في المجتمع الذكوري، وجود المرأة بيبقى وجود مدهش: وجود مثير للدهشة. مش بس دورها، لكن وجودها الحسي نفسه، ممثلا في ظهورها بشكلها الطبيعي. عشان كدة بيندهش لو شاف أنثى بشعرها، بيندهش لو شاف أنثى في العربيات المختلطة في المترو، لإن وجودها لازم يكون جوة الهامش بتاعها في عربيات السيدات، حيث لا تقتل الدهشة أحد. بيندهش لو شاف بنت قاعدة على القهوة رغم انها بقت بيته التاني. بيندهش لو شاف بنت بتشرب سجاير رغم ان صدره اسود من الدخان. بيندهش لو شاف بنت بتشتم رغم ان لسانه اتوسخ من الشتيمة. بيندهش لو شاف بنت أصلا وبيفضل باصصلها ككائن غريب لابد من التعرف على ملامحه جيدا وتفحص كل شبر من جسمه.
الذكر عشان يتعامل مع الموقف ويحد من الدهشة اللي أنتجها وجود المرأة داخل مجتمعه الذكوري، بيلجأ لإنه يدخل وجود المرأة داخل وجوده الشخصي، وبالتالي على المدى الطويل هيتم الحفاظ على وجود المجتمع الذكوري من الدهشة المميتة. الذكر في ده بيحاول يستغل الوجود الإضافي للمرأة داخل وجوده بتعزيز وجوده ده، كجزء من المجتمع الذكوري، سواء بإظهار القدرة على التحكم فيها، أو باختراق المرأة التابعة لذكر آخر، وبالتالي اختراق وجوده. فهنلاقي إن الأب الذكوري بيفخر ببنته اللي ماشافتش الشارع، والشاب الذكوري بيتباهى عند صحابه بالبنات اللي موقعهم وممشيهم وراه، وهنلاقي على الجانب الآخر أغلب السباب الموجه بين الذكور وبعضهم بيكون بالإتيان على ذكر المرأة وأعضاءها والتحقير من شأنها، اللي بينصرف للتحقير من شأن الذكر نفسه، القابل للاختراق من خلال أعضاء أمه أو شرف اخواته.
المرأة في ظل المجتمع ده بتلجأ لمساحة الاختيار الوحيدة المتاحة لديها، لإن من غير التحكم ده وجودها داخل المجتمع الذكوري معرض لكافة انواع التهديدات، بتواطؤ من كامل المجتمع. المساحة دي بتكون اختيار مين اللي هيتحكم. هتختار الأب اللي عمره ما هيئذي ولا الحبيب اللي هيديها حاجات جديدة مش عند الأب؟ هتختار الظابط ولا المهندس ولا التاجر ولا المحامي المتقدمين لطلب "إيديها"؟ كل واحد ليه فكر مختلف وطريقة تحكم مختلفة. هتختار الإسلامي المتدين الخلوق اللي هتطمئن للدنيا والآخرة وهي معاه ولا هتختار العسكري القوي اللي هيحميها وياخدها تحت دراعه من اللي عاوزين يهددوها أو "يقيدوها"؟ لكن أي تفضيل بيكون تفضيل لقيد على آخر. أي اختيار المرأة بتختاره في المساحة دي بيحدده تكوينها الشخصي، والخروج من مساحة الاختيار دي مابيكونش موجود إلا قليلا.
المرأة بتتربى في المجتمع الذكوري على إنها ظاهرة. ظاهرة متسقة مع طبيعتها المثيرة للدهشة. ولذلك بيكون الاحتفاء بيها داخل المجتمع على سبيل الاحتفال. فهنلاقي فيه اندهاش وبهجة من مشاركة المرأة المصرية في العملية الانتخابية، وفيه عام للمرأة، يتبعه عام لذوي الاحتياجات الخاصة، وفيه احتفاء بنسبة تمثيل المرأة في الحكومة والبرلمان، وفيه تكريم للأمهات المثالية في عيد للأم. مع إن كل الحاجات دي على الناحية الأخرى بيقوم بيها الذكر، الفرق إن وجود الذكر في المجتمع وجود طبيعي، إنما وجود المرأة وجود مثير للدهشة دائما. المرأة بتتربى على إن مالهاش في النهاية غير بيتها وجوزها، على إنها تحب اللي يقولها بعد دهشته انتي ماينفعش تشتغلي انتي تقعدي في بيتك زي الأميرة وماتحمليش هم حاجة. بيتها بيكون هو ده مجتمعها اللي مسموحلها التأثير فيه، وفي المقابل الذكر بيسيبلها المساحة دي إمعانا في التفريق بين الدور الخارجي اللي هو منوط بيه، والدور الداخلي اللي هي تتحمله. عشان كدة بتتحول الأم في مجتمعاتنا لبطلة وليها عيد أم بينما مفيش عيد أب زي ما موجود في بعض المجتمعات، ولا فيه الاحتفاء المبالغ فيه بدور الأم، لإن الأم - زي الأب بالظبط - دورها متقسم عالمجتمع والحياة الشخصية، ومابتتحولش هي نفسها لجزء من الحياة الشخصية لكيان تاني، عشان كدة مش بيكون فيه داعي ملح للاحتفاء بدورها في البيت والتربية ودعم الرجل أينما كان، ولا بيكون فيه داعي للاحتفال (والاندهاش) بتمثيلها في الوظائف السياسية وغير السياسية، لإن لو ليها دور فعلا مش هيطلع الذكر كل شوية يقولها انا مبسوط ان انتي جنبي ومعايا، لإن المجال العام مش مجال للحب والمؤانسة، لكنه مجال للقيام بأدوار ووظائف محددة تتطلبها مصلحة الأفراد في المجتمع. ومن نوادر دور المرأة كما يتصور جزء لا يستهان به من الوعي الجمعي، إعلان كريم عبدالعزيز اللي بيقول فيه اللي يساعد واللي يشيل واللي يعمل، وطبعا الستات هتزغرط. وحسين الجسمي وهو بيقول عن المشاركة في الانتخابات "اللمة دي لمة رجال" اختصر كلام كتير ممكن يتقال. ومن مظاهر الدهشة غبطة حكيم الكبيرة وهو بيقول "الست دي تتشال عالراس" عشان شاركت. ما هي لمة رجال لكن ست؟! أحلى ست دي ولا ايه؟
المجتمع الذكوري بيتربى على إن المرأة جزء منه، بس ماينفعش تبقى جزء مستقل، لإنها لما تكون جزء مستقل هتبقى مستباحة من بقية الذكور الذكوريين اللي هيسعوا دائما للسيطرة عليها، علشان كدة بتنشأ سلطة ذكورية عمومية هي المتحكمة في وضع المرأة ككل، السلطة دي عشان تحمي المرأة (التابعة كفكرة عامة) بتغطيها بطبقات، تحجبها عن دهشة الذكور، وبالتالي عن محاولة السيطرة عليها، وهي طبقات من الوجود اللي الذكر بيتمتع بيه، بتبدأ تتدرج من عدم النزول من البيت، عدم الاندماج في المجتمع، عدم الكلام مع الغرباء، عدم الصوت العالي، عدم الضحك، لبس يغطي كل شئ، لبس يظهر الوجه والكفين، لبس طبيعي، وصول البيت بالليل، الدخول في علاقات، شرب الدخان، إلى آخره. الطبقات دي هي اللي بتحمي المرأة من تصور المجتمع الذكوري عنها، بس هي من الهشاشة بحيث إن أقل حاجة بتصدر منها ممكن تأثر على التصور ده، وتوقعه زي أحجار الدومينو، وتحطم كل طبقاتها الهشة وتعريها في عيون المجتمع. عشان كدة الراجل يلعب بديله. لكن البنت تبقى ماشية على حل شعرها. يعني الراجل بالنسبة له أي حاجة ممكن تتعرف في إطار اللعب، إنما البنت كل همسة بحساب عسير. عشان كدة لما علياء المهدي اتحدت السلطة الذكورية واشتركت في وقفة نسوية عارية في أوروبا أسقطوا جنسيتها، يعني خرجوها من اعتراف المجتمع أصلا. وكذلك لما بدا لحكام المجتمع إن مشروع ليلى بتساهم في انتشار أفكار ممكن تهدد البنية الذكورية للمجتمع (الذكر فوق، الأنثى تحت) وتلخبط المفاهيم دي عند الناس وبالتالي تلفت انتباههم لتكويناتها أصلا، وقفوا حفلاتها في مصر.
وده بيدفعنا للإشارة لمكانة المرأة داخل العقلية الذكورية، ككيان مفعول به، ككيان ضعيف ككيان ناقص "عقل ودين"، وبالتالي ماينفعش المجتمع الذكوري يتشابه معه في أي حاجة. "الواد ده شعره طويل شكله خول"، "مفيش راجل بيعيط"، "انشف خليك راجل". فلما يتم ذم الرجل بيتم ذمه بتشبيهه بالمرأة أو ابتزازه بالتصور ده، بينما لما يتم مدح المرأة بيتم مدحها بالرجل، "ست بس بميت راجل". وعلى مستوى أبعد بيتم تعظيم القوة المادية كشكل من أشكال القوة الذكورية، فلما يتحط العسكري المسلح قدام المدني أبو شعر طويل هيتم احترام العسكري المسلح أكتر من المدني أبو شعر طويل بغض النظر عن اللي جواهم. فعلى المدى البعيد بيتم تقديس القوة في المجتمع أيا كان شكلها، وإسناد الضعف لأي شئ آخر خارج قيم المجتمع الذكوري.
في السياسة زي في المجتمع، بيتم استخدام المرأة يإما لتعزيز قوة الذكر الأول من خلال إظهار تأييده منها أو لاختراق الذكر الآخر باختراق المرأة التابعة له. فمن ناحية هنلاقيها ماشية في القسم الخاص بالسيدات المتشحات بالسواد في المظاهرة ورا الرجالة ضد الانقلاب وبتهتف للنخوة والشريعة والدم. ومن ناحية تانية هنلاقيها هي أكثر المتحمسين لقوة البدلة العسكرية وبتهتف بحب القائد البطل. بس من وجهة نظر منافسيهم هنلاقي انهن في الأول بيتقذفوا بجهاد النكاح على الشاشات، وفي التاني بيتقذفوا بالرقص والدياثة على الإنترنت. وبتبقى هي دي صورتهم في عيون الذكوريين من الطرفين.
أنا تفرعت لأفكار كتير وتقريبا كلامي مكنش مترتب كويس إنما انا عاوز الناس عالأقل اللي بتقول ان عندها مبادئ وأفكار ماتنجرفش لمستنقع تحقير المرأة المتبادل حاليا واستخدام صورتها لتشويه الخصوم، لإن بتفكير بسيط وطبقا للمنطق الذكوري المذكور لو عممناه محدش هينجو منه، وهيقولك زعلان من البنات اللي بترقص قدام اللجان، طب وريني كدة البنات اللي بترقص في الحفلات، بغض النظر ان الأولانيين بيتم استغلالهم استغلال مش نضيف وسمعت ان بيتم دفعهم لنقل الصورة دي، وده بيكرس وضع المرأة في المجتمع كظاهرة وككارت محطوط عالترابيزة للي يعرف يزايد عالتاني، طبعا ده على المستوى السياسي، على المستوى الاجتماعي بقى ياريت نراجع تصوراتنا وماننجرفش برضو لتأطير المرأة في جزءها الصغير من اللوحة الذكورية الكئيبة، ونكف عن تقاليد عيد الأم وعيد المرأة وتعالي يا أستاذة هقوملك عشان ماتقفيش وسط الناس وانا الراجل وانتي مسؤولة مني وتعالي عالحرف عشان انتي محمية طبيعية وروحي اركبي عربية الحريم وغطي شعرك وبتعرفي تطبخي ولا لأ وكل الكلام الفاسد ده. ماينفعش نبقى بننزل الشارع كل يوم وبنشوف ونسمع نفس المظاهر ومانطورش أي آلية لفهمها ونفضل بس نرمي انتقاداتنا وأحكامنا وأحيانا شتايمنا وتناقضات مبادئنا على الناس يمين وشمال. أفكارنا ومواقفنا هي اللي هتصنع شكل المجتمع اللي جاي، فياريت نخليه أحسن وأعدل شوية بالأفعال وبالاحترام الحقيقي للكل وبالعدالة مع الجميع كإننا من جنس واحد ونبطل كلام فارغ، أكيد وقتها الدنيا هتبقى أكثر احتمالاً.




