قال فلاديمير لينين : " لن يشبع الجماهير الجائعة أي قدر من الحرية السياسية . "
( ملحوظة : أستند في هذا التوثيق إلى ما بقى من ذاكرتي عن الأحداث والأوضاع وقتئذ , وعلى بعض المصادر والمواد المرئية والمكتوبة التي ساعدتني على التذكّر وعلى جمع شتات القصّة التي كادت أن تغيب عن ذهني , والتي ذكرت شطراً منها في خلال حديثي , توثيقاً , وتوضيحاً , و تمثيلاً لسياق الأحداث )
( تحذير : لا تقرأ الكُتُب , فقد لعبت بها الأهواء , ولا تشاهد القنوات , فقد عبثت بها الضمائر , حكّم عقلك فحسب , وإذا أردت أن ترى المشهد فلا تراه منفرداً , انظُر إلى المشهد من قبله ومن بعده لكي تتضح لك الصورة , وأنا في كتابي هذا لا أعمد إلا إلى الإنصاف وذكر المعلومات المختلفة التي قد تفيد الرواية , وصعوبة ذلك تكمن في أنك لا يمكن أن تثق بمن يقول أن الفترة كانت قطعة من الجنة , ولا يمكنك أن تثق بمن يقول أن الفترة كانت قبساً من النار , الفترة لها ما لها من ميزات , وعليها ما عليها من عيوب , وكل منا يرى بعينه لا بعين صاحبه , فقط أرجو أن يكون الله قد وفّقني إلى نقل الصورة دون زيادة أو نقص , وأريد أن أورد ما قاله الباحث يوسف زيدان في كتابه : " كلمات : التقاط الألماس من كلام الناس " .. إذ يقول :
ولسنا هنا بصدد الكلام عن (العلم) الجديد الذى ابتكره ابن خلدون وحدَّد فيه (القوانين) أو المبادئ التى تحكم قيام المجتمعات وسقوطها . وإنما مرادنا التوقف عند قوله: حقيقة التاريخ أنه خبر ! وهى عبارةٌ متقنةٌ فى صياغتها، تدعونا إلى كثير من التأمل .. فالتاريخ فى جوهره، ليس وقائع جرت فى الماضى، وليس أحداثاً متسلسلة حَدَثَتْ مع توالى الأيام والسنين، وليس حقائق لأمور طواها عنا الماضى القريب والبعيد؛ وإنما هو (خبر) وصلنا! أو هو (حكاية) مفردة، لواقعة واحدة من وقائع كثيرة. بعضها معروفٌ مشهورٌ، وبعضها الآخر مستورٌ مطمور، لأنه لم تصلنا عنه أخبار!حقيقة التاريخ أنه خبر .. والخبرُ بحسب كلام ابن خلدون، والطبرى وابن النفيس من قبله، ليس مأمون الصدق. ولنتأمل قول ابن خلدون فى مقدمته، استكمالاً لعباراته السابقة: الكذب متطرق إلى (الخبر) بطبعه، ولذلك أسباب، منها التشيعات للآراء والمذاهب، والثقة بالناقلين، والذهول عن المقاصد. فكثير من الناقلين لايعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما فى ظنه وتخمينه ، فيقع فى الكذب.هذا كلام ابن خلدون بنصِّه، وهو يكاد يطابق فى معناه، ما يذكره الإمام الطبرى، حين يقول متبرئاً مما قد يَرِدُ فى كتابه من أخبارٍ كاذبة : العلمُ بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء المُحْدَثِين، غيرُ واصلٍ إلا بإخبار المُخْبِرين ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول .. وإن يكن فى كتابى هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه .. فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قِبَلنا، وإنما أتى ذلك من قِبَل ناقليه إلينا، وإنا إنما أَدَّيْناه على نحو ما أُدِّى إلينا([4:]).أما عبارة العلامة علاء الدين ابن النفيس، فكانت أكثر حسماً وأكثر بلاغةً . ففى كتابه الذى نشرته محققاً قبل عشرين سنة (المختصر فى أصول علم الحديث النبوى) يقول ما نصُّه: وأما الأخبارُ (الأحاديث الشريفة) التى بأيدينا الآن، فإنما نتبع فيها غالب الظن، لا العلم المحقق.([5:])وهذه العبارات والنصوص الفصوص، هى مقدمات أردت أن أُوردَها هنا، لتكون تمهيداً لما سنقوم به من إعادة النظر فى (أخبار مشهورة) يعتقد الناسُ اليوم فى صحتها، مع أنها لا يمكن أن تكون صحيحة .. ولسوف نسير فيما يأتى، على القاعدة التى وضعها ابن خلدون فى مقدمته ، ولم يلتزم أحدٌ بها . بل هو نفسه ، لم يلتزم بها فى أحيان كثيرة ! أعنى القاعدة التى تقول: علينا إعمال العقل فى الخبر .. وقد أشار من خلالها ابن خلدون، على سبيل المثال، إلى استحالة صحة الخبر المشهور، القائل إن اليهود حين خرجوا من مصر بقيادة النبى موسى، كان عددهم نصف مليون شخص! وكَذَّب ذلك بأسانيد كثيرة . )
وقد قسّمت الفترة التي حكم فيها محمد مرسي إلى ثلاثة مراحل : التَرَقُّب , والتَصادُم , والحَسْم .
أولاً : مرحلة التَرَقُّب :-
بدأ الرئيس مُرسي أيامُه الأولى كما أسلفت بحالة من التأييد الشعبي والثوري والسياسي تجلّى جلاء الشمس , وعقب انتصاره على مرشح الثورة المُضادة , انتظر الشعب أن يحقق الرئيس الإسلامي ما لم يحققه غيره , وقال الناس : أنها فُرصة للدكتور محمد مرسي وللإخوان لا ولن تُعوّض , فالبلاد معهم الآن والسلطات تحت أيديهم والشعب يثق بهم في أول تجربة لرئيس جديد بعد ثورة أطاحت بمبارك ودولته الإستبدادية وما عانى الشعب في أعوامها الطِوال من القمع والفقر والمرض والبطالة والجهل والعنف وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي آلت الشعب إلى ما هو عليه الآن , وانتظر الثوار الرئيس الذي وقف أمام مشروع إعادة إنتاج نظام مبارك بوجه وزيره وبطانته , انتظروا تحقيق تعهداته باستمرار الثورة ووعوده بالقصاص للشهداء والإفراج عن المعتقلين , وانتظر الجميع صدى الهتاف الذي يُدوّي في قلوب الناس من يومها , يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 , عيش , حرية , عدالة اجتماعية .
ولكي تتضح الصورة , فقد قسّمت مستويات النظر إلى المشهد في المرحلة الأولى من حُكم مُرسي إلى ثلاثة مستويات أساسية , فأما المستوى الأول , فهو المستوى الشعبي , الذي ينظُر في مدى رضى شعب مصر عن أداء الرئيس الجديد وتحقيقه آماله وتطلعاته لبناء المستقبل والمجتمع المستقر , وفيه أقول : أنّ مُرسي قال في أحد مؤتمراته الإنتخابية الآتي :
أتعهد أن أعمل جاهداً وبأسرع وقتٍ ممكن , في حل خمس مشاكل يومية في حياة المواطن المصري :
- إعادة الأمن والاستقرار
- ضبط المرور
- توفير الوقود
- تحسين رغيف العيش
- حل مشكلة القمامة
وقد وردت خطوات تحقيق هذا الوعود تفصيلاً في برنامجه الانتخابي , ووجدتُ ورقة من البرنامج بعنوان " خطة الـ 100 يوم الأولى في برنامج د. مرسي " وجاء فيها خمسة محاور عريضة سيحقق د. مرسي فيها أهداف معينة بخطوات محددة لا سبيل لتفصيلها , وهي كما جاءت في الورقة :
1- المرور
المستهدف : تحقيق سيولة مرورية في القاهرة الكبرى وعواصم المحافظات .
2- الأمن
المستهدف : تحقيق الأمن العادل في الشارع المصري وإعادة الثقة والتعاون بين المواطن وجهاز الشرطة .
3- النظافة
المستهدف : إزالة القمامة من الشوارع وإعادة تجميل الأحياء .
4- الخبز
المستهدف : توفير رغيف الخبز الجيد والصحي والمدعوم للمواطن دون عناء .
5- الوقود
المستهدف : توفير كافة أنواع الوقود دون عناء بجميع أنحاء الجمهورية .
هذا هو البرنامج الذي انتخبه الشعب , وهذه هي الوعود الذي انتظر تحقيقها من الرئيس - كما قال - بعد مائة يوم .
وأمّا المستوى الثاني , فهو المستوى الثوري , الذي يضم الحركات الثورية والشباب المستقلين وذوي الانتماءات المختلفة والذين أيدوا مُرسي ضد شفيق أيضاً , وانتظروا تحقيقاً مماثلاً لأهداف الثورة , وقبل ذلك , انتظروا القصاص لشهداء الثورة من يناير 2011 وحتى مايو 2012 , هؤلاء الشهداء الذين يذكرهم مُرسي في كل مؤتمراته وأحاديثه , وانتظروا الإفراج عن المعتقلين السياسيين , وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد الذي يعيث فيها دون حساب , وانتظروا أن يروا الحرية التي يغنون لها , والعدالة الاجتماعية التي هي جوهر الثورة المصرية .
وأمّا المستوى الثالث , فهو المستوى السياسي , والذي يتمثل في القوى السياسية والشخصيات العامة التي وقفت وراء مُرسي ضد مشروع إعادة إنتاج النظام القديم . يتحدث الكاتب والباحث حسن نافعة ويذكر طرفاً من هذه العلاقة , فيقول بتاريخ 29-4-2013 :
«فيرمونت» هو اسم الفندق الذى جرت فيه «المفاوضات» بين الدكتور محمد مرسى (قبل إعلان فوزه رئيساً للجمهورية) وعدد من الشخصيات السياسية والعامة، وصدر فى نهايتها إعلان بولادة «جبهة وطنية» وبيان من ست نقاط وقّعه الدكتور مرسى بنفسه. ولأننى كنت أحد المشاركين فى هذه الجبهة والموقعين على بيان تأسيسها، فقد تعرضت بسببه، ومازلت، لحملة انتقادات عنيفة من جانب خصوم جماعة الإخوان، ووصل الأمر إلى حد قيام بعض أصدقائى الشخصيين، ممن اشتهروا بتقديم أطباق «الحمام المحشو» التى أعشقها، بمقاطعتى منذ ذلك الوقت، وبالتالى حرمانى من تلك الأطباق الشهية!!
ما يثير الاستغراب، ويستدعى التأمل أيضاً، أن البعض مازال حتى هذه اللحظة يتصور أن هذا الموقف ساعد الدكتور مرسى على حسم انتخابات الرئاسة لصالحه، ويحمّل بالتالى كل من شاركوا فيه قسطاً كبيراً من المسؤولية عن الكوارث التى لحقت بمصر بسببه. ولأنه اتهام ظالم من أساسه ويتنافى مع أبسط الحقائق، مازلت أصر على أنه كان موقفاً سياسياً صحيحاً تماماً، بل وذكياً، فى ظل المعطيات السائدة، وبالتالى لن أتردد أبداً فى إعادة إنتاجه بحذافيره إذا ما توافرت نفس المعطيات. أما أسبابى فى ذلك فيمكن إجمالها على النحو التالى: 1- جرت «مفاوضات فيرمونت» يومى 21 و22 يونيو 2012، أى بعد خمسة أيام من الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة وقبل يومين على إعلان النتائج النهائية، وبالتالى لم يكن لها أى تأثير على اتجاهات التصويت. 2- يعود السبب الأساسى لقبول الدكتور مرسى، بل وسعيه لها، إلى خوفه من تزوير النتيجة التى لم تكن قد أعلنت بعد لصالح الفريق شفيق، خصوصاً بعد أن تأخر الإعلان عنها عن الموعد المقرر بعدة أيام. 3- جاء البيان الذى صدر فى ختام تلك المفاوضات لصالح الجماعة الوطنية، وأصبح حجة على الجماعة فيما بعد ودليلاً دامغاً على نقضها للعهود. وللتدليل على صحة هذا الاستنتاج، أرجو إعادة تأمل ما ورد فيه، ونصه كالتالى:
«اجتمع اليوم مجموعة من الرموز والشخصيات الوطنية والشبابية مع الدكتور محمد مرسى، وذلك للحديث حول الأزمة الراهنة فى ضوء الخطوات التى قام بها المجلس العسكرى بدءاً من تمرير قرار الضبطية القضائية وتشكيل مجلس الدفاع الوطنى إلى حل مجلس الشعب وإصدار إعلان دستورى ينتزع من الرئيس سلطاته وصلاحياته، وأخيراً تأخير نتائج الانتخابات الرئاسية بما يثير الشكوك حول جدية تسليم السلطة فى مصر بشكل ديمقراطى. وقد أعرب الجميع عن رفضهم أى تزوير لإرادة الشعب فى اختيار رئيسه، وعن رفضهم ممارسات المجلس العسكرى الأخيرة وما يجرى حالياً من تضليل للرأى العام عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. وقد اتفق الحاضرون على:
أولاً: التأكيد على الشراكة الوطنية والمشروع الوطنى الجامع الذى يعبر عن أهداف الثورة وعن جميع أطياف ومكونات المجتمع المصرى، ويمثل فيها المرأة والأقباط والشباب.
ثانياً: أن يضم الفريق الرئاسى وحكومة الإنقاذ الوطنى جميع التيارات الوطنية، ويكون رئيس هذه الحكومة شخصية وطنية مستقلة.
ثالثاً: تكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموزاً وطنية للتعامل مع الوضع الحالى وضمان استكمال إجراءات تسليم السلطة للرئيس المنتخب وفريقه الرئاسى وحكومته بشكل كامل.
رابعاً: رفض الإعلان الدستورى المكمل، الذى يؤسس لدولة عسكرية، ويسلب الرئيس صلاحياته ويستحوذ على السلطة التشريعية، ورفض القرار الذى اتخذه المجلس العسكرى بحل البرلمان الممثل للإرادة الشعبية، وكذلك رفض قرار تشكيل مجلس الدفاع الوطنى.
خامساً: السعى لتحقيق التوازن فى تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين.
سادساً: الشفافية والوضوح مع الشعب فى كل ما يستجد من متغيرات تشهدها الساحة السياسية.
ونؤكد بوضوح استمرار الضغط الشعبى السلمى فى كل أرجاء الجمهورية حتى تتحقق مطالب الثورة المصرية ومطالب جميع المصريين.
هذا ويهيب الجميع بالرموز الوطنية ومختلف أطياف الشعب المصرى الاصطفاف معاً، حماية لشرعية اختيار الشعب لرئيسه، وتحقيقاً لأهداف ثورته فى بناء دولة مدنية بما تعنيه من دولة ديمقراطية دستورية حديثة تقوم على العدالة الاجتماعية وحماية الحقوق والحريات والمواطنة الكاملة بما يتفق ووثيقة الأزهر الشريف».
و مَرّت الأيام , ورسّخ الرئيس مُرسي قواعد حُكمه , واتخذ في بداية فترته العديد من القرارات المثيرة للجدل , والتي بدأت الصدام مع مؤسسات الدولة مبكراً , ففي شهر يوليو اتخذ قراراً بإعادة مجلس الشعب المنحل , القرار الذي وقفته المحكمة الدستورية العُليا , وفي يوم الأحد 12 أغسطس 2012 ألغى الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري , وأحال كلا من المشير طنطاوي والفريق عنان - رأسي الحربة في المجلس العسكري آنذالك - للتقاعد - وقد لاقت بعض هذه القرارات استحساناً كبيراً بغض النظر عن التكريم الذي صار موضع استغراب وانتقاد , وتبرير أحياناً , فقد كانت كل قرارات الرئيس هكذا , صحيحة في عين مؤيديه في المطلق , وإن لم يكن لها من تبرير مثل قرار التكريم يقولون : الحرب خدعة , هذا من بعض ذكاء الرئيس وفطنته والمحاكمة قادمة - , ومنحمها قلادة النيل وعينهما مستشارين للرئيس , وعين الفريق أول عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسي قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربي قالوا عنه أنّه " وزيراً للدفاع بنكهة الثورة " , وانتظر الناس - في كافّة المستويات - نتائج الرئيس , وكلما مر الوقت , احتاروا وتسائلوا : أين الوعود ؟ فعلى الصعيد الشعبي لم يشعر الناس بأي تغير في حياتهم اليومية , بل , لقد شعروا أن الأمور تتفاقم وتزداد سوءاً , لم تتحقق السيولة المرورية , ولم يتحقق الأمن في الشارع - وتتجلى الفوضى الأمنية في الاشتباكات الأهلية بين المؤيدين والمعارضين وظهور ما يسمي بجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي قتلت شاباً في السويس وغير هذا من الحوادث التي سنذكرها في محلها - ولم تُعاد الثقة بين المواطن والشرطة , بل زادت توحشاً وتغولاً على المواطنين كما سيرد ذكره لاحقاً , ولم يزل الناس يستنشقون رائحة القمامة ومشهدها القمئ الذي لم يغيب عن الشوارع , ولا زالت مشاكل الخُبز في وتيرتها المعتادة , ومشاكل الوقود في وتيرتها المُزدادة .
وأما على المستوى الثوري , لم يشعر أيٍ من الثوريين أو الكيانات الثورية بجديد , ولا بتقدم في قضاياهم التي يحاربون من أجلها , فلا مُحاكمات أعيدت , ولا قصاص للشهداء , فقد كرّم مُرسي السفّاحين وأعطاهما قلادة النيل , ولا إفراج عن مظلومين , ولا تطهير جذري لمؤسسات الدولة , ولا تحقيق العدالة الاجتماعية التي ثار من أجلها الشعب , ولا استنشاق نسيم الحرية الذي مات من أجله المئات .
وأما على المستوى الأخير , فيُكمل حسن نافعة في نفس المقال بعد أن ذكر الاتفاق :
أين هى الوعود التى قطعتها على نفسك، سيدى الرئيس، ووضعت توقيعك عليها؟ ألم تلتزم بتحقيق «شراكة وطنية»، وبتشكيل «حكومة إنقاذ» ترأسها شخصية «مستقلة» وتضم جميع التيارات «الوطنية»، وبإعادة «التوازن» المختل إلى تشكيل الجمعية التأسيسية. وهل لك يا سيدى أن تعترف الآن بأن نكوصك عن تحقيق هذه الوعود هو السبب الأساسى والوحيد فى الأزمة التى تمسك بخناق مصر حالياً؟ وهل يمكن للشعب بعد الآن أن يصدق أى وعد تقطعه الجماعة على نفسها؟ إنها «فيرمونت» يا سيدى.. وما أدراك ما «فيرمونت».
وعيّن مُرسي الوزراء والمحافظين من المحسوبين على التيار الإسلامي , ولم يحقق الشراكة الوطنية التي يتغنى بها في خطاباته , و شيئاً فشيئاً أدرك السياسيون عزوفه عن مشاركة كل القوى في بناء مصر , وحتى الجمعية التأسيسية التي ستتولى كتابة الدستور , جاءت بنفس اللون , وانسحب منها العديد من الأشخاص بعدما أدركوا أن التيار الغالب في هذه الجمعية هو من التيار الإسلامي .
وانضمّت العديد من الفئات والكُتل في مستويات أخرى تؤثر على المشهد , منها الإعلاميون ( الذين ما انفكّوا يراقبون الرئيس ويحاسبونه على كل كبيرة وصغيرة أشد الحساب , بحق تارةً وبغير حق تارة أخرى , وكانت حرباً من خلف الستار , فهنا إهانات وهنا قضايا , وهنا قنوات تحرض وهنا قنوات تغلق , ولا تُخطئ عين المدقق أن ترى فلول النظام القديم يطلقون الآلة الإعلامية الشعواء , وليس معنى هذا أن ما يورده الإعلام كله كذب , وإنما فيه صدق وراءُه نوايا خبيثة سنعلمها فيما بعد عندما ننظر للمشهد كوحدةٍ واحدة لا تنفصل ) , والقضاة ( الذين فاجئهم مرسي بقراراته من إعادة مجلس الشعب وإلغاء الإعلان الدستوري وقرارات أخرى قلبت المائدة عليه ) , والمثقفون ( الذين رأوا ذهاب المجتمع وانحرافه إلى طرق بعيدة مُظلمة , والذين تابعوا القنوات الدينية المحرضة والحركات المتشددة والأفكار التي انعكست عُنفاً في الشارع وغرابةً في القرارات , وكان غضبهم عندما تم تعيين وزيراً للثقافة من التيار الإسلامي , فأعلنوا اعتصامهم عند الوزارة رفضاً لهذا التيار الغريب الذي يسري في المجتمع ) , والقوات المسلحة ( التي لا أرجح سلامة نيتها بعدما أسالت الدم وداست على المعارضين , ويقال أن هناك حالة من الغضب لم يتم الكشف عنها في القوات المسلحة بعد الإطاحة بطنطاوي وعنان وإلغاء الإعلان الدستوري , والتي سوف تظهر في الصورة فيما بعد ) .
ومرّت الأيام جديداً , واقتربت الساعة , ولا جديد , وانقضى المائة يوم , وفي هذا أصدر موقع "مرسي ميتر" تقريره بشأن أداء الرئيس , فتجد في الصفحة الرئيسية للموقع :
- 100 يوم مرت من 100 يوم
- الوعود الجاري تنفيذها : 24 من أصل 54
- الوعود التي تحققت : 10 من أصل 64
- نسبة رضى الناس على ما تم تنفيذه حتى الآن 39%
, وتمت الدعوة إلى مليونية كشف الحساب , يوم الجمعة 12 اكتوبر 2012 , وكتبت صحيفة روزاليوسف بتاريخ 12 اكتوبر 2012 في هذا الشأن :
استغلت جماعة الإخوان المسلمين أحكام البراءة الصادرة ضد المتهمين فى أحداث موقعة الجمل لإفساد مليونية اليوم التى دعت إليها القوى السياسية والمعروفة باسم كشف حساب الرئيس وفقا للوعود التى وعد د.محمد مرسى بتحقيقها خلال الـ100 يوم الأولى لحكمه حيث أعلنت الجماعة من خلال أمينها العام د.محمود حسين عن مشاركتها فى المليونية للمطالبة بإعادة محاكمة المتهمين فى قتل المتظاهرين.
وقال حسين إن الجماعة صدمت كما صدم الشعب المصرى كله من الأحكام التى صدرت بتبرئة المتهمين فى موقعة الجمل «بعد أن غلت أيدى المحكمة نتيجة عدم تقديم الأدلة الكافية وكذلك طمس الأدلة التى تدين المتهمين كما حدث من قبل فى قضايا محمد محمود والوزراء وماسبيرو».
وأوضح حسين أن الجماعة ستشارك مع بقية القوى الوطنية فى مليونية الجمعة فى ميدان التحرير للمطالبة بإعادة محاكمة جميع المتهمين فى قتل المتظاهرين فى كل الأحداث السابقة مع المطالبة بتشكيل لجنة على مستوى عال لتجميع الأدلة وتقديمها للقضاء ومطالبة الرئيس بتنفيذ وعوده بالقصاص من قتلة المتظاهرين.
وأضاف الأمين العام للجماعة: «لن يهدأ لنا بال حتى ينال قتلة الثوار جزاؤهم العادل ويطمئن أسر الشهداء والمصابين إلى العدل».
كما طالب حزب «الحرية والعدالة» الجناح السياسى للجماعة النائب العام بالتنحى، وعلى صعيد الأحزاب والقوى السياسية أعلن الداعون لمليونية «كشف حساب الرئيس» أن التظاهرات ستنطلق فى عدد من محافظات الجمهورية ابرزها الإسكندرية والسويس والمحلة والمنصورة والإسماعيلية.
حيث تبدأ الفعالية بمسيرات فى محافظتى القاهرة والجيزة وتنطلق من مجموعة من المساجد وهى النور بالعباسية ومسجد السيدة زينب ومساجد دوران شبرا و مصطفى محمود ومسجد الاستقامة بالجيزة وتتجمع التظاهرات فى ميدان التحرير بدءًا من الساعة 4 عصرا لتبدأ الفعاليات هناك حتى الساعة 8 مساء.
أوضحت القوى السياسية الواصل عددها 30حزبًا سياسيًا وحركة ثورية وشبابية أن المطالب الرسمية التى ستطالب بها ومنها صياغة دستور توافقى لكل المصريين بلا تفرقة أو تمييز وكذلك تحقيق العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية على أرض الواقع.
كما تدعو التظاهرات أيضًا إلى إعادة تشكيل «الجمعية التأسيسية» للدستور لتعبر عن جميع القوى السياسية والمجتمعية وإعادة محاكمة عناصر النظام السابق وتطهير مؤسسات الدولة، وخاصة مؤسسات الأمن والإعلام، من العناصر الفاسدة.
وتحمل التظاهرات مطالبات لتحقيق العدالة الاجتماعية ومنها إقرار حد أدنى للأجور 1500 جنيه، وكذلك حد أقصى لا يتجاوز الـ15 ضعفًا مشددة على ضرورة وضع سياسة فعالة للسيطرة على الارتفاع الجنوني للأسعار، وشملت المطالب أيضًا اتخاذ خطوات حقيقية لاستعادة الأموال المهربة للخارج وضم مليارات «الصناديق الخاصة» للمالية العامة، كما دعا المنظمون للتظاهر إلى وضع خطة زمنية واضحة ومعلنة لمحاربة الفساد وحل مشكلات البطالة، والعشوائيات، وتردى خدمات الصحة والتعليم والسكن والبنية الأساسية.
وتستعد القوى بعدة أفلام وثائقية يتم عرضها فى الميادين والشوارع الرئيسية وتتضمن المشكلات والأزمات التى مرت بالبلاد عقب تولى مرسى الرئاسة انتهاءً بأزمة الدستور.
كان الاجتماع التحضيرى الأخير للمظاهرات قد شهد حالة من الشد والجذب بين ممثلى القوى السياسية المشاركة فى المظاهرات حول الأهداف، والمطالب التى ستتوحد حولها المظاهرات وتنطلق من أجلها، حيث اختلفوا فيما بينهم حول فكرة عمل منصة فى ميدان التحرير من عدمه، حيث فضلت بعض القوى المشاركة الاكتفاء بمسيرات ومظاهرات تجوب المناطق المختلفة وتخلق معها حالة من التأييد والحشد الجماهيرى حتى تتحول المظاهرات إلى موجة ثانية من الثورة ضد الرئيس الآتى من جماعة الإخوان المسلمين، وخرج الاجتماع ولم تصل القوى السياسية إلى نقاط اتفاق فى الأهداف والمبادئ حيث فشلت فى إصدار بيان موحد يعبر عن توجه المظاهرات.
ومن المقرر أن يشارك فى المظاهرات كل من الجمعية الوطنية للتغيير والتحالف الديمقراطى الثورى الذى يضم الأحزاب اليسارية مثل الحزب الاشتراكى المصرى والحزب الشيوعى المصرى وحزب التحالف الشعبى الاشتراكى وحزب التجمع وحزب العمال والفلاحين وحركة الديمقراطية الشعبية كما يشارك التيار الشعبى المصرى الذى يضم أحزاب الدستور والمصرى الديمقراطى الاجتماعى وحركة 6 أبريل واتحاد شباب الثورة والجبهة الديمقراطية.
وفي المائة يوم الأولى حدثت بعض الحوادث أيضاً , ففي يوم الأحد 5 أغسطس 2012 , قُتل 16 مجنداً في الجيش فيما سُمي إعلامياً بمذبحة رفح , وفي يوم 15 سبتمبر 2012 , سقط أول شهيدين في عهد مُرسي خلال أحداث تظاهرات السفارة الأمريكة , والتي اندلعت احتجاجاً على الفيلم المسئ للرسول , وفي يوم 16 سبتمبر 2012 , سقط شهيدين أخريين في أحداث قسم ميت غمر , وبدأ الدم يسيل .
وفي يوم الجُمعة 12 أكتوبر 2012 , هجم مؤيدي الرئيس محمد مرسي على المتظاهرين في ميدان التحرير , في أول مواجهة بين المؤيدين والمعارضين بالحجارة , مما أسفر عن إصابة أكثر من مائة شاب , وفي مشهد دخول المؤيدين الميدان , هتفوا مهللين " مرسي .. مرسي " , وفي مشهد دفاع المتظاهرين عن الميدان وصد الهجوم البربري هتف المتظاهرون : " بيع بيع بيع .. الثورة يا بديع "
وبدأ الانقسام من هذه النُقطة , ودُعي إلى مظاهرات مماثلة يوم الجمعة التالية باسم " مصر مش عزبة .. مصر لكل المصريين " وبتاريخ 18 اكتوبر 2012 ذكرت بوابة اليوم السابع :
قال هيثم محمدين المتحدث باسم حركة الاشتراكيين الثوريين، إن ما حدث فى جمعة كشف الحساب من اشتباكات بميدان التحرير شوش على مطالب القوى المدنية، مشيرا إلى أن الحركة ستشارك فى مليونية مصر مش عزبة غدا وستنظم مسيرتين من ميدان التحرير أحداها لقصر عابدين للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، ومسيرة أخرى لمجلس الشورى للمطالبة برفض تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والمطالبة بحلها.
وأضاف فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أنهم سيجددون مطالبهم خلال التظاهرة بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود ومحاكمته على تهم التستر على الفساد فى عهد النظام السابق، مؤكدا أن هذا مطلب أساسى من مطالب الثورة.
وذكرت جريدة الدستور الأصلي بتاريخ 16 اكتوبر :
«مصر مش عزبة.. مصر لكل المصريين».. هذا هو اسم مليونية الجمعة القادمة التى دعت إليها القوى المدنية من الأحزاب والتيارات السياسية والحركات الثورية المختلفة. تظاهرات «مصر مش عزبة» تحمل نفس مطالب جمعة 12 أكتوبر الماضى، بالإضافة إلى مطلب رئيسى جديد، هو محاسبة جماعة الإخوان المسلمين على الأحداث الدامية التى وقعت فى ميدان التحرير.
القوى المدنية ستتظاهر فى الشوارع والميادين، للمطالبة بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية الحالية، ورفض الدستور الجديد الذى يسيطر عليه تيار بعينه، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية وتطبيق الحدّين الأدنى والأقصى للأجور، بالإضافة إلى المطلب الأساسى الذى يتفق عليه الجميع، وهو حق الشهداء والمصابين، عن طريق إعادة فتح التحقيقات فى كل الأحداث الدموية منذ اندلاع الثورة مرورًا بموقعة الجمل وأحداث مسرح البالون ومجلس الوزراء وماسبيرو وبورسعيد ومحمد محمود.
القوى المدنية تستعد على قدم وساق للتنسيق والدعوة إلى مليونية الجمعة القادمة، فعقب انتهاء اشتباكات الجمعة الماضية لم تتوقف الاجتماعات بين القوى السياسية المختلفة، بالإضافة إلى تقديم سيل من البلاغات أمام النائب العام ضد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الدكتور محمد بديع مرشد الجماعة، والدكتور عصام العريان المنافس على مقعد رئيس حزب الحرية والعدالة، بالإضافة إلى تحميل مسؤولية الأحداث الدامية للرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين. وقد أعلنت القوى السياسية النزول إلى الميدان للتعبير عن آرائهم بصورة سلمية، بصفتهم يمثلون المعارضة للرئيس والحزب الحاكم.
ويأتى آخر هذه الاستعدادات والتنسيقات لوضع اللمسات النهائية وخريطة المظاهرات وإصدار البيان المشترك، اجتماع تعقده الأحزاب المشاركة اليوم الثلاثاء، حسبما جاء على لسان الإعلامى حسين عبد الغنى عضو التيار الشعبى، وذلك استكمال لما تم مناقشته فى الاجتماع الأخير بالجمعية الوطنية للتغيير، والبيان المشترك الصادر عن حزبَى الدستور والتيار الشعبى، بالدعوة إلى المليونية القادمة وتأكيد مطالبها.
الأحزاب والقوى السياسية والحركات الثورية المشاركة فى المليونية القادمة تتجاوز الـ20 حزبًا وحركة، أبرزها حزب الدستور والتيار الشعبى والمصرى الديمقراطى والمصريين الأحرار والوفد وحركة شباب 6 أبريل وكفاية والجمعية الوطنية للتغيير والجبهة الحرة للتغيير السلمى، بالإضافة إلى الاشتراكيين الثوريين وحزب التحالف الشعبى وعدد آخر من الأحزاب والحركات السياسية.
أحمد طه النقر المتحدث الإعلامى باسم الجمعية الوطنية للتغيير، قال إن الدعوة لمظاهرات الجمعة القادمة تحمل مطالب رفض جريمة الإخوان ضد الثوار، والأحداث الدامية التى شهدها الميدان فى الجمعة الماضية، بالإضافة إلى المطالبة بأن تكون الجمعية التأسيسية للدستور ممثلة لكل المصريين وليس لأعضاء الجماعة وأصدقائهم فقط، وكذلك المطالبة بحق الشهيد وتطبيق العدالة الاجتماعية.
النقر أضاف فى تصريحات لـ«التحرير» أن القوى الوطنية تبحث عقد مؤتمر صحفى موسع يشارك فيه كل التيارات والأحزاب والحركات المدنية، وذلك بميدان التحرير على ملء السمع والبصر لتوثيق تعدى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على المتظاهرين، مضيفًا أن التنسيقات جارية الآن بين الجميع لوضع الخريطة النهائية للمظاهرات فى كل المحافظات. المتحدث باسم «الوطنية للتغيير»، أضاف أنه إذا قررت جماعة الإخوان المسلمين النزول مرة أخرى إلى ميدان التحرير، بالتزامن مع دعوتنا الجمعة القادمة، كما يتردد بأنهم ينظمون مليونية لرفض بقاء النائب العام، فإن هذا يعتبر جريمة أخرى مع سبق الإصرار والترصد، والرئيس محمد مرسى هو المسؤول عن بقاء جماعة غير شرعية وغير قانونية تفعل فى مصر ما تشاء.
وفي 18 نوفمبر 2012 , شاركت القوى الثورية في إحياء ذكرى أحداث محمد محمود , واندلعت الاشتباكات بين الداخلية والمتظاهرين , وسقط على إثر هذا اليوم ثلاثة شُهداء , من بينهم أحمد نجيب وجابر صلاح ( جيكا ) , وكانت هذه هي نهاية مرحلة الترقُّب , وبداية المرحلة التالية .. مرحلة التَصادُم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق