الاثنين، 14 أبريل 2014

أنا والثورة (الكتاب الأول) : الجزء السادس

لم يعُد هناك الكثيرُ من الوقت , فكلما مرّ بنا الزمن ورأينا بأعيننا الزيف , كلما شعرنا باقتراب النهاية , وهو في الحقيقة ليس مجرد شعور , فقد رأيناها ولمسناها ومرّت بجانبنا في مرّات عدّة , ربما كان الحظ أو القدر هو ما أبقاني حتى هذه اللحظة كي أكتب هذا الكلام , فمن يعلم ؟ من يعلم أنني سأنجو من البطش وأُكمل الحديث ؟ ربما يختارني الرصاص الطائش ذات يوم , أو يُزَج بي في أحد السجون , هل سأكتب ما رأيتُه على حائط الزنزانة ؟ هل ستنير لي الشمس من فتحة السجن ؟ وإذا كتبت ؟ من سيقرأ غير الزَمَن وذرّات الهواء والمظلومون الذين سينامون في محبسي إلى يوم القيامة .. أو هدم أسوار السجن على رؤوس المُستبدين ؟

بات الهواء في مصر بعد المذبحة باهتاً , كئيباً , أينما سِرت شممت رائحة الخيانة والهوان , تلك الورود التي قُطِفَت في أوج بهائها , ومن المسئول غير القاتل والمتفرج والسفّاح الأكبر ؟ انطلقت الاحتجاجات في القاهرة والإسكندرية والسويس وبعض المحافظات بعد يوم الثاني من فبراير تنديداً بالمذبحة وللمطالبة بالحقوق التي اُهدرت على أرض هذا الملعب وعلى رأس ذلك المطالبة برحيل المجلس العسكري التي توجهت إليه أصابع الاتهام على الفور .

وفي الليلة نفسها , كُنتُ هُناك , في شارع محمد محمود مع جموع الشباب الغاضب , نهتف ضد الداخلية التي أدارت ظهرها لمَن يُقتلون أمام أعينهم .. فما وظيفة هذا الكيان غير حماية الممتلكات والأفراد ؟ أين هذه الحماية إذاً ؟ ولا عجب , فنحن نعهد هذا النوع الذين يقدمونه من الحماية للنظام من كل مَن فتح فمه وقال شيئاً مخالفاً , نراه جلياً في معتقلاتهم ونلمحه من فوهات أسلحتهم المصّوبة تجاهنا في كل وقت . هتفنا ضد وزارة الداخلية وضد حُكم العسكر وطالبنا برحيل المُشير وإعدامه لما آلت إليه الأمور من الاستهانة بدماء الناس في حُكمه . كانت الأمور عاديّة .. كنا قد اقتربنا من الشارع المؤدي إلى وزارة الداخلية من محمد محمود , وكانت صفوف الأمن المركزي ومدرعاته تقف أمامنا على أول الشارع .. وفيمَ رأيت أننا كنا نهتف أمامهم بل ويحدثهم أحدنا عمّا يقع من ظلم .. بدون أن يحدث بيننا وبينهم شئ إلى هذه اللحظة , حتى كلمتني أمي وطالبتني بالعودة فلبّيت .

دائماً تكلمّني أمي في هذه اللحظة , بين انطلاقي من التحرير ووصولي البيت كانت الاشتباكات قد بدأت .

وقعت الإشتباكات في القاهرة والإسكندرية والسويس , واستمرت بمحيط وزارة الداخلية إلى يوم الخامس من فبراير , حيث وصل عدد القتلى في القاهرة إلى ثمانية من الشباب وفي السويس إلى أكثر من خمسة وعدد المصابين في القاهرة إلى أكثر من 1482 مصاب .. وعلى التوازي كانت المسيرات تجوب الشوارع في القاهرة وفي المحافظات مطالبة بتسليم السلطة وسقوط حُكم العسكر , وتوقفت الإشتباكات بعد محاولات عديدة من أطراف عدّة لاحتواء الأمور والحيال دون استمرار الاشتباك في الصفوف الأمامية , ودعا المُشير في بيان رسمي إلى الإسراع بإجراء الانتخابات الرئاسية , وأصدرت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات الرئاسة قراراً بفتح باب الترشح يوم 10 مارس .

لم تتوقف مجموعة أولتراس أهلاوي عن المطالبة بالقصاص من يوم المذبحة , وشاركتُ في معظم الفعاليات التي كانت تنظمها المجموعة للضغط على النظام في سبيل ذلك , وكانت أعظم المسيرات التي سِرتُ فيها وأكثرها تنظيماً هي تلك المسيرات التي كانت تنظمها هذه المجموعة في هذه الأسابيع التي تلت المذبحة , وعلى التوازي , كان النضال الثوري مشتعلاً بدوره , ولم يُثنِ إعلان برنامج إجراء الانتخابات الرئاسية الثوار عن النزول للشوارع والمطالبة برحيل المجلس العسكري ومُحاسبته .

ومع مرور الوقت وانقضاء الأسابيع , تبيّن الشعب المصري الوجوه التي عليه أن يختار منها رئيساً للجمهورية , وخاض السِباق فيمَ أذكر من المرشحين ذوي الأهمية على مستوى الرأي العام المصري : أحمد شفيق , حمدين صباحي , خالد علي , عبدالمنعم أبو الفتوح , عمرو موسى , ومحمد مرسي . وكان السِباق حينئذ على حُكم مصر في أذهاننا يتعلق بمدى قرب المرشحين من الثورة أو بعدُهُم عنها أو وقوفهم في مناطق أخرى , فكان اختيار الثوار يقع بين حمدين صباحي وخالد علي وعبدالمنعم أبو الفتوح , وكان اختيار من يميلون إلى النظام السابق وإلى رجاحة كفّة الدولة على الثورة يقع بين أحمد شفيق وعمرو موسى , وكان اختيار الإخوان ومَن في طريُقِهم يقع على محمد مرسي .

ودارت في هذا السبيل العديد من الحوادث في الرأي العام المصري , منها وجود الفريق أحمد شفيق في سباق انتخابات الرئاسة مِن عزله كونه أحد أتباع النظام السابق , وفي هذا الشأن كان الرأي العام مشتعلاً , خاصّة مع تصريحاتُه التي عادت الثورة والثوار بشكل صريح , واندلعت العديد من الاحتجاجات في الشارع منددة بإطلال وجه النظام القبيح على الانتخابات التي كانت نتيجة من نتائج الثورة التي طالبت بالتغيير , لا تبديل الوجوه فحسب . ومنها رواج الجدل حول خوض عُمر سليمان الانتخابات , وكان في هذا قمّة الوقوف في وجه الثورة والإعلان عن اعتزام هذه الفئة من الحُكّام العودة إلى الخلف , وكان في هذا خوفاً كبيراً من الثوار حتى أنّهم لقبّوه بالعقرب تارة وبالثُعبان تارةً أخرى , وكان الخوف على مصير الثورة منه أكبر من الخوف عليها من الوجه الآخر , شفيق . ومنها اعتزام المهندس خيرت الشاطر خوض الانتخابات الرئاسية بمباركة جماعة الإخوان , ثُمَّ خروجه من السباق لسبب لا أذكُرُه , واستبداله بالبديل الجاهز في هذه الحالة : الدكتور محمد مرسي , والذي أُطلق عليه أيامها لقب ( الإستبن ) . ومنها الجدل الذي قام حول قانون الانتخابات الرئاسية , والذي قيل أن فيه بنوداً تُقصي وجوهاً بعينها , مثل الدكتور أحمد زويل مرشّح الأمل والعِلم , والدكتور محمد البرادعي مُرشّح التغيير والحِلم . ومِنها ما دار حول قانونيّة وجود الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل في سباق الإنتخابات من عدمه , وقد حُكِم بعدم خوضه السباق ربما لأن والدته تحمل الجنسية الأمريكية فيما يزعمون , وهذا بعد أن أعدّوا العدة وملأوا الدُنيا باللافتات الي تدعو الناس لاختيار أبو اسماعيل تحت شعار ( سنحيا كراماً .. دولة مُحترمة وشعب مَصون ) .. وكان عدداً كبيراً من الإسلاميين يقفون تحت رايته ويعتزمون اختياره وتأييده , فيما عُرف لاحقاً باسم ( حازمون ) .. وبعد تلك الواقعة , اتجه أنصار حازم أبو اسماعيل للاعتصام بالقرب من وزارة الدفاع في نهاية أبريل 2012 , وذلك للمطالبة بتسليم السُلطة للمدنيين , وإلغاء مادة تحصين الانتخابات الرئاسية من الطَعن , وبدأ اعتصام العبّاسية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق