قانون التظاهر قديم قِدَم النظام وباقي بقاءُه.
في كل مرّة كان العسكر بيقمع حركة الشارع كان بيضطر يطلع يكلم الناس - أيام المجلس العسكري - ويقنعهم ان الشارع هو اللي غلطان , ويقنعهم ساعات ان مش هو اللي قتل ولكن اللي قتل كان واحد سارق المدرعة في ماسبيرو أو واحد مجهول أطلق الرصاصة الأولى أو مندسين ( طرف ثالث ) في مجلس الوزراء , أو يقنع الناس تماماً إن حركة الشارع في محمد محمود كان هدفها الهجوم على وزارة الداخلية مش العكس اللي حصل , والناس كانت بتصدق وبتستحمل أرقام الوفيات ( اللي اقتنعوا انهم بلطجية ) , والعسكر كان كل شوية يقول إن ( رصيدنا لديكم يسمح ) إننا نزوّد حدة القمع ونعتقل ونقتل شوية عشان الدنيا تمشي وعشان ( عجلة الإنتاج ).
اللي انا عايز اقوله هنا إن فكرة قمع المظاهرات السلمية في الشارع فكرة مش سهل إن النظام يصدرها للمواطن العادي , بدليل اللي انا قُلته ان هو كان دايماً بيحتاج يبرر أحداث القمع أو يلصقها بأحداث تانية زي المجمع العلمي أو يكدب زي مجلس الوزراء وماسبيرو عشان الناس ماتبطلش ثقة فيه أو ماتشوفوش على إنه وجه جديد لطاغية مستبد لسّة الشعب خالعُه.
فكرة إن يكون فيه حاجة تقدر تشحن الناس ضد فكرة المظاهرات لدرجة إنهم يطلبوا من العسكري ( يفوضوه ) إنه يتخذ أي إجراء ( أياً كان شكله وكارثيتُه ) للتخلص منها , فدي تعتبر فرصة ذهبية لنظام كان عايز يرجع يتحكم تاني في الدولة اللي كانت عُرضة إنها تروح من إيده لولا بعض العوامل اللي محناش في صدد ذكرها.
بعد ما النظام - نفسه - دعا للمظاهرات في 30 يونيو ونجح في الحشد , اكتشف إنه ممكن بالطريقة نفسها يبقى عرضة للمظاهرات والدوشة كل شوية , كان فيه حاجة لازم تحصل تمنع إن ده يتم.
في الحرس الجمهوري النظام اضطر برضو يكدب ويدّعي عشان يبرر قتل أكتر من 57 مواطن , وإنه يشكل لجنة تحقيق وإنه يعلن أسفه عن سقوط ضحايا وكدة.
لحد دلوقتي كان التظاهر عادي وكان القمع مش عادي.
خلال أيام اعتصام رابعة العدوية الطويلة الآلة الإعلامية شحنت الناس في البيوت ضد الاعتصام بوصفه دموي ومسلح ومكان للتعذيب وأرض محتلة بل وإنه مكان لممارسة الرذيلة! على مدى أكتر من 20 يوم وعلى مدار الساعة بيطلعلنا كل ساعة راجل ببدلة أو ست شيك بيكلموا الناس عن قد إيه الاعتصام ده غير آدمي , الأمر اللي خلّى الناس تتصل بالمذيعين ويَدعو السُلطة على الهواء مباشرةً لفض الاعتصام , وفيه واحد كلّم وائل الإبراشي قالّه إملوا أرض الاعتصام ميّا وكهربوا الميّا وبكدة هنتخلص من الاعتصام من غير ولا نقطة دم , آه والله قال كدة.
بعد الشحن ده كان من الطبيعي إن الحاكم العسكري يطلع بكل ثقة يقول إنه بيطلب من المصريين تفويض لمنع الإرهاب المُحتمل , الحاكم اللي بالمناسبة خَد من التلميع والتعظيم في الأيام دي على قد ما الاعتصام خد من الكُره والاحتقار , وكان من الطبيعي في هذه الحالة إن الإعلام يحشد للتفويض وإن الناس تنزل والكاميرات تصور والجيش يستقبل الرسالة , والناس تتفرج عالمذبحة وتقول : " ياه , الحمدلله " ,
المذبحة اللي مات فيها مئات مانعرفش عددهم لحد دلوقتي.
بعد ما الناس سكتت على كل الدم كان مُتوقع إنها تعترض مثلاً على إصدار قانون زي قانون التظاهر ؟ بعد ما التظاهر بقى وحش اصلا وبعد ما مصر رجعتلنا هنتظاهر ليه ؟ طيب هل كان ينفع القانون ده ما يصدُرش ؟ أومال كان هيقمع المظاهرات بكل أريحية إزاي على مدار حُكمه الممتد ؟ كان هيقتل ازاي طلبة في الجامعات من غير ما حد يقولّه بِم ؟ كان هيعتقل ازاي أي واحد ماسك ورقة في الشارع وبيعبر عن رأيه ؟ آه كان ممكن يعمل كل ده بعد ما الناس شافت عينه الحمرا بس ساعتها جزء من الناس كانت هتشوفه نظام قمعي لما يقمع مظاهرة سلمية أو لما يدخل الجامعة بالمدرعات عشان يضرب الطلبة بالنار , والجزء التاني من الناس كان هيحتاج يقول طول الوقت إنه بيواجه ظروف استثنائية و إننا لازم نصبر وإن رصيدهم يسمح وكانوا هيفضلوا غارقين في بحر التبريرات لحفظ ما وجه النظام اللي مش قمعي. قانون التظاهر هو القانون السحري اللي أنقذهم من أي صوت للمعارضة بإسم " مخالفة القانون " , العسكر محاصرين الشوارع والإعلام محاصر أدمغة الناس , والله أعلم هنخرج منها إمتى.
{ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق