بالأمس نهرتني لأنني وضعت البسبوسة في الثلاجة. كنت جالساً في مكتبي أتأمل الحقيقة الأدبية بينما طرقت يارا الباب ودخلت. تأملتها. كانت ترتدي قميص كاروهات أزرق في بمبي وبنطلون جينز وتحتل المشهد كعادتها. ابتسمت لي وقالت أنها ستذهب للسينما. فاليوم يبدأ العرض الأول من فيلمها المفضل. ذَهَبَت هي بينما أعددت نفسي للبكاء. في الليل جلسنا على كنبة الصالة. أخبرتها بأنني أعمل الآن على قصة لم تكتمل أبداً في دماغي، بل لم تظهر أصلاً، قصة ستكشف حقيقتي أنا كما أرادت أمل استجلاءها. أسألها عن حياتها. تطلعني على لوحاتها الأخيرة لإعادة تخطيط جزيرة الوراق كما كلفهم أستاذ علي جبر في سكشن التاسعة صباحاً يوم الأحد الفائت. أطلع على اللوحات بينما أغيب في أفكار أخرى. أنتبه لنفسي وانتظارها ونظرها إلى انطباعات وجهي. أحرك عضلات عيني فتظهر غمازتها اليمنى بجانب خدي الأيسر. أنظر إلى عينيها من وراء العدسات البني وأخبرها أنها أجمل امرأة في العالم. ثم ينقطع النور. ويعود مجدداً فأجد نفسي ممدداً على أريكة غير منتظمة، تقسم ظهري أكثر ما هو مقسوم. ألج بداخل مواقع أسسها مهندسون في مكان وزمن بعيد. أهرب من القبح إلى اللوث. أسترجع قصيدة لشاعر غمرته موجة الثورة ولم يصعد مجدداً. "آه يا مصر وأكم .. قلنا آه من الألم .. قلت الكتابة آه .. ورق وحبر وقلم". كم ينشط إحساسي بالزمان رغم رعونته. أفيق من بكائي فأجد نفسي في المكتب مجدداً. أمام مكتبة ضخمة. بلا عناوين. وتصبح قصة حياتي وقتها بعنوان "من أين أبدأ؟". أجلس متربعاً أمام المكتبة، أمام السؤال، بلا عمل غير محاولة الإجابة، محاولة ستصبح فيما بعد هي والعدم سواء. محاولة ستعيد الشكوك حول قدرة الإنسان على تحريك الأشياء برأسه فقط. وبينما أعبر هذا السطر في عقلي إذا بشئ يتحرك في رأسي. إنها يد يارا تشد شعري منذ خمسة دقائق. أعجبك الفيلم؟ سألتها. جداااا. أخبرتني. سألتها عن خططها القادمة. أسرّت إلى بأنها تخطط لإعادة ترتيب الغرفة بما يحل علاقات الأشياء ببعضها البعض. الدولاب بالحائط، السرير بالكومودينو. التسريحة بالكرسي. تريد تجربة نسق جديد لحياتها اليومية، إلى جانب هدفها الأخلاقي من التجربة، وهو أن تتعلم الأشياء الفقد وتعتاده، قبل فوات الأوان. تسللت إلى المطبخ، وقمت بإحضار النسكويك لكي نشربه سوياً أمام المسلسل. فرحَت لإنني علمت ما تفكر به دون أن تقوله. تناقشنا حول العمارة والسياسة، ومن منهما يأتي قبل الآخر، وكيف اخترت بينهما بعد تفكير طويل، كدت أميّلها تماماً ناحيتي، وفشلت في اللحظة الأخيرة. كانت يارا دائماً هي هامش الخطأ في ادعائي المثالي. يارا نجاحي الذي فشلت فيه. يبعث نفسه للحياة ثم يلوح لي، وأنا من حفرتي أبتسم. تتحول اليد الملوحة إلى يد مستقيمة، مائلة إلى الأسفل، تمتد لتقول لي "قوووم". أتشبث بها، أقوم فأنفض التراب عن ملابسي وأتأمل الشمس. تضع يديها حول عيني محذراني من الوقوع في مغبة النور الساطع مرة أخرى. تجذبني للمشي بجانبها، تحت الشمس، بينما تهبط الشمس تحت البحر، فنغرق نحن في اضطراب لا نعلم من أين جاء. أصاب عالماً أبيض أو عالماً أسود. دائماً ما تختفي التحيزات في الحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق