الجمعة، 29 أغسطس 2014

أنا والثورة (الكتاب الأول) : الجزء الرابع عشر

" واللي ماتوا في بورسعيد عشان رجال
لما قاوموا حُكم عسكر كالجِبال
باقية ذكريات حياتكو فـ كل بال
شهداء الوطنية جوة قلبي
للأبد
للأبد
للأبد"

الكتابة حِملٌ ثقيل , ينوء عن حمله كل من في نفسه الكسل , أحارب نفسي في كل يومٍ أعمد فيه إلى الكتابة , أفرّغ عقلي , أستدعي ذاكرتي , أوقظ ضميري لئلا أظلم أو أفتري على الناس كذباً أو أكذب بالحق , إنه لا يفلح الظالمون.

استيقظت من نومي في يوم السبت , 26 يناير 2013 , مبكراً , عارفاً موعدي الذي لا أتأخر عنه , وقد اتخذت الحذر والحيطة لئلا أصحو إلا وهُم نيام , ارتديت ملابسي ونظّارتي السوداء بعد أن تهتّكت البيضاء في أحداث الأمس , وتوّجهت إلى النادي الأهلي بالجزيرة.

كُنتُ من أوائل الواصلين هناك , وانتظرتُ حتى امتلأ الجمع , لا أتذكر الساعة التي احتشد الناس فيها وملأوا الشارع , اليوم , كان يوم النطق بالحكم في قضية " مذبحة بورسعيد " التي راح ضحيّتها اثنان وسبعون شابّاً من مشجعي النادي الأهلي قتلاً في مدرج استاد بورسعيد وفي أنحاءه ذبحاً وضرباً ورمياً من الأعلى ودهساً من الأسفل وتدافعاً واختناق , وقد وقف في قفص الاتهام 73 متهماً من بينهم 9 من القيادات الأمنية بمديرية أمن بورسعيد و3 من مسئولي النادي , وبعيداً عن الدخول في تفاصيل القضية نفسها , فقد كان هذا يوماً فاصلاً بالنسبة لرابطة مشجعي النادي الأهلي " Ultras Ahlawy " , وقد قاموا بعدّة فعاليات منذ الإعلان عن موعد جلسة النطق بالحكم , إلى يوم الجلسة نفسها , لكي يلفتوا الرأي العام في الشارع إلى قضيتهم , وقد شاركت في بعضها , وكان من هذه الفعاليات , تنظيم المسيرات الضخمة , وقطع بعض الطرق المرورية وأنفاق المترو , ومحاصرة بعض منشآت الدولة , في رسالة واضحة إلى النظام الذي طالما ماطلهم في مطالبهم المشروعة , النظام الذي تواطأ ضدهم في الأساس , بل كان هو العدوّ الذي تُشير إليه الأصابع , وكانت هذه الفعاليات تتم في وقت محدد , وفي دقّة وسرعة وانسيابية التفّت لها رؤوس الناس , العامّة , والمسئولين , والإعلاميين , وأذكر من ذلك كلام محمود سعد إعجاباً أنه قال " خلّوا البلد تلف حوالين نفسها في ساعتين ! " , ولم يكن لي نصيبٌ في المشاركة في هذا اليوم , يوم الضربات النوعية السريعة , وعندما ذهبت للتحرير لأشهد في حصار المجمع , وجدْت أن الجمع قد اختفى , يقول الزعيم الصيني القديم ( صن تزو ) في كتابه ( فن الحرب ) : " اهجم بينما هو غير مستعد، اظهر في المكان الذي لا يتوقعك فيه ".

وقد امتلأت الجدران في الشوارع والحارات والأنفاق بكلمتين كانت لهما فعل الرصاص , في تخويف العدو , " 26/1 .. القصاص أو الفوضى " .. الكلمتان اللتان ظل يفكّر بها السياسيون والإعلاميون والمسئولون لأيام , وكلمّا اقترب اليوم ارتفعت الأصوات واحتشدت الآليات واستعدّت الأجهزة , ليوم التقاء الجمعان , فهُنا تضرب القلوب نزولاً وارتفاعاً في انتظار الحَق , وهُناك تترقّب الأعين وترتعش الأيدي بحثاً عن من هُم وراء القضبان , يواجهون اتهامات القتل العمد , وثالثتهما بعيدة في الصحراء , عند قاضي سينطُق الآن بالحُكم , فتعُم الأفراح هناك , وتعم الفوضى هنا , أو تتطاير الاحتفالات هُنا , وتتطاير الرصاصات هُناك , وبين هذا وذاك فريقان يترقّبا , أحدهما ظُلِم , والآخر أظلم , أحدهما ينتظر القصاص , والآخر ينتظر ظلماً آخر بعد ظُلم , وبين هذا وذاك قيادة سياسية ترى , وترتقب , وتعلم , وربما تمد الأيدي في الأشياء , وبين هذا وذاك جهات نظامية تحتشد , هنا وهناك , وتطير من فوق الرؤوس , وشعباً ينتظر ما ستؤول إليه الأمور في هذه الدوائر المفرغة التي تعبث في مصائر البلاد منذ زمن , في المعارك التي لا ناقة له فيها ولا جمل , يترقّب , ويرتشف أكواب الشاي بعد إفطار الصباح , وربما يحب أن يضيف شيئاً في هذا المزيج المتداخل , فيقول " ربنا يستر واليوم ده يعدّي على خير ".

" محكمة .. بعد الاطلاع على الأوراق والمادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية , قررت المحكمة , وبإجماع آراء أعضائها , إحالة أوراق كلٌ مِن..." , اكتملت الحشود في الشارع أمام النادي , وفتح كل من لديه راديو جهازه , وسكتت الأنفاس طمعاً في سماع همسات الأجهزة الصغيرة في الأيدي , أو الكبيرة في السيارات التي حالت بينها وبين الناس , الناس. بعدها بدقيقة , قفز الشارع كله من الفرح , وفرقعت الصواريخ , وقرقعت الزغاريد , وحضن كل من الناس , أخيه الواقف بجانبه , أخيه الذي لا يعرفه , وسالت الأدمع , وارتفعت الأصوات " 21 إعدااام " , وذُبت معهم في المشهد , فرحاً , ونطّاً , واحتضاناً , وغناءاً للنادي الذي ساع الحُزن والفرحة معاً.

ما أحلى أخذ الحق , رأيتها اليوم , رأيتها الحياة تدُب في قلوب الحزاني , رأيتها تلمع في دموع الأهل والأصحاب , بسم الله الرحمن الرحيم : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } , صدق الله العَظيم.


الاثنين، 25 أغسطس 2014

من الشَرق الأوسط إلى الشرق الأقصى (3)

يا إلهي , لقد أدركت لتوّي أنه من الممكن أن يكون هناك فرق بين روسيا والشرق الأقصى , يا لجهلي! ولكن حسناً , قد تكوني من هناك , ولكن كيف ؟ فالذين هناك متشابهون , لا متفردون مثلِك , حسناً , فأنتِ لستِ من الشرق الأقصى , أنا المُخطئ , ولكني يا عزيزتي اعتدتُ شئ , اعتدت ألا أغيّر طريقاً بدأته , ولا أحرف حرفاً كتبته , ولا أخلف وعداً أطلقته , لذا سأخبر أصدقائي المجهولين في الشرق الأقصى أن يستقبلوا رسالاتي هذي وأن يُعيدوا إرسالها إلى روسيا كي تستوي على منضدة إفطارِك فتقرأي في الصباح كلاماً في العِشق يُصلِحُ القلب ويشفي البدن ويُنعش العقل ويهيئ النفس لاستقبال اليوم الجديد , وسيكلفني هذا تعلّم لغات أخرى , في أي سبيل ؟ في سبيلَكِ وسبيل نفسي ذات الضعف , وعقلي ذي الغرابة.

هل تدري أيضاً ؟ في طريقي الطويل للعودة للديار بدأت أفكر في الوداع , في كيف لأحدنا أن يعتاد شخصاً فيوّدعه وفي قلبه يأس من أن يراه ثانياً ويتبسّم له , إنه الألم , أعلم الآن لماذا يفزعون الموت , لأنه الوحشة , سيذهب من يموت إلى الذي لا نعرفه ولا يعرف , عندما يودّع الناس بعضهم البعض في السفر والحرب والتهجير وأي شئ فوق الأرض , فإنهم يودعونه وهم يعلمون إلى أي أرضٍ يذهب , ويقذف هذا في قلوبهم قبساً من الاطمئنان , وأمّا الموت فلا , ولكني هنا بصدد الكلام عن شئ مختلف , عن الوداع النهائي الذي لا يعقبه التقاء , عن الخطّين المستويين الذَين مثّلتهما أجسامنا في الدنيا فتقاطعا في نقطة ثم تباعدا إلى نهاية الدهر , يا لها من فظاعة غامرة وتفكير يؤول بمفكّره إلى الاكتئاب والحُزن , ولكنني كي أدفع هذا وذاك , لن أسير , يا عزيزتي في الخط المستقيم , سأنحرف في كل فرصة , سأشق الدروب عودةً إليكي في كل غفلة من غفلات القَدَر , ولا تفعلي أيضاً , لربما نلتقي إذا سِرنا كلٌ منا في نصف دائرة مع كل لقاء , أو قوسٍ صغير القُطر , سنصير معادلة للمالانهاية إذا رسمناها على ورقة في ظهر كتاب , أو حفظناها عن ظهر قلب , مثل النجوم تظهر وتتلاشى وتظهر , أو المطر يأتي ويذهب , أو الفكرة تأتي وتذهب , أو البلاغة تصيب وتخيب , لنكُن , يا عزيزتي , مداراً في سماوات الفَلَك , نسبح معاً في حركةٍ هادئة , متناغمة مع الكون , إذا رصدها الفلكيون بُهِروا من جمالها , وإذا رآها الناس شَخَصت أبصارهم ساعة , وإذا حلّلها العلماء وجدوها معادلةً تُفسّر الحُب , وتنظّم دقّات القلب , وتقطع في سُبُل السعادةِ أميال , وتسعى للكمال , وتقرّب النقطتين بغير الخط المستقيم القديم , وتضع قانون الجذب في مكانه بين قلوب العُشّاق , وتقرر النسبية في اختراق الآفاق , بأن من أحب أدرك الحقيقة , ووصل إلى مسعاه بغير طريق , لأنه كان هو الطريق , وبلغ الحياة بغير سرعة الضوء , لأنه كان هو الضوء , وكان قلبه النور , وعينه الحقيقة , ولسانه الحكمة.

هيثم شومان
القاهرة
25 أغسطس 2014

من الشَرق الأوسط إلى الشرق الأقصى (2)

كيف يستطيع الحُب أن يُفجّر طاقات الإبداع ؟ وليس الحُب فحسب , ولكنه الحُب ذي المتاعب , كنت أتسائل ما إذا كان افتراضي خاطئاً , أي , ماذا لو لم تكوني روسيّة البلد , كيف علِمت أنا أن ما تتكلمينه روسي , وليس لغة من لغات أوروبا ؟ كنت عزمت على التعلّم والإتقان وحتى ترجمة هذه الرسائل إلى الروسية كي تصبح أسهل لكي في قرائتها , أعلم أنك لا تفقهي العربية ولا تسعي لتعلّمها , وقد فاتك في هذا الدرب أدباً , لو تعلمين , عظيم , لغتنا هذه لا أجد لها سبيلاً للمدح أو التوصية , فهي متوهجة بذاتها , هي التي تصف نفسها وليس الناس , بل أنني أرى أنه من الحمق أن يصف الناس إياها , أياً كان , سأشرح لكي الأمر عندما نلتقي مجدداً , وأعلم ما تذخر به لغتك من الآداب العالمية , وأسعى لقرائتها بلا شك , ولكن تعالي لنعود إلى موضوعنا الرئيس , كيف ترين الأمر ؟ لقد تعبت في معرفة نفسي وتقصّي أفعالها وتفسير مذاهبها وتربية ميولها , نفسي هي أكبر لغز في حياتي , كل يوم هي في شأن , يومٌ تكره وآخر تحب , يومٌ تواصل وآخر تجافي , يومٌ تطيع وآخر تتمرد , من أنا ؟ وما الذي يعتمل في صدري ؟ هل هو الضياع يمسك المرء فيهلكه ؟ أو هو الهدى الذي يأتي بعد الضلال ؟ أو هو الشبع الذي يأتي بعد جوع ؟ شبعت , فهل لن أجوع مجدداً ؟ بلى , لا يستطيع الإنسان منّا أن يعيش بدون الطعام والشراب , وكذا القلوب , لا تنبض بالحياة من دون الحُب , ولكن أي حُب ؟ هل هو الحب الذي نتمناه أم الحُب الذي ندركه ؟ كبيرٌ هو الفرق بين الحُبّين , فالحُب الذي نتمناه هو الحُب الذي لا نزال نسعى إليه طالما سِرنا في طريق الحياة , الحُب الكامل الذي إليه ترنو النفوس ولبلوغه تكون الحياة , الحياة التي تدور بنا وتدور وتدور إلى أن تقف , تُرى .. لماذا تدور بنا الحياة إذا كنا لا نسعى لشئ كبير , الشئ الذي يعطي المعنى لكل هذا السعي والتعب , الشئ الذي كالهواء الحُر نتفسه والماء الذي يسُر نشربه بعد شق الأنفس , والحُب الذي ندركه هو الحُب الذي نلقاه في الطريق , ولا نلقي له بالاً إلا بعدما نصل , فندرك أننا تركنا ورائنا الكنز , وأن الكنز كان في الرحلة لا في نُقطة النهاية , ومن أعظم ممن وجده فصدّقه فأحب وعاش , الحُب الذي نتمناه صورة , والحُب الذي ندركه جسدٌ قائم بذاته , الصورة جميلة لكنها صعبة الحِس , أما الجسد فهو أنت , وهو روحك التي تسكن فيك , وقلبك الذي يُرسل إليكَ الحياة , يا إلهي هل خلطت المعاني وأنا لا أدري ؟ أم أنها مخلوطة في الأصل ولا تحتاج منّي لترتيب ؟ أم أنني أحتاج لأن أعيد قراءة طوق الحمامة لابن حزمِ لكي أحدد أي حُب أحب , أو أي عجبٍ أعجب به.

وقد قرأت مقالاً لياسر حارب في كتابه العظيم بحق ( بيكاسو وستاربكس ) , بعنوان , ( الحُب والإيمان ) , وكان مما قال فيه : " الحب يا صديقي، صيرورة، لا تدرك كنهها.

كالنار والفراغ، كالروح والوجود، كالزمن والخلود، لم يستطع حتى ابن رشد أن يجد له حيزا. الحب هو النور الذي لا تحده الجهات الأربع، ومتى ما انبثق لا تعود للظلام ذكرى في سجل التاريخ.

الحب مثل الذكريات، يملي علينا ولا نملي عليه، يأتي إلينا ولا نذهب إليه، يقتلنا ولكننا نشتاق له. لا تهرب من الذكريات، فهي معك حتى وأنت تفارقها، وكلما ابتعدت عنها كلما اقتربت منك.

كن معشوقا ولا تكن عاشقا، فإن تعشق يعني أن تبحث عن الحب، كالذي يسعى أن يرسم فراغا في لوحته.. ياله من مجنون! كيف يمكنه أن يجد الفراغ؟ الحب هو اللاشيء يا صديقي، وبوجوده يوجد كل شيء، فبضدها تعرف الأشياء.. وبدونه تصبح الحياة هي الموت.

أتعرف ما هو الضد؟

 هو الشيء الذي تتحاشى أن تحصل عليه طوال حياتك، وإذا ما وجدته صدفة، تدرك أن حياتك كانت هباء قبله. كم هو جميل أن نجد أضدادنا في الحياة، فهم فقط من يجعلنا نسعى للكمال.

وهم أيضاً من يجعلنا ندرك أن الحب ليس في الجمال والسعادة فقط، بل أجزم بأن التعاسة هي فتيل الحب، فلولا رحيل خولة لما قال طرفة بن العبد:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد  ..  تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

أتعرف ما هي الأطلال؟

هي الأشياء التي نخاف منها ونسعى في سبيلها دون أن نشعر. هي الألم اللذيذ، هي الإشفاق على النفس والاستمتاع بشقائها.

هي الحب يا صديقي.. الأطلال هي الحب، فلا تقف عليها كثيراً. لا موت في الحب، كما أنه لا حياة فيه. الحب جدلي الوجود، لا يتحقق إلا بوجود العنصر وانتفائه، دون أن يجتمعا فيقضي أحدهما على الآخر. كالخير والشر، الروح والمادة، النور والظلام، والموت والحياة، تمأما مثل ضفتي النهر، تسيران جنبا إلى جنب، فإن التقتا توقف تدفق المياه وتحول النهر إلى بحيرة.

أتعرف ما هي البحيرة؟

هي نهاية الحب وبدايته. هي مزيج من كل التجارب التي مرت بها مياهها، من صخور وحفر، أشجار ونباتات، وهي لوحة كبيرة عملاقة، تجسد كل ما مرت عليه مياهها من صور ومناظر خلال سفرها الطويل، ولذلك يمكن تقدير عمر البحيرات ولا يمكن تقدير عمر الأنهار.

أتعرف ما هو السفر؟

السفر ليس الفراق، بل هو الانعتاق.. هو الانعتاق الأزلي من قشور الحياة والغوص في جوهرها. السفر هو اتحاد الجسد مع الروح من خلال البحث عن السعادة، التي هي أقصر طريق بين المرء وبين قلبه. السفر هو اللقاء الحميم بين العقل والفكرة التي لم تولد بعد.

أتعرف ما هي الفكرة؟

هي تجسيد لحياتنا الأولى، هناك في الأزل البعيد، في ذاكرة الكون، وفي أحلام الزمن. هي الحياة التي نتمنى لو أننا ننتمي لها حتى وإن كانت قاسية، فهي على الأقل تمثلنا نحن ولا تشقى بنا كحياتنا هذه التي نشقى بها.

أتعرف ما هي القسوة؟

هي رغبتنا في أن نكون مخلوقات أخرى غير البشر. القسوة زمن آخر، طويل قصير، نريده أن يستمر ويريد هو أن ينصرف. عندما نقسو نعود إلى طبيعتنا الرملية الأولى، التي يحيلها الماء إلى طين، ثم تحيله القسوة إلى حجر.

الحب هو القسوة يا صديقي.. هو القسوة، فلتحنُ على نفسك قليلا.

المحب يهوى الماضي ويخشى المستقبل، فالماضي بالنسبة له بقاء، والمستقبل فناء. أما الحاضر فإنه كالشفق الذي نعشقه بسرعة ثم نتمنى زواله حتى لا نسأم لونه ومكانه.

أتعرف ما هو المكان؟

هو حالة إنسانية يختصم فيها العقل والقلب، فالعقل يسعى دائماً لتأطير كل شيء وتحويل المحسوس إلى ملموس، أما القلب فإنه يؤمن بأن المكان هو كل ركن يصل إليه النور، ولا يأبه إن كان المكان موجودا أم لا. هل السماء مكان؟ السماء وجود نعلم أنه هناك ولا ندري أين، ولذلك، كان الإيمان السماوي محله القلب وليس العقل.

أتعرف ما هو الإيمان؟

يعتقد البعض أن الإيمان هو نقيض الشك، ولا يدركون أن الشك هو جزء من الإيمان. فعندما تشك فإنك تسعى لمعرفة الحقيقة، وعندما تجدها فإنك تجد الإيمان عندها. الإيمان حاجة كونية، نحتاجها لكي نحب.

لا يمكننا أن نحب من لا نؤمن بهم، ولكننا نؤمن بمن نحبهم. إن الحب الذي لا يمنحنا الإيمان بأنفسنا هو حب ناقص، لم يعرف طريقه إلى القلب. أليس الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل!

الحب هو الإيمان يا صديقي.. هو الإيمان، فلا تكفر به. "

من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى (1)

إنه ألم أن تعمد إلى الكتابة مرة أخرى , أن تفتح جُرحاً جديداً وتعبث به إلى أن يغشى عليك , أن تفتح قلبك للصفحة البيضاء ليقُل ويشكو , لمن يشكو ؟ يشكو منه إليه , إنها نُقطة صغيرة من الماء , تكبُر وتكبُر وتكبُر حتى تصير بحراً خدّاع الموج , نحارب فيه الموت والضياع وعدم الطمأنينة , كيف تطمئن لمن لا يحملك لئلا يأخذك الغرق , كيف تطمئن لمن يدعك تنظر إلى السماء وتنتظر العون منها , عليه , كذلك الحُب , الحُب هو ذا البحر , البحر الذي يسحرك بجماله ولونه حتى إذا أسلمت نفسك إليه , أسلمك أنتَ إلى الأهوال والمخاطر , إلى خوف أن تكون قد أهلكت نفسك فيما تُحب , ومُت فيه حرفياً لا مبالغة , وخوف أن تنجو منه , فتكرهه إلى الأبد , بل وتكره الحُب نفسه , أو تكره نفسك التي تحب وتعشق , وقيل , الحُب فضّاح , ها أنا فاضحٌ نفسي على صفحات الشبكة , أعاني مثل الذي عانى القائد منذ شهور , وأختار بين نارين , نار أن يفيض قلبك فلا تتحدث , فتصمت وتصمت , فتكتئب وتتوحد مع العدم , أو أن يفيض قلبك فتتكلم , تصبٌّ منه حتى يجف , ويهترئ , ويحتال قلباً خاوياً يريد من يملأه , جارياً يريد من يوقفه , عارياً لا يجد من يُلقى عليه الثياب.

كيف خلق الله الناس وعدّد ألسنتهم من نفس الأصل ؟ كيف تكلّم آدم في بادئ الأمر ؟ وكيف تكلّم من بعده نوح بعد أن نزل الأرض من جديد وهي خاوية على عروشها خالية من كل كائن حي إلا هو ومن معه ؟ ثم كيف صارت الأمور إلى أن يصبح المرء عجوزاً عن أن يتكلم مع المرء أخيه في أصل الدُنيا , ثم ها نحن ذا , يقول الله في سورة الحجرات : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } , كيف جعلتنا شعوباً وقبائل يا ربي لنتعارف ؟ أريد الآن أن أطبق حُكم الله , فلتأتوني بفقيه في الدين يقول كيف يتعارف الإثنان لا يجمعهما لسانٌ ولا فِهم ولا حتى اتفاقٌ على رؤية الأشياء ؟

قال ابن المقفع : " اعلم أن من أوقع الأمور في الدين, وأنهكها للجسد, وأتلفها للمال, وأقتلها للعقل, وأزراها للمروءة, وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار, الغرام بالنساء .
ومن البلاء على المغرم بهن ، أنه لا ينفك يأجم ما عنده, وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن .
إنما النساء أشباه, وما يتزين في العيون والقلوب من فضل مجهولاتهن على معروفاتهن باطل وخدعة, بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما عنده, أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن .
وإنما المرتغب عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس, كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس, بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام ، وما في رحال الناس من الأطعمة, أشد تفاضلا وتفاوتا مما في رحالهم من النساء .
ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس بلبه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها ، فيصور لها في قلبه الحسن والجمال, حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية, ولا خبر مخبر ، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح, وأدم الدمامة ، فلا يعظه ذلك, ولا يقطعه عن أمثالها, ولا يزال مشغوفا بما لم يذق ، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة ، لظن لها شأنا غير شأن ما ذاق, وهذا هو الحمق, والشقاء, والسفه . "

حذرت يا عبدالله دون جدوى , ونِمت فاستيقظت على صورتها لا تفارق خيالي وأمنيتي , بل أنني ابتعدت في شططي هذا إلى مراحل بعيدة , فطفقت أبحث عن كيف سأجدها مرةً أخرى , بل أنني كِدتُ أتعلق بالأمل المستحيل , الذي يُخبرني أنني من الممكن أن أراها مجدداً , وهي التي تعيش في أقصى الأرض , ولكن أعادني عن هذا الخاطر الخطر , ما بقى لي من العَقل.

من الشرق الأوسط , إلى الشرق الأقصى
تحية طيبة وبعد ,,

هذا أنا , شابٌ مصري , أبحث عن امرأة روسية غادرت البلاد إلى مصر منذ زمنٍ لا أعلمه , معتدلة الجسم , جميلة المنظر , شقراء الشَعر , دقيقة العَين , حادة الملامح , مدببة الذقن والأنف , واضحة الأنوثة , رفيعة الصوت.

غابت عنّي الأوصاف الأخري , لكني أراها أمامي الآن كما أرى ما أكتبه , ها هي رسالتي إلى الشرق الأقصى تفشل , لماذا تفشل ؟ لأنهم لن يجدونها , يا إلهي فمن الممكن أن تكُن كل الروسيّات بهذا الصفات , فلنجُرب طريقة أخرى إذاً , ولنراسلها هي !

من هيثم شومان , إلى المرأة الروسية مجهولة الإسم
تحية طيبة .. وبعد !

هذا أنا , لا أعلم إذا ما كنتي ستقرأين رسالتي هذه أم لا , قد تكوني مشغولة بعض الشئ , ولكن حسناً , سأغتفر لكِ انشغالِك هذا لأنني أعلم أنك ستعودي وتقرأي وتكتُبي , ولكنّي أيضاً سأفترض تماماً أنك تقرأيها , وسأعلم في قرارة قلبي أنك ستأتي يوماً ما , فقد قرأت في كتاب ( السر ) لكاتبته الرائعة روندا بايرن , أن ما تتمناه وتصدقه , تدركه , وما ترنو إليه يأتيك ولو كان نجماً عالقاً في لوحة السماء , أنك فقط تحتاج لأن تصدق الشئ حتى إذا ما صدّقته صدّقك , وانجذب إليك كما ينجذب المعدن القوي لجوهر المغناطيس , وتعلمت منه أيضاً أن الحُب هو أعظم قوة , وهو هدية السماء , وهو الرابط الذي لا يُرى بين البشر , وهو السِحر الذي يعتمل في القلوب , فيصير الصعب سهلاً , والمُر حلواً , والأيام رقيقة تنساب في القلوب انسياب الماءِ داخل الكوب , والساعات لحظةً من لحظات الجنّة , والثواني غفلة من غفلات الزمن الطويل , وإذا صدّقت الحُب سيصدقني ويأتيني محمولاً على بُساط علاء الدين , أو على جناحيّ عباس ابن فرناس , أو على بُراق النبي , أو على عرش بلقيس إذ حمله عفريت سليمان الذي عنده علم من الكتاب في غمضة العين وارتدادها , وقد أوتيت من العلم القليل , فلم أقوَ على القول ولا الفهم , ولكنّ الإنسان يفهم صاحبه من نظرة العين وخفقة القلب وإحساس اللمس , وقتها كنت أريد فقط أن أقول لكِ " حسناً " , أو أن أشير لكِ بيدي للتحية , أو بابتسامتي للغبطة والارتياح , أو أن أؤت من الفراسة ما يُتيح لي استنباط اللغات الغريبة والتواصل بها لحظياً , أو أن أعلم لكِ اسماً أو طريق , ولكن لا بأس , أعلم , أيتها المرأة القوية , أنك تنتظريني , وقد تكوني لا تعلمين ذلك الآن , ولكن ابحثي , ستجديني قابعاً هناك , في أعماق نفسِك. سنسعى معاً لإبادة تلك الحواجز المتراصّة فيما بيننا , سنَبلغ السماء ارتفاعاً وسنهوى في الأرض عُمقاً نبحث عن الحقيقة والحُب.

صديقكِ ذو العين التي تَرَى , والقلب الذي يذوب ,
هيثم شومان

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

الشِعْر (3)



صباح الخير , إتكلمت المرة اللي فاتت عن مرحلة إعدادي والتغيرات اللي بدأت تطرأ على شخصيتي والحاجات اللي طوّرتني وألهمتني كواحد عايز يكتب شِعر والعوامل اللي أدت شيئاً فشيئاً لميلاد أول قصيدة عامية في امتحانات نهاية العام الدراسي 2011/2012.

النهاردة هتكلم عن الانطلاقة , أجازة صيف سنة 2012 كانت هي القفزة الحقيقية اللي خلت فيه حاجة اسمها " الشاعر هيثم شومان " , حاجة مش انا اللي سميتها لنفسي ولا بدأت اقول على نفسي شاعر اصلا غير مؤخراً , ده الناس اللي لاحظت وتابعت وشجّعت. في الجزء اللي فات قُلت إني وعدْت بنداري اني هبعتله قصيدة ( هوس الشِعر ) اللي كانت وقتها الماستر بتاعتي , بس الأيام ألهتني. اللي كان يعرفني في إعدادي كان يعرف إني متضامن بشدة مع الثورة السورية , وكنت بلبس تي شيرت عليه عَلَم الثورة السورية ومكتوب فوقيه Free Syria وتحتيه الحرية لسوريا , واللي يعرفني أكتر يعرف إني كان نفسي اروح أناضل مع الثوار هناك , يوم 10 يوليو 2012 حلمت إني في سوريا , وأحداث كتير مش فاكرها منها إني عدّيت من على بوابة حماة , لما قمت رُحت مع صديقي اسلام محمد أكاديمية الشروق عشان نخلص حاجة هناك , وانا في الأتوبيس الفكرة نوّرت في دماغي , بس انا كنت عايز انام , فقلت لإسلام ( على بوابة سوريا ) يا اسلام , فكرني .. ونمت. يومها لما رجِعت العَصر كتبت ( على بوابة سوريا : الجزء الأول والجزء الثاني والجزء الثالث ) . في منتصف أغسطس 2012 كتبت الجزء الرابع ونشرت القصيدة كاملة على هيئة صورة لبوابة كبيرة , ودي كانت القيمة العُظمي الأولى اللي أحرزتها كواحد لسة الناس حتى مكنتش تعرف انه بيكتب , القصيدة نالت إعجاب ناس كتير وانتشرت بشكل واسع فرّحني أوي , وأصحابي كاني بيمدحوني عليها كتير , وانا فاكر ان كيشو كان منبهر بيها فشخ وانا مبنساش انبهار كيشو.

الأوقات دي قابلِت رمضان , وخرجنا أنا ومحمود معز وبنداري ومحمد مصطفى ونرويجي عشان نتسحر في الحسين , وكان يوم حلو أوي , وساعتها نرويجي كان بيقول على بنداري " القائد " بالكاف , عشان فيه واحد سرسجي كان بينادي عليه كدة :D , عجبتني الكلمة .. بعدها بأيام , 22 أغسطس , افتكرت اني نسيت ادي لبنداري هوس الشِعر اللي وعدته بيها من زمان , فدخلت أكتبله :


    مع إن الواحد نسّاي
    بتنسي الدنيا وبتفكر
    بس انساك " أساديكي " ازاي
    وانتا " الكائد " واسمك بندر
    وبتشرب كوباية شاي
    و ابو مجدي بيشرب وبيـسكر
    تتسلطن بالعود والناي
    بس بتقرا وتكتب أكتر
    هستناك في البيت الجاي
    وانتا استنا ومش هتأخر

    #شنداريات xD xD
    أي كل ما يختص بدراسة ما بين الـ ( شومان ) والـ ( بنداري )

ده كان البوست بالظبط , بس شاءت الأقدار إني أكون مبسوط ساعتها , وإنها تضرب معايا في العلالي وتخليني أكتبله تاني :)

لوغاريتمات (1) .. #شنداريات .. " الأخ القائد "

الأخ الكائد
أبو شِعر خطير
والأخ العائد
من جوة البير
والبير مليان
بسطور وبيوت
وبحور وشطوط
وحكاوي كتير
وبيوت البير
مسكونة تمَلّي
يرسمها الشاعر
وبإيده يخلّي
في سيوف تتكلم
وسيوف بتعلم
وجماد يتألم
من طول البُعد
والبت بعيدة
والبُعد ممل
ومللها مُسَلّي
راح يكسر مللي
مطرح ما يكسّر
بيعور إيده
وبإيده يخلّي
في طيور بتغَنّي
وفـ إيده جناح
- ده خيال الشاعر -
وجناحه يعلّي
يرجع ويطير
من جوة البير
...
ويطير ازاي
وفـ إيده جروح
وهيعمل ايه
ولفين هيروح
والبير مليان
أبيات وشروح
واصحاب البير
من جوة كتير
ساكنين في بيوت
والبيت ليه حدود
وحدوده البحر
والبحر يجيب
في الموج ويوّدي
ويجيني الفيض
ينتهي على سدّي
ويجيني الموج
ويشوف طريقين
في طريق بيعدّي
من فوق السد
لو موج عالقد
وطريق مسدود
لو موج مشدود
بالغ في المد
راح يكسر يدّي
و بيَدي جروح
وهيعمل ايه
ولفين هيروح
والبير مليان
أبيات وشروح
والأخ الكائد
ازاي هيطير
من جوة البير
وفـ ايده الجرح
راح يسأل حي
سكانه كتير
أو يقرا بيوت
بعديها الشرح
والشرح يطول
بالطول والعرض
راح نشرح فيه
وتطول الحسبة
من فوق السطح
أو تحت الأرض
والشرح يطول
والعمر يفوت
والكاتب حي
راح بكرة يموت
ويكمل بعده
الأخ الجي ...

وعجبت الناس برضو وانا كنت فرحان بيها , وكتبت على غرارها لوغاريتمات (2) : لفّات العُقدة , ودي اتكتبت بالظبط في ليلة اخر امتحان اعادة اللي انا كنت مسافر بعده على طول , وانا كنت متضايق اوي من حوار الإعادة ده , فبثّيت همّي في لفّات العقدة اللي كنت بحاول اعرف فيها انا ايه اللي وصّلني لكدة , وسافرت شرم الشيخ , والرد جالي تاني يوم الصبح بدري وانا قاعد في ماكدونالدز :) : " ايوة يا بنداري ازيك - خش على بروفايلك كدة - ماشي "

لوغاريتمات واحد بشَرطة


    الأخ الرائع
    قائد ميمَنْتى
    والأخ الطائع
    ولا يحود سنتى
    والأخ الصايع
    وصياعته أدب
    والاخ الأجدع
    من الف شنب

    وبايده مقرر
    ينزل ويّايا
    على بير أحزانى
    حيعومها معايا
    نوصل للبر
    بالخير والشر
    مليانة نفوسنا
    وعقله مليان
    أفكار كاللـوز
    من وادى "عبقر"
    سفّاح كرموز xD

    والبت تملّى
    تعند وتكابر
    لكنه صريح
    جابها من الاخر
    اذا كنتى موافقة
    يسعدنى غرامِك
    واذا كنتى رافضة
    فالحيطة قُدامك
    إخبطى راسك
    ويا الخابطين
    لتكونى فاكرانى
    زعلان وحزين !!

    من مصر لسوريا
    على كعبه داير
    ينتمى فكريا
    لشهر يناير
    ينتمى حزبيا
    للشعب الثاير
    ينتمى إبداعاً
    للطايفة الأعلى
    هدْيا وضياعاً
    ماشى على الرملة

    فلقيت عرافة
    فسألتها عنّه
    عن قلمه وفنّه
    وخلايـا العقـل
    ساعة ما اتجنّو

    قالت ده الواد
    مفروشة بلاد
    قلبه كان وادى
    سيفه كان حاد

    وكلامه أمرّ
    من حد السيف
    وسنينه تمـر
    عاشها بالكيف
    ولا عاش مغصوب
    ولا عاش بالزيف

    ومسيره يلاقى
    بنت السلـطان
    والكاس الساقى
    طعم الأحـزان
    راح يسقى فى يوم
    "عصير " رمان xD

    والواد كان يخدم
    فى الناس بعينيه
    والواد كان يعطى
    ما بيسأل ليه
    والـ"ليه" دى حياته
    نظرة فى الكون
    جايز كان عاقل
    جايز مجنون

    ويشوف الدنيا
    من خرم الباب
    والباب كان اكبر
    من سور الصين
    والباب كان أصغر
    من ننّى العين
    والباب كان سارح
    وملهش حدود
    والباب كان أصلا
    مش موجود !!

    والواد اذا مات
    هيعيشله كلام
    يفضل للناس
    لسنين قدام

    والواد اذا مات
    نفتكره بخير
    مهو نص العمر
    عاشه للغير :)

وكنت مفشوخ من الفرحة , وانا فاكر ساعتها ان لساني اتحرق عشان كلت حاجة سخنة فشخ , بس مش مشكلة كان الإحساس بالطرب والسعادة هو اللي مسيطر ساعتها , واحنا ماشيين في خليج نعمة سألت على مكتبة عشان اجيب كراسة وقلم , وفي الغرفة كلهم ناموا وانا قعدت أكتب لوغاريتمات (3) : الأخ الفارس , ودَخَلت الدراسة وكتبت لوغاريتمات (4) : الأخ الحاير , وفي آخر الأجازة كنّا رُحنا مع بعض ( الشلّة كلها ) حفلة بلاك تيما , كان أكبر تجمع افتكره للشلة دي , والحفلة نفسها سجلت أكبر عدد تذاكر في تاريخ الساقية تقريباً - ممكن اكون بهري بس انا فاكر ان كان فيه حد كاتب كدة - ورجعت كتبت لبنداري رسالة نثرية عن الحفلة , وكانت قصيرة , وبعدها كتبتله رسالة نثرية تاني عشان اطلب منه حاجة في الموبايل أو ابديله رأيي في شاعر من الشعراء , بس رسالته هو الأولى كانت حاجة تانية , كانت رسالة أدبية بحق , اللي شجعني وخلاني اكتب رسالة طويلة زيها , وكتب , وكتبت بعدها ( الأخبار والمسائل في حديث الرسل والرسائل ) وساعتها هاني قالي عليها " انتَ تفوقت على نفسك " , وساعتها برضو مصطفى أحمد أثنى عليها , وما أدراك يعني إيه مصطفى أحمد تعجبه حاجة ويثني عليها كمان !

انزلقت في هذا البير اللطيف وبحاول أطلّع منه كلام الناس تحبه وتنبسط بيه , كلام يعبر عنهم وعن البلد وعن صحابي حتى اللي بكلمهم وبتكلم عنهم جوة الشِعر والنثر وعن الحب وعن الخيال , في رحلتي من وقتها لحد الوقت اللي بكتب فيه مرّيت بمراحل كتير  , أفتكر ان بنداري كان رفيقي وملهمي في أول الرحلة , كنت دايماً بتكلم معاه وبسأله وباخُد منه , لما سألته مرة قالّي ( اقرا كتير , واكتب أكتر ) , وكان دايماً يقولي على أشعار وشعراء هو قرالهم وقرا عنهم , بنداري عامةً خلفيته الثقافية ثرية ومتنوعة , ده غير طبيعة معالجته للأشياء ورؤيته ليها ومن ثم انعكاس كل ده على كتابته وعلى أفكاره , ولا يزال رفيقي وملهمي , الدُنيا بتاخد الناس وتجيبهم زي حركة اليويو , لحظة تنزل تقرب من الأرض ولحظة تطلع تقرب من إيدك ولحظة بينهم في النص محدش بيلاحظها ولا حد بيكسبها في صفه , في رحلتي حبّيت الكتابة وحاولت اكتب للكتابة فقط , نجحت شوية وفشلت كتير , بس تبقى التجربة اللي بتعلمك , لو مغلطتِش مش هتعمل الصح , لو خُفت تجرب هتخسر احتمال النجاح , ولو خفت تجرب هتخسر احتمال الفشل واكتساب الخبرة , في رحلتي قريت كتب كتير , بس لسة قدامي كتب أكتر اقراها عشان انفذ الجملة بحذافيرها , أنا لسة عايز اقرا عن الأدب العربي قراءة منظمة مش عشوائية , انا لسة عايز اكسب خبرات الكتّاب والأدباء اللي عرفوا يوصلوا ويوصلوا أفكارهم وكلامهم ويعبروا عن مشاكل المجتمع ويدوبوا فيه بصورهم ومشاهدهم ورواياتهم ومقالاتهم وأبياتهم , كتابي الأول ( ديواني ) : سباق الزمان وحكايات شومان هوّ السلمة الأولى اللي بيطلع عليها الشاعر الصغير ده , جمعت فيه تجربتي مع الكتابة ومع الخيال ومع الحُب ومع الأصحاب ومع الثورة ومع نفسي ومع التأمل , الديوان هو أول صفحة في الكتاب الكبير اللي اسمه هيثم شومان , الكتاب اللي عايز اكتبه بأيام وسنين عمري وبالناس اللي هعرفها وبالحاجات اللي هتعلمها وبالتجارب اللي هخوضها وبالمعارك اللي هنتصر فيها وبأيام الهزيمة والتراجع وبنظرتي المتواضعة من زاويتي الصغيرة للمجتمع والبلاد , الديوان هو تجربة شاعر صغير حب يطرق أبواب الكلام , يوصل لسر البلاغة , يعبر عن جوهر الحُب , ممكن يكون اتوفق أو لأ , ممكن يكون الكلام فتحله أبوابه وممكن يكون طرده من جنّة الشُعراء , بس اللي هيتبقى هو إيده اللي علّمت عالباب , الإيقاع اللي ضربه وهو بيحاول يوصل , المحاولة , يتبقى انه مخافش يخوض التجربة , إنه جربها بحسنها وسيئها , وعاش فيها أيام الصعود والهبوط , أيام العلو وأيام الاحتجاب , كل اللي بتمناه في الآخر إن اللي أنا أسيبه يكون مفيد على أي وجه من الأوجه , وإنه مايكونش ضار بأي طريقة , يكود مفيد انه خلاك تبتسم ابتسامة صغيرة قبل ما تنام , أو تفتكر ذكرى كنت ناسيها , أو قلبك ينبض مع وزن قصيدة في العِشق , أو تغضب مع الشاعر في قصيدة عن الثورة , أو تحس ان اللي كتب عبر عن حاجة انت مكنتش فكرت فيها قبل كدة , ولما اتكتبت قدامك حسّيت انها بتقول نفس الكلام اللي عقلك ممكن يقوله , ومايكونش ضار سواء إن حوى كلمات مش مناسبة أو إن أسأت الوزن أو القافية أو استبدلت الحروف المتزينة بالمعنى الكامل أو أكثرت لحد ما اللي بيقرا مَل , لو القارئ مَل يبقى الكاتب فَشَل , ولا القارئ فضل عنده الشغف انه يكمّل ويسمع يبقى الكاتب نَجَح تماماً , مؤخراً حسيت إن المعاني بتنفذ منّي , حسيت إني بجري على الطريق السريع ومتقدم على العربيات بس الوقود قرّب يخلص , أنا هحاول أتوقف عن الكتابة لحد ما يبقى عندي كلام تاني يتقال , أبعاد تانية ممكن أبينها , أفكار جديدة وصلتلها ووصلتلي عن طريق معرفة أنا بتحسس طريقها , هقرا كتير , ولما احس انه مفيش مكان يتملي , وإنه البير قرّب يفيض , ساعتها هكتب أكتر , وهشرب من البير اللي ملاه غيث المطر , المطر رزق , والإلهام رزق , هما مش بيقولوا ( نزل عليه الإلهام ) , أهو أنا واقف في الصحرا دلوقتي على يميني بير غويط وعلى شمالي وردة مزروعة في الأرض بطولها , كلنا باصّين لفوق ومستنيين عطاء السما.

أسرَح
حَبّة
في المَلحَمة
وأفتَح
أول
غيث
مـ السما

و القى المطرة حروف وكلام
و اسكُت في وجود الأحلام
و ابدأ ألملم فوق أشواقي
و اقعُد اعيد ترتيب الآية
وبَحِب السِحر العشوائي
لما بيحكي أي حكاية

***


الأحد، 17 أغسطس 2014

الثورة مُستمرة (2) : الثورة المُسلحة



المقال ده في الأصل مجموعة تغريدات بدأت بالكلام عن موقف حصل امبارح في البيت وفضلت أرغي لحد ما لقيت انه ممكن يبقى مفيد لو جمعت وجهة النظر دي في قالب واحد , طبعاً كلنا عارفين اننا في مرحلة تراجع للثورة وانتصار مفجع للثورة المضادة اللي مترددش لحظة في قتل المعارضين وتشريدهم , بل إن النظام اللي جه على أكتاف " المتظاهرين " أيام 30 يونيو 2013 , أخد السٌلطة ومنع المظاهرات , ومع تطورات الوضع , بقى اللي بيتظاهر بيتقتل على طول , الثورة أصبحت مكشوفة للعساكر المسلحين , مش بس كدة , ممكن يكون ده العادي , إنما اللي مش عادي إن غالبية المجتمع تكون موافقة على ده باسم " الاستقرار " و " عايزين البلد تمشي " و " كفاية " , النظام استغل احتياج الشعب عشان يقدر يقنعهم ان " الثورة " أو أي مظهر من مظاهرها هو اللي بيعطل مصالحهم , وإن أي حركة في الشارع هي من مجموعة من البلطجية أو الإرهابيين أو الجهلة , وقدر مؤخراً إن يحدف قضية مبارك والعادلي في الناحية دي , فأقنع الناس انها مكانتش ثورة بل كانت مؤامرة على مصر , وما أكثر الناس اللي بتسمع وبتصدق , الإعلام أقوى سلاح في إيد العسكر .

نتيجة للتراجع ده , فيه مجموعات من الثوار أو المعارضين تخللها اليأس , خصوصاً إن فيه ناس كتير اتقتلت بإيد النظام اللي دلوقتي في السلطة بيلمع نفسه وبيوسّخ أي حد ضده , ده اللي خلى حد شاف الموت بعينه أو حصلتله مصيبة في نفسه أو في أخوه أو في أهله أو في أصدقائه يبدأ يفكر على المدى القريب , إزاي حق الناس دي هيرجع , وأول فكرة بتطرق عقله هي الكفاح المسلح , مواجهة سلاح الدولة بالسلاح , أخد القصاص من الدولة مباشرةً عن طريق ممثليها السفاحين .

ومن ده ظَهَرِت في بدايات 2014 الدعوات دي لمواجهة العُنف بالعُنف , وضرب النظام ضربات مختلفة توصلّه الصوت أو الغضب اللي منع انه يطلع بالطرق السلمية , فهنلاقي إن طلاب ضد الانقلاب في بعض الأوقات كانوا هم اللي بيبدأوا مناوشات مع الشرطة اللي برة الجامعة , وهنلاقي في الفترة الأخيرة ان الدعوات دي اتعممت - في ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة - واتمثلت في حرق أقسام ومباني تابعة للدولة وأي شئ تاني ممكن يعبر عنها , وفي المنصورة شفنا المسيرة اللي قتلت سواق التاكسي اللي كان بيحب السيسي , ومن أيام ظهرت كتائب حلوان اللي عايزة تنتهج المنهج ده في استنزاف النظام ومواجهته مباشرةً , ومن هنا بدأ الجدال .

التغريدات :

الإعلام بيقنع الناس ان اللي هينتهجوا الكفاح المسلح عشان معرفوش ياخدوا حقهم بالسلمية غلطانين , والناس في البيوت مقتنعة ,انا مش فاهم ايه الغلط

فانا قلت لماما لما النظام يقفل في وشك كل الفرص السلمية ولو حد قريب ليكي اتقتل هتعملي ايه عشان تاخدي حقه وانتي مالكيش حق في التعبير اصلا

وقلتلها الفكرة مش غلط بس النظام بيشوهها وبيشوه الثورة كلها وهو اللي بيوصل البلد للمرحلة دي ,مرحلة الكفاح المسلح والإرهاب الفردي وأشكال العنف

وقلتلها ان انا موافق على الكلام ده طالما هيحقق القصاص الغائب , بس راجعت نفسي وفكرت شوية

أنا لسة مؤمن ان الطرق السلمية هي اللي هتوصّل الثورة للجماهير , الكفاح المسلح هيباعد بين الثورة والجماهير أكتر , بل إنهم هيبقوا في وش بعض

الثورة المسلحة لو انطلقت مش هتجيب القصاص , بس هتقتل العساكر والظباط والمئات من البشر اللي بيحامولهم عشان فاكرينهم صح ,بل إنها مش هتجيبه اصلا

لإن العساكر هم مرحلة معينة من الناس دي , القاتل هو اللي بيخطط لسحق الثورة من فوق وهو اللي بيدي أوامر بالقتل أو هو اللي بيقتل وعارف هو بيعمل ايه وبيقتل مين

العساكر جايين من الصعيد بينفذوا أوامر اللي فوقيهم , زائد ان انتَ مش هتبقى عارف مين بالظبط اللي يستحق الموت ومين لأ


وكذلك الرتب , أنا مش متخيل - بصراحة - ان جهاز الشرطة كله أشخاص ولاد ستين وسخة يستاهلوا الموت , مكانش يبقى قرايبنا واصحابنا منهم

وكذلك الجيش

الثورة مش في مرحلة ضعيفة في الشارع بس , لأ في العموم كمان , لسة مانضجتش , لسة الثورة مبقتش هي الخير المطلق اللي بيحارب الشر المطلق

عشان كدة لازم المؤمنين بيها يشتغلوا على الفِكر أكتر من النضال , النضال مستمر باستمرار النظام وغشوميته , بس معاه لازم يكون فيه عقول بتبني

عقول عارفة -ومتأكدة- إن في يوم من الأيام كل ولاد الوسخة اللي فوق دول هيموتوا وهيبقى جيلهم هو البديل وهو المسئول

الفترة اللي احنا فيها دي فترة محو فكرة الثورة عن بقية المؤمنين بيها من العامّة , هو مش هيقدر يمحيها من الثوار اللي شافوا الموت والأمل

المقاومة في اللحظة دي لازم تبقى مقاومة حركة المحو والتشويه دي , لما بيضربونا بنقاومهم بالطوب , لكن لما يقاوموا الفكرة لازم نقاومهم بالفكرة

مش نأكد للمجتمع اننا إرهابيين وناخُد صف مضاد للدولة والمجتمع في صفها وساعتها هنخسر

مش عارف الفكرة وصلت كاملة ولا لأ , أتمني .. الثورة مستمرة.

السبت، 16 أغسطس 2014

حديث البقال (4)

طب ماحنا عيال
هوّ احنا كبار ؟
يابن المتـ ـقال
أهو دورَك جي
غنّي الموّال
غنيلي يا بَي
الشاعر قال
أنا شُفت الضي
والكاتب قال
الميت حَي
والفقري قال
الأكل ده نَي
والسارح قال
انا بعشق مَي
-إكمنك سارح ؟!
-إيدك في الميّا
-ووقعت يا فالح !
-واتسمّى عليّا
-أنا شُفت امبارح
وفَتَحت عنيّا
عالورد الطارح
والنجمة العالية

-يابن المتقال
يا سلام اشجيني
غنّي الموال
دانا طالع ديني
هذا البقّال
عمّال يناديني
وانا قاعد بكدِب
وبقول مشغول
ولا عارف أكتِب
ولا عارف أقول
والوضع اتطور
بقى مش معقول
وانا عايز اتصوّر
وابقى فـ برواز
مش عايز انوّر
واعمِل إعجاز
ولا أحدف طوب
وانا جوّة إزاز
قَدَري مكتوب
على لوح محفوظ
وانا عايز اتوب
والدُنيا حظوظ
وكلامي بيكتَر
ولّا بيخِف
والبير بيفيض
ولّا بيجِف
وكلامي مفيد
وبدأت أسِف
وبدأت أتلخبط
وبدأت ألِف
والباب بيخبّط
على طَبلِة وَزني
وانا خايف أفتح
لا يزوّد حُزني
وأديني بَسرح
في كلام المازني :

ألا ليتَ شِعْري فيكَ هَل أنتَ ذاكِري
فَذِكراك في الدُنيا إلَي حَبيبُ

ويا ليتَ شِعري هَل تَزورَني مَرةً
فَتَغْفو كُلومٌ للهَوى ونُدوبُ

لَقَد طال تِحْناني إليَكَ ولَهْفَتي
وأنتَ ضَحوكٌ لا تَحِسُ طَروبُ

بَلَى كُلُّ حُبٍ لَيسَ يَخلو مِنَ الجَوَى
ولَكِنَّ جُرحي مِن هَوَاكَ رَغيبُ

الجمعة، 8 أغسطس 2014

الشِعر (2)



إزيكُم ؟ يارب تكونوا في أحسن حال , اتكلمت في الجزء السابق عن بداية محاولاتي الشعرية وبيّنت أجزاء منها وبعض مميزاتها وعيوبها , ووصلت لما قبل دخول الجامعة , وهتكلم النهاردة عمّا بعد الدخول .

في كلية الهندسة - فرع الشيخ زايد , النصف الأول من العام الدراسي 2011-2012 , كانت الحياة في دفعة إعدادي 2016 لسة بتدُب فيها الحركة حثيثاً , كان الطلبة لسة بيتعرّفوا على بعض ولسّة بيكونوا دواير المعارف والشِلَل وبيتجاذبوا بعضهم لبعض بحُكم الاهتمامات المختلفة , الأحداث السياسية كان ليها تأثير كبير داخل أسوار الكلية هناك , في نوفمبر 2011 بدأت الحركة السياسية تسري في ساحات زايد بالتوازي مع انتفاضة محمد محمود - انتفاضة شباب الثورة ضد حُكم العسكر , الحركة دي ساهمت بشكل كبير في الروابط اللي اتكونت بين الطلاب في الدفعة , ومن بعدها كانت الروح أعلى والحماس أعلى , مجموعات الطلاب النَشِطة حسّت انهم شبه بعض في الوقت ده , حست ان فكرهم واحد وحلمهم واحد , ورويداً كانت المجموعات دي بتتكون وتلتف بعضها حول الآخر بيشاركوا الأفكار وبيدوّروا حركة النشاط داخل الكلية , وفي آخر الترم الأول كانت الأمور استقرت والناس تعارفت والأنشطة الطلابية للدفعة الناشئة باتت على وَشَك الانطلاق .

في الترم الأول كان الزَرع وبداية النمو , في الترم التاني كان الحصاد , حصاد مجهود الأفراد اللي اجتمعوا عشان عايزين يعملوا حاجة , عايزين يغّيروا روتين الدراسة وعايزين ينشروا بين الطلاب روح النشاط والفن والمشاركة , ظهرت على الساحة أسامي لأنشطة مختلفة زي إنج بريك وباز وسوق عُكاظ كأكتر 3 أنشطة طلابية خرجت من لواء الدُفعة الجديدة وظهرت وبان تأثيرها واتسمع صوتها عند الناس , باز بدأت بحدثين مهمين هما اللي جمعوا فِرَق العمل دي فيما بعد تحت الإسم ده , الأول كان معرض فجنون اللي كان عبارة عن مسابقة بين الطلبة في الرسم , والتاني كان حدث أذكر إنه كان أمير شعراء زايد أو حاجة تانية , ممكن الكلام مايكونش دقيق أوي بس انا بحاول افتكر معاكُم , انا حتى مش فاكر ترتيب الحاجات , مش فاكر أمير الشعراء كان الأول ولّا حلقات عكاظ كانت الأول , أياً كان , سوق عكاظ كان عبارة عن عرض صغير بيتعمل وسط الطلبة لبعض المواهب زي إلقاء الشِعر وكان بيتألق فيه محمود بنداري وأحمد سالم , والغناء وكان بيلمع فيه نجم آية محمود , والمونولوج وكان بينفرد بيه مصطفى كرارة , حفلة أمير الشعراء كانت انعكاس لظهور مواهب شِعرية حقيقية وسط صفوف الطلبة , كان من ضمنهم بنداري وسالم وآية وجمعة والزُمر وناس كان عندها مواهب عايزة تطلع , مكنتش لسة أنا ظهرت كشاعر يُذكر أو حتى مكنش عندي اللي اقوله , ولكن الناس كانت عارفة اني بكتب شِعر , وكنت بقول للناس على هَوَس الشِعر اللي كتبتها وكنت بلقي منها شوية وكانوا بينبهروا , قبل الحفلة استشرت أصدقائي في المشاركة أو لأ بس هما كانوا عايزينّي اشارك بشدة , مش عارف على ايه , مصطفى كرارة وأحمد عبدالحميد وحد تاني غالبا صبري قالولي هنكتب اسمك بالعافية , اسمي اتكتب وسألت سالم أقول أنهي , فقالّي قول الكلمات , انا كنت مستهتر جداً ومتدربتش عالإلقاء كويس , حتى كنت بلقي قدام اصحابي ساعتها ومن ضمنهم يوسف البنا وكانوا بيضحكوا عليا , وكنت مستهتر لدرجة اني مطبعتش القصيدة للّجنة , وعرفت بعد كدة ان فيه حد طبعهالي كتر خيره , المهم ان الحد ده كان قاعد جنب بنداري في الأتوبيس ساعتها وبنداري قالّه ( إيه الخرا ده ) وبتاع , المهم الحفلة بدأت وانا كنت خايف فشخ , مرعوب , وكانت الكراش بتاعتي قاعدة , كنت حاسس انها مستنية تسمعني :$ , المهم انا حمدت ربنا انها قامت يعني ودوري اتأخر , انا اصلا قلت لكرارة انا مش عايز اطلع خليني بكرة ( على اساس انه مسرح أبويا يعني ) المهم كرارة هاودني معرفش ازاي , وفجأة وهو في المسرح قال , ( ورحبوا معايا بالشاعر الجميل .. هيثم شومااان ) , والناس سقفت , وانا طلعت وانا بترعش , وبدأت أقول ومش عارف الناس فهمت ولا سمعت ولا لأ , المهم اني في وسط القصيدة نسيت وفضلت بتاع 5 ثواني كدة عدّوا كأنهم دقيقتين , ساكت , بس ربنا عدّاها والناس - اللي فضلت في المسرح - سقّفت , كانوا مش كتير عشان المحاضرة كانت بدأت , وكان بعدي عبدالحميد , وده كان شئ كويس في حد ذاته .

على مدار الترم التاني كان ليّ محاولات صبيانية للتعبير عن الوضع السياسي المزري ولكنّي لا أعترف بيها يعني أو مش معجب بيها , في مايو 2012 حصلت مذبحة العبّاسية , وساعتها بنداري نزّل على الجروب بيتين من قصيدتُه ( أنا والثورة ) اللي كتبها في يناير أو فبراير أو whatever , نزل البيتين على شكل Cover اسود مكتوب فيه " وكل يوم والتاني يقتل ولاد أكتر .. ملعون أبوها الدولة اللي حاكمها العسكر " , ساعتها بقى كنت انا مشهور في الكلية بالديزاين , كانت ايدي حلوة في التصميم وبلعب في الفونتات والألوان والخلفيات وبعمل شغل يتشاف يعني , وكانت الناس بتطلب مني بصفة فردية وبصفة عملية زي تصميم فلاير لإيفينت أو ما شبه , بنداري ساعتها طلب مني اعمل الكلمتين دول بس في شكل ألطف وقالّي براحتك انت بقى اعملها زي ماتشوف وانا واثق فيك , ساعتها انا لقيت التعبير الأنسب للبيتين إني أجيب صور ليهم في الحقيقة , وفعلاً جبت صور من معظم المذابح اللي حصلت في حكم العسكر ( لحد وقتها ) وعملت الكوفر , وساعتها الصور نالت إعجاب ناس كتير وانتشرت في صفحات وبقِت حوار الناس بتكلمني عليه , لدرجة انه فيه ناس واصلة اتصلت ببابا تقولّه خلي ابنك يلم نفسه وبتاع , كنت ساعتها أول مرة احس احساس اني بعمل حاجة والحاجة دي بيكون ليها تأثير كدة وانها ممكن تضايق حد فعلاً , واتكلمت مع بنداري في الموضوع وقلنا بقى هنهدي اللعب وبتاع , المهم ان دي كانت أول علاقتنا أنا وبنداري , وكانت الانطلاقة الكُبرى في الصداقة دي , يوم خروجة الأزهر مع الدُفعة في اخر يوم , اللي غالباً كانت منظماها باز برضو , وقتها اتمشيت انا وبنداري كتير في الأزهر واتكلمنا كتير عن ازاي هو بيكتب وبيكتب ايه وإيه تجاربه , وحكالي عن الواد اللي كان بيتريق عليه عشان مش بيكتب فصحى فحط عليه بقصيدة انا لسة فاكر لحد دلوقتي انها كانت من اعظم ما سمعت , وحكيتله عن نفسي وشخصيتي وعن اني ليا تجارب برضو حثيثة في الشعر ووعدته اني هبعتله قصيدة هوس الشِعر كاملة عشان يقراها ويقولي رأيه .



ليلة امتحان الرسم في إعدادي عمرو رجب طلب من بنداري يكتب قصيدة عن الحالة البائسة لطلبة إعدادي وهمّا بيحضّروا لامتحان الرسم بكرة , بنداري مكدبش خبر , وكتب , وانا قريت القصيدة وأعجبت بيها جداً , وساعتها شيطان الشِعر اتحرك جوايا , قالي طيب هو بيعمل كدة ازاي , أكيد فيه خطوات عشان الواحد يكتب كتابة عظيمة كدة , تعالى معايا نحسبها خطوة خطوة , وكتبت في ليلتها ( فكّر سيكا (1) : الرِسالة الإفتتاحية ) :

فكر سيكا وهاتلك ورقة
اكتب كلمة أو اكتب حرف
واكتب كلمة كمان وهتعرف
عايز تكتب ايه في الظَرف
اوصف حاجة ف قلبك شقت
واضرب احساسك في اتنين
خلي القارئ يدخل جوه
ويشوف المنظر بالعين
اكتب سطر .. أو سطرين
كل ما تنزل فكر أكتر
تكتب لحنك راسي رزين
ولا تحبه طريق متكسر
جوه الكلمة ميت حدوتة
توصف نبضة ونبضة ف قلبك
توصل نبضاتك للعالم
تعبك راحتك كرهك حبك
مين قال ان الشعر كلام
يتحط ف بعضه ويتسطر
الشعر احساس جوه الناس
لما يفيض قلبك ويمطر
ولما الورد يفوح ويعطر
ويصبح احلي كلام في القصة
يصبح لحنك احلي وأخطر
يعمل أحمر وأصفر وأخضر
يجي الوقت تقوله سلام
:)

ونالت إعجاب الناس جداً , والناس حيّتني عليها على الشبكة وعلى الحقيقة , حتى إني قابلت نرويجي وبنداري تاني يوم قبل الامتحان ونرويجي أثنى عليّا ساعتها وبنداري كمان قالّي انها بداية لطيفة :)

وكانت البداية ;)

يتبع..

الاثنين، 4 أغسطس 2014

محاولة إستسقاطية : السبع وصايا




بحس ان مسلسل السبع وصايا فيه اسقاطات سياسية كتير : من أول الـ ( مختفي ) اللي أهله مستنيين رجوعه المستحيل , مروراً بالتقديس عن جهل وعمى , انتهاءاً بالشتات في الأرض وانتظار اللحظة الحاسمة ( التجمع ) ومن خلاله هيتحقق الهدف . ولكن كل دي كانت رسايل عبثية تطل في نواحي متفرقة من السياق , وأما التجلي الأكبر للإسقاط السياسي في مسلسل السبع وصايا , ظهر في الحلقة الرابعة والعشرين , الحلقة عنوانها نفسه يحمل عنوان الرسالة , ألا وهو : ( ولاد حارتنا ) .

المشهد كان فيه بوسي ( سيسي ) بتتهم حسن ( الإخوان ) بالسرقة ( بإعتصام مسلح ) , وفضلت تحشد في الحارة كلها : المؤيدين بالكلام ( الشعب ) , والماسكين العصيان ( القوات النظامية ) , وفي لحظة معينة طلع صبري ( البرادعي ) يقولهم لأ يا جماعة حسن مسرقش , أكيد في حل تاني للوضع ده , وأنا ابن سيد نفيسة ( ثورة 30-6 ) زي بوسي بالظبط , وطول منا واقف محدش هيعتب الباب ده ( هيعمل مذبحة ) , ولكن بوسي وصبري رغم انهم اخوات , وقفوا في وش بعض , ولكن بوسي هي الأقوى , وهي اللي وراها الناس ( الشعب المصدق والجيش المسلح ) وفي لحظة معينة بوسي كانت مدركة انها بتظلم حسن وانها على حافة الكارثة , ولكنها كانت مستعدة تضحي بأي حاجة في سبيل انها متطلعش غلطانة قدام الحارة , وكان لازم تطلع كرامات ( دلائل ) تبين انها على حق , وإن حسن مُدان ( الاعتصام مسلح ) , لإن الناس بالفعل كانت بدأت تنقسم نصين , وبدأ بعض منهم يشك ان بوسي ( سيسي ) مش في إيديها الحق المطلق , وإن صبري ممكن يكون على حق وحسن مظلوم , ولكن القوة أغلب , بوسي ( سيسي ) نفذت خطة أوسة ( النظام ) عن طريق خدعة ( إعلام ) الناس عن طريقها ترجع تصطف بالكامل ورا بوسي تاني , الخدعة ( الإعلام ) انطلت على الناس والخطة نجحت , وصبري ( البرادعي ) اختفى من المشهد في لحظة , واللي مع صبري أو حسن يأما اختفوا يأما خافوا ومشيوا مع الموجة وخلاص , وعلى بعد أمتار إمئم الذكية الطموحة ( الثوار ) مالت على اختها اللي بتخاف من العفريت فبيطلعلها ( الإسلاميين ) وقالتلها بفزع : انتي شايفة بعد كل اللي بيحصل ده , لو حد فكر يقول لبوسي لأ ممكن تعمل فيه إيه ! , والاتنين ذابوا في ذهول مُطبق وهما على أعتاب المذبحة , والناس بعد كل اللي حصل ده مبقاش عندها شك , واندفعت بعصيانها أو بتأييدها الأعمي ناحية المكان اللي حسن بيحتمي فيه ( رابعة ) , وبعدها بكذا ثانية كان سايح في دمه على أرض الحارة , ساعتها بوسي اتفزعت وقالتلهم : أنا مقلتلكوش اقتلوه !!! ( بتتبرأ من دمه ) وسوسن بدر زعلت لما شافت المشهد ( النظام اتهز ) , بل إن ولاد الحارة نفسهم وبرغم عصبيتهم السابقة , كانوا مستغربين ان ده اللي حصل , وصبري كان بيتابع المشهد من بعيد والدموع على خدّه , وضميره بيأنبه إنه شارك في النظام ده , بل , إنه سمع كلام سيد نفيسة .

الأحد، 3 أغسطس 2014

ببت الفن

في بيت الفَن
أنا نور اللَمضَة
سألِتْني عن
معانيَّ الغامضة
قلتلها اشربي ,
وانا بيري غويط
.
في النَفَق الجاي
أنا نُقطِة نور
سألوني ازاي
عدّيت السور
قلت اتعلّمت
أنا التنطيط
.
في فن البيت
طلعِت إشاعات
إني حبّيت
وعشِقت بنات
وانا كُنت أمير
وبقيت شحّات
ونزلت البير
وقعدْت ساعات
وطلِعت كبير
وطلِعت معبّي
واحتارت كتير
مين قاعد جنبي
هوّ انتَ جرير
ولّا المُتَنَبّي
أنا أصلي بقالي
تايه لِشهور
وانا عارف إنّك
شاعر مشهور
خُد بالَك إنك
سيفَك مشهور
وانا ولا بعاديك
ولا صاحب جور
وكأني صديق
احكيلي حكاوي
ماتاخُدش فـ بالَك
انا شاعر هاوي
وانا برغي وبفقع
من بُقّي رغاوي
ولكنّك ثابت
في أرض الصَحَرا
يا موسَى الحَق
ماتخافش السَحَرة
ويا طَه إهدي
الناس للذكرى
الذكرى تنفع
المؤمنين ,
طيب .. انا مين
وانا هنا من امتا
الصحرا تلاشت
واتقلبت حتّة
مليانة بِناس
من خمسة لسِتّة
طب هل ده جناس ,
ولّا استعارات ؟
أنا هنا دلوقتي
في جبل أرارات
اتشتت وقتي
وإتلَم جليدي
واتجمّد جسمي
ومش شايف إيدي
وانا شِعري درامي
ولا تراجيدي
وانا فنّي كلاسيكي
ولّا تجريدي
وانا قاعد ببكي
ولّا ده كان عيدي
وأدينا بنحكي
ونغنّي يا سيدي :

في بيت الفَن
أنا نور اللَمضَة
سألِتْني عن
معانيَّ الغامضة
قلتلها اشربي ,
وانا بيري غويط
ونزِلت وراها
أنا أصلي حويط

السبت، 2 أغسطس 2014

الانفصام (2) : الانفصام الأخلاقي

أما بعد , كنت قدّمت المرة فاتت مقدمة بسيطة عن انفصام الشخصية الجماعي في مجتمعنا , وألقيت الضوء في المقال السابق عن بعض مظاهر الإنفصام الديني اللي بيبلغ ذروته في أوقات معينة وبيخلّي الجماعة تقلب من أقصى اليمين لأقصى اليسار بين ليلة وضحاها , والنهاردة هتكلم عن أشكال أخرى من هذا الإنفصام أو " التناقض " أو " النفاق " أو أي تسمية تحبوها بتعبر عن المعنى ذاته .

من الأشكال الأخرى لحالة التناقض دي , الانفصام الأخلاقي , بمعنى إن فرد أو جماعة بيمارسوا أو بيدّعوا أخلاق وقيم معينة وبيعملوا عكسها في نفس الوقت أو في وقت تاني , فمثلاً هتلاقي إنك وانتَ نازل مبسوط من بيتكُم رايح أحد مشاويرك السعيدة , وراكب المترو , هتلاقي اتنين بيتخانقوا عشان فيه واحد منهم وهو داخل من الباب في الزحمة خبط في التاني خبطة خفيفة في كتفه اليمين من غير قصد , وهتلاقي الخناقة كبرت فشخ والأصوات عليت والشتايم اتخذت منحنى متصاعد من ( متحاسب ياعم ) لـ ( ياعم مش قصدي ) مروراً بـ ( تصدق انك قليل الأدب ومش متربي ! ) و ( أنا قليل الأدب ؟! أنا متربي أحسن منك ومن اللي خلفوك ! ) انتهاءاً بـ ( اللي خلفوا مين يابن الوسخة ؟! ) و ( انا ابن وسخة ؟! تصدق انك عيل ابن ****** ؟! انا مش هاسيبك النهاردة ! ) , وطبعاً ضروري جداً المشهد ده ينتهي بمد الأيدي والصفع وتكدير كل الناس اللي في وسطهم , وبالإضافة للمحادثة العجيبة اللي فاتت اللي بتعبر عن إن الطرفين معندهمش أي قدر من التسامح أو كظم الغيظ أو العفو أو الهدوء , وإنهم مش متربيين أحسن تربية زي ما بيدّعوا , فهتلاقي واحد منهم وهو خارج بيقول ( شعب متخلف ! شعب يستاهل الحرق ) , ومبيكونش مدرك إن التخلف والهمجية دي هي نتاج لمجموع من الأشخاص في مثل عصبيته وبذاءته وغباءه .

وهتلاقي صاحبك اللي بيقرف وبيتأفف من أي منظر وحش , بيتِف في الأرض وهو ماشي جنبك , ومعندوش مانع إن الناس تشوف قرفه وقرف ناس كتير بيقوموا بنفس الفعل , وبيحولّوا الأرض اللي الناس بتمشي فيها وبتدوس فيها وبتبص فيها , لحوض كبير يحتمل كل أنواع اللُعاب والبلغم والمرض , أنا قرفت من كتر ما بشوف المنظر , امتا الناس اللي بتتف هتدرك ان دي أرض الناس عايزة تمشي عليها من غير حاجة تقرفها , مفيش منديل ؟ الموضوع كبر أوي ومحتاج ثورة على العفانة , النهاردة نتف عالأرض , بكرة نبربر , بعدُه نرجّع , بعد بعده نتبول ونعمل كل حاجة وميبقاش فيه فرق بينّا وبين الحيوانات اللي " بنقرف " ندوس عالحاجات بتاعتها , وعجبي .

وهتلاقي صاحبك التاني اللي فالق دماغك طول النهار بجمل من نوع " مصر دي السجن اللي اتولدنا فيه , انا هخلص واهرب على اي حتة بعيد عن هنا " , " بص الزبالة في كل حتة ازاي ؟ شعب قذر " , هتلاقيه في نفس اللحظة بيرمي الكان اللي خلصها في الشارع , وكإن اللي بيكلمك واحد وده واحد تاني مختلف عنه , ولما تسأله يقولك " ياعم دي بلد معفنة , مفيهاش سلة زبالة " , رغم انه لو مشي شوية ممكن يلاقي , وكإنه مش عارف إن أكوام الزبالة اللي ريحتها وحشة دي مانزلتش من السما كدة , وبدأت بواحد مستهتر أو كسول قرر يتخلص من زبالته في وش الناس , وقرر يبقى نضيف على حساب نضافة الشارع .

وهتلاقي صاحبك التالت بفخر شديد بيقولك : " أنا مصاحب تلاتة في نفس الوقت , وبحبهم كلهم " ولما تتصدم وتسأله ازاي يقولك " ماهي دي الشطارة , ولا واحدة في عارفة , وكل واحدة فيهم حاسة انها أكتر واحدة اتحبت في العالم " , وهتلاقيه بيعامل البنات كإنها رفاهية من رفاهيات الدُنيا , وتسالي نقدر نشغل وقتنا بيهم , مش أشخاص مستقلين , ولكن مجموعة متنوعة من الأشياء بتخدم الغرض نفسه , الانبساط , وتلاقيه طول ماهو ماشي يقول : " إمبارح عملت أدد لفلانة , محترمة فشخ بس جرّيت معاها كلام " , " النهاردة شُفت في النادي واحدة إنما إيه , فرس , بتمشي مع واحدة اعرفها هخليها تعرفني عليها ;) " , " بص ياض البت اللي سايبة شعرها هناك دي ؟ شكلها شمال فشخ " , " أنا مصاحب تلاتة آه , بس اللي اتجوزها وارتبط بيها بجد لازم تكون مصاحبتش قبل كدة , لازم تكون محترمة " , طب فيه سؤال هنا , إزاي العدل الإلهي هيسمح لواحدة محترمة تتجوز واحد مش محترم ؟ واحد مبيقدرش مشاعر الناس ولا حبهم , فاكر انه الواد الجامد اللي مفيش زيه وإن كل البنات دي خواتم في صباعه يقلعهم ويلبسهم كيفما شاء , وإنهم مش مجموعة وإنما أفراد مستقلين ليهم عواطف كاملة ومشاعر كاملة وعقول كاملة بس تم خداعهم للأسف بالكلام الملون , أو واحد اعرفه بيحب واحدة وناوي يتجوزها فعلاً بس مصاحب واحدة تانية عشان تقضية الوقت في الكلية , فلانة هي الأصل , لأ علّانة دي قشطة يعني ,  أو واحد يفضل طول ماهو ماشي في الشارع يبص للبنات ويعاكسهم ويتكلم عليهم , وميقدرش حد يجيب سيرة أخته وهو موجود ,  عندي قناعة إن الناس دي أياً كانت ولاد ولّا بنات مش هتنبسط في حياتها , وكل اللي عملوه في الناس هينقلب عليهم في يوم , عدالة السماء , كما تُدين تُدان .

وهتلاقي صاحبك الرابع ( الذكوري ) كل شوية يقولك : " إلحق يلا البت اللي بتشرب سجاير هناك دي , دي شرموطة " مع إنه بيشرب حشيش , أو يقولك " البنت اللي بتشتم تبقى شمال , معروفة يعني " مع إن هو مفيش 5 دقايق تعدي غير اما يشتم أو يشخُر عالأقل , النظرة الذكورية للبنات أو ( النساء ) بشكل عام على إنهم كائنات أقل وإن الرجالة من حقهم كل حاجة والبنات لأ , الرجالة ممكن يشتموا , البنات لأ , الرجالة ممكن يشربوا سجاير وشيشة وحشيش ومخدرات ويشمّوا ويسكروا , عادي شباب بقى وبيلعبوا هيهي , البنات لأ , الرجالة ممكن يغلطوا ويعملوا نزوات ويبرطعوا يمين وشمال , معلش انحراف بسيط سيبيهم يتدلعوا , البنات لأ , أخطاء كتير ممكن تتبرر للرجالة وتتحرم عالبنات رغم إنها المفروض تكون أخطاء عالكل , المفروض نقول " الواد ده بيشتم , ده قليل الأدب " - كمثال على إطلاق الأحكام العشوائي - , زي ما بنقول عالبنت بالظبط , معاني كتير غلط انتشرت نتيجة لجهل المجتمع واستهتاره وسلبيته وفساده , وطبعاً البنت اللي بيتم التحرش بيها ممكن نواسيها بكلمتين مش ناخدلها حقها , لأ وممكن كمان نقولها مانتي اللي لابسة غلط , على أساس ان لبسها لازم يكون بموافقة المجتمع كله اللي هيتفق ان ده لبس محترم مابيثيرش الغريزة عند الحيوانات اللي بنحميهم وندافع عن سلوكهم المنحرف ونخليهم يتمادوا في الفساد أكتر وأكتر .

وهتلاقي قريبك اللي طول النهار والليل يلعن الرشوة والفساد والمحسوبية اللي ودّوا البلد في داهية , راح امبارح يخلص ورق وغمز الموظف بحاجة في جيبه , ودي غمزة يعني ولا هي رشوة ولا حاجة , وعيّن ابنه معاه في الشغل الحكومي عشان ياعيني الواد مش لاقي شغل , واهو نبقى مع بعض اساعده وأكبره , ودي ولا محسوبية ولا حاجة .

ركز في الفرق بين أفعال الناس وأقوالهم هتلاقي جبل من التناقضات اللي بتوصف فساد المجتمع كله , هتلاقي الناس كلها بتتكلم عن الحاجات الحلوة وتحسسك إنها الشخصيات الأمثل في العالم وعلى العكس هتلاقي الحاجات الوحشة هي بس اللي بتحصل , ده نابع من الانفصام والتناقض اللي جوة كل واحد منهم , والنفاق اللي بينافقه لنفسه وللناس عشان شكله يبقى أحسن , حتى انت وأنا جوانا تناقضات كتير بين الأفعال والكلام لازم نتأمل فيها ونصلّحها , لازم نصلّح نظرتنا للناس ومعالجتنا للمشاكل من قبل ما تحصل , المشاكل بتيجي من أفعال والأفعال بتيجي من أفكار والأفكار بتيجي من عقلك ( النظام والوعي ) وقلبك ( الإحساس ) ونفسك ( المبادئ أو الأساس اللي انتَ اتخلقت بيه أو الشخصية ) , قبل ما تبص للعالم اللي حواليك وتشتم وتلعن وتغضب بص جواك وشوف انت صح ولا غلط , شوف انت جزء من الصورة الكبيرة اللي بتشتمها دي ولا لأ , شوف انت عملت حاجة تصلح المشاكل دي ولا لأ ؟ بدأت بنفسك ولا لأ ؟ وأنا متأكد إنك لو بصّيت جوة هتشوف أحسن :) , بسم الله الرحمن الرحيم ,  { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } , صدق الله العظيم .