة بمزيد من الأسى والقلق تطورات الموقف الحالى وما آلت إليه البلاد من انقسامات، وما نتج عن ذلك من أحداث مؤسفة كان من نتيجتها ضحايا ومصابين بما ينذر بمخاطر شديدة نتيجة استمرار مثل هذه الانقسامات التى تهدد أركان الدولة المصرية، وتعصف بأمنها القومى، وتأسيساً على ما سبق ومن منطلق مسئوليتنا الوطنية فى المحافظة على الأمن القومى المصرى تؤكد القوات المسلحة على ما يلى:
إن الشعب المصرى العظيم الذى أبهر العالم بثورته السلمية فى 25 يناير 2011 وفوت الفرصة على كل من أراد أن ينحرف بالثورة عن مسارها السلمى لقادر بوعيه وإدراكه على الاستمرار فى التعبير عن آرائه سلمياً بعيداً عن كل مظاهر العنف التى تشهدها البلاد حالياً.
وأن منهج الحوار هو الأسلوب الأمثل والوحيد للوصول إلى توافق يحقق مصالح الوطن والمواطنين، وإن عكس ذلك يدخلنا فى نفق مظلم نتائجه كارثية، وهو أمر لن نسمح به.
كما تنحاز المؤسسة العسكرية دائماً إلى شعب مصر العظيم وتحرص على وحدة صفه، وهى جزء أصيل من نسيجه الوطنى وترابه المقدس، وتأكد ذلك من خلال الأحداث الكبرى التى مرت بها مصر عبر السنين.. وفى هذا الإطار نؤكد وندعم الحوار الوطنى والمسار الديمقراطى الجاد والمخلص حول القضايا والنقاط المختلف عليها وصولاً للتوافق الذى يجمع كافة أطياف الوطن.
وقال البيان، إن اختلاف الأشقاء من المصريين بشأن آراء وتوجهات سياسية وحزبية هو أمر يسهل قبوله وتفهمه، إلا أن وصول الخلاف وتصاعده إلى صدام أو صراع أمر يجب أن نتجنبه جميعاً، ونسعى دائماً لتجاوزه كأساس للتفاهم بين كافة شركاء الوطن.
وأضاف، إن عدم الوصول إلى توافق واستمرار الصراع لن يكون فى صالح أى من الأطراف وسيدفع ثمن ذلك الوطن بأكمله، وفى هذا الإطار يجدر بنا جميعاً أن نراقب بحذر شديد ما تشهده الساحة الداخلية والإقليمية والدولية من تطورات بالغة الحساسية، حتى نتجنب الوقوع فى تقديرات وحسابات خاطئة تجعلنا لا نفرق بين متطلبات معالجة الأزمة الحالية وبين الثوابت الإستراتيجية المؤسسة على الشرعية القانونية والقواعد الديمقراطية التى توافقنا عليها وقبلنا التحرك إلى المستقبل على أساسها.
كما أكد البيان أن القوات المسلحة المصرية بوعى وانضباط رجالها التزمت على مر التاريخ بالمحافظة على أمن وسلامة الوطن والمواطنين ومازالت وستظل كذلك، إلا أنها تدرك مسئوليتها الوطنية فى المحافظة على مصالح الوطن العليا وتأمين وحماية الأهداف الحيوية والمنشآت العامة ومصالح المواطنين الأبرياء، وفى هذا الإطار نوجه الشكر إلى رجال القوات المسلحة الشرفاء على تحملهم للمسئولية فى تأمين هذا الوطن العزيز بكل صدق وإخلاص وتفانى.
حمى الله مصر وألف بين قلوب رجالها وسدد على طريق الخير خطى أبنائها الشرفاء. "
ولم تغيب القوات المسلحة عن المشهد منذ ذلك الحين , الوجود الذي سيتعاظم تدريجياً وسيظهر مع كل خطأ للرئيس .
في يناير 2013 وحتى قبله بأسابيع كانت القوى الثورية والمدنية تحشد للنزول يوم 25 يناير 2013 - ذكرى الثورة - لإعادة رفع شعارات الثورة التي لم يتحقق منها شئ , وللمطالبة بإسقاط النظام الذي بدأ يكشّر عن أنيابه , ولا أنسى في وسط هذا الدعوات ظهور المجموعات التي تسمي نفسها " Balck Block " والتي تدعو للعنف في مواجهة العنف , وعدم تلقّي الضربات فقط , بل إعادتها شرراً على من بدأ .
كالعادة انتشرت التوقعات الهُلامية والإشاعات الجهنمية التي تحيط بهذا اليوم من كل عام والتي تحمله أكثر مما يحتمل في كل مرة , وكالعادة أيضاً تطمئن أمي إلى أنني لن أذهب في المظاهرات خشية وقوع السوء .. يمر اليوم وأشاهد الأخبار من شاشة التلفاز ويقول المراسل في ظهر اليوم أن التظاهرات انطلقت في الميدان ولكن هناك بعض المجموعات التي دخلت شارع محمد محمود وافتعلت الاشتباكات , هكذا قال المراسل , مكثت في البيت لوقتِ متأخر حتى أطمئن أمي أنني لا آبه لما يحدث , وبعد المغرب أخبرتها أنني ذاهب للتنزه في المهندسين , بعدها بنصف الساعة كنت أهتف في ميدان التحرير .
لن أنسى هذا اليوم العصيب , ربما نسيت بعض تفاصيله , لكنني لن أنسى هذه المشاهد المظلمة التي أغشيت عيني وقتئذ . عندما ذهبت كانت المظاهرات في ميدان التحرير , وكانت الاشتباكات ناحية القصر العيني , كان رحى الغاز يصل في بعض الأوقات إلى أنوف الناس في آخر الميدان من ناحية شارع طلعت حرب ! وتذكّر معي أن بعضهم لم يشم رائحته في حياته , وربما لم ينزل المظاهرات إلا في الفترة الأخيرة , كنت أرى كل شئ جلياً ولا أغفل اختلاف ألوان الناس وتغيرهم من حولي . غضبنا من الضرب العنيف الذي لم يهدأ طوال المظاهرات , ظهر في وسط التجمع شاب غاضب , اعتلى الأكتف وهتف , وقرر الدخول بالمسيرة إلى عُمق الإشتباك , ووضعها امام قوات الداخلية مباشرةً , لا أعلم هل هذا من الشجاعة أم الغباء , المهم أننا سرنا ورائه وهتفنا وتحمسنا واقتربنا واقتربنا , واتضربنا !
كانت هي أول المرات التي أستقبل فيها هذا الكم من الغاز المسيل للدموع في جسدي بهذه الطريقة , كنت قريباً جداً من مكان انطلاق الغاز , وما زاد الأمور تعقيداً وصعوبة , هو أنك وسط التجمع ولا مكان للجري , فقط من الممكن أن تجري في وسط الموجة التي تجري , ومن الممكن أن تقع وتُداس بالأقدام أو تقف وتُعجن بالأجسام , اتخذت الطريق الأسلم وحفرت طريقي وسط الناس للسور الأخضر الصغير بجوار مجمع التحرير , كان الغاز يحتويني ويؤثر على حواسي بحيث لا أتنفس إذا استنشقت ولا أسمع إذا أصغيت ولا أرى إذا نظرت ولا أهتدي إذا فكّرت , لماذا يفعلون بنا كل هذا ؟ لماذا يسلطون علينا هذه اللعنة التي تفقدنا رشدنا وتحولنا من متظاهرين معبرين عن الرأي إلى مشدوهين مُهرولين بين العصبية والحيرة والجنون ؟ قفزت السور وظللت أجري بلا هُدى , رأسي لأسفل ويدي على عيني وعلى أنفي وعلى وجهي وعلى النظارة التي أصبحت بيضاء لا شفافة , تقودني دفعات الناس التي أتخبط فيهم في لحظات جنوني , وظللت أجري وأجري هروباً من هذه الرائحة الحمقاء , حتى وصلت إلى صينية الميدان وجلست أخرج وأدخل أنفاسي بصعوبة وأفكر في أمي التي ربما تقزقز اللُب الآن أو تعزف البيانو ولا ترى ما يحيط بإبنها من أهوال وظُلمات , وأبكي لا أعلم هل من أثر الغاز أم صعُبت عليّ نفسي , وأنظر بعيني من وراء الدموع التي أججت فيها ضعف البصر حينئذ , أنظر إلى نظارتي التي لم تحميني , بل , لم تحمي نفسها فاتخذت الضلال والتخبط كطريقٍ بديل . إنها أصعب اللحظات التي تمُر على ضعيف البصر عندما يدرك أنه حتى لا يستطيع إنقاذ نفسه لأنه لا يرى الطريق ولا يرى ما حوله , بل , بعض الأصوات البعيدة المترامية والظلال المحاطة بهالات أكتشف فيما بعد أنهم بشر والسواد الذي يتحرك كله معاً يمكنه أن يكون جموع الناس تجري من الموت أو الاختناق . لم أجد ما أمسح به نظارتي , لم أجلب المنديل الخاص , وليس معي حتى منديل ورقي , فمسحتها بملابسي المتسخة , فانكسرت ! لتُكمل بهذا سطور القصيدة التعسة التي وقعت من أبياتها من دونِ أرض . ولتعلم - يا صديقي العزيز - أن انكسار النظارة هذا بالنسبة لي هو فقدان القدرة على التمييز والرؤية , أنا الذي لا يضيرني ويكدرني شئ مثلما تفعل النظارات الغبية عندما تقرر أن تسلب مني إمكانية النور وميزة تحديد الأشياء .
ازداد حزني وغضبي على كل شئ , ليتني ما نزلت وليتها ما انكسرت , ليتني سمعت كلام أمي التي تتخيلني الآن أتمشّى مع صديقي إسلام في جامعة الدول نحكي لبعض عن البنات في كليّاتنا الصغيرة ونأكل الآيس كريم , آه لو تعلمين يا أمي ما أنا فيه , ولو , فقط , تشعرين بسلامة نيتي وشرف قضيتي , قضية الثورة التي كُتب لها الانطلاق ولم بُكتب لها الاكتمال بعد , الثورة التي مات من أجلها الشهداء , هل نتركها هكذا ونذهب ؟ هل سنسير في دروبنا الخاصة وندير أبصارنا عن الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل أن يعيش الناس في مصر حياةً أفضل ؟ وما في الحياة أغلى من الحياة نفسها ؟ هذه الأرواح الجميلة النقية التي بذلوها رضاءً وصدقاً لهذا الوطن الجميل , الذي لم يعد جميلاً , الثورة التي لعب بها كل من اعتملت في نفسه الأهواء والمطامح الدنية , الثورة التي اتخذوها كروتاً تُحرق في ألاعيبهم السياسية القذرة , بئس من خانه ظنه وظن أن الثورة تنسى , والله أن الثورة لا تنسى .
سِرتُ متأنياً من الصينية مقرراً ألا أعود إلى هنا مجدداً , الجبان الذي بداخلي يظهر عندما يظهر هذا الغاز القمئ الذي يتخلل الجسد , بل أظنه يتخلل الروح ويؤجج مشاعر الغضب وخيبة الأمل والحنق على كل شئ . في مسيري شاهدت - على ما أذكر - امرأة منتقبة وابنتها تصارعان الظروف وسط اعتداء حيواني من بعض ممن يظنون أنفسهم " رجال " .. زاد غضبي على غضب , وقررت ألا تطأ قدمي هذا المكان الذي لفظني جسدياً ومعنوياً وكأنه يقول , ابقَ ببيتك , نائماً غانماً مستريح , وسِر حيثُ تُملي عليكَ الريح . سِرتُ هارباً ومتشدقاً بأي شئ يُنجّيني من بؤس هذا اليوم , ونظرت خلفي فرأيت سحابات الغاز تعبث في عُمق الميدان وحتى الشوارع البعيدة منه .. أسرعت خُطاي إلى ميدان عبدالمنعم رياض , وعندما وصلت إلى هناك انتظرت سيارة تطير بي إلى بيتي الآمن السعيد , ولكن حظي الحزين انتظرني على الناحية الأخرى من المشهد .
انتظرت السيارة ( مؤسسة - مظلات ) التي ليس من عادتها أن تتأخر هكذا , بل أن الموقف يمتلئ في بعض الأحيان بأكثر من سيارة تذهب إلى نفس الوجهة , نصف ساعة مرت وبدأت أقلق , ما هذا اليوم ؟ حتى تطايرت إلى أذني كلمات سائق أحد العربات الذي قال ( الطريق مقفول ) .. امتصصت الصدمة وسِرت حيث أعبر الطريق ( المقفول ) وأركب , ويا لغبائي , فعندما اجتزتُ النفق وسِرت بجانب منزَل الكوبري أدركت لماذا لا يستطيع سائق السيارة الذهاب , فقد كان هنالك بالقرب من وزارة الخارجية وماسبيرو مئات المتظاهرين , ومن الناحية الأخرى قوات الداخلية , ومن السماء يحيط بنا الغاز , كِملِت . كُنتُ أشعر حينها أنني أحاول الهروب - لا من قنابل الغاز فحسب - بل من حظي اللعين , قررت في لحظة هَوَج أن أكمل السير وأجتاز آخر متظاهر شُجاع في مواجهة الداخلية ثم أجتاز الأرض التي تفصل بين الفريقين ثم أجتاز القوات نفسها وأعبر بسلام ! وإذا أوقفوني سأقول لهم أنني انتهيت وعليّ الآن أن أعود إلى البيت ! أسمعك يا من تضحك هُناك , فغبائي يصل في اللحظات الحرجة التي تشبه هذه اللحظة مستويات عُليا يصعب الوصول لها , المهم أنني طردتُ الخاطر الذي يقول لي أن ما أفعله هو خطر مباشر على حياتي وستظن الشُرطة أنني خطر عليهم ولن أكلفهم سوى رصاصة من سلاح صغير يمتلكه أحد أفراد الأمن , طردتُ هذا الخاطر , بل وطردت الخاطر الذي يقول أيضاً أنني عندما أصل إليهم - بسلام - سأقنعهم أنني ألم بي التعب وأنني يجب أن أكون في المنزل الآن ! وأكملت سير باتجاه خطتي المُحكمة التي ستقودني - حتماً - إلى بيتي لأنسى هذا اليوم وأشطبه من تاريخ حياتي السعيدة . وأتت الرياح - ويا للعجب والدهشة - بما لا تشتهي السفن , فما أن صرت وسط المتظاهرين أحاول عبورهم , حتى سقطت فوق رؤوسنا قنابل الغاز مجدداً . هل تتذكر المشهد الذي ذكرته لتوّي في ميدان التحرير ؟ كرّره هُنا .. جريت هذه المرة بلا هدى , وبدون نظارة , وبدون أمل حتى في العودة , وعندما وصلت إلى نقطة بعيدة من الداخلية .. اتصلت بأمي لأخبرها أنني كنت في ميدان التحرير وأن الداخلية تحاصرنا وأنني لا أستطيع العودة , فهل كنت أتوقع مثلاً أنها ستقول لي : " Take Care , مع السلامة يا حبيب ماما " ؟ لم تدرك أمي في بداية الأمر الجُملة , فظنت أنني لازلت أتنزه وأنني سأتأخر مثلاً أو أن هناك مشكلة ما في المواصلات هُناك أو حتى في المال الذي في جيبي , أعدت عليها الحديث لتدركه صدمةً صدمة , أنا مش في المهندسين , أنا كدبت عليكي , الداخلية بتضرب فينا من كل ناحية , أنا مش عارف أرجع البيت ! , سلام . أقلقت أمي , أرى في قلق أمي عليّ في هذه الظروف باختلاف أوقاتها مواساةً لي وطمأنة أنني بينما أواجه المصاعب هناك من يتذكرني ويتمنى لي السلامة , وأنني بينما لا أجد من ينجيني من الأقدار السيئة , هناك من يدعو لي بكل الخير والأمان والسعادة . قالت لي أنه من مكاني هناك طريقة للوصول إلى رمسيس ومنها يمكن المجئ بسهولة بعيداً عن موقع الأحداث , أخبرتها أنني سأذهب لأرى ما تقول , وذهبت أبحث عن هذه الطريقة , وعُدت للميدان , وفي طريق عودتي رأيتُ خالد علي , وفي طريق عودتي رأيت مجموعة من مجموعات البلاك بلوك تجري بناحية ميدان التحرير قائلين : " بيفضوا الميدااان ! " .. وصلت إلى جانب المتحف المصري من ناحية ميدان التحرير ووجدتُ - أخيراً - أتوبيس ينادي رمسيس , ولكن كيف لا يستغل الناس بعضهم البعض ؟ قال التبّاع أن الأجرة من التحرير لرمسيس بـ2 جنيه ( المفتري ) , ولمَ لا وهو يرى الناس يهربون من وَحشة الأجواء ويريدون أمان البيت , استغلّهم إذاً وزِد الأجرة جنيهاً .. لن يعترض عليك أحد في مثل هذه الظروف , ( اتكّل على الله ) . لم أكن أتوقع من حظي شيئاً مختلفاً , فلم يكن من الغريب أن أجد في جيبي .. جنيهين تماماً . فسأصل إلى رمسيس وسيتوقف الزمن هناك .. ولكن الله مثلما خلق الظروف الصعبة , خلق الأصدقاء الذين يمكن الاعتماد عليهم وقتها , اتصلت بأمي وأخبرتها بالأمر فاتصلت بوليد الذي لم يتوانى , ونزل ليوصلني إلى المترو , ومنه إلى باب البيت , ومنه إلى السرير الذي افتقدته كثيراً .