إعلان زيجو ميكسات ( صدّق نفسك ) اللي ظهر في رمضان 2014 واستمر في الظهور على القنوات لحد دلوقتي - أكيد كتير منكم لاحظوه - هوّ أكتر من كونه إعلان بطاطس شيبسي , كل إعلانات المنتجات المشابهة بتعدّي من قدام عينينا ومسامعنا من غير ما نعيرها أي انتباه حتى لو باصّين عالشاشة ولو معليين التليفيزيون على آخره , الإعلان ده في رأيي بيجبرك تلتفتلُه وبيشدّك من منطقة انت ماتتوقعهاش من إعلان شيبسي - يأتيك من حيث تترفع أنت أن تتداخل معه على رأي مرسي! - أنا مش ناقد تليفيزيوني ولا موسيقي ولا أدّعي حاجة من الحاجات دي , أنا واحد من الجمهور اللي كل ربع ساعة مفروض عليه يشوف إعلانات مُبتذلة ورخيصة وبذيئة ... جمهور مش بيشوف كتير إعلانات إبداعية بتلمس حاجة في المشاهد - غير إعلانات الشركات الكبيرة زي بيبسي وفودافون وكوكاكولا وموبينيل - , بيكون كل التركيز عالمنتج ومدى حلاوته وإبهاره ومدى أي حاجة هي مش فيه , المرة دي بيشوف إعلان بطاطس مقرمشة بيسمّعه أغنية وبيقولّه فجأة ومن غير سابق إنذار : " متخليش الدنيا تهد الأمل اللي انتَ زرعتُه فـ قلبك " , بأحلى لحن وأحلى توزيع وأحلى أداء .. وبغض النظر عن بعض الكلمات في الأغنية اللي بتبيّن إنه بيكلم بطاطساية , إلا إن غالبية الكلمات بتدور حوالين رسالة الأمل اللي الإعلان بيوصّلها بمعرفته أو غصب عنه ( بعد مزج الكلمات مع الموسيقى الحماسية ) .. أنا كل ما الإعلان يشتغل بفضل مركز معاه ومنبهر بالأداء , وآخر مرّة سمعته جسمي قشعر .. المجد للإعلانات المحترمة:)
***
" متخليش الدنيا تهد الأمل اللي انتَ زرعتُه فـ قلبك
بفقد الثقة في حد لما النقطة السودا اللي في قلبه من ناحيتي تبان ، لما يغلط فيا لحاجة تافهة أو لما يعلن استعداده للخسارة او انه مبقاش فارق معاه بنكلة أو انه “ مكنش هيعبرني اصلا ” … الحاجات دي بتظهر في توقيت المشاكل ، بس فرضا ان احنا رجعنا نتكلم : فالحاجات دي هتفضل موجودة في تاريخ علاقتنا وهتبقى هي المانع الرئيسي ان الأمور ترجع زي الأول ، زي الخيانة ، محدش بيآمن للخاين بعد خيانته اول مرة حتى لو اتعدل ، لإن مفيش ثقة من ناحيته ، مينفعش تكشفله ضهرك وانت واثق انه هيحميك تاني ، كذلك الصحاب اللي كانوا صحاب اوي ، اللي يبيعك مرة يبيعك الف ، واللي يغلط فيك مرة يغلط مليون ، واللي مايقدركش وانتو صحاب ايه اللي هيخليه يقدرك بعد ما بعدتم ؟ كل واحد بيبص للمواضيع من ناحيته هو ومش بيفكر يبص من الناحية التانية ، عنده قناعة انه هو الملاك الطيب اللي بيحب الناس وبيدي لكل واحد مكانته وقدره ، معندوش اوبشن انه يكون غلطان حتى لو هو هو معملش حاجة .. ممكن يكون هو ده نفسه الغلط .. انه ساب صاحبه لما صاحبه اتغير ومحاولش يساعده ، هرب وفضل يرجع لما صاحبه يرجع حلو وجميل ، مش هي دي الصداقة ، الصداقة هي انك تستحمل صاحبك في الحلوة والمرة ، وانتو معملتوش كدة ، انا اسف :).
في عام 2019 , ظهر في الأفق محل يدعى Dogs Control , والذي ترجمته " الكلاب تحكُم " , لم يكن في الأمر ريبة , فقد كان محل صغير يبيع الكلاب تأسس في 3 يوليو 2017 , ولكن الغريب في الأمر , هو الصيت الذي حققه هذا المتجر في شهور معدودة , ففجأة ضجّ الفضاء الإلكتروني بكل الأنواع من الكلاب التي يستوردها هذا المتجر , وفجأة وجدنا إعلاناته على الشاشات وفوق الكباري وفي الميادين المهمّة , وقد أصبح مبنى قائم بذاته يأتيه الناس من كل حدبٍ وصوب يشترون الكلاب والحيوانات الأليفة المختلفة بعد أن وسّع نشاطه , ثم افتتح فروعاً في أنحاء كثيرة من القاهرة الكبرى والمحافظات المهمّة.
في يوم 2 مايو 2020 , فوجئ الناس بمسيرة حاشدة من الثوريين , لا يعلم أحد من أين جاءوا ولا كيف نظّموا أنفسهم , وقد كانت الفعاليات الثورية خمدت تماماً منذ 25 يناير 2015 , حتى النظام نفسه ذُهل كيف يجرؤ أحد على النزول مرة أخرى , ذهبت قوات الأمن المركزي سريعاً إلى مكان المسيرة , ولكنهم رأوا ما لم تصدّقه أعينهم , فقد كانت المسيرة متحركة في شارع طلعت حرب , من دار القضاء العالي , باتجاه ميدان التحرير , وفي مقدمة المسيرة بأعدادها الضخمة , عدد مماثل من الكلاب!
" الكلاب تحكم " : منظمة سريّة تأسست في يوليو 2017 تحت غطاء تجاري تهدف لقلب نظام الحُكم , وقد اجتذبت أعداداً كبيرة الثوريين المُحبطين تحت لواء فكرتها الغريبة , الصادمة , في غمرة تعاملاتها التجارية واتسّاع شبكة المتعاملين معها من الشباب وصورها في كل الشاشات والشوارع , إذا كنت ثورياً فلتأخذ كلباً مجاناً , ولكنّك من الآن عضو معنا في المنظمة , تتبع نظامها الصارم وتحركاتها بدقة تامّة وحرفية فائقة. كان هذا بنداً من بنود ورقة الشروط التي يمضيها الثوري للالتحاق بالمنظمة بعد إجراء العديد من الاختبارات التي تثبت عدم انتمائه للنظام من قريبٍ أو بعيد.
المسيرة تتحرك , والكلاب من أمامها , والشرطة تقف في ذهول , والثوريون يكسبون الوقت المُهدر في فرق الفِهم بين عساكر الأمن , ويتقدمّون , ثم يقتربوا , ثم يأمر اللواء : أطلقوا الناااار!
لم يكن صعباً على الثوريين الهروب من رصاصات النار , ولكن الصعب , كان اختيار عساكر الأمن المركزي بين الأمرين : إمّا أن يستمروا في إطلاق النار ثم تأتي الكلاب فتأكلهم , أو أن يهربوا من هذا الموقف الجديد , ويستطيعوا تبرير ذلك فيما بعد بعدم التدرب على هذا الموقف. كانت أقدام الكلاب أسرع من تتابع الرصاصات الطائشة التي أصابت بعض الإصابات وأردت البعض الآخر من الكلاب , كان إطلاق النار هو إشارة بدء الكلاب في الجري نحو العساكر بكل سرعتهم .. هرب العساكر , وهرب الظبّاط , وهرب اللواء , ثم بقى في ميدان طلعت حرب عدد 6 مدرعات غاز , و4 سيارات للترحيلات , و5 مدرعات مدرعة ( من كلاسيكيات الجيش ) , و10 بنادق غاز , و150 قنبلة غاز مسيل للدموع , و20 بندقيّة خرطوش , و35 سلاح آلي , و400 رصاصة خرطوش , و800 رصاصة حيّة , وكانت غنيمة اليوم الأول , وقد استُكملت المسيرة ( المسلحة ) إلى ميدان التحرير , يهتفوا ويغنّوا , ثم أطلقت النيران في الهواء للإحتفال , ثم تفرّقوا كلٌ مع كلبه , وفي يده سلاحه الأثير.
كانت هذه الجولة ضربة قاصمة على ظهر النظام الذي ظن أن لن تغلبه غلبة , وقد ظلّت وزارة الداخلية أيام في سهر مستمر , يجتمعون ويبحثون الحالة الجديدة , ثم يقترحون الحلول , والجميل , أن المنظمة كانت تتيح لهم تجربة الحلول على الأرض , لتُثبِت لهم فشلهم وخيبتهم أمام الجمهور , ففي كل مرّة كان يُعلن على الشاشة أن الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين تمكنوا من إيجاد خطّة لعدم تكرار مأساة مايو , نزلت المنظمة السريّة للشارع لإثبات أن لا شئ سيمنع تكرار المأساة.
بعد المرّة الأولى , جربّت وزارة الداخلية تكثيف القوة و فتكها , ولكن في كل مرة كانت الكلاب تهزم كل الخطط وتُنسي العساكر كل توصيّات الوزارة بالثبات , فتخسر المنظمة القليل من الأفراد والكلاب , وتخسر الداخلية الكثير من الأسلحة والمركبات والذخيرة وحتى خوذ ودروع وعصي الأمن! كانت مهزلة! كانت الوزارة في عين الشعب كالخُرم الذي لا يُسد.
قرروا تغيير الخطّة , ومحاربة التقدم الثوري بالعِلم , فجائوا بأعداد ضخمة مماثلة من الكلاب , على أمل أحد الأمرين , فالكلاب إما ستهرع تجاه الثوريين فتفتك بهم وتُرهبهم بمثل ما يرهبوننا , أو ستهجم على الصف المقابل من الكلاب , فتتيح للقوات الفرصة لفشخ الثوريين المسلحين بأسلحتهم , ولكنّهم عادوا بخُفي حُنين , لم تستطع كلاب الداخلية التحمّس للثوريين الذين يبعدون عنهم كل تلك المسافة , وبالأخص لأن هذه الكلاب أمامهم , وبطبيعتهم , لم يكون الكلاب جاحدين لهذه الدرجة , لكي يفتكوا بأنفسهم من أجل بني البشر , فقط , ولمدة ساعة , ظل كلّ من الفريقين ينظر للآخر , الثوريون المسلحون إلى عساكر الأمن , والكلاب التي تحكُم إلى كلاب الداخلية.
ثم غيّروها مرّة أخرى , فأتوا بكميّات هائلة من اللحم , ووضعوها في الشارع أمامهم , حتى تنفتح لهم الفرصة فيحطّوا على الثوريين حطّاً شديداً , وخابوا مرةً أخرى ليست بأخيرة , فقد كانت المنظمة تُطعم الكلاب طعاماً كثيراً قبل العمليات الخطيرة , لئلا يدخلوا لها من هذا المدخل السهل.
لم يكن من الصعب على النظام التوقّع بأن تنزل المنظمة إلى الشارع في يوم 3 يوليو 2020 , ذكرى تأسيس منظمة " الكلام تحكُم - Dogs Control " .. تأهبت وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والمخابرات العامة والأمن الوطني وماسبيرو وكل الجهات التي تمثّل أعمدة النظام المنيعة , والتزموا أقصى درجات الاستعداد , وضعت القوات المسلحة عدداً من الأسود حول وزارة الدفاع , ووضعت وزارة الداخلية عدداً من الغوريلات أمام ماسبيرو , ثم انتبهت المنظمة للاستعدادات المُعلنة في وسائل الإعلام , واتصلت بكل أفرادها , دقّت ساعة الصفر , المجموعة (ش) في المكان 74 , المجموعة (ح) في المكان 1312 , ابدأ.
من الذي ينتصر : القوة أم العقل ؟
كانت منظمة " الكلاب تحكُم " السريّة المسلحة حريصة دائماً على ضم العلماء والمهندسين والأطباء البشريين والبيطريين , لضمان اليد الأعلى في كل حركة ضد النظام الذي يطلق يده قبل أن يفكر بعقله , وقد كان.
في تمام الساعة السادسة مساءاً وصلت المجموعة (ش) [شمس] إلى المكان 74 [وزارة الدفاع] , وفي الناحية الأخرى من المشهد , وصلت المجموعة (ح) [الحرية] إلى المكان 1312 [ماسبيرو].
أمام وزارة الدفاع , زأرت الأسود مع ظهور الثوريين وفي مقدمتهم الكلاب والأطباء المسلحين والمهندسين ذوي الخراطيم .. كانت هذه هي الإضافة غير المفهومة لدى قوّات الجيش أمام الوزارة , عندما بدا الشر في عيون الأسود , أطلق البيطريون الإشارة , كانت الخراطيم في يد المهندسين تنز أنهاراً من العسل أغرقت الأسود , وكانت الأسلحة في يد الأطباء تطلق الآلافات من النحل على أجسادها , وعندما تلاهت الأسود في العبث مع النحل المميت , اقتحم الثوريون وزارة الدفاع بالطريقة نفسها , ثم أخرج القائد اللاسلكي من جيبه وقال : " غنّي الحرية دي أجمل غنوة في الوجود , حوّل "
أمام ماسبيرو , صرخت الغوريلات مع رؤية جيوش الثوريين والكلاب , خافت قليلاً , ثم دبدبت على صدورها دبيباً صاخباً , وعندما همّت بالهجوم على الحشد , ظهر في وسط الناس المئات من الأطباء البيطيرين ذوي البلطو الأبيض , يُرفعون فوق الأعناق , ثم يرفعون قروداً وليدة فوق أذرعهم , تبكي وتضحك. وقفت الغوريلات في ذهول , وكادت تبكي , لولا أن أطلقت إليهم القرود الصغيرة , فحملتها إليها وظلّوا في لعبهم يتلهّون , واقتحم الثوريون ماسبيرو بالطريقة نفسها , ليلقوا على الجماهير البيان الكلابي رقم (1) بتاريخ 3 يوليو 2020 , وفي طريقه إلى الهواء , تذكّر قائد المجموعة الثانية شئ , وما أن أخرج اللاسلكي من جيبه حتى سمع الإشارة وقال : " شمس الحرية اتولدت ولا يمكن تموت , حول;) "
***
في 2 مايو 2017 , جلس عماد عبدالعظيم إلى شاشة اللاب توب الخاص به , يشاهد بعض اللقطات المصوّرة لأحداث العبّاسية على موقع YouTube , لم ينس عماد هذا اليوم في حياته , حتى لو نسى الشعب كله ونسى الثوريون , لم ينس هو , كان عماد هو الشابّ المسحول المضرج بالدماء الذي ظهرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي يوم 2 مايو 2012 , كان الضرب الذي تلقّاه عماد في هذا اليوم كافي ليُشعره بقية حياته بالوجع والمهانة , وفي مثل تلك اللحظات , كان محمد يستعيد الثورة في داخله بالأغاني الثورية التي كانت الميادين ترقُص وتغنّي بها أيام الثورة حتى أيام الرمق الأخير في 2015 , لم يعد هناك ميادين للغناء والهتاف , أغلق عماد باب غرفته من الداخل وأغلق كل النوافذ ورفع صوت السمّاعات الضخمة إلى آخره , واستمع إلى أغنية " شيد قصورك " للشيخ إمام , يُغنّي بعلو صوته , ويقفز على السرير بكل طاقته , ثم يعيدها المرة تلو الأخرى دون أن يفقد الطاقة والحماس :
في عام 2017 , وقد تم وأد جميع الثورات العربية وتحطيم فروعها واقتلاع جذورها , استضافت مصر جامعة الدول العربية , في احتفالية كبيرة أقيمت في ميدان التحرير يوم الأحد 17 ديسمبر 2017 - الذكرى السابعة للمؤامرة التونسية , إذ كُتِب في التاريخ المكتوب في مناهج الطلاب : أن المؤامرة التونسية هي التي أعطت إشارة البدء للمؤامرات الأخرى لتشتعل في الدول المجاورة بالتتالي كحركة الدومينو , بمغالطة تاريخية تداولها العامّة بأن البوعزيزي أحرق نفسه , لم يعلم المتآمرون أن البوعزيزي في آخر أيّامه كان قد فقد إيمانه بالله وألحد , وأدّى هذا به إلى كثيرٍ من التصرفات الغريبة , والتي كان آخرها هذا الحادث المؤلم , رحمه الله لو عاش كان أعلن تأييده للنظام على مرئى ومسمع مدّعين الربيع العربي - ذهب أوان الربيع العربي وجاء أوان الخريف القبيح , يُذهِب كل جمال على وجه الأرض , لا مكان لأخضر , ثم انقلب الأمر كلّه فحلّ بالدُنيا الشتاء العسكري , بعواصفه التي تُهدّم البيوت , وغازاته التي تقرص الأجساد , وسماءه الملّونة بالحُمرة البغيضة.
بدأ احتفال جامعة الدول العربية بعنوان " مؤتمر الدعم العربي-العربي ضد المؤامرات والإرهاب " بحضور قادة الأنظمة العربية قاطبة , وجحافل من جنود ومركبات الجيوش العربية على أطراف الميدان , وبدأت فقرات الحفل بمتابعة مراسم إعدام آخر متآمر في الأراضي العربية.
القاضي : " العالم كله يراك , أمامك دقيقة واحدة تدافع فيها عن نفسك , بعدها تُعدَم. "
المتآمر : " فتحت عيني على الفقر والجهل والفساد فلم أتكلّم , مات أخي في سجون التعذيب في مصر , واغتُصِبَت أختي في سجون بشّار , وماتت أمي من الحسرة على أبنائها الذين قُتلوا في مذبحة تعز اليمن , وقُتل أبي على يد مرتزقة القذّافي في مصراتة , وتُريدونني أن أسكُت ؟ من بقى لي لكي أسكن إليه وألجأ إلى حضنه عندما يشيح عنّي وجه الوطن ؟ وعندما تكلّمت , أهانوني وعذّبوني وذبحوهم أمام عيني , كنت أنظر إلى إخوتي والسكاكين فوق أعناقهم فأقول لهم بعيني " سألحق بكم في الجنة " , تجففت في عيني الدموع , قالوا لي : فلتُحضّر نفسك للغد يا بطل , ستكون آخر متآمر في بلادنا , ويضحكون , فأتذكّر قول الله تعالى في سورة الزخرف : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } , وتهدأ نفسي مع ذكر الله .. أنا لست هُنا لكي أدافع عن نفسي , لا أريد أن أعيش في هذه الغابة الموحشة , كل من عِشت لأجلهم ذهبوا وتركوني هنا , امكثوا في هذه الديار البالية أيها الطاغون , أتشوّق لرؤية إخوتي , اعدموني الآن , بسم الله الرحمن الرحيم : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } صدق الله العظيم "
وتم إعدام آخر متآمر في الأراضي العربية وسط تصفيق من الجمع المُعظّم وتحيّات وتبادل للكؤوس والضحكات أعقبهم موسيقى عسكرية عزفتها الجيوش العربية احتفالاً بالحدث.
في فقرة أخرى من الحفل , كان الاستعراض العسكري للجيوش العربية وإجراء المناورات التكتيكية النوعية على نماذج المؤامرات التي تدرّبوا عليها كثيراً في السنين الفائتة , بدأت باستعراضات فردية للجيوش ثم بدأت المناورات وأشباه المعارك , وتقسّمت هذه المناورات لمراحل مختلفة , ففي المرحلة الأولى جاءوا بمجموعة غير مسلحة من المدنيين ووضعوها في شارع من شوارع وسط البلد , ثم كان دور الجيش المصري أن يطلق عليهم الغازات المسيلة للدموع , ولكن عندما أطلقت الغازات المسيلة للدموع وسط هذه المجموعة , لم يتحرّك أحد .. ارتبك الحضور , وارتبك منظمي الحفل , وكان مكبّر الصوت يدوّي هنا وهناك : " الناس مابيجروش لييه ؟ " ثم تأهبت الفرق الأمنية الخاصّة التي تحرس رؤساء الدول لشعورهم بالخطر , وارتعب القادة , ماذا يحدث ؟!! لماذا لم يجري المتظاهرون كما هو متوقع ؟! , وحقّهم أن يخافوا ففي هذه اللحظة حياتهم التي ينعمون بها الآن على عرش البلاد , لحظة المقاومة العكسية , فإذا جاءت المقاومة العكسية بما لا تتوقع أنظمتهم , ارتبك النظام كله.
" فيه ايه يا مجدي ؟ الناس قلقت هنا وعمّالين يقولولي كلام مش حلو , خلصّني يا مجدي " كان هذا صوت الرئيس مبارك يُكلّم مجدي الحدّاد منظم الحفل , " مفيش يا ريس كله تحت السيطرة خلاص " , " اومال ايه اللي حصل ؟ " , " منظم المجموعات الغبي حطِلنا السوريين بدل المصريين , السوريين مابيجروش من الغاز المسيل يا فندم ".
" نعتذر عن الخطأ الفني , يُرجي الهدوء " .. عاد الناس إلى أماكنهم مرّة أخرى وعادت القلوب في أحشائها ثانياً , ثم تم استئناف الاستعراض , فكانت المعركة الأولى بين الجيش المصري والمتظاهرين المصريين , يضربهم الجيش بالغاز المسيّل للدموع فيهرب الجميع إلا خمسة يتشجّعون ويقذفوا دبابات الجيش بالطوب , فتقترب الدبّابات , فيهرع الجميع , في اختفاء تام.
المعركة الثانية : الشرطة التونسية تفتح النار على المتظاهرين التونسيين.
المعركة الثالثة : كتائب القذّافي تهجم بالرشّاشات على الثوّار المسلحين وتسفر المعركة عن قتلى في الجانبين.
المعركة الرابعة : بلطجية علي عبدالله صالح يعتدون على مسيرة ضد النظام بالرصاص الحي.
المعركة الأخيرة : دبابات الجيش السوري تحاصر حي وسط البلد وتقصف المتظاهرين بالطيران وتُطلق 40 صاروخاً باتجاه الحي مما يؤدي إلى قتلى بالمئات ودمار شامل.
في فقرة أخرى من الحفل , جاء دور قادة الأنظمة العربية المنتصرة للحديث , فكان كل منهم يذكر مفخرته في بلاده وكيف استطاع أن ينتصر ,
فقال زين العابدين : أخذت مالهم وهربت!
وقال مبارك : وكّلت جيشي وهو قام بالواجب , كان هياخدها الأول بالنسيان ماعرفش , ففكرنا نطلّع حد من اياهم يحكم حكم صوري كام يوم يكره الناس فعيشتها فيرجعوا يقولوا ولا يوم من أيامك يا مبارك , أومال!
وقال بوتفليقة من خلال الفيديو كونفرنس : قذفت في قلوبهم الرعب.
وقال عبدالله صالح : حاولت اقعد كانوا هيحرقوني , أمنت نفسي ونفذت بجلدي , وحبايبي كتير.
وقال البشير : قمعتهم وأفقرتهم وقسمتهم.
وقال بشّار : قتلتهم وشرّدتهم والإرهابيين كمّلوا.
وجاء دور ليبيا , انتظر الجمع أن يسمع شيئاً , لدقيقتين لم يسمعوا شئ .. نَظَر اللواء خليفة حفتر إلى أعلى , وعينه تفيض بالدموع , حيث كانت روح القذّافي تُرفْرِفُ في المكان.
لسخرية التاريخ , اكتشفت الشعوب العربية كلها شيئاً لم يكن كأي شئ حدث أو سيحدث , استيقظ العرب يوم الأربعاء 1 ديسمبر 2010 , وقد ادركوا أنهم كانوا يحلمون.
في تونس , استيقظ 164 شابّاً تونسياً في عمر الزهور , وقد حسبهم الناس شهداء , استيقظوا وذهب هذا لعمله وفكّر ذاك في حلمه , وبرأ جسد البوعزيزي من النار , ثم وقف في ناصيته يبيع الثمر , وفي شاشة المقهى زين العابدين بن علي يقدّر حب الشعب وثقته.
في مصر , فتح 5231 شهيدٌ عينه على الحياة , وكانت كلمة مبارك في مجلس الشعب المنتخب , تهز قلوب المصريين , وتملأ أيديهم من التصفيق.
في ليبيا , عاد 6600 شهيد من المدنيين والعسكريين إلى بيوتهم , كُلٌ يدور في دوائره , والقائد العقيد من فوق الجميع , يدور في دوائره الخاصّة , ويُكلّم الناس من ذاته العُليا , إلى ذاته السُفلي.
في سوريا , وُجِد 114466 شهيداً فجأة بين أهليهم , وبشّار يُعلن للأمة العربية وقوف سوريا في حلف الممانعة والمقاومة , شامخة , قوية , والجماهير من تحته تهتف في نغمةٍ واحدة : منحبّك.
أغلق أدمِن ( كلنا خالد سعيد ) الصفحة , وسافرت أسماء محفوظ إلى ألمانيا لتستكمل تعليمها في جامعة هايدلبرج , وسافر وائل غنيم ليصبح مديراً إقليمياً لجوجل في أستراليا , وأغلقت الجمعية الوطنية للتغيير أبوابها , وأعلن محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين في حوار صحفي أنه يؤيد سيادة الرئيس في الترشّح لفترة رئاسية جديدة في سبتمبر 2011 ولا يمانع من تولية ابنه , وأن الجماعة تتفائل بمجلس الشعب الجديد.
في الجامعة العربية , يوم الخميس 16 ديسمبر 2010 , اجتمع الحكّام العرب ليناقشوا العدوان الأخير على غزّة , والذي راح ضحيّته ما يضاهي 2200 شهيد وآلاف المصابين , وبدلاً من ذلك , تناقشوا حول مستقبل الديمقراطية في المنطقة العربية , فقال زين العابدين :
" نحن شعب تونس الحُر , الشعب يختار قائده ويسير معه في خطى التقدم والليبرالية , أنا أفهم شعبي وهو يفهمني , من لا يستطيع فهم شعبه فهو يهرب من مسئوليته الأخلاقية , وبئس الهاربين "
وقال مبارك :
" الناس في مصر عارفة , عارفة كويس , بس انا كمان عارف , ولو الشعب مساعدكش مين هيساعدك ؟ الشعب بيصبر على أي حاجة ! شعب عظيم ! وانا وعدتهم بآفاق جديدة للديمقراطية في مصر "
وقال القذافي :
" اييه ايه .. انا عارف .. انا اعلم كل هادا .. الشعب يحبني اكتر منكم كلكم .. شوفو جماهير ليبيا .. ليبيا المجد .. ليبيا الثورة ! People are loving me .. هيهيهي "
وقال بشّار :
" تعو شوفو الشعب السوري .. تعو شوفو الحرية والنعيم .. تعو شوفو الجيش المتماسك القوي .. ما يقدر حدا على مس الشعب أو الجيش السوري بكلمة .. سوريا حفظها الله من أيام حافظ الله يرحم روحه .. سوريا أرض السلام والمحبة "
وقال علي عبدالله صالح :
" نحن هنا في اليمن السعيد .. أرض العروبة والقوة .. الشعب يُحب الزعيم ويسير معه أصاب أو أخطأ .. هُنا لا مكان للمؤمرات ولا المظاهرات وهذا الكلام .. هنا القبائل القوية والعائلات المجيدة .. كلها تؤيد الزعيم القائد منذ أيام الثورة .. ومن يعترض فليكتوي بناره .. تعالوا بلادنا لتروا كيف تهتف الشعوب في حُب الزعيم "
وفي الخلفيّة أنشد الشاعر أمل دنقل , صوتاً آتياً من الأزل :
إذا كنت قريباً من مصدر الطاقة السلبية في حياتك , فكيف تتوقع ألّا تتأثر بهذه الطاقة ؟ , أو كيف ستُشِع طاقتك الإيجابية بدون أن تعاكسها الأخرى ويحول الأمر كله إلى الحالة صفر مجدداً ؟
2- ابتعد عن الإحباط والمُحبطين.
للإحباط صور مختلفة , متباينة في تأثيرها , فيُمكن أن يكون الإحباط مصدره حدث أو شخص أو حتى فكرة أو محتوى مقروء أو مسموع أو مرئي , فأمّا الحدث : فتَمَسّك بالأمل وبالظن في القدرة على التغيير مهما حدث , وأمّا الفكرة : فهي من عقلك , أنت الذي تخلقها وتنمّيها أو تلفُظها وتُبَدّلها , تَمَسّك بالأفكار الحسنة وبالروح المتجددة , وأمّا المحتوى : فتجنّب السُخف والجهل والابتذال والركاكة والبذاءة والإباحية والتشاؤم والعُنف والخَبَل والضَعف , اختَر ما تراه عينك وما تسمعه أذنك وما يقرأه لسانك , ترتقي بنفسك بما تُضيف إليها من الجَمال والفائدة والإبداع في كل يوم , وتنأى بها عن الأمراض السابقة , وأمّا الشخص : فهو أحد هؤلاء : يسخر من عملك أو يعامله بما لا ترضى من سوء الإحترام أو إقلال الشأن أو يصرفك عنه بقوله أن هناك ما هو أهم وأعظم مما تفكر فيه أنت أو يجاملك بطريقة فظّة واضحة تنُم عن العكس .. ففي هذه الحالة , إعلم هؤلاء بالتحديد , وتجنّبهم أو اجعل حدودهم معك لا تشمل ما لا يحترمونك فيه.
3- في رحلتك بين النُقطتين , اختر الرفاق المناسبين.
من الرفاق من يؤيد صاحبه ويؤازره ويشجّعه , ومنهم من يحبّط أعماله وينقده ويواجهه بما لا يحب أو ما لا يفيد ويجدي , الأول ينقُد ويدفع إلى الأمام , والآخر ينقُد ويجذب إلى الخلف , اعلم الفروق , وَتَمَهَّل.
4- افعل ما تراه.
ما دُمت اخترت طريقك من البداية , فافعل ما تراه , لا ما يراه الناس , لئلا تفعل مما يراه الناس ما يحرفك عمّا تراه أنت , عن هدفك الأصلي , ويؤخرك خطوات بعدما كنت متقدماً .. فكر بعقلك لا بعقل الصاحب والأهل , خذ النصيحة ولكن لا تأخذ التوصية الكاملة التي لا تتضمن شخصيتك وتأثيرك وإسلوب تفكيرك , ورؤيتك للأهداف.
5- بادر بنفسك , ولا تعتمد على أحدٍ أبداً.
لكي تنجح , عزيزي القارئ , فعليك أن تفكر دائماً إلى الأمام , أن تحسب خطواتك جيداً وتسير فيها بلا دعةً أو خمول أو تأجيل , لا تطلُب العون والمبادرة من أحد , إذا كان من أحد سيتحمّس للمشي في طريقك , فهو أنت! إذا اعتمدت على أحدهم فلا تحزن إذا خذلك أو أخّرك أو ضرّك , عقلك يُفكّر , ويداك تعمل , وقدماك تسعى على الدوام , وقلبك يتوكّل على من قال : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ }.
6- لا تتوقّف عن التَعَلُّم.
العالَم تراكُمي , والعِلم تراكُمي , وتَجارُب الناس تصنع التَقَدُّم والرُقي , في طريقك , لا تتوقف عن التَعَلّم من الآخرين , لا تتوقف عن اكتساب الخبرات , ولا عن القراءة وتطوير الذات وإسلوب التفكير , كل هذا يؤيدك في الحفاظ على المسار الصحيح , الخبرات ستقول لك أن طريقك لا انحراف فيه , والعلم سيقول لك أن طريقك لا ضلال فيه , والتفكير سيقول لك أن طريقك - بإعمال العقل والمنطق - سيصل , والقلب سيمدّك بالنور والإرادة والروح المتجددة المفعمة بالأمل الذي لا تتم من دونه الحياة.
7- لا تفقد الثقة في نفسك , مهما حدث.
إعلم , أيها القارئ الكريم , أن ثقتك في نفسك وفي قدرتك على التغيير من البداية , هي التي دفعتك للإنطلاق في هذا الطريق , وللتفكير - أصلاً - في هذا الطريق , والطريق الذي اخترته ليس ممهداً بالضرورة .. ماذا لو كُنت لِتَشُقُّهُ أنت؟ انظُر كم مِن قبلك شقّوا الطُرُق , هل تيأس مع أول تعب؟ في أول ميل؟ لو كان ذاك .. فلِم العناء من البداية؟ الثقة بالنفس هي الضمانة الأساسية لاستمرارك وتَقَدُّمَك .. بدونها ليس هناك دافع أو حافز واضح لكي تتكبّد أنت مشقّة السير .. ستتكبدّها فرحاً إذا كان هناك في داخلك من يقول : أكمِل! .. سِر! .. هدفك هُناك! .. لا تتوقف عن التقدم حتى بلوغ النُقطة المرحلية , حتى إذا بلغتها تجددت الثقة من تلقاء نفسها , لكي تبدأ بالروح الجديدة - المتجددة دائماً , في المرحلة التالية.
شخصيات يمكنك أن تكرهها بسرعة : المتظاهر دائما ,والمتسلط دائما.
المتظاهر دائما : هو الإنسان الذي طالما كنت معه فإنك تشعر بكل انفعالاته , فهو يتظاهر كذبا أو صدقا بأي شئ. مثال : المبالغ في إظهار التعب أو الفرحة أو الدهشة أو الجوع أو الوطنية أو الحماسة أو الحب أو الضيق أو الثورية أو التعاطف أو التدين أو الدعاء أو أي شئ.
المتسلط دائما : هو الإنسان الذي يريد أن يسخر جميع الأشياء والظروف والناس من حوله لراحته وسعادته ، وهو لا يراعي في ذلك راحة الآخرين ،نفسه فقط. فتراه إذا اجتمع مع الناس ، يصر على المكان الذي سيذهبوه ، والشئ الذي سيفعلوه ، وإذا لم يصل إلى راحته التامة - التي لا تتم أبدا - ضاق وتبرم. وتراه يطلب من هذا أن يغلق التكييف لأنه يشعر بالبرد ، ومن ذاك أن يغير الأغنية ، ومن الآخر أن يناوله الماء ليشرب ، ومن الناس أن يفعلوا ويفعلوا.
والمتظاهر والمتسلط لا يختلفان كثيرا ، بل إنهما وجهان لشخص واحد ، دائما ما يتظاهر بالشئ ليحقق راحة في جانب ، أو يريد لفت الانتباه طمعا في السيطرة أو الإحساس بالأهمية أو بالتلبية لأغراضه أو بالقوة أو بالاستضعاف أو بالموهبة أو بالروشنة أو بأي شئ يريحه.
والمتسلط لا يخطئ أبدا ، فكل الناس عنده إما أغبياء لا يفهمونه أبدا ، أو أشرار يتربصون به ويكرهونه ويحولون دائما بينه وبين ما يريد ، وإذا اعترف أنه - لا سمح الله - أخطأ ، فإنه في الحقيقة لم يخطئ ، ولكن الظروف أخطأت ، أو الآخرين أخطأوا ، فخطؤه دائما ما يستند إلى خطأ أكبر. وإذا صممت على إدانته واتهامه ، لا يعترف ، وهو في شخصيته العناد والكِبر ، وإذا أصررت ، فأنت في الفريق الآخر ، أو أنت تظلمه ، أو أنت المتسلط !
والمتسلط في تسلطه ، لا يكتفي بأن يفعل الناس ما يريده لنفسه فحسب ، بل أن يفعلوا ما يفعل ، أو ما يريده - هو - لأنفسهم ، وإذا رفضوا سألهم لماذا ، ليس لماذا لا تفعلون الشئ ، ولكن لماذا لا تفعلون مثلي ، فأنا أحب كذا لكذا وأفضّل هذا بذاك ، وهو في ذلك لا يناقشهم في الأفعال أو الأشياء البسيطة ، بل في حريتهم نفسها ، ورغباتهم ذاتها ، وانطباعاتهم عينها ، ويسأل لماذا هم ليسوا مثله تماما - وهو الخبير العالم الذكي! - ، المتسلط يريد أن يبسط سلطته داخل أعماق النفوس ، يريد من الناس أن يصبحوا نسخا صغيرة منه ، فإذا كان جبانا ، يسأل لماذا لا يتجابن الناس ، وفي الجبن راحه ، أو منحرفا ، يحض من حوله عليه ويزينه ،أو متدينا،لا ينفك يدعوهم إلى طريقه الحق.
المتسلط عدوه الأول المتسلط الذي مثله ، إذا اجتمعا فإما أن يعزفا عن بعض ، أو يفشخ أحدهما الآخر.
المتسلط لا يأبه بما يفكر الآخرون ، يستخف بكل شئ لا يطابق تفكيره ، ويعجب كيف للناس أن يهتموا بأمر لا يهتم به ، أو يشعرون شعورا لا يحس به ، أو يمشون طريقا لا يمشي فيه ، أو يطمحون لشئ لم يطمح إليه ، أو لا ييأسون مثلما ييأس ، أو يحبون ما يكره ، أو لا يعبدون ما يعبد.
المتسلط كثير الكلام ، كثير الظهور ، كثير الحركة ، وهو أرض خصبة ينمو فيها الانتهازي أو السفيه أو السفاح أو الإرهابي أو السياسي أو الإعلامي.
آيات المتسلط ثلاث : إذا حدث فخر ، وإذا سمع سخر ، وإذا ضحك شخر , وإذا واجه هرب , وإذا غضب انقلب.
المتظاهر والمتسلط أخَوان في الأخلاق , كلاهما عالي الصوت , قريب الشك , سئ الظن.
المتسلط إذا صادق يحاول أن يبسط سُلطته الناشئة على صديقه الجديد , إذا لاحظت ذلك عليك بالإبتعاد , لئلا تصبحا متلازمان في الحياة , حتى إذا ظهر لك شيئاً من ضَعف أخلاقه أو صفاته , وأردت أن تفلت , صَعُب الأمر , وخُذ أدب المُقَفّع مرشداً لك في التأمل والإختيار , يقول عبدالله بن المقفع في الأدب الصغير :
“ اجعلْ غايَةَ تشبُّثِك في مؤاخاةِ مَنْ تُؤاخِي ، ومُواصلةِ من تُواصِلُ ، توطينَ نفسِك على أنه لا سبيلَ لك إلى قطيعةِ أخيكَ - وإن ظهَرَ لكَ منِه ما تكْرهُ - فإنه ليسَ كالمملوكِ تُعْتِقُه متى شِئت ، أو كالمرأةِ التي تطلقُها إذا شئتَ ، ولكنَّه عِرْضُك ومروءتُك ، فإنَّما مروءةُ الرجلِ إخوانُه وأخدانُه ، فإنْ عثَرَ الناسُ على أنَّكَ قطعْتَ رَجلاً من إخوانِك وإنْ كنْتَ مُعذراً نزَل ذلك عند أكثرِهم بمنزلةِ الخيانة للإخاء والملالِ فيه ، وإنْ أنت مع ذلك تصبَّرت على مقارَّتِه على غيرِ الرضا عادَ ذلك إلى العيبِ والنقيْصةِ.
فالاتئادَ الاتئادَ! والتثبُّتَ التثَبتَ ! وَإذا نظرتَ في حالِ من ترتئيِه لإخائِكَ فإنْ كانَ من إخوانِ الدينِ فليكنْ فقيهًا غيْرَ مُراءٍ ولا حَريصٍ ، وإن كانَ من إخوانِ الدنيا فليكنْ حُرّاً ليسَ بجاهلٍ ولا كَّذابٍ ولا شريرٍ ولا مشنُوعٍ . فإن الجاهلَ أهلٌ أنْ يهرُبَ منه أبواه. وإن الكذَّابَ لا يكونُ أخاً صادقاً ؛ لأن الكذبَ الذي يجرِى على لسانِه إنما هو مِنْ فضولِ كذبِ قلبِهِ ، وإنما سُمِّى الصديقُ من الصدْقِ ، وقد يُتَّهمُ صدْقُ القَلبِ وإن صَدَقَ اللسانُ ، فكيفَ إذا ظهرَ الكذبُ على اللسانِ ؟ وإن الشريرَ يُكسبُك العدوَّ ، ولا حاجَة لكَ في صداقةٍ تجلبُ العداوةَ وإن المشنوعَ شانِعٌ صاحبَه . ”
وفي سنة من السنّين , ضاق الشباب بالأمر , لم يعودوا يجدوا ما يعبّرون به عن غضبهم , كُنت أتابعهم من بعيد , عقب إحدى المسيرات الحاشدة , المفاجأة , جاءت قوّات الشرطة , ارتبك الأمر , وعمّت الفوضى , كان التنظيم محكماً بحيث لا تنتظرنا الشُرطة كعادتها في مكان التجمع وميعاده بالتحديد , الشرطة ملتزمة بالمواعيد منذ قفز السيسي على وجه السلطة , لكننا سخرنا منهم في هذه المرّة , أرسلنا رسالات خفية لكل الثوريين في المدينة بأن يتجمّعوا في المكان x والزمان y , لم يكن من السلطة إلا أن تنتظر بالتأهب والإستعداد التام للحركة القادمة , التي ربما سنقوم بها بعد ساعات أو أيام , أو أسابيع , أو شهور , فن استنزاف العدو واللعب بأعصابه , وجاء الوقت , واجتمع الثوريون من أقصى المدينة إلى أدناها في الزمان والمكان الذي حفظناه عن ظهر قلب , وأحرقنا الأدلّة قبل أن يفكّوا الشيفرة , لامست أرواحنا السماء في هذا اليوم , شعرنا يومها بالحرية , الحرية في الهتاف والغناء والتعبير عن الرأي , بل الحرّية التي انتزعناها من يد السجّان الغبي , وفجأة , فجأة! هَجَمت علينا جحافل الأمن المركزي وقوّات التدخل السريع بآليّاتهم وأسلحتهم المخيفة , بدون سابق إنذار , لم يريدوا في هذا اليوم إرهابنا , كانوا يريدوننا نحن! حاصرونا في الميدان ! اعتقلوا في هذا اليوم 4,561 شاب وشابّة , واستطاعت البقية الهرب.
لم يكُن تفكير أي منّا في أي شئ غير الخائن الذي في صفوفنا , الخائن الذي دلّ علينا عند حُرّاس القيصر.
اختنق المجتمع , في كل جماعة من الشبّاب كنت تجد شابّاً أو أكثر من المعتقلين , كانت أشرس الحملات على الإطلاق , ظننا أن انتصارنا يكمن في وقوفنا معاً , واكتشفنا أن وقوفنا معاً هو الذي يُسهّل على العدو الفتك , وظننّا في أنفسنا الذكاء الشديد , فلامونا ونعتونا بالغباء المُستقر.
في المعتقلات , أشعل خمسة نشطاء معروفين الشرارة , أعلنوا إضرابهم عن الطعام لحين إسقاط قانون التظاهر والإفراج عن المعتقلين , في البداية تجاهلوا الأمر , وصمدوا , فَسَخَروا , وصمدوا , فهددوا , فصمدوا , فرغّبوا , فصمدوا , ففزعوا , فصمد الناس , وامتد الإضراب ليشمل مئات السجناء في معتقلات العسكر , استخفّت السُلطة السياسية بالأمر , وانتظروا شهر , شهرين , وتوصّلوا في النهاية إلى أن هؤلاء الضعفاء لن يغيّروا من الأمر شئ , وانصرفوا إلى دولتهم.
بعد أربعة أشهر من إضراب السجناء , مات 37 مضرباً عن الطعام بسبب سوء حالته الصحّية , وعَلِم الناس في الشوارع , والمتحدثين على الشاشات , وارتسمت في الأفق نبرة الغضب والاستياء مما يحدث لهؤلاء " الغلابة المغلوبين " , لم يكن هذا ليؤثر في صلابة النظام , ولكن الذي أثّر , الرسائل الدولية التي عبرت القارات إلى مصر واصطدمت في رأس القيادة الحاكمة , أدانت الحادثة منظمة حقوق الإنسان الدولية ومنظمة العفو الدولية ومنظمة الصحّة العالمية وحمّلت النظام المصري عاقبة الأمر , وصدرت بيانات من الأمم المتحدة والخارجية الأمريكية تطالب النظام المصري بتلبية مطالب المضربين وتلمح له بتخفيف وطأة القمع الأمني " الملحوظ " , وبيانات أخرى من بريطانيا وفرنسا وتركيا وألمانيا ودول أخرى.
اضطر النظام المصري للتنازل لتخفيف " الجو " العالمي والداخلي , وأعلن عن استعداده للاجتماع مع الحركات الثورية والوصول إلى حل للأزمة يتضمن الإفراج عن جميع المعتقلين.
كان في البلاد آنذاك تيّاران مسيطران نسبياً على حركة الشباب في الشارع , وهم : الثوريّون المحافظون , والثوريّون الجدد , وكانوا يناضلون معاً ضد النظام بلا فرق أبداً. عندما أعلن النظام استعداده للاتفّاق , أعلنت حركة الثوريّون الجدد موافقتها على الاجتماع مع القيادة للاتفاق على حل من شأنه إخراج كافّة المعتقلين في سجون العسكر , بينما أعلنت حركة الثوريون المحافظون أنها لم , ولن تضع يدها في يد النظام السفّاح , ولن تساوم على أي حق.
في مؤتمر صحفي عالمي , وقف وزير الداخلية المصرية محمد ابراهيم وإلى جانبه مصطفى المصري قائد حركة الثوريين الجدد , وأعلن :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , تعلن وزارة الداخلية المصرية عن توقيع الاتفاق مع الحركات الثورية المصرية بشأن المعتقلين السياسيين ,
والذي جاءت بنوده على النحو التالي :
1- الإفراج عن كافّة المعتقلين المضبوطين في أحداث سياسية أو أحداث شغب.
2- تُمنَع كافّة أنواع التظاهر , أو الإعتراض , أو التحريض على النظام بطريق مباشر , أو غير مباشر , لمدّة عام من تاريخُه , ومَن يؤتي الأفعال السابق ذكرها في هذا العام , هيطلع دين أمه.
بسم الله الرحمن الرحيم : { وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } , صدق الله العظيم.
بعدها بإسبوع , انتهت جميع الإجراءات , وخرج المعتقلون في احتفال شعبي حقيقي , أقيم خارج السجون التي خرجت منها جموع المحبوسين , فَرِح الناس , وتقرر التزام اتفّاق الصمت , وانتهى الأمر.
بعدها بشهر , نشب خلاف بين ضابط شُرطة وبائع للخُضار في منطقة العتبة , أدّي إلى مقتل بائع الخُضار برصاصة في صدره , على مرأي ومسمع من الناس , على سبيل الخطأ - كما أعلنت وزارة الداخلية سلفاً.
بعدها بيوم , نزل آلاف الثوريون المحافظون إلى الشارع , يطلبون القصاص لبائع الخضار , ويهتفون ضد النظام القائم , في لمح البصر , احتشد الآلاف من الثوريون الجدد , ينادون بإنهاء الفاعلية , صعد مصطفى المصري فوق الأكتاف ومسك مكبّر الصوت وقال : " احنااا اتفقنااا يا جدعااان , مينفعش نرجع في اتفاقنااا , لو سمحتوا ارجعواا دلوقتيي , احنا هنا عشان بنحبكم مش عشان نعاديكم , احنا عدونا واحد بس احنا خايفيين علييكم دلووقتي ! من ضمن اتفاق المعتقلين ان اللي هيعترض هيطلع دين أمووو ! "
لم تسمع لهم جموع الثوريين المحافظين , بل استمرّت في التقدم , حتى بدا الأمر جلياً من الناحية الأخرى من المشهد : جموع مماثلة تماماً , متّشحة بالسواد , مدججة بالأسلحة , مشتاقة للعراك.
هُنا المشهد : شارع قصير , في أوله الثوريون المحافظون ينظرون إلى آخره ويتقدّمون , وفي آخره عساكر وضُبّاط الأمن المركزي ينظرون إلى أوله ويتأهبون , وفي منتصفه الثوريون الجدد ينظرون إلى أوله ويخافون. يتقدم المحافظون , يتقهقر الجدد , يتقدم المحافظون متحمّسين , يتقهقر الجدد قائلين " ارجعووو , احنا بنحبكووو وخايفين عليكووو , أرجووكم ارجعوا دلوقتي متخسروناش أكتر من كدااا " , بعدها بثواني , تلاشت المسافات , تماسّت الجموع , الشرطة إلى اليمين , والمحافظون إلى اليسار , والجدد في المنتصف.
المشهد التالي : الثوريون الجدد يدفعون الثوريين المحافظين في عكس اتجاه الشرطة , مما يؤدي إلى التحامات في الخط الفاصل بين الجمعين , تتطور إلى التحام كبير بين الحشدين , إلى معركة حقيقية , إلى إصابات , إلى قتلى في الطرفين !
قوّات الشرطة تترك الساحة محتدمة ودامية , وقد جاء الأمر بالإنسحاب , وفي غمرة ابتعاد حشود الأمن المركزي عن ساحة المعركة , ينظُر العسكري إلى الخلف نظرة سريعة , مُختَلَسة .. ويبتسِم.
أستيقظ على أصوات هادرة تأتي من الشارع البَعيد , ما بالي أحِس أنني نِمت نوم أصحاب الكهف , فمكثت يوماً أو بعض يوم ! غسلت وجهي وبدأت أكتشف الأشياء , ظللت واقفاً في مكاني لثلاث دقائق بلا حراك , حتى وقعت عيني بالصدفة على الجريدة المُلقاة على المائدة , إلتقَطْت الجريدة وبدأتُ أقرأ :
الثلاثاء 25 يناير 2022
درجات الحرارة : القاهرة 24 - الإسكندرية 21 - شر....
يا لها من درجات لطيفة , ليست باردةً عاصفة كالإسبوع المُنجلي ..
ماذا - بحق السماء - الذي قرأت للتو ؟!
اليوم ليس الثلاثاء , اليوم السبت ! هل نِمت أربعة أيام !!
...
يا إلهي ؟ كفّوا عن هذه الخِدَع السخيفة وأحضروا لي جريدة اليوم !
أبحث في المنزل , لا أحد .. لا بُد أنني أحلم , صفعت وجهي سبع مرّات , ودَلَقت على رأسي الماء البارد والساخن ثلاثة , وقرصت كل جزء في جسدي , وهرعت إلى الشرفة لكي ألقي بنفسي وأتخلّص من هذا الحِلم اللصيق , ولكنّي صُعقت من هَول المَنظر , وهَجَمَت على رأسي في لحظةً واحدة أشياء صعُب عليَّ استيعابها :
1- هذه ليست شرفة المنزل!
عُدت إلى الداخل لأرى , يا إلهي..
2- هذه ليس المنزل!
لرُبّما بِتُّ عند أحد أصدقائي ونسيتُ نفسي , يا للحرج والسخّافة , لابد أن أرتدي ملابسي سريعاً وأعود فأكلّم صديقي لكي....
3- ليس لي أصدقاء يسكنون في بنايةٍ تطُل على ميدان التحرير.
قرأت كثيراً في الروح وفي الأحلام , ولم تصادفني هذه الحالة المُريبة , المُرعبة , سأجري إلى أن تتحطم عظامي , وسأهرب حتى أبلغ النجوم , وسأفتح عيني إلى أن يُغلقها النوم , أو الموت.
ارتديت الملابس التي وجدتها أمامي وفكّرت أن ألقي نظرة سريعة على المرآة حتى أرى نفسي , ولكني خشيت ألا أراها , ألقيتُ نظرة سريعة على الجريدة وأغلقت الباب :
" الشعب المصري يتمسّك بالإستقرار ويلفُظ كل أنواع الشَغَب والإرهاب "
" اللواء محمد ابراهيم : تمكنّا من ملاحقة 3986 من الداعين إلى التظاهرات على موقع " فيس بوك " وجاري البحث عن البقية "
" ابراهيم : الأوضاع مستتبة في ميدان التحرير , واللي عايز يجرب يقرب "
" المتحدث باسم وزارة الداخلية : 100 تشكيل أمن مركزي على أطراف ميدان التحرير , والقوّات المسلحة تمدّنا بـ 30 مدرعة إضافية وتشكيلات من الصاعقة والقوّات الخاصة "
" حزب تحيا مصر : لا خروج عن الطريق الذي رسمه القائد المُلهم , نطالب كل من يُحب هذا الوطن بالقضاء على الخونة والعُملاء "
" حزب الوفد : ندين بكل قوة محاولات التخريب والخروج عن المسار الديمقراطي الذي اختاره الشعب "
في المِصعَد لم أرى في المرآة إلا عيني التي جحظت من التي قرأته منذ ثواني , وعندما انفتح الباب , سِرتُ كالآلي , وعندما خرجت من البوّابة الكبيرة , أوقعني شابّاً مسرعاً , فأعادني إلى الأحداث مجدداً بعد أن تلاطمت بي أمواج العقل والمنطق والذاكرة.
نظرت يميناً , فلم أرى للناس انتهاء , ونظرت يساراً , فلم أجد للحشود ابتداء , ما الذي يحدُث , هل هي مظاهرة حاشدة دعت لها حملة السيسي للترشُّح لفترته الرئاسية الثالثة ؟ ربما .. سِرتُ قليلاً ونظرت إلى اللافتة الكبيرة بمنتصف ميدان التحرير :
" يسقط يسقط حُكم العسكر "
(!)
, وإلى اللافتة الأكبر على مبنى مجمع التحرير :
" الشعب يُريد إسقاط النظام "
(!!!)
ورُحت أقترب من المنصّة لأسمع :
" النظام اللي نزلنا فوضناه , النظام الخاين , اللي جوّعنا وقتل عيالنا وشرّدنا وخلّانا نشحت من اللي يسوى واللي ميسواش , ضحكوا علينا وقالولنا إخوان , قلنا ماشي , نسيبهم يحطّوا عالناس شوية عشان نستقر وناكُل عيش , فين العيش اللي هناكله يا سيسي ؟! مش عايزين ناكل مصر يا سيسي عايزين ناكُل عيش نضيف من غير أمراض , عايزين عيالنا تكبر من غير فقر وجهل ومرض , إحنا خلاص خدنا على قفانا واتضحك علينا باسم الوطنية , ملعون أبو الوطنية اللي بتدوّقوا الناس بيها الذُل ! ملعون أبو الوطنية اللي بترخّص دم الناس ! دم ! هو انتو تعرفوا الدم ولّا عندكو منّه !
العيال اللي كل يوم تقتلوا منهم ميّات باسم الإرهاب ! من أول ما مسكتوا في 2014 سايبنكوا تدبحوا العيال عشان البلد تستقر ! تعذبّوا في السجون عشان البلد تستقر !
40 شهيد في الاتحادية في 2015
و300 شهيد في تصادم القطارات في 2016
و768 شهيد في أحداث وسط البلد 2017
و215 شهيد في طلعت حرب الأولى في 2019
و340 شهيد في ثورة الأولتراس 2020
و187 شهيد في سفنكس 2021
و579 شهيد في طلعت حرب الثانية في ذكرى محمد محمود 2021
هرعت من مكاني إلى أبعد نُقطة عن هذه الرصاصات التي تخترق رأسي , ومررت من جانب مجموعة من الشباب , واستمعت قليلاً :
" انتَ فاتك اللي حصل اللي النهاردة الصبح ياض يا محمد , المنطقة اللي عند المتحف دي كانت كلها , كووولهااا مدرعات , والناس جاية من ناحية الكورنيش ودول بيستعدّوا , والناس من الكورنيش ماتشفش أخرهم يلا يا عمر , ألوف , ملايين , إحنا من ساعة ثورة يناير ويونيو ماشفناش الأرقام دي , كل اللي كنت اقولّه على كميّة العسكر اللي مستنيّنا في الميدان كان يرد عليَّ بكلمة واحدة : " يا روح ما بعدِك روح " , وفيه ناس كانت تقول " ماحناش أغلى من اللي ماتوا " أو اللي يقولك " العمر واحد والرب واحد " , الناس خلاص فاقت يا جدعان , فاقت , ومرة واحدة لما قرّبنا من ناحية عبدالمنعم والهتاف كان بيرُج وسط البلد كلها من كل ناحية " الشعب يريد إسقاط النظام " .. حسّينا ساعتها إننا مش لوحدنا , كان فيه مسيرات كبيرة تانية جاية من عابدين ومن الأوبرا ومن السيّدة ومن طلعت حرب , الناس اتجمّعت كلها في وقت واحد وقرّبت من الميدان , وفي لحظة واحدة يا احمد .. في لحظة واحدة .. الاقيلك ضرب الرصاص نازل على الناس في كل ناحية زي المطر , انا قلت القيامة قامت , تخيل يا محمد ألاف بيجروا في نفس اللحظة , كانت فوضى , بس اللي نجّحنا المرة دي يا عمر إن مش كل الناس جريت , آلاف مؤلفة جريت ناحية العساكر , فتحت صدورها للرصاص , الرصاص كان بياكُلهم أكل وهمّا مكملين , العساكر من كتر القتل اللي قتلوه ايدهم ارتعشت وعينيهم زاغت , وكل ما الناس تقرّب العساكر تتجنن أكتر , وفي لحظة واحدة امتدّت تلت ساعة .. كان العسكر اختفوا من الميدان , والمدرعات اللي داسوا علينا بيها , دُسنا عليها وهيّ رماد , الجثث كانت في كل ناحية , جثث الناس وجثث القتلة اللي خدوا جزائهم في الدنيا وهياخدوه في الآخرة , القتلة اللي ظلموا نفسهم وظلموا الناس .. كانت مدبحة أكتر من أي مدابح شفناها في البلد دي , 6700 روح طِلعِت لبارئها في اليوم ده "
أجري بسرعة نحو البناية العتيقة , حلّ المساء وكنت مذهولاً من عِظَم ما أرى وفظاعة ما أسمع .. صعدّت إلى البيت الذي استيقظت فيه وبحثت عن جهاز التحكم في التلفاز , وفتحت :
" مصادر استراتيجية : ما يحدث هو حرب أدارتها المخابرات الأمريكية في داخل العُمق المصري "
" مصادر أمنية : القبض على 10,300 من المشاركين في الأحداث "
" عاجل : مجهولون يحرقون أقسام القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد وينشرون على واجهاتها المحطمّة عبارة ( ولابُد من يوم معلوم .. تترد فيه المظالم .. أبيض على كل مظلوم .. إسود على كل ظالم ) "
" مرتضى منصور : أنا حذّرت منهم قبل كدة ! لكن محدّش سمع كلام دين أمي ! أنا قلتلكم روابط الألتراس الإرهابية دي هي اللي هتقوّم البلد محدش سمع كلامي ! قلتلهم اقتلوهم كلّهم محدش سمع كلامي ! "
" وائل الإبراشي : لا تخوّفنا كثرتكم أيها الإرهابيين , يامن تعبثون بمقدرّات الوطن , تهينون جيشه , تقفذون على طموح شعبه , هذا الشعب الذي ارتضى حُكم الرئيس القائد السيسي إلى الاستقرار , لكن أنتم لا تحبّون الاستقرار , مصر تواجه إرهاباً دموياً مسلحاً في الشوارع على الشعب أن يواجهه , لماذا لا ينزل الناس ليواجهوا المتظاهرين بأنفسهم , من يريدون تخريب الوط..."
" أحمد موسى : ازااااي ده يحصل ؟ فين الجييييييش ؟ فين الشرررررطة ؟ لييييييه ؟ إيه المبرر إن شوية الإرهابيين البلطجية دول يعملوا كدة ؟ موتوهم ! بهذه البساطة ! إحنا يا سيدي معندناش شرطة ولا جيش .. انزلوا موتوهم ! كل اللي عنه سلاح ينزل ! ست البيت المحترمة اللي بتخاف على مصر تنزل وف ايدها سكينة .. انزلوا احمو ماااااااااسر ! انزلو احمو القائد السيسييييييي ! "
" التليفيزيون المصري : الرئيس القائد السيسي يُلقي بياناً إلى الأمة الليلة "
" رولا خرسا : ايه اللي بيحصل ده يا ربي ؟ كدة ؟ تخربوا البلد كدة ؟ والناس تقولي السيسي لازم يطلع يتكلم , السيسي ذنبه ايه يا جماعه ؟ هو احنا هنحمله فوق طاقته ؟ لازم نحب بـ.."
" عكاشة : شوية حشاشين ؟ شوية حشاشين على شحاتين على بياعين يعملوا كدة في البلد ؟ يا بلد عرة ؟ طب اقسم بالله ! اقسم بالله .. اللي بيحصل ده يؤكد .. إن البلد مفيهاش راجل ! "
" لميس الحديدي : انقذووووو مصر ! انقذو مصر من أيدي هؤلاااء , فين الجيش ؟ فين أمريكا من اللي بيحصل ؟ فين السعودية ؟ فين البلاد العربية ؟ فين ليبيا ؟ فينكم من اللي بيحصل في مصر ! السيسي اللي ساعدكم واتعاون معاكم في أول فترته .. تخذلوه بهذا الشكل ! "
" مصادر قضائية : تأجيل محاكمة مبارك إلى سبتمبر 2022 نظراً للحالة الأمنية غير المستقرة للبلاد "
" عمرو أديب : فين الجييش يا صيييصييي ؟؟؟؟ فين الجييييش ! حاجة غريبة جداً يا جماعة , الواحد يصحى من النوم في البلد دي , ما يلاقيش جيش , احنا شعب يستاهل كل اللي بيجراله .. احنا شعب جاحد! .. شعب مفتري! .. شعب ابن ستّين وسـ.."
" مرسي من مستشفى السجن : هكذا أنتم يا أولاد مصر , صامدين , صابرين , شامخين في وجه الطغاة , لا ترتعد فرائسكم بمثل ما يرتعدوا , ولا أنتم هاربين بمثل ما يهرب القاتل من وجه القتيل , استمروا يا شعب مصر الكريم , لقد عهدت فيكم الصبر , كما عهدت فيكم القوة والتحدي , سنعبر هذه المحنة معاً , وسنبني مصر , وطناً لا مكان فيه لظالمٍ ولا مستبد , ولا كُرسي فيه لفاسدٍ أو غير مستحق , وطناً كريماً , حديثاً , يؤمن بأسباب التقدم , ينتج غذاءه وسلاحه ودواءه , يطلب من الله العون والخير , بسم الله الرحمن الرحيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } صدق الله العظيم "
" أسامة منير : الحب .. هو النعمة , اللي ربنا حباها للشعب ده .. الشعب .. اللي ميعرفش يكره .. الحب .. هو المعنى الجميل .. اللي بيساع المصريين كلهم .. إرجعوا حبوا بعض يا مصريين .. حبوا بعض بجد .. حبوا بعض أوي .. احضنوا بـ..."
" مصطفى بكري : من يتجرأ على رموز الوطن المصري ؟ هؤلاء العملاء ! خونة الوطن ! افتلوهم ! اقتلو.."
" خيري رمضان : تعالوا مع بعض .. هحكيلهم قصة عظيمة أوي .. قصة راجل وطني عظيم .. كان بيحب البلد دي ! وضحى بنفسه عشان البلد دي .. وهو دلوقتي مستي من البلد دي .. انها تقف جنبه .. اشوفكو بعد الفاصل "
" الداخلية : لا صحة لما تردد عن سقوط الداخلية .. الداخلية كما هي شامخة .. وقد تم القبض على قيادات روابط الألتراس الإرهابية وجماعات 6 إبريل التخريبة والإشتراكيين الفوضوية والأحرار التكفيرية وتم القضاء على عدد كبير من المخربين في أماكن حسّاسة من العاصمة وفي المحافظات أيضاً "
" بيان رئيس الجمهورية القائد عبدالفتّاح السيسي :
بسم الله الرحمن الرحيم { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } صدق الله العظيم , تعصف بمِصر اليوم , أحداثٌ جسام , تتطلب من كل وطني مخلص , ومن كل مواطن حريصٌ على هذا البلد , أن يفكر , ويتأمل ..
في البدء كان الكلام الذي يقال هُنا وهناك عن المطالب " الشرعية " التي يطالب بها الشعب المصري بعد الأزمة الإقتصادية الأخيرة , وقُلت لوزيريّ الدفاع والداخلية الفريق أول صدقي صبحي واللواء محمد ابراهيم بكل أمانة , وبكل صدق , اتركوا الشعب ليعبّر عن رأيه , ولكن هل هذا الرأي فوق رأي الوطن ؟ بالطبع لا.
شعب مِصر العظيم , لقد فوّضتموني في يوليو 2013 للقضاء على العُنف والإرهاب المحتمل , بكل إرادتكم , وانتخبتموني لرئاسة الجمهورية في 2014 , بكل إرادتكم , وانتخبتموني في الفترة الثانية من الفترات الخمسة المتاحة للرئيس في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة في 2018 , بكل إرادتكم أيضاً , لقد سلكنا الطريق معاً , تصدّينا للإرهاب بكل حسم , وبدأنا المشاريع التي أعدكم أنها ستنتهي وسنجني ثمارها معاً , وانتبهنا لمحاولات التخريب المستمرة , استمرار الشهور والأعوام , وخضنا معا الأيام الحلوة والمُرّة .. وسنُكمل في نفس الدرب , منتبهين لما يتربّص بنا من المخاطر , ومن يتمنى سقوطنا من الأعداء , أبداً لن نسقط ! أبداً لن نسقط ! ولن تسقط مصر ! مصر التي تحتضننا جميعاً , مصر التي ولدنا فيها وسنموت مدافعين عنها وعن ترابها , وسنُدفن فيه.
شعب مِصر , أعلم أنها كلماتٌ صعبة , وأعلم أن الظروف أصعب من الكلمات , ولكنّي أعلم أيضاً أنكم معي في الدرب سالكين , آملين في غدٍ مشرق. إن فترتي الرئاسية الثانية ستنتهي في يوليو القادم , يوليو 2022 , أدعو الشعب المصري لأن يهدأ قليلاً , ويلملم شتاته , ودعونا نفكّر في المستقبل معاً , إن المستقبل ينتظرنا , في الانتخابات القادمة , من يُريدني خادماً لهذا الشعب كما كنت دائماً , فله ذلك , ومن لا يريد , فالصندوق بيننا .. إنها الديمقراطية التي لن ننحرف عنها , والشرعية التي لا يمكن , أبداً , بأي حالٍ من الأحوال , أن تُنتَزَع .. والسلامُ عليكُم , ورحمة الله , وبركاته "
أغلق التلفاز , وأبحث عن نفسي في وسط هذا العبث , بل أبحث عن السرير الذي سيحمل جسدي الذي تحطّمت عليه السنين , وعن عقلي الذي بلغ حافّة الجنون , ووجدت السرير فقط كنعمةٍ أحمد الله عليها , على أن أنام , وأبحث عندما أصحو , لربما أصحو في زمنٍ مختلف , أو ربما أصحو في زمني أنا , يوم السبت في شهر سبتمبر 2014, أقرأ في الجريدة إنجازات الأبطال , وأقرأ على الشبكة حكايات المظلومين , وأنزل في الليل , فأجري مع القلّة التي أنتمي لها , هرباً من الموت أو التعذيب , وأنام وأصحو في وطني الذي رضيت به وطناً عظيماً ولم يرضَ بي إنساناً كريماً , وظللت أتكلّم في داخل عقلي حتى تداخلت الكلمات وتشابكت , وصنعت أشكالاً ورسوم , أعجَبَتني اللُعبة فَلَعِبت ورسمّت بالكلمات قلماً يكتُب , وانتهيت فرسمت بالأخريات يداً تبني , وفرغت فرسمت بالثالثات سلاحاً يدفع الظُلم , وبالرابعات عقلاً يُفكّر في العلم , وبالخامسات قلباً يشعُر بالناس , وبالسادِسات طفلاً يلعب بالكُرة , وبالسابعات أمّاً تُربي ابنها على العزّة والطموح وخوض الصعاب وعدم الخوف إلا من يومِ لِقاء الله , ثم جمعت الرسوم ورسمت مثيلاتها متراصّين في الشبكة , ثم عبثت بالشبكة وقسّمتها كُتَلاً جديدة , وصنعت بالكُتَل الناشئة حروفاً جديدة , وبالحروف كتبت , ولا أظنني كتبت إلا ما رأيت : { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } , وانتبهت إلى أنني لازلت مُلقَى على هذا السرير في الدور السابع , ومن هُناك الملايين لايزالون يصارعون الظُلم والظلام , ويهتفون بالعدل والحُريّة , وكان جفني العلوي يَعِد عدّاً تنازلياً ينزل معه إلى صديقه السفلي فيغلقا على عيني باب الحِلم , كأنه ينزل من الدور الذي أسكن , إلى الناس الذين ينشدوا ..
(7)
وَيْكَ يا مَنْ رَامَ تَقْييدَ الفَلَكْ
أىُّ نَجْمٍ في السَّما يَخْضَعُ لَكْ
(6)
وطنُ الْحُرِّ سَمًا لا تُمْتَلَك
والفتى الحرُّ بِأُفْقِهِ مَلَكْ
(5)
لا عَدَا يا أرضَ مِصْرٍ بِك عَاد
إنَّنا دُونَ حِمَاكِ أجمعين
(4)
لكِ يا مصرُ السَّلامة
وسلامًا يا بلادي
(3)
إنْ رَمَى الدهرُ سِهَامَه
أتَّقِيها بفؤادي
(2)
واسْلَمِي في كُلِّ حين
(1)
وفي الثانية الأخيرة , ابتسَمتُ للمستقبل الذي عايشته , وللثورة التي لا زالت هُناك تقاوم الظُلم , وتنتصر , وأغلقتُ عيني والبسمة في فمي , ونِمت.
الكيفيّات هي الأسئلة المجردة التي تأتي بالكاد في رأس المرء , وهي المعضلات البديهية التي يعبر الإنسان من فوقها كما تعبُر السيّارة الجسر , والجسر قد بُني فوق الماء , ماذا لو لم يكُن ؟ ما عبرت السيارة وما انتقل الناس. الكيفيّات هي الأفكار تضاهي العقل في وقت شتاته وحيرته , وتعصف بالقلب في شدّته وضيقه , فقد يسأل أحدنا ذات يوم : كيف حدث ذلك ؟ , وهو في هذا لا يسأل عن الأسباب المادّية التي آلت إلى الأمر , بل يتخطّاها إلى الأسباب التي لا يراها ولا يراها الناس , ويُفكّر.
التفكير هو العملية التي لا تتوقف أبداً , وإذا توقّفت فهنالك مشكلةٌ يجب أن تُحل , ولكي ُتُحل يجب أن نُفكّر , عاش الناس منذ بداية الخلق إلى الآن يفكّرون في حل مشاكلهم , هل تراهم انتهوا ؟ والله لم ينتهوا , بل , هل توقّفت مشاكلهم عن الانسياب فوق الرؤوس أو داخل القلوب أو على ظهور الطُرُق ؟ لم تفعل.
الإنسان في تقّدم مستمر , ليس الإنسان بمعناه العام , لكنّه أنا وأنت , لازلنا نتعلم ونُخطئ ونصيب ونجرّب ونسأل ونأمل. في أوقات الضياع يسأل كل منا نفسه : كيف سأتقدّم خطوة عما أنا فيه الآن ؟ أأظل ضائعاً أم أبحث عن الطريق ؟ وإذا بحثت هل أهتدي أم أتمادى في الضلال ؟ وإذا ضللت أكثر هل أبتعد أكثرين , في المكان والزمن ؟ الإنسان اثنان : يُحب التجربة ويخاف العاقبة , هذا هو الثمن , إذا مددتُ قدميك خطوة فأنت تقترب أو تبعد , وأنت تفشل أو تنجح , ثم هل إذا فشلت انتهى أمرك ؟ لنسأل السؤال الأخير , انظر حولك , ماذا ترى ؟ إنها محاولات الناس فشلت ألف مرّة , ونجَحَت مرّة.