الأحد، 22 أكتوبر 2017

مغامرات يارا وهيثم (2) : في جيوب الدبدوب

كنت ممدداً على سجادة الصالة أتتبع شروخ السقف، أحاول استكمالها. يئست، فشبكت عيني في طرف جناح المروحة الأقرب وظللت أدور وأدور حتى توحدنا، فقللت سرعة دوران حدقتي حتى توقفت الأجنحة، حين هبط علينا الشتاء. دخلت يارا وقد أظلمت المكان تماماً إلا من نار المدفأة القديمة. كانت تنفخ في يديها استجلاباً للدفء. ثم غطتني ببلوفر عندما رأتني بالفانلة البيضاء. ماذا تفعل؟ قالت. أفكر في الكتابة تحت تأثير الموسيقى. أجبت. وهل وصلت إلى شئ؟ سألَت. ليس بعد. أجبت. جلست بجانبي تحت دفء الظلام. أغمضنا أعيننا معاً. ثم فتحناها على ليل مضئ. في مدينة بعيدة. جالسين على سطح بناية شاهقة. نرفع أيدينا فنلمس النجوم. نحرك أقدامنا فنمشي في الشوارع. كنت أتخيل نفسي أعزف على آلة صنعتها. وكانت هي ترقص كأنما خُلقَت للموسيقى. والمدينة من تحتنا تشتعل. أخبرتها عن رسالتي التي ستصل مقر المنظمة السرية في الساعة الأولى من الاسبوع القادم. رسالتي التي ستغير وجه المدينة بعدما يفتضح كل شئ فيها. رسالتي التي ستفضح كل ما تحت الجلد الأبيض من دم ملوث. رسالتي التي ستضع الناس أمام حقيقتهم وجهاً لوجه. فلن يكون هذه المرة سبيلاً إلى الكذب. أخبرتها أنني شعرت بالذنب لأنني لم أذكر اسم الشاعر الذي اقتبست أبياته. اسلام محمود الذي لم أنصفه أنا بعد إذ لم ينصفه أحد. ينقلني حديث الشعر إلى مقدمة المتنبي التي ساقها فؤاد حداد فحولها من بيت إلى مطرقة تطرق رؤوس الكتب ورأسي: "وكم ذا بمصر من المضحكات .. ولكنه ضحك كالبكا .. كالبكا .. كالبكا" أبكي. أفيق مجدداً وقد دارت يارا حولي مرتين، نهضت من مكاني أحاول البحث عن شفرة مفقودة. شفرة جعلتني أصمت حتى عندما أطيل الحديث. لابد أنها مكونة من حروف وأرقام حتى يصعب علينا البحث. بحثنا على الكنبة، تحت السجادة، في أدراج المكاتب. بحثنا بين الكتب، فوق الكراسي، داخل الصناديق. في أحد الليالي شكّت يارا عندما وجدت الدبدوب يتسلل من سريره ويخبئ شيئاً ما خلف الستائر. لم تكن لتستطيع مواجهته بالحقيقة. لكن كفاها أنها علمت كيف ستمسك خيوط الأحداث الغريبة في البيت بعد ذلك. هذا سيسهل عليها حياكة القصص بلا رهبة ولا كسل. قلت لها أكثر من مرة أنني أنتظرها وتقول أنها تعمل على ذلك. لكنني لا أعلم كيف أتتبع صدق النية حتى إرادة الفعل. حاولت مرة وفشلت. هي لم تعاتب فشلي، ولم ألوم أنا خوفها. كل منا يعلم أن للآخر عالم أراد أن يخوضه. أراد أن يربي فيه العزم على الوقوف إذا غابت الأرض. عالم يستطيع تطويعه بما يتفق مع رغبته في التجربة. وإن أراد مع كل ذلك من يخبره بحلول غير مألوفة قد تمد له أيدي إذا انقطعت حبال. أمسكنا بالحبل ولعبنا حتى لهثنا من التعب. قمنا لننظر نظرة أخيرة على المدينة ثم قفزنا من ماسورة المدفأة فلم تحرقنا النار، لكن سبقتنا الأمطار، حين هبط علينا الشتاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق