الاثنين، 25 أغسطس 2014

من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى (1)

إنه ألم أن تعمد إلى الكتابة مرة أخرى , أن تفتح جُرحاً جديداً وتعبث به إلى أن يغشى عليك , أن تفتح قلبك للصفحة البيضاء ليقُل ويشكو , لمن يشكو ؟ يشكو منه إليه , إنها نُقطة صغيرة من الماء , تكبُر وتكبُر وتكبُر حتى تصير بحراً خدّاع الموج , نحارب فيه الموت والضياع وعدم الطمأنينة , كيف تطمئن لمن لا يحملك لئلا يأخذك الغرق , كيف تطمئن لمن يدعك تنظر إلى السماء وتنتظر العون منها , عليه , كذلك الحُب , الحُب هو ذا البحر , البحر الذي يسحرك بجماله ولونه حتى إذا أسلمت نفسك إليه , أسلمك أنتَ إلى الأهوال والمخاطر , إلى خوف أن تكون قد أهلكت نفسك فيما تُحب , ومُت فيه حرفياً لا مبالغة , وخوف أن تنجو منه , فتكرهه إلى الأبد , بل وتكره الحُب نفسه , أو تكره نفسك التي تحب وتعشق , وقيل , الحُب فضّاح , ها أنا فاضحٌ نفسي على صفحات الشبكة , أعاني مثل الذي عانى القائد منذ شهور , وأختار بين نارين , نار أن يفيض قلبك فلا تتحدث , فتصمت وتصمت , فتكتئب وتتوحد مع العدم , أو أن يفيض قلبك فتتكلم , تصبٌّ منه حتى يجف , ويهترئ , ويحتال قلباً خاوياً يريد من يملأه , جارياً يريد من يوقفه , عارياً لا يجد من يُلقى عليه الثياب.

كيف خلق الله الناس وعدّد ألسنتهم من نفس الأصل ؟ كيف تكلّم آدم في بادئ الأمر ؟ وكيف تكلّم من بعده نوح بعد أن نزل الأرض من جديد وهي خاوية على عروشها خالية من كل كائن حي إلا هو ومن معه ؟ ثم كيف صارت الأمور إلى أن يصبح المرء عجوزاً عن أن يتكلم مع المرء أخيه في أصل الدُنيا , ثم ها نحن ذا , يقول الله في سورة الحجرات : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } , كيف جعلتنا شعوباً وقبائل يا ربي لنتعارف ؟ أريد الآن أن أطبق حُكم الله , فلتأتوني بفقيه في الدين يقول كيف يتعارف الإثنان لا يجمعهما لسانٌ ولا فِهم ولا حتى اتفاقٌ على رؤية الأشياء ؟

قال ابن المقفع : " اعلم أن من أوقع الأمور في الدين, وأنهكها للجسد, وأتلفها للمال, وأقتلها للعقل, وأزراها للمروءة, وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار, الغرام بالنساء .
ومن البلاء على المغرم بهن ، أنه لا ينفك يأجم ما عنده, وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن .
إنما النساء أشباه, وما يتزين في العيون والقلوب من فضل مجهولاتهن على معروفاتهن باطل وخدعة, بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما عنده, أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن .
وإنما المرتغب عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس, كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس, بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام ، وما في رحال الناس من الأطعمة, أشد تفاضلا وتفاوتا مما في رحالهم من النساء .
ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس بلبه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها ، فيصور لها في قلبه الحسن والجمال, حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية, ولا خبر مخبر ، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح, وأدم الدمامة ، فلا يعظه ذلك, ولا يقطعه عن أمثالها, ولا يزال مشغوفا بما لم يذق ، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة ، لظن لها شأنا غير شأن ما ذاق, وهذا هو الحمق, والشقاء, والسفه . "

حذرت يا عبدالله دون جدوى , ونِمت فاستيقظت على صورتها لا تفارق خيالي وأمنيتي , بل أنني ابتعدت في شططي هذا إلى مراحل بعيدة , فطفقت أبحث عن كيف سأجدها مرةً أخرى , بل أنني كِدتُ أتعلق بالأمل المستحيل , الذي يُخبرني أنني من الممكن أن أراها مجدداً , وهي التي تعيش في أقصى الأرض , ولكن أعادني عن هذا الخاطر الخطر , ما بقى لي من العَقل.

من الشرق الأوسط , إلى الشرق الأقصى
تحية طيبة وبعد ,,

هذا أنا , شابٌ مصري , أبحث عن امرأة روسية غادرت البلاد إلى مصر منذ زمنٍ لا أعلمه , معتدلة الجسم , جميلة المنظر , شقراء الشَعر , دقيقة العَين , حادة الملامح , مدببة الذقن والأنف , واضحة الأنوثة , رفيعة الصوت.

غابت عنّي الأوصاف الأخري , لكني أراها أمامي الآن كما أرى ما أكتبه , ها هي رسالتي إلى الشرق الأقصى تفشل , لماذا تفشل ؟ لأنهم لن يجدونها , يا إلهي فمن الممكن أن تكُن كل الروسيّات بهذا الصفات , فلنجُرب طريقة أخرى إذاً , ولنراسلها هي !

من هيثم شومان , إلى المرأة الروسية مجهولة الإسم
تحية طيبة .. وبعد !

هذا أنا , لا أعلم إذا ما كنتي ستقرأين رسالتي هذه أم لا , قد تكوني مشغولة بعض الشئ , ولكن حسناً , سأغتفر لكِ انشغالِك هذا لأنني أعلم أنك ستعودي وتقرأي وتكتُبي , ولكنّي أيضاً سأفترض تماماً أنك تقرأيها , وسأعلم في قرارة قلبي أنك ستأتي يوماً ما , فقد قرأت في كتاب ( السر ) لكاتبته الرائعة روندا بايرن , أن ما تتمناه وتصدقه , تدركه , وما ترنو إليه يأتيك ولو كان نجماً عالقاً في لوحة السماء , أنك فقط تحتاج لأن تصدق الشئ حتى إذا ما صدّقته صدّقك , وانجذب إليك كما ينجذب المعدن القوي لجوهر المغناطيس , وتعلمت منه أيضاً أن الحُب هو أعظم قوة , وهو هدية السماء , وهو الرابط الذي لا يُرى بين البشر , وهو السِحر الذي يعتمل في القلوب , فيصير الصعب سهلاً , والمُر حلواً , والأيام رقيقة تنساب في القلوب انسياب الماءِ داخل الكوب , والساعات لحظةً من لحظات الجنّة , والثواني غفلة من غفلات الزمن الطويل , وإذا صدّقت الحُب سيصدقني ويأتيني محمولاً على بُساط علاء الدين , أو على جناحيّ عباس ابن فرناس , أو على بُراق النبي , أو على عرش بلقيس إذ حمله عفريت سليمان الذي عنده علم من الكتاب في غمضة العين وارتدادها , وقد أوتيت من العلم القليل , فلم أقوَ على القول ولا الفهم , ولكنّ الإنسان يفهم صاحبه من نظرة العين وخفقة القلب وإحساس اللمس , وقتها كنت أريد فقط أن أقول لكِ " حسناً " , أو أن أشير لكِ بيدي للتحية , أو بابتسامتي للغبطة والارتياح , أو أن أؤت من الفراسة ما يُتيح لي استنباط اللغات الغريبة والتواصل بها لحظياً , أو أن أعلم لكِ اسماً أو طريق , ولكن لا بأس , أعلم , أيتها المرأة القوية , أنك تنتظريني , وقد تكوني لا تعلمين ذلك الآن , ولكن ابحثي , ستجديني قابعاً هناك , في أعماق نفسِك. سنسعى معاً لإبادة تلك الحواجز المتراصّة فيما بيننا , سنَبلغ السماء ارتفاعاً وسنهوى في الأرض عُمقاً نبحث عن الحقيقة والحُب.

صديقكِ ذو العين التي تَرَى , والقلب الذي يذوب ,
هيثم شومان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق