الاثنين، 25 أغسطس 2014

من الشَرق الأوسط إلى الشرق الأقصى (3)

يا إلهي , لقد أدركت لتوّي أنه من الممكن أن يكون هناك فرق بين روسيا والشرق الأقصى , يا لجهلي! ولكن حسناً , قد تكوني من هناك , ولكن كيف ؟ فالذين هناك متشابهون , لا متفردون مثلِك , حسناً , فأنتِ لستِ من الشرق الأقصى , أنا المُخطئ , ولكني يا عزيزتي اعتدتُ شئ , اعتدت ألا أغيّر طريقاً بدأته , ولا أحرف حرفاً كتبته , ولا أخلف وعداً أطلقته , لذا سأخبر أصدقائي المجهولين في الشرق الأقصى أن يستقبلوا رسالاتي هذي وأن يُعيدوا إرسالها إلى روسيا كي تستوي على منضدة إفطارِك فتقرأي في الصباح كلاماً في العِشق يُصلِحُ القلب ويشفي البدن ويُنعش العقل ويهيئ النفس لاستقبال اليوم الجديد , وسيكلفني هذا تعلّم لغات أخرى , في أي سبيل ؟ في سبيلَكِ وسبيل نفسي ذات الضعف , وعقلي ذي الغرابة.

هل تدري أيضاً ؟ في طريقي الطويل للعودة للديار بدأت أفكر في الوداع , في كيف لأحدنا أن يعتاد شخصاً فيوّدعه وفي قلبه يأس من أن يراه ثانياً ويتبسّم له , إنه الألم , أعلم الآن لماذا يفزعون الموت , لأنه الوحشة , سيذهب من يموت إلى الذي لا نعرفه ولا يعرف , عندما يودّع الناس بعضهم البعض في السفر والحرب والتهجير وأي شئ فوق الأرض , فإنهم يودعونه وهم يعلمون إلى أي أرضٍ يذهب , ويقذف هذا في قلوبهم قبساً من الاطمئنان , وأمّا الموت فلا , ولكني هنا بصدد الكلام عن شئ مختلف , عن الوداع النهائي الذي لا يعقبه التقاء , عن الخطّين المستويين الذَين مثّلتهما أجسامنا في الدنيا فتقاطعا في نقطة ثم تباعدا إلى نهاية الدهر , يا لها من فظاعة غامرة وتفكير يؤول بمفكّره إلى الاكتئاب والحُزن , ولكنني كي أدفع هذا وذاك , لن أسير , يا عزيزتي في الخط المستقيم , سأنحرف في كل فرصة , سأشق الدروب عودةً إليكي في كل غفلة من غفلات القَدَر , ولا تفعلي أيضاً , لربما نلتقي إذا سِرنا كلٌ منا في نصف دائرة مع كل لقاء , أو قوسٍ صغير القُطر , سنصير معادلة للمالانهاية إذا رسمناها على ورقة في ظهر كتاب , أو حفظناها عن ظهر قلب , مثل النجوم تظهر وتتلاشى وتظهر , أو المطر يأتي ويذهب , أو الفكرة تأتي وتذهب , أو البلاغة تصيب وتخيب , لنكُن , يا عزيزتي , مداراً في سماوات الفَلَك , نسبح معاً في حركةٍ هادئة , متناغمة مع الكون , إذا رصدها الفلكيون بُهِروا من جمالها , وإذا رآها الناس شَخَصت أبصارهم ساعة , وإذا حلّلها العلماء وجدوها معادلةً تُفسّر الحُب , وتنظّم دقّات القلب , وتقطع في سُبُل السعادةِ أميال , وتسعى للكمال , وتقرّب النقطتين بغير الخط المستقيم القديم , وتضع قانون الجذب في مكانه بين قلوب العُشّاق , وتقرر النسبية في اختراق الآفاق , بأن من أحب أدرك الحقيقة , ووصل إلى مسعاه بغير طريق , لأنه كان هو الطريق , وبلغ الحياة بغير سرعة الضوء , لأنه كان هو الضوء , وكان قلبه النور , وعينه الحقيقة , ولسانه الحكمة.

هيثم شومان
القاهرة
25 أغسطس 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق