الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

الأخبار والمسائل في حديث الرسل والرسائل (1)

في إحدى الليالي صافيةَ السماء ظاهرةَ القمر .. تردد سؤالي عن رسولٍ قصد الوصالَ وما ظهر .. وسألت رب الأرباب .. عمن أطالَ  وغاب .. ولم يكن يحمل أبعد كتاب ! .. فانتظرته حتى جاء .. وشكرت ربي وصول الكتاب والدعاء .. أما بعد
..
فقد سألته عن سبب التأخير .. لعله خير ..

قال : ذهبت حيث ذكرت .. ونظرت حيثما وليتني ما نظرت .. فإذا بها مدينةٌ يشع منها النور من كل اتجاه .. أقسم بأنني ما رأيتُ ما رأيتُ فيها من سلطانٍ و جاه .. لصاحب تلك الممالك .. والمنتصر  بالله في المعارك ..وقائد هؤلاء الملوك .. وطيب اللسان والسلوك .. وأكثر من كل ذلك .. وأهلها يجولون في رحباتها من كل حدب .. فأنَّ للرجل لا يجد فيها ما أحب ! .. قد بلغ منهم الكرم كثيره .. حتى ليجدَن العابر فيهم طيبَ الخلقِ وعبيره ..
قد ملأت أسواقهم الشعراء والرواه .. وبلغت ألسنتهم مجد الأدب وعُلاه .. فجلست فيهم جلسة المطيع تطربني الحكاوي .. فسكت الجميع وقال الراوي
:
يُحكى منذ قديم الأزل والزمان .. صلوا على المصطفى واذكروا رب الأكوان .. أن كان هناك بئراً ذهبياً في الشرق .. حدثتنا أخبار القدامى عن أصحابه .. ويخشى الناس اقترابه .. يقولون من قربه ذهب فيما ذهب .. ويقولون رهب .. ويقولون اجتذبه بناء البئر فأحاله ذهباً على ذهب .. ويقولون تلك بوابة النار وذاك اللهب .. ويقولون بناه إحدى الملوك في أقصى المدينة ليمنعَن عنها الريح في المهَب .. ويقولون فيه كنوز العرب .. ويقولون هذا بئر الأماني .. ويقولون هذا لُب المعاني .. ويقولون ما لنا وكل تلك الفروض .. ما هذا إلا بئر الغموض .. ويقولون قد سكنه الشيطان .. ويقولون هذا البئر عَمران .. مُدناً وحضارة .. زُرقاً وخضارة .. أُناساً ومارة .. ما إلا شره .. وقع فيه كل من زاره ! .. فأنبهنا الحديثُ إلى ذاك الفتى من مريديه .. والعائد من فيافيه .. فهو أحد اثنان يعلمان سرّه .. واسمه وخبره .. وحلوه ومرّه .. وخيره وشرّه .. ومنفعته وضرره .. ونثره وشعره .. ونجمه وقمره .. وبيوته وقصوره .. وحساب سنينه وشهوره .. ومعادلته ودالته .. ومفارقته وحالته .. وأهله وعشيرته .. وسَيرَه ووتيرته .. وسهله وواديه .. وقد حدثنا عمّن فيه
..
قال : فأما البئر .. فلا أفصحن عن هذا السر .. وأما أهله .. وأما خبرهم .. فلا أوافيه .. إليكم قاضيه
..
قال : سبحان من خلق الزمان والمكان .. وسبحان من جمع أولئك القوم لذاك القَدَر .. وليُجزى حسناً من تأنى وصَبَر
.. أما بعد ..

فقد تُعرَف الصفات وتغيب الأسامي .. صُمّوا آذانكم .. أو اسمعوا كلامي ..

أولهم شاعرٌ سبق ذكره وكثر شكره وذيع خبره وعظم أمره
ثانيهم شاعرٌ طائع قائده حامد حامده تكثر كتابته وتقل خطابته
ثالثهم مسرحٌ تمثلت به ألوان الفنِ والأدب .. والإخراجِ والكُتُب .. هائمٌ في المعنى .. عاشقٌ للتمثيلِ والمغنى
رابعهم عزَّه الله في سماه .. وأبلغه مجدها وعُلاه .. مصريُ اللون .. طائرٌ ناظرٌ للكون
خامسهم تطايَر شَعرَه من طول البحث .. أو ربما هذا أنتجه مجال الحث ! .. حدثوني عن اختراق عينه للأبعاد .. انتخبوه .. كي يسبح في سماء الأمجاد
سادسهم غامض كلامه وتشوقنا إلى سلامه وكلامه .. أطال الله لنا الأعمار .. وأنزله من عُليات الأدوار
سابعهم خَفَّ دمَه حتى كاد يطير .. وفاز كلامه فوز الشخارير ! .. وعلا ضحكه فأسمعنا .. ليته يفرغ .. ويأتِ لنا
ثامنهم طال نظره في حسم الأمور .. حفظه الله ووقاه الشرور .. شاع اتصاله .. وكُتِبَ نضاله

أما الآن .. فهذا يكفي .. ولاحقاً أُكمل وأوفي .. وهذا حتى لا يُهدَم العدّ .. ولتأخذوا مقالي محمل الهزل والجدّ .. فوجهتي ذهاباً لقضاءِ أمورِ هذا البئر .. وطُلبتي إليكم .. في حفظ ذاك السرّ .

! فقال الراوي : وذهب .. ولنُكمل قريباً حديثنا عن بئر الذهب

فانفضّ المجلس .. وجلست أضحك وأعبس .. وأسرح وأنعس .. أنبهتني فتاةٌ ناعم شعرها أملس .. معشوق اتّباعها مُلتَمَس .. مس القوم في رؤايها ما مس .. أطيب بمن نظرَت إليه في خَلَس .. فتَعَشَّق وتَحَمّس .. وتَحَفّز وتَلَبّس .. وتَوَحّش وتَوَنّس .. وأحس قلبه ما أحس .. ووسوس في أذنه ما وسوس .. لناعمة الوجه والملمس .. فإذا بالقوم يضربونني حتى أفيق .. وإذا بي لم أرى صاحبةَ القوام الرقيق
!!

فذهبت في البلادِ أطلُب طوافها .. وجالست العباد وقابلت عرّافها ..
قال : أمّا يا بنيَ أطابَ الله لك الحال .. وأعفاكَ عن السؤال .. فقد طُفت في هذي البلادِ كثير .. وعاشرتُ السلطانَ والأمير .. والبسيطَ والفقير .. والطيب والشرّير .. وأمورهم شتى .. يعظُم سردها .. فعاشرهم حتى .. تؤتِ مددها
..
فتركته وحفظت العنوان .. وطرتُ إلى قصر السلطان .. أوفيه قدره تحيةً وإجلالاً .. وسلاماً وسؤالاً .. وأحمل إليه كتابك المتشوّق للقاء يده .. وخرجت بعدما أكرمني عنده
..
فأسرعت قاصداً أراضيك .. وعلمت أنّ تأخري لا يُرضيك .. وفي طريقِ رجوعي استوقفني القوم .. كمن سمع آذان المغربِ بعد ساعات الصوم
!
فقال أحدهم :  أمّا بعد فقد شاع أمر الرسائل التي تحملونها في البلاد .. وانتشرت أخبارها على ألسنة العباد .. ودارت أحاديثها في كل مجلس .. وأحبوها ما تُطرب وتؤنس .. وتابعوا وصولها ووصولك .. وراقبوا رسوله ومثولك .. وتعجبّوا ما فيها من اختلاف .. وتناغُم وخِلاف .. وذكرٌ للأمجاد والأسلاف .. وبلاغةٌ في الخطاب .. وبراعةُ في الكتاب .. وعشقٌ كأشعار العرب وروايات الإنجليز .. وزهدٌ مرجعه عمرو بن عبد العزيز .. وذكرٌ لحروب الفرسِ والروم .. وانقسام بلاد الخرطوم .. والأرض المُغتَصَبة .. والسياسةُ القَذِرة المُنتَصِبة .. فأمّا الطيرُ فنصطاده من فوق رؤوسنا بالوسائل .. وأمّا ما يطيرُ من فوقِنا من رسائل ..فليكُن لنا من رسائلهُما نصيب ..وليكُن لنا في آذانهما خطيب.. عدَّل الله أمر البلاد ووفق السلطانين ..{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين } .. أدام الله لهما الصحة والعافية والكتابة والدين
..
فأخذت كتابهم وأسرعت لوصلك .. وسلمت عليهم .. وها أنا بقصرك
..
فقُلت : سأنتَظِر رسولهم ورسولَ بَندَر .. فِطُف بلادهم واروِ هذا الخبر
:
بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين .. سيدنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين .. أمّا بعد
..
فسلامي على من قرأ الخُطَب .. وقَدَّر الأدب .. فقرأ ونال العَجَب .. وكَتب على السعة والرحب .. فقد ملأ كلامكم صدري وزاد عن هذا القدر .. ألا ليت شعري ألِكُل الناسِ ذات الحظ الأوفر ؟! .. في أصدقاءٍ يُضرَب بهم المثل .. تُملأ بهم صفائح العسل .. توزَن عقولهم بالحجر الكريم .. تُرى وجوههم رؤية البدرِ التميم .. ستُنقَش حكاياتهم في التاريخ .. وتُسَجَّل طلعاتهم إلى سطح القمر والمريخ .. ستطير الأذهان .. ويَحكُم فكرهم .. ويأخُذنا الزمان .. ويبقى ذكرهم
..
. وآخر كلامنا .. سلاماً وتحية .. أدام الله لنا .. نقاشاً وقضية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق