أفكار كتير بتضرب راسي في اليوم، في الصحو وداخل النوم، كتير منها بيقع وقليل بيبقى. من اللي بيبقى كتير بيكمل وكتير بيزهق. من اللي بيكمل كتير بيكبر وكتير بيقف. من اللي بيكبر كتير بيموت وقليل بيعيش. لخبطة في كل جزء من الحياة، كل نفس داخل وخارج لخبطة، كل دقة قلب اضطراب، كل صوت تشويش. أنا الحاجة الوحيدة الثابتة بس تبقى مشكلة لو معرفتش ايه أنا. ماعرفتش اتخيلني، ولو تخيلتني ماعرفتش امسكني زي كل خيال عارض. قررت قرار مش متأكد منه اني مش عايز اكتب شعر من بعد الفترة الأخيرة في الكتابة، إني عايز اتوقف شوية عشان اقدر اكتسب حاجات تاني، اني اكون أنضج من اني اكرر نفسي. لكن مش عارف هقدر على ده ولا لأ، واللي هيعرف هو سجلات المدونة دي. بفكر في الحاجات الصغيرة اللي لو رجع الزمن مكنتش هعملها رغم صغرها: كنت هفكر الأول قبل ما اكتب إهداء حوكا وبنداري في جروبي، وكنت همسك نفسي عن الرغبة في إسعاد ميمو بإني اعرف اختارله هدية صح ومش غلط تماماً، وحاجات ممكن تكون مهمة عندك وغير مذكورة خالص عن غيرك، بس عايز تفهمهم انك عرفت زي ما هم في وقت عرفوا. بمناسبة تويتة كيشو عن انه ماندمش على قرار التحويل من هندسة لحاسبات، انا كمان بفكر كتير اني مبسوط بكل اللي حصل رغم كل حاجة، كتير بحس بالضياع والتأخير وعدم الوصول لشئ، لكن كتير في المقابل بحس اني مبسوط واني في مكان مناسب رغم ضيق كل الأماكن. وحشتني ناس كتير مش عارف حتى ارجع افتح معاهم كلام على اساس ايه، اكيد كل واحد مشغول في اللي حصل له، أياً كان. باي باي.
الخميس، 26 أكتوبر 2017
الأحد، 22 أكتوبر 2017
مغامرات يارا وهيثم (2) : في جيوب الدبدوب
كنت ممدداً على سجادة الصالة أتتبع شروخ السقف، أحاول استكمالها. يئست، فشبكت عيني في طرف جناح المروحة الأقرب وظللت أدور وأدور حتى توحدنا، فقللت سرعة دوران حدقتي حتى توقفت الأجنحة، حين هبط علينا الشتاء. دخلت يارا وقد أظلمت المكان تماماً إلا من نار المدفأة القديمة. كانت تنفخ في يديها استجلاباً للدفء. ثم غطتني ببلوفر عندما رأتني بالفانلة البيضاء. ماذا تفعل؟ قالت. أفكر في الكتابة تحت تأثير الموسيقى. أجبت. وهل وصلت إلى شئ؟ سألَت. ليس بعد. أجبت. جلست بجانبي تحت دفء الظلام. أغمضنا أعيننا معاً. ثم فتحناها على ليل مضئ. في مدينة بعيدة. جالسين على سطح بناية شاهقة. نرفع أيدينا فنلمس النجوم. نحرك أقدامنا فنمشي في الشوارع. كنت أتخيل نفسي أعزف على آلة صنعتها. وكانت هي ترقص كأنما خُلقَت للموسيقى. والمدينة من تحتنا تشتعل. أخبرتها عن رسالتي التي ستصل مقر المنظمة السرية في الساعة الأولى من الاسبوع القادم. رسالتي التي ستغير وجه المدينة بعدما يفتضح كل شئ فيها. رسالتي التي ستفضح كل ما تحت الجلد الأبيض من دم ملوث. رسالتي التي ستضع الناس أمام حقيقتهم وجهاً لوجه. فلن يكون هذه المرة سبيلاً إلى الكذب. أخبرتها أنني شعرت بالذنب لأنني لم أذكر اسم الشاعر الذي اقتبست أبياته. اسلام محمود الذي لم أنصفه أنا بعد إذ لم ينصفه أحد. ينقلني حديث الشعر إلى مقدمة المتنبي التي ساقها فؤاد حداد فحولها من بيت إلى مطرقة تطرق رؤوس الكتب ورأسي: "وكم ذا بمصر من المضحكات .. ولكنه ضحك كالبكا .. كالبكا .. كالبكا" أبكي. أفيق مجدداً وقد دارت يارا حولي مرتين، نهضت من مكاني أحاول البحث عن شفرة مفقودة. شفرة جعلتني أصمت حتى عندما أطيل الحديث. لابد أنها مكونة من حروف وأرقام حتى يصعب علينا البحث. بحثنا على الكنبة، تحت السجادة، في أدراج المكاتب. بحثنا بين الكتب، فوق الكراسي، داخل الصناديق. في أحد الليالي شكّت يارا عندما وجدت الدبدوب يتسلل من سريره ويخبئ شيئاً ما خلف الستائر. لم تكن لتستطيع مواجهته بالحقيقة. لكن كفاها أنها علمت كيف ستمسك خيوط الأحداث الغريبة في البيت بعد ذلك. هذا سيسهل عليها حياكة القصص بلا رهبة ولا كسل. قلت لها أكثر من مرة أنني أنتظرها وتقول أنها تعمل على ذلك. لكنني لا أعلم كيف أتتبع صدق النية حتى إرادة الفعل. حاولت مرة وفشلت. هي لم تعاتب فشلي، ولم ألوم أنا خوفها. كل منا يعلم أن للآخر عالم أراد أن يخوضه. أراد أن يربي فيه العزم على الوقوف إذا غابت الأرض. عالم يستطيع تطويعه بما يتفق مع رغبته في التجربة. وإن أراد مع كل ذلك من يخبره بحلول غير مألوفة قد تمد له أيدي إذا انقطعت حبال. أمسكنا بالحبل ولعبنا حتى لهثنا من التعب. قمنا لننظر نظرة أخيرة على المدينة ثم قفزنا من ماسورة المدفأة فلم تحرقنا النار، لكن سبقتنا الأمطار، حين هبط علينا الشتاء.
الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017
مغامرات يارا وهيثم (1) : السقوط من أعلى الكومودينو
بالأمس نهرتني لأنني وضعت البسبوسة في الثلاجة. كنت جالساً في مكتبي أتأمل الحقيقة الأدبية بينما طرقت يارا الباب ودخلت. تأملتها. كانت ترتدي قميص كاروهات أزرق في بمبي وبنطلون جينز وتحتل المشهد كعادتها. ابتسمت لي وقالت أنها ستذهب للسينما. فاليوم يبدأ العرض الأول من فيلمها المفضل. ذَهَبَت هي بينما أعددت نفسي للبكاء. في الليل جلسنا على كنبة الصالة. أخبرتها بأنني أعمل الآن على قصة لم تكتمل أبداً في دماغي، بل لم تظهر أصلاً، قصة ستكشف حقيقتي أنا كما أرادت أمل استجلاءها. أسألها عن حياتها. تطلعني على لوحاتها الأخيرة لإعادة تخطيط جزيرة الوراق كما كلفهم أستاذ علي جبر في سكشن التاسعة صباحاً يوم الأحد الفائت. أطلع على اللوحات بينما أغيب في أفكار أخرى. أنتبه لنفسي وانتظارها ونظرها إلى انطباعات وجهي. أحرك عضلات عيني فتظهر غمازتها اليمنى بجانب خدي الأيسر. أنظر إلى عينيها من وراء العدسات البني وأخبرها أنها أجمل امرأة في العالم. ثم ينقطع النور. ويعود مجدداً فأجد نفسي ممدداً على أريكة غير منتظمة، تقسم ظهري أكثر ما هو مقسوم. ألج بداخل مواقع أسسها مهندسون في مكان وزمن بعيد. أهرب من القبح إلى اللوث. أسترجع قصيدة لشاعر غمرته موجة الثورة ولم يصعد مجدداً. "آه يا مصر وأكم .. قلنا آه من الألم .. قلت الكتابة آه .. ورق وحبر وقلم". كم ينشط إحساسي بالزمان رغم رعونته. أفيق من بكائي فأجد نفسي في المكتب مجدداً. أمام مكتبة ضخمة. بلا عناوين. وتصبح قصة حياتي وقتها بعنوان "من أين أبدأ؟". أجلس متربعاً أمام المكتبة، أمام السؤال، بلا عمل غير محاولة الإجابة، محاولة ستصبح فيما بعد هي والعدم سواء. محاولة ستعيد الشكوك حول قدرة الإنسان على تحريك الأشياء برأسه فقط. وبينما أعبر هذا السطر في عقلي إذا بشئ يتحرك في رأسي. إنها يد يارا تشد شعري منذ خمسة دقائق. أعجبك الفيلم؟ سألتها. جداااا. أخبرتني. سألتها عن خططها القادمة. أسرّت إلى بأنها تخطط لإعادة ترتيب الغرفة بما يحل علاقات الأشياء ببعضها البعض. الدولاب بالحائط، السرير بالكومودينو. التسريحة بالكرسي. تريد تجربة نسق جديد لحياتها اليومية، إلى جانب هدفها الأخلاقي من التجربة، وهو أن تتعلم الأشياء الفقد وتعتاده، قبل فوات الأوان. تسللت إلى المطبخ، وقمت بإحضار النسكويك لكي نشربه سوياً أمام المسلسل. فرحَت لإنني علمت ما تفكر به دون أن تقوله. تناقشنا حول العمارة والسياسة، ومن منهما يأتي قبل الآخر، وكيف اخترت بينهما بعد تفكير طويل، كدت أميّلها تماماً ناحيتي، وفشلت في اللحظة الأخيرة. كانت يارا دائماً هي هامش الخطأ في ادعائي المثالي. يارا نجاحي الذي فشلت فيه. يبعث نفسه للحياة ثم يلوح لي، وأنا من حفرتي أبتسم. تتحول اليد الملوحة إلى يد مستقيمة، مائلة إلى الأسفل، تمتد لتقول لي "قوووم". أتشبث بها، أقوم فأنفض التراب عن ملابسي وأتأمل الشمس. تضع يديها حول عيني محذراني من الوقوع في مغبة النور الساطع مرة أخرى. تجذبني للمشي بجانبها، تحت الشمس، بينما تهبط الشمس تحت البحر، فنغرق نحن في اضطراب لا نعلم من أين جاء. أصاب عالماً أبيض أو عالماً أسود. دائماً ما تختفي التحيزات في الحب.
الاثنين، 9 أكتوبر 2017
دماغ
كنت في اسكندرية لسبب أجهله. قاعد على قهوة عالرصيف وقدامي عالناحية التانية مبنى. عليه بانر غريب لحفلة مسار إجباري يوم 19. وماتسألنيش 19 ايه انما دي تفصيلة مهمة. فتحت الواتساب عشان اكلم مصلح لقيته بيكلمني هو بحب وإقبال شديد. قلتله فيه حفلة يوم 19 ماتيجي، قالي جاي وش. قلتله طب هتقول للعيال ولا اقولهم انا؟ مش فاكر انه رد عليا. كنت واقف قبل الحفلة لقيت ميم وكاف قدامي رحت حضنت ميم وبستها وباستني بعشم فشخ، ورحت بست كاف بتحفظ وسين كانت واقفة على مقربة غالبا. سلمت عليهم بحب وسألتهم رجعوا من جيم امتى قالولي من اسبوع، مع انهم كانوا رايحين اسبوعين وغادروا اخر الشهر اللي فات. بس فعلا مفيش مشكلة في التفصيلة. رحت عشان ادخل الحفلة دخلت الهول وخرجت ومفيش حد كلمني، واحد كان واقف سألني عايز تذاكر؟ استغربت من السؤال وقلتله ايوة عايز الحفلة، قالي فيه حفلة وندوة وحاجة تالتة وانت لازم تحجز حاجتين، قلتله قشطة هحضر الندوة والحفلة ودفعتله 90 جنيه ماعرفش منين. محمد عفت كان قاعد جنبي ومترقب بطريقة غريبة نيك وعلى وشه نص ابتسامة فقمت سلمت عليه بصوت عالي نيك ماعرفش ليه وكملت كلام مع الراجل، وعفت بدأ يضحك أكتر والست المنقبة اللي جنبه قلعت النقاب و- ماعرفش كانت لابساه ليه. كنت لسة هدخل قالي انا عايز واجبين، واجب منك وواجب منه - كان قصده على حد دفعله في نفس التوقيت بس ماعرفش ايه علاقتي بيه؟ قلتله يعني ايه؟ قالي الواجب يعني دماغ. قلتله ااه مش تقول، *بصوت عالي* : حد معاه دماغ يا جماعة؟؟ وعفت اتفشخ ضحك. محدش رد قلتله هتصرفلك وش وكان في دماغي مصلح. وكان لسة واحد بيقول الصيني جه، قتله ايواا الصيني ده تبعي. فتحت الباب لقيت السلم مليان ناس مختلفين جنسيا بطريقة مريبة حاولت ادور على اي دماغ بدون فايدة. لما دخلت تاني سين زعقتلي عشان حضنت ميم وبستها، المهم كانت مقاعدنا في الصف الأول جنب بعض. انت فين يا مصلح؟ وفين الندوة؟ وفين الحفلة؟ وانا كنت بعمل ايه على الرصيف في اسكندرية؟ افتكرت. قبلها بالظبط كنت بشهد خناقة غريبة على حاجات مش فاكر تفاصليها، كان ليا رأي في الخناقة قلته في الآخر والست صدقتني ودعتني لطلوع البيت عندهم، كنت هطلع البيت وتراجعت وقلتلها هبقى اجيلك، وهي بيتها مليان ناس رخمة ماعرفش كانت عايزاني اقعد معاهم ازاي. وفي رحلة بحثي عن الدماغ، دماغي اتفتحت فتحة خفيفة، وفتحت عيني وكانت متعلقة قدامي آخر تفصيلة، اللي ضحيت بيها عشان باقي التفاصيل.
الأحد، 8 أكتوبر 2017
أفكر
بينما أقرأ شذرات من الفكر السياسي في القرن التاسع عشر، أفكر. أفكر في نفسي مأخوذاً يوم الثالث من يوليو في شارع طلعت حرب، وقد تحطمت نظارتي تحت أقدام الجموع، ثم في هرولتي بعدها بدقائق، في عكس اتجاه الناس، باكياً - دون أن أدري السبب. أفكر الآن في هذين الحدثين ومعناهما، ثم أفكر أن أبدأ في الكتابة من هذه النقطة، ثم أتذكر أنني هجرت سلسلة المذكرات التي اعتزمت كتابتها عن مشاهدتي للأحداث في القاهرة على ضوء الثورة المصرية، فأفكر أنه يمكنني - بالتقاط هذا الخيط - أن أستأنف الكتابة وربما أكمل ما بدأت، ثم أفكر في أنني لا أتذكر أين توقفت تماماً، وفي أنني غير واثق أصلاً فيما كُتب، وأن كل هذا يتطلب مراجعة ما قبل استئنافه في عمل يتفق مع نسقي العقلي الحالي، فتتشوش الفكرة كلها. أفكر في قدرتي على تجسيد أفكاري، وهل أستطيع فعل ذلك إذا أردت أم أنني لابد أن أقرأ المزيد والمزيد. أفكر في أن فكرة القراءة فكرة صائبة يستهويني الوقوف عندها بدلاً من التجربة والخطأ - إذ جربت الكثير. أفكر في صديقي بنداري، الذي التقيته سريعاً في مسرحية دعاني إليها محمد الزمر في واتساب - الذي كنت مسحته فترة - فانتبهت لدعوته بالصدفة واستحسنت الذهاب. أفكر في أنني كنت أود الحديث معه، لكن ظروف اليوم ربما لم تكن تسمح، فلازلت لا أعلم عن أخباره شئ، ولا فيمَ - على الأغلب - ساهراً يُفكر الآن. أفكر في هذه الموسيقى التي لا تترك رأسي منذ أيام، أو ربما أسابيع. أفكر لماذا تماهت مقاييس الزمن في ذهني إلى ذلك الحد. أفكر في محاضرة الثامنة والنصف صباحاً، حيث سأكون جالساً في مقعدي هناك، منتظراً اجتماع عشرين فرد، لم يكن أحدهم يريد الصحو، أو حيث سأكون مغمضاً عيني، ربما لمتابعة شئ ما بالداخل، أجدى من محاضرة كسولة. أفكر في لقاء عبدالرحمن نزاهة من جديد، فلم نحظى بالحديث معاً غير مرات قليلة مختصرة، لكنه من الناس التي تستحق الاستماع لها بينما تتكلم. أفكر في انتظاري الدائم لأشياء تكتمل - لا، ليس في حياتي، وإنما في أيامي الصغيرة. أفكر في أناسٍ لم أعد أراها إلا بمحض الصدفة، الصدفة التي لو لم تحدث لما رأيتهم أبداً، وأن هذا هاجس أدعى للحزن من أي شئ آخر. أفكر في إمكانية إصلاح ذلك. ثم أعود فأفكر في نظارتي المحطمة، وفي نظارتي الجديدة التي سأمتني وسأمتها، وفي نظارتي التي لم أشتريها بعد، وفي الأشياء التي اعتدت رؤيتها، وفي الأشياء التي أريد أن أرى غيرها.
السبت، 7 أكتوبر 2017
امتزاج غير متوقع
قمت من جلستي لأطفئ التلفاز بعد نوم الجميع، وقد شغل على قناة المجد للقرآن الكريم في صوت خفيض بالكاد يتبينه أحد. انتظرت القارئ ليتم الآية، فقال : {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}. وها أنا عائد لاستنئناف متابعة الجزء الأخير من فيلم هاري بوتر، إذ أوقفته قبل قيامي عند بداية مشهد المعركة الأخيرة بين هاري بوتر واللورد فوردمورت. والآن سأترككم، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين..
الجمعة، 6 أكتوبر 2017
رسالة إلى ليلى
عزيزتي ليلى
تحية طيبة وبعد
رفيقك، هيثم
القاهرة
6 اكتوبر 2017
تحية طيبة وبعد
أعلم أنني لم أذكرك منذ زمن طويل، ولا أعلم إن كنتي ستعذريني في ذلك، لكن دعينا لا نستبق الأحداث، فكل شئ - كما أخبرتيني من قبل - سيأتي في وقته. أنا حزين يا ليلى، حزين جدا، ولا أعلم متى سيتوقف ذلك. لا أتذكر آخر مرة سعدت فيها سعادة حقيقية. سعادة خالصة، من قلب خفيف غير مثقل بالهم والسواد. نعم، لقد ترسب السواد في قلبي ولم أعد أستطيع الرؤية بلا شوائب. نعم، زمن الحياة النقية يبدو قد رحل بعيدا وأفسح مكانه لحياة أخرى غريبة، تكرر نفسها كموت لا يكف عن التلويح. ميتون يا ليلى، قبل أن نعيش. لم نعش حياتنا كما كنا لنعيشها حقا. إذ رضينا بالقليل فجاءنا الأقل، فسلبنا كل شئ وابتسمنا للهواء الذي نتنفسه. لا تدعيني يا ليلى أهرب من نفسي لتلك الفلسفة، اضبطي إيقاعي على حزني فقط، حزني الشخصي، الخاص، وليس حزن الجميع. اضبطي إيقاعي كما كنتي تضبطين إيقاع الهاتفين للحياة في آخر تجلياتها. كانوا يعلمون أنهم لن يبلغوا شيئا بمسعاهم، لكنهم بدوا وكأنهم امتلكوا القوة كلها، وانتصروا بالأمل. الأمل، هذا اللفظ المراوغ، تتعلمه، تحبه، تتلهى به، ثم تكتشف أنه كان خطأك الأكبر. هذا الأمل الذي يعطيك كل شئ، ثم يسلبه منك دفعة واحدة. نقطة الضعف التي تتسلل من خلالها الخيالات، كفيروسات تستعمر خلايا العقل حتى تسكره، فيضربه الواقع كي يفيق من خياله، ويظل يلهه الأمل فيضربه الواقع، وهكذا حتى يفسد عقله من طول الضرب، فيعود غير مباليا بكل شئ. يعود وقد عطبت مشاعره وصدأت ذاكرته ونضبت أغانيه. يعود وقد أدار ظهره للعالم، فعاش بغير وجه. صفحة صماء لا تعطي انطباعا، لا تتفاعل مع الناس. أين كنا يا ليلى؟ ولماذا دائما نقول ما لم نقصد قوله من البداية؟ نقول أشياء مختلفة عما قد رتبناه. تماما مثل أيامنا التي تسير وفق خطط لم نضعها في أي يوم قررنا أن نفكر فيه. فلماذا نفكر إذا؟ لماذا يا ليلى؟
القاهرة
6 اكتوبر 2017
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)