الأحد، 8 أكتوبر 2017

أفكر

بينما أقرأ شذرات من الفكر السياسي في القرن التاسع عشر، أفكر. أفكر في نفسي مأخوذاً يوم الثالث من يوليو في شارع طلعت حرب، وقد تحطمت نظارتي تحت أقدام الجموع، ثم في هرولتي بعدها بدقائق، في عكس اتجاه الناس، باكياً - دون أن أدري السبب. أفكر الآن في هذين الحدثين ومعناهما، ثم أفكر أن أبدأ في الكتابة من هذه النقطة، ثم أتذكر أنني هجرت سلسلة المذكرات التي اعتزمت كتابتها عن مشاهدتي للأحداث في القاهرة على ضوء الثورة المصرية، فأفكر أنه يمكنني - بالتقاط هذا الخيط - أن أستأنف الكتابة وربما أكمل ما بدأت، ثم أفكر في أنني لا أتذكر أين توقفت تماماً، وفي أنني غير واثق أصلاً فيما كُتب، وأن كل هذا يتطلب مراجعة ما قبل استئنافه في عمل يتفق مع نسقي العقلي الحالي، فتتشوش الفكرة كلها. أفكر في قدرتي على تجسيد أفكاري، وهل أستطيع فعل ذلك إذا أردت أم أنني لابد أن أقرأ المزيد والمزيد. أفكر في أن فكرة القراءة فكرة صائبة يستهويني الوقوف عندها بدلاً من التجربة والخطأ - إذ جربت الكثير. أفكر في صديقي بنداري، الذي التقيته سريعاً في مسرحية دعاني إليها محمد الزمر في واتساب - الذي كنت مسحته فترة - فانتبهت لدعوته بالصدفة واستحسنت الذهاب. أفكر في أنني كنت أود الحديث معه، لكن ظروف اليوم ربما لم تكن تسمح، فلازلت لا أعلم عن أخباره شئ، ولا فيمَ - على الأغلب - ساهراً يُفكر الآن. أفكر في هذه الموسيقى التي لا تترك رأسي منذ أيام، أو ربما أسابيع. أفكر لماذا تماهت مقاييس الزمن في ذهني إلى ذلك الحد. أفكر في محاضرة الثامنة والنصف صباحاً، حيث سأكون جالساً في مقعدي هناك، منتظراً اجتماع عشرين فرد، لم يكن أحدهم يريد الصحو، أو حيث سأكون مغمضاً عيني، ربما لمتابعة شئ ما بالداخل، أجدى من محاضرة كسولة. أفكر في لقاء عبدالرحمن نزاهة من جديد، فلم نحظى بالحديث معاً غير مرات قليلة مختصرة، لكنه من الناس التي تستحق الاستماع لها بينما تتكلم. أفكر في انتظاري الدائم لأشياء تكتمل - لا، ليس في حياتي، وإنما في أيامي الصغيرة. أفكر في أناسٍ لم أعد أراها إلا بمحض الصدفة، الصدفة التي لو لم تحدث لما رأيتهم أبداً، وأن هذا هاجس أدعى للحزن من أي شئ آخر. أفكر في إمكانية إصلاح ذلك. ثم أعود فأفكر في نظارتي المحطمة، وفي نظارتي الجديدة التي سأمتني وسأمتها، وفي نظارتي التي لم أشتريها بعد، وفي الأشياء التي اعتدت رؤيتها، وفي الأشياء التي أريد أن أرى غيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق