السبت، 19 أبريل 2014

أنا والثورة (الكتاب الأول) : الجزء السابع

ودائماً تُذَكّرنا الأحداث ببعضها البَعض .


توجه أنصار الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل للاعتصام بالقرب من وزارة الدفاع مساء الجُمعة 27 أبريل 2012 , وكان الشيخ قد تم إقصاؤه عن قائمة المرشحين نتيجةً للجدل الذي دار في جنسيّة والدته , مُطالبين بتسليم السُلطة للمدنيين وإلغاء مادة تحصين الانتخابات الرئاسية من الطَعن , ومرّت الأيام , وسُرعان ما انضم لهم العديد من القوى الثورية وطلّاب الجامعات مطالبين بسقوط حُكم العسكر , وفي يوم الثلاثاء 1 مايو 2012 , اتصل بي الصديق إسلام محمد واتفق معي على الذهاب , فذهبنا .


كانت محطات خط الأنفاق الجديد خاوية على عروشها , لم يكن مر الكثير من الوقت على البدء في تشغيلها ( العتبة - العباسية ) , وكان معنا في العربة ثلاثة من الرجال ذوي الأشنبة , كُنا ننظر لبعضنا البعض نظرات الريبة والقلق , وأخبرني أننا سننزل بمحطة ( عبده باشا ) حتى نكون بهذا بعيداً عن شكّ مخبرين الأمن ومن يُحبّونهم , ولم ننجُ منهم في الحقيقة .. فقد كانت الأمور في البلاد بحيثُ يعلم الناس أن أيّ من يتوجه هنالك فهو ذاهب لهذا الغرض دون شك .. وفي هذا بعض الصواب , عندما خرجنا من العربة وصعدنا السلالم المتحركة كان أمامنا الثلاثة , وشممنا من رائحة كلامهم ونظراتهم ما نخشاه , وعند خروج إسلام من الماكينة , افتعل أمن المحطة مُشكلة معه , وجادله في التذكرة أو ما شابه , وفي هذه اللحظة : لا أعلم لماذا أمسك أحد الثلاثة بيدي , ثم نظر للشجار خلفي , وتركني .. لا أسأل لماذا أمسكني .. أسأل لماذا تركني ؟ على كُل حال .. ذهبتُ وإسلام إلى مكتب أمن المحطة وانتهت المُشكلة بعد قلق وشممنا أنفسنا في الشارع .


عندما خرجنا , لم نكُن من الأمن بحيثُ نسأل أصحاب المحلّات أو روّاد المقاهي عن وزارة الدفاع ! فسِرنا حيثُ هَدَانا رُشدنا , وفي الطريق قابلنا أحد شباب حملة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح ومعه إعلانات لبرنامجه ( مصر القوية ) فأخذناها منه وسألناه بابتسام عن مكان الاعتصام ودلّنا أن نسير الشارع لآخره ونعبر الميدان ونجتاز المستشفى , ففعلنا , وفي طريقنا قابلنا أحد الشباب من أهل المنطقة ربما , قررنا أن نكذب عليه فلا ثقة لأحد في هذا البلد , وطلبنا منه أن يدلنا على المستشفى , وتظاهرتُ بمرض خالتي حينها , وشكّ فينا لكن لم يفعل شئ , أوصلنا إلى المستشفى , وربما زاد من استذكاؤه بعض الشئ فأراد أن يصلنا إلى فناء المستشفى ! ولكننا أخبرناه أننا سنُكمل الطريق , ودعناه يذهب , ويختفي .

كان الحشد قد أثبت حضوره في المشهد من حولنا بعد أن آمنّا أننا وصلنا دون ضرر , وطفقنا نسير وسط الجموع , وننظر إلى الوجوه , الثوريون في الحشد أمام الأسلاك الشائكة مباشرةً , والإسلاميون بطول الشارع المُقام فيه الإعتصام , وقابلتُ هُنالك الزميلة نورهان البدري ووقفنا وقتاً قليلاً معها وأكملنا المسير أنا والرفيق , لا أذكر بالظبط المشاهد وتراتيب الأحداث , لم تكن الأحداث قد أطلت برأسها بعد , كنا فقط نقطع الشارع جيئةً وذهاباً ونقف هُنا تارة وننظُر في الضوضاء هُناك تارة أخرى , من خلاف جانبي بين إحدى معارضات المشروع الإسلامي وطردها من الاعتصام رغم قدومها للمشاركة , إلى أتوبيس يحمل رُكّاباً صمم على اجتياز الشارع المُقام فيه الإعتصام والحواجز والبَشَر , وطرده أيضاً , حتى اصطياد التخوفات والإستنتاجات وتطاير التأكيدات في الجو المُحيط بأن الهجوم قد أوشك الليلة , كان معنا اثنان من عائلة إسلام هُم من توقع هذا لنا وأعقب توقعه بالدلائل : مِن الوجوه الأمنية المعروفة من المعارك السابقة في الشوارع , إلى اشتمام رائحة البلطجية قد اقتربوا وسيُقبلون في أي لحظة , وحتى استراق السمع من بين أفراد الجيش , وكل هذا ذات نتيجة واحدة معروفة , وواقعة عاجلاً أم آجلاً .. وكان الاختيار الأول هو الأصح .

وحين كانت الإشاعات تجري في الألسنة مجرى الأنفاس , كان الحماس يجري في القلوب مجرى الدم , وترتفع الصيحات والتكبيرات , وتصتك العُصي والحجارة بالأعمدة والحواجز الحديدية , وكُنت لتَشعر وقتها بحماس مُشابه حتى لو لم تكن تكنّه مثلهم , تعلو الضوضاء في لحظات الدفاع ترهيباً للعدو ولإشعاره بأنّا هُنا لا نزال , ولا نخشى , بل نعُد أنفسنا وعُدّتنا للقائك , وهل يُضاهي جُرح العُصيّ والحجارة , اختراق المُسدّسات والسيوف ؟ وهل تُساوي فرحة الثائر للفكرة , وحشيّة القاتل للدم ؟

قبل انتصاف الليل كُنّا نهوى بين أنفاق المترو , دعونا لهم بالستر والنجاة ونِمنا في بيوتنا , ولم يناموا .

الأربعاء 2 مايو 2012 , الخامسة صباحاً . استيقظُت قلقاً في غير موعدي وعلى غير العادة , أشعر بضيق يثقل على صدري واستذكر بعض مشاهد الأمس , ربما هويت على السرير بعد دخولي البيت مباشرةً من التعب , ولم أشعر بما حولي , الآن أشعُر أن شيئاً قد حدث . تأكدت هواجسي عندما قرأت الأخبار ورأيت الصور , هجوم مسلحون مجهولون على اعتصام العباسية مما أسفر عن وقوع 11 قتيلاً وعشرات الجرحي , وباقي الأخبار التي تجرعتها صباحاً بدلاً من كوب ماء , كانت صور الضحايا وبقايا الدماء , وقيل أن الهجوم كان بالأسلحة البيضاء والأسلحة النارية , وإطلاق الرصاص كان مباشرةً في الرأس أو في الصدر , وقرأت الفاتحة , ونزلت .

انتشرت أخبار الاعتداء في كل الصفحات وبين أوساط الشباب , وعلّق بعض المرشحين حملاتهم الرئاسية حداداً على القتلى  , ونددت مختلف الحركات السياسية والثورية بالعنف , ودعى بعضها إلى المشاركة يوم الجُمعة في مليونية بالقرب من وزارة الدفاع للتنديد بإسالة دماء المعارضين والمطالبة بتسليم السلطة وإعدام المُشير , لم أقوى على النزول يومها , ربما استيقظت متأخراً , وكان إسلام وصديقُه عَمر محمد هم من عاشوا هذا اليوم العَصيب , لم نكُن قد استقبلنا خَبَر الحشود التي تحتشد عند وزارة الدفاع إلا ووردت أخبار فض المظاهرة من قِبَل جنود الجيش , وأخبرني صديقي أن قنابل الغاز كانت تَنزل عليهم كالمطر , وكان لي أن أتخيل كيف لهذه الآلاف المحتشدة أن تجري باتجاه واحد في هذا الشارع الضيق , وأن أعلم أيضاً كم منهم وَقَع وكم منهم أصيب , وكم منهم احتجزهم الجيش , هذا غير اعتداءات الجنود على المتظاهرين في الشارع وبداخل الجامع ! والقبض على من فيه بما فيهم الشيخ حافظ سلامة , كان يوماً لا يُنسى بين الشعب والجيش , فضّوا كل شئ , وأعلنوا حظر التجول في العباسية حتى السابعة صباحاً .

بعدها , أطلق المجلس العسكري أكاذيبُه بأن لا يد له في الهجوم على المعتصمين , وتهديداته بأن وزارة الدفاع خط أحمر وأن من يقترب فلا يحاسب إلا نفسه , وتعهداته بأنه لا يريد السُلطة وإنما سيجري تسليمها في نهاية يونيو المُقبل كما اتُفِق , وأنه لا داعي للمطالبة بتسليم السُلطة , وطالب الشعب بالحرص على اختيار الرئيس القادم , وتوفير المُناخ المناسب للانتخابات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق