الجمعة، 22 مارس 2013

خواطر 2

يبدو أنه أمر مزمن سيؤرقنا بعض الوقت .. ولكن سنمضي أياً كان .. لم يكن الفتى حينئذ على ما يرام .. ربما هي تعلم ذلك .. أو لا تعلم .. فها هو اعتنق مذهبها وصار حينما يفكر .. يبدأ بها .. يعلم تمام العلم أنها ليست له .. وإنما للآخرين .. يرى هذا بعينه , بل ويرى عيناها الناظرة إليه بينما جسدها هناك .. ولا أحد يعلم لمن تكون الروح ... تثلج قلبه كثيراً بالمعاني الجميلة .. ولكها تقتل تلك المعاني بنفسها .. الفعل حينئذ يغلب القول .. مرّ منتصف اليوم وأكثر وهو لا يزال يفكر .. ليس بها .. ولكنه كان مشغولاً بعض الشئ في بعض الأشياء التي ملأت حاسوبه وعقله .. ولكن اليوم لن يمر إلا حين يكسب شئ .. هكذا يريد كل يوم .. لم يفكر طويلاً .. فقد ارتدى ثيابه المعروفة وغسل وجهه وبلل شعره ولم يسرحه ونزل .. دائماً ما تصارعه الأفكار حين يرتطم الهواء بوجهه ودماغه .. إنما يكمن في هذا الهواء البارد معنى غامض من معاني الحياه ! يسلك طريقه حتى آخر الشارع ثم يعبر الشارع الآخر المُطل بطوله على نهر النيل وينتظر العربة التي أشرف على نسيانها ! .. ها قد جاء الرجُل __________________________________________________________
عذراً .. حينما ترى هذه العلامة مرة أخرى فمعنى ذلك أن الإشارة قد تم التشويش عليها من مصدر مجهول .... فلنكمل
جاءت العربة ويدنو صوت منها " تحرير .. تحرير " .. حمداً لله .. فلن ينتظر بعد .. وسيسلك الطريق الذي طالماً أحبه وطالماً ألهمه .. مرت الدقائق الأولى عليه في هذه المركبة مُقارناً بين المقاعد .. فهو دائم التردد حتى في أقل أسباب الراحة ! وسرعان ما أدرك بُهتان المشهد .. لم يعد الطريق مُنيراً كما كان ! لم يعكس النيل أضواء المدينة .. لم تعد للمدينة أضواء .. ظل مرتسماً لهذا الخاطر حتى بعد نزوله وسيره على هذا الجسر الذي يحمل له الذكريات الحالمة أبداً .. كان عندما ينظر إلى القاهرة من هذا الجسر يجد الأضواء تحاصره من كل مكان .. تضرب عينه المتأمله من فوق .. وتنعكس عليه من على صفحات النيل المتقلبة .. هالته هذا الفكرة .. لماذا يُظلمون الدنيا هكذا ! وكأن الفنادق حتى تلبي ارتفاع أسعار الكهرباء ! النور هو مرجع الجمال .. النور هو الروح .. النور هو تشبيه كل شئ جلي .. النور هو كل ما نحب وكل ما يجلب لنا الدفء والطاقة والرؤية والسعاة والانبهار .. فلتفكر في الأشياء من غير نور .. تجدها كئيبة .. هذا إن وجدتها أصلا ! .. بدأ هذا الخاطر أن يتواري شيئاً فشيئاً مع نزوله أرض تلك الجزيرة الخالدة ! أرض الفن والحُب .. أرض الإبداع والخلود .. جزيرة الزمالك .. واها لأيام الصبا .. ولم لا وقد تربّى وأدرك معاني الحُب والإبداع هناك .. فقد كانت مدرسته هناك .. لم يذهب مرة إلى هناك ولم يمر عليها .. ولكن هذه المرة وجدها مظلمة أيضاً ! .. تابع سيره شغفاً وقد ملأته المشاعر الجميلة حُباً في المكان .. وشغفاً للوصول للمكتبة التي تمنى لو كانت بيته ! لم يذهب مشترياً هذه المرة .. ولو كان كذلك لاحتار كثيراً فيم يشتري .. زاغت عينه حيرة وشوقاً بين الكُتب .. ووعدها ليأتين مرة أخرى مشترياً .. فقد أتى ليسأل على " تراب الماس " لابنة عمه - أو هكذا يقول - ويخبرها بما وجد .. إنه مكان عظيم حقاً .. اذهبوا كي تروه .. اسمها مكتبة " ديوان " بشارع 26 يوليو .. قريبة من منزل الكوبري .. وددت لو حملت كل تلك الذخائر على كتفي وذهبت .. ولكن دائماً ما نمني النفس ونرجي قليلاً حتى نذهب مجدداً لما نحب .. تابع السير كي يحقق من هذا المشوار مطلبه الثاني .. وهو المجلة التي يُشرف على الكتابة بها .. يريد فقط أن يعلم كيف تجري الأمور هنالك بين تلك الصفحات .. وكم كان سعيداً بعد شراؤها .. على الجسر مجدداً .. لم يكن الرجوع للبيت شيئاً مناسباً حقاً للقراءة الجيدة .. غلبه تفكيره وشجاعته وقرر الذهاب لقهوة البورصة .. فهو يستمتع هناك بالأُنس وبالناس وبالأصوات هنا وهناك وبحفيف الهواء الذي يخبط رؤوسهم فيُشعرهم بلذة ما يشربون .. رجع سريعاً لطريق الكورنيش .. إلى التحرير .. فسيسلك الميدان إلى طلعت حرب ومنه إلى البورصة .. لعله أيضاً يرى ما هنالك من تجمعات وخلافه .. في يوم الجمعة .. عاود التفكير بها .. جزء من عقله يقتنه أنها ليست له .. فانتقل بتفكيره إلى ما بعد ذلك .. هل سينتهي الأمر بينهم أم سيصبحون أصدقاء .. وإن صاروا كذلك .. هل سيناسبه الأمر .. إنه في الثلاث أحوال شقي .. ولا شئ سيناسب .. قُدر له هذا وسيكمل كذلك .. فهو الآن ليس متضرراً بالقدر الذي يجعله يفكر كثيراً بالأمر .. قطع تفكيره كلام الست " الليل وسماه .. ونجومه وقمره وسهره وإنت وأنا يا حبيبي أنا .. يا حياتي أنا كلنا في الحب سوا " .. نسى كل شئ وذاب مع هذا الإحساس الوهمي بأثر سماعه أم كلثوم في تلك اللحظة .. كم كانت لحظة رائعة .. تابع هو المسير وأكمل الغناء بكل تكيُف حتى قطع انسجامه بعض الكلمات التي لا يتذكرها جيداً غير كلمة " أديك " التي قفزت إلى اذنه من إحدى المهرجانات .. فأغلق فمه وأكمل .. بجانب المتحف المصري عاد يدندن ألف ليلة وليلة مرة أخرى حتى جذبت عينه طُرق التصميم لعمائر وسط البلد .. التحرير خاصةً .. يا لها من روعة .. ثم تابع مجدداً وتأمل فضاء هذا الميدان الذي شهد أكبر تجمع للبشر فيه يوم الخامس والعشرون من يناير عام 2012 .. اثناء الثورة على العسكر .. كانت ذكريات رائعة حقاً .. على ناصية الشارع المؤدي لميدان طلعت حرب .. أدار وجهه لمائة شخص أو أكثر قليلاً .. يتجمعون تحت المنصة الرئيسية وفوقهم شخص يتحدث في المذياع ... لم يعجبه المنظر .. فهو لا يمثل الثورة القائمة .. وتابع حتى تاه - كما يفعل كل مرة - في شوارع البورصة بحثاً عن الشارع الذي تعود أن يجلس مع أصدقائه فيه .. وهو الذي تملأ أسواره صور الشهداء وهتافات الثورة .. قضى هناك وقتاً رائعاً .. قارئاً في تلك المجلة المُلهمة .. مستمتعاً بهذا الهواء النظيف .. مؤتنساً بصخب الناس والتليفيزيون .. مُتابعاً لبرنامج البرنامج .. مستجماً بفكرة أنه " وحده " يستطيع السعادة .. وعاد قبل انتصاف الليل بقليل .. قد راوده شعور يراود الرجال في أوقات كثيرة من اليوم .. متحمساً لتلك الأفكار والخواطر التي أتته بينما هو يُسرع السير كي يصل مملكته سريعاً ويقضي حاجته ويعود ليتأمل فيم يُريد .. ويكتب ما يخطُر .. ويقرأ ما جلب .. ويفعل ما أحب ...

تصبحون على كل خير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق