(1)
في أحسن الظروف , اللجنة العليا للإنتخابات هتدعو الشعب لاختيار الرئيس الجديد في الانتخابات الرئاسية 2018 , ده طبعاً إذا محصلش حاجة تغيّر الوضع في الأربع سنين دول. قدامنا حاجة من الاتنين في اللحظة دي , يإما نبدأ فعلاً نفكر في مستقبل البلد على المدى البعيد ونعرف احنا غلطنا في ايه في الكام سنة اللي فاتوا ونعرف احنا المفروض نبقى جاهزين ازاي للوجود و ازاي نخلق منافسة حقيقية مع النظام العجوز اللي مش راضي يسيبها , يإما نفضل قاعدين في البيت نندب حظنا ونكتب على تويتر " مصر قاد الدونيا هاهاها " للأبد ونفضل نغني بنبرات اليأس والمظلومية لحد ما نموت.
(2)
أنا معنديش خطة أنا بس بفكركُم اننا لازم نفكر ولازم منخليش السنين والوقت يهربوا مننا , كمان 4 سنين هنكون بنشتغل وبنتجوز وهنسيب البلد تتحرق بالأجيال الجاية واللي بعدها وهيبقى احنا اسمنا الجيل اللي فتح ثغرة في صفوف النظام بس معرفش هو المفروض يعمل ايه بعدها وسَقَط بالقتل والسجن كعبرة للأجيال اللي جاية كلها.
(3)
أيام مرسي لما كان كل الناس أصابها اليأس كتبت نفس الكلمتين بتوع الانتخابات الجاية لإن مادمنا مانقدرش فعلاً نقوم بثورة ومحدش جاهز لده فلازم نفكر - تلقائياً - في البديل اللي - المفروض - بيغيّر في البلد أو اللي الناس واثقة فيه وفاكراه بيغيّر , الصندوق.
(4)
الإعلام بيختار للناس الحاجات اللي تفتكرها والحاجات اللي تمسحها من ذاكرتها تماماً , في أيام أكتوبر ونوفمبر وديسمبر من كل سنة الناس مش هتفتكر اللي حصل في ماسبيرو وفي محمد محمود وفي مجلس الوزرا , الناس هتفتكر اللي الإعلام عايزها تفتكره , في اكتوبر هيحتفل بالحرب عشر أيام قبل 6 اكتوبر وعشر أيام بعدها , وفي نوفمبر وديسمبر هيفكّرهم بأحداث الإتحادية , وطول الوقت هيفضل يجمع فيديوهات لمدى وحشية الإخوان وعُنفهم , لكن مش هيذكُر أبداً إن نفس لون الدم الأحمر ده موجود في صور تانية أكتر وأبشع بكتير من الصور اللي بيحفّظها للناس يومياً - افتحوا قناة دريم فقرة الإعلانات.
(5)
الإعلام عارف كويس المعاني العظيمة اللي الناس بتحب تسمعها , الحرية والشعب والنضال والثورة والعدو والقصاص ودم الشهداء , بس هو عارف إنه لو استخدم الكلمات دي بمعانيها المجردة الناس هتفهم والنظام هيكون في خطر , عشان كدة هو استخدم نفس الكلمات بس فرغها من معانيها وحط جواها معاني تانية تخدم رؤيته , تخلي الناس لما يفكروا في الكلمات دي يوصلوا للقناعات دي , في الفقرة بتاعت دريم أو أون تي في أو أي قناة كانت بتصنع الفقرات دي هتلاقوا دايماً الكلمات دي بمعانيها المختلفة , انتو عشان فاهمين هتتآخدوا شوية وهتحسوا ان فيه حاجة غلط , الناس العادية معندهاش التراكم اللي عند الشباب اللي نزل الشارع , ففي فقرة دريم بتاعت صور ضحايا العنف الإسلامي أيام مرسي وبعده ( الاتحادية - النهضة - كرداسة - رفح - ...) بيجيب آخر مشهد في الفيديو مشهد للداخلية بتصلّي على ضحايا حادث إرهابي وأم كلثوم في الخلفية بتقول : " آنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا , ولا أرتضى بالخلود بديلاً " .. فتلقائياً الناس هتفهم إن الداخلية هي الشعب , وإن المستحيل هو العنف الفردي ده وإن الخلود هو القضاء على العنف ده واستقرار حُكم الشعب , أو الداخلية اللي بترمز للدولة المظلومة هنا. وقياساً على كدة تبقى الحرية هي : التحرر من حكم الإخوان (بس) , والشعب هو الشعب اللي بيكره الإخوان وبيموتهم (بس) والنضال هو الكفاح المسلح ضد الإخوان (بس) والثورة هي ثورة 30 يونيو المجيدة (بس) والعدو هو الإخوان (بس) والقصاص للشهداء هو القصاص لشهداء الجيش والشرطة (بس) وتصفية الإرهابيين بقى عشان الجيش والشعب غضبان وكدة - انظر عدد الأهرام بعد خطاب السيسي بعد حادث الشيخ زويد.
(6)
في يوم حصل انفجار أو انفجارين في حتة معينة كدة ومات فيه ناس أو ماماتش , افتكر انه كان يوم الـ30 جندي ده أو اللي قبليه على طول , المهم واحنا نايمين في أمان الله سمعنا صوت قوي في الشارع خلانا كلنا نتخض ونقوم فجأة , الملاحظة هنا كانت رد الفعل اللحظي لبابا اللي قال : " اللي يلعن دين أم الإخوان ..." وماما اللي قالت : " حسبي الله ونعم الوكيل , إيه اللي بيحصل ده يا ربي ". الإشارة هنا إن حتى لو فيه كاوتش عربية فرقع على أول الشارع فالعقل الباطن للمواطن الجالس قدام التليفيزيون مش هيحاول يفكر الأول , لكنه هيترجم الوضع فوراً للحاجات اللي اتزرعته فيه على مراحل طويلة جداً وممنهجة إن الخطر يساوي الإخوان إلى إثبات أي حاجة تانية.
(7)
الواقع البائس بيحتم عليا إني كل يوم اسمع وائل الإبراشي في البيت بالعافية , لاحظت من طول سماعي - وعدم مشاهدتي - إنه كل حلقة بيذكُر كلمة " الإخوان " مرة على الأقل , وكذا حلقة في الإسبوع بيجيب ناس تعيط ويشغل في الخلفية موسيقى حزينة جداً أو يشغل زي النهاردة أغنية زي ( حرام تموت ضحكة بريئة ) بتاعت عمرو دياب , وباللعب على المشاعر الناس في البيوت بتتأثر على طول وساعات بتعيّط كمان مواساة للناس اللي جوة الشاشة.
الشاشات اللي بتجيب أمهات الجنود والظباط اللي ماتوا بيعيطوا وبيتشحتفوا ويصرخوا هي نفس الشاشات اللي نقلت مذبحة رابعة العدوية على الهواء مباشرةً بتعليق نفس المذيعين , لكنهم يومها كانوا مبتسمين وحاسّين بالنصر وبتفيض منهم معاني الوطنية وبيستضيفوا القتلة على إنهم أبطال وبيوصّفوا إراقة الدم على إنها حماية للمواطنين , الناس اللي بتتفرج ماخدتش بالها إن المعركة الوطنية العظيمة دي راح فيها ناس شبه الناس اللي هما بيعيطوا عليهم دلوقتي , ميعرفوش إن معارك الداخلية ضد الإرهاب في الجامعات بتصيب وبتسجن وبتقتل طلبة جامعيين شبه ولادهم بالظبط , عشان الإعلام قدر يعمل عندهم فصل بين الحقيقة والشاشة , ابنك في الحقيقة طالب جامعي بس الطلبة الجامعيين عالشاشة قلالات الأدب وعايزين الداخلية تربيهم , ابنك في الحقيقة عايز يحضر ماتشات الزمالك , بس مرتضى بيقولك عالشاشة إن جماهير الزمالك بلطجية وإرهابيين ويستحقوا القتل , ابنك في الحقيقة شاف الداخلية بعينه وهي بتضرب محمد رضا بالنار , بس عالشاشة مسئول الدولة اللي لا يمكن يكدب بيقولك إن الرصاصة اللي أصابت محمد رضا رصاصة إخوانية من داخل الكلية , ابنك في الحقيقة كان بيجري من الداخلية يوم 25 يناير اللي فات وفي ناس ماتت ومعاه رصاص ميري بتدل على إطلاق النار , بس عالشاشة الشعب المصري العظيم بيحتفل بالمشير عبدالفتاح السيسي وبيدعوه للترشح للانتخابات الرئاسية بالملايين , ابنك في الحقيقة يعرف واحد اتعذب في سجون النظام , بس عالشاشة مسئول حقوق الإنسان في الداخلية بيتكلم عن قد إيه الداخلية بعد 30 يونيو اندمجت مع الشعب وبقت تحترم حقوق الإنسان , ابنك في الحقيقة كل ما ينزل يمسك ورقة في الشارع مكتوب عليها افرجوا عن المعتقلين الداخلية تجري وراه , بس عالشاشة الرئيس عبدالفتاح السيسي بيتكلم في الأمم المتحدة عن حرية الرأي والتعبير في مصر , ابنك في الحقيقة مات في مظاهرة بتهتف بالحرية والعدالة والكرامة , بس عالشاشة هو عنصر إرهابي الداخلية اتعاملت معاه لحماية الوطن.
(8)
النظام بيتعامل مع الناس على إنهم بينسوا , وهما في الحقيقة بينسوا , بل إنهم مايعرفوش , أنا شايف إن هي دي نقطة الضعف اللي النظام بيستغلها , بيستغل جهل الناس بالوقايع والأحداث ويملا مكانها أحداث تفيده وتعزز مكانته عندهم , بدل ما يقولّهم إن الجيش دهس الناس في ماسبيرو ممكن يقولهم : " الآن علمنا من هو الطرف الثالث الذي كان يوقع بين الشعب والجيش , إنهم الإخوان المسلمون " .. بشوية بلاغة صغيرين الإعلام بيقدر يقنع الناس برواياته , وغير الناس اللي عاشت الأحداث , ففي أجيال جاية متعرفش حاجة , بيتكتلهم في كتب التاريخ دلوقتي كل حاجة حسب مزاج الحاكم , وممكن بعد كذا سنة نلاقي في كتب التاريخ فصل بعنوان " مؤامرة 25 يناير " .. من هنا علينا كشباب لسة فاكر ولسة عايش , علينا حاجتين : أولاً نبرز للناس التناقضات اللي جواهم , نسألهم مثلاً انتا زعلان ليه عشان الجندي " فلان " مات ؟ لو قالك عشان إنسان قولّه في كام إنسان زيه مات موتة أبشع. أو انتا نزلت ضد مرسي ليه ؟ هيقولك جملة فلسفية ملهاش علاقة بالواقع , هيقولك مثلا عشان مصر , أو عشان مشروع قناة السويس اللي كان هيبيع مصر , ماتزهقش منه ولا تضحك عليه واسأله عشان إيه في مصر , قطع النور ولا غلاء الأسعار ولا العنف ولا إيه بالظبط ؟ واسأله إذا كان مش شايف نفس الحاجات دي وأكتر منها موجود دلوقتي ولا لأ ؟ واسأله إيه ليه مشروع السيسي مش هيبيع مصر هو كمان ؟ مش هيعرف يرد عليك لإنه فاهم لحد ما الإعلام بيقولّه , هيتلخبط , ساعتها انتا المفروض تفهمه ان النظام ماتغيرش وإن اللعبة كلها كانت خناقة على السلطة كسب فيها اللي معاه السلاح والإعلام. ثانياً تجهز حاجات تقولها للجيل اللي جاي لما يسألك عن الثورة , يإما ماتزعلش بقى لو كمان 10 سنين لقيت شاب عنده 15 سنة بيتكلم عن مؤامرة 25 يناير وبيلبس تي شيرت عليه صورة السيسي البطل القومي اللي ربنا بعته لينا عشان يحكمنا للأبد بحكمته , افتكروا ان احنا الجيل اللي معاه الحقيقة كاملة لإن هو اللي عاشها , ولا كان قدام التليفيزيونات بيردد ورا النظام , ولا كان عيل قدام كتب تاريخ ابتدائي وإعدادي بيقرا التاريخ المزيف. في لحظة معينة هيبقى مطلوب مننا إننا نعرف الناس إيه اللي حصل , وحيث إن الناس بتنسى فاحنا كمان بننسى , حاولوا ماتخلوش ده يحصل, لإن تراكمات الأحداث بيعمل تشويش في الذاكرة على التفاصيل المهمة وحتى الفرعية , فبعد 7 سنين لو حد سألك يعني إيه محمد محمود هتقوله دي كانت معركة في شارع متفرع من التحرير , بس مش هتقدر تفتكر كان إيه اللي بيحصل قبلها ولا بعدها.
(9)
أنا بطلب من كل واحد يفكر في شكل المجتمع اللي هو عايزه , طالما انتا يعني مناضل ثورة وداعي للتغيير ماتبقاش مقتصر على "التغيير" الكلمة اللي بتطلع من بقك , حاول تترجمه في دماغك لأشكال وأحلام , زي ما ذكرت في النقطة الأولى , في 2018 في انتخابات رئاسية المفروض يحصل فيها تحول ديمقراطي , المفروض وماتضحكش , عملت إيه انتَ عشان تقدر تقول للناس ساعتها إنك مش معترف بالانتخابات دي وانك هتكمل الثورة وهتموت في الشوارع عشانها ؟ ايه اللي يخليهم يصدقوك غير لو عندك مشروع للبلد عايز تجري وراه وتحققه كبديل عن مشروع الدولة العجوزة اللي ماقدرتش تقدم للمواطن غير الكلام والحماسة الفارغة ؟ انا مش بعجزك ولا باقولك اطلع احكم , انا عارف ان مفيش امكانيات ولا الدولة هتسمح بصعود الحركات دي ولا ولا ولا , أنا بس بقولك فكر عشان لما الراجل العجوز بتاع المترو يقول عليك عيل مراهق بتتكلم وخلاص ومش فاهم حاجة تعرف ترد عليه , ولما يقولك عندك إيه غير حكم العسكر تعرف ترد عليه , ولما يقولك انتا عايز فوضى على طول تعرف ترد عليه , ولما يقولك سيبونا نعيش تعرف ترد عليه وتفهمه انه في أشكال للعيشة أحسن من اللي بنعيشها في البلد دلوقتي.