شخصيات يمكنك أن تكرهها بسرعة : المتظاهر دائما ,والمتسلط دائما.
المتظاهر دائما : هو الإنسان الذي طالما كنت معه فإنك تشعر بكل انفعالاته , فهو يتظاهر كذبا أو صدقا بأي شئ. مثال : المبالغ في إظهار التعب أو الفرحة أو الدهشة أو الجوع أو الوطنية أو الحماسة أو الحب أو الضيق أو الثورية أو التعاطف أو التدين أو الدعاء أو أي شئ.
المتسلط دائما : هو الإنسان الذي يريد أن يسخر جميع الأشياء والظروف والناس من حوله لراحته وسعادته ، وهو لا يراعي في ذلك راحة الآخرين ،نفسه فقط. فتراه إذا اجتمع مع الناس ، يصر على المكان الذي سيذهبوه ، والشئ الذي سيفعلوه ، وإذا لم يصل إلى راحته التامة - التي لا تتم أبدا - ضاق وتبرم. وتراه يطلب من هذا أن يغلق التكييف لأنه يشعر بالبرد ، ومن ذاك أن يغير الأغنية ، ومن الآخر أن يناوله الماء ليشرب ، ومن الناس أن يفعلوا ويفعلوا.
والمتظاهر والمتسلط لا يختلفان كثيرا ، بل إنهما وجهان لشخص واحد ، دائما ما يتظاهر بالشئ ليحقق راحة في جانب ، أو يريد لفت الانتباه طمعا في السيطرة أو الإحساس بالأهمية أو بالتلبية لأغراضه أو بالقوة أو بالاستضعاف أو بالموهبة أو بالروشنة أو بأي شئ يريحه.
والمتسلط لا يخطئ أبدا ، فكل الناس عنده إما أغبياء لا يفهمونه أبدا ، أو أشرار يتربصون به ويكرهونه ويحولون دائما بينه وبين ما يريد ، وإذا اعترف أنه - لا سمح الله - أخطأ ، فإنه في الحقيقة لم يخطئ ، ولكن الظروف أخطأت ، أو الآخرين أخطأوا ، فخطؤه دائما ما يستند إلى خطأ أكبر. وإذا صممت على إدانته واتهامه ، لا يعترف ، وهو في شخصيته العناد والكِبر ، وإذا أصررت ، فأنت في الفريق الآخر ، أو أنت تظلمه ، أو أنت المتسلط !
والمتسلط في تسلطه ، لا يكتفي بأن يفعل الناس ما يريده لنفسه فحسب ، بل أن يفعلوا ما يفعل ، أو ما يريده - هو - لأنفسهم ، وإذا رفضوا سألهم لماذا ، ليس لماذا لا تفعلون الشئ ، ولكن لماذا لا تفعلون مثلي ، فأنا أحب كذا لكذا وأفضّل هذا بذاك ، وهو في ذلك لا يناقشهم في الأفعال أو الأشياء البسيطة ، بل في حريتهم نفسها ، ورغباتهم ذاتها ، وانطباعاتهم عينها ، ويسأل لماذا هم ليسوا مثله تماما - وهو الخبير العالم الذكي! - ، المتسلط يريد أن يبسط سلطته داخل أعماق النفوس ، يريد من الناس أن يصبحوا نسخا صغيرة منه ، فإذا كان جبانا ، يسأل لماذا لا يتجابن الناس ، وفي الجبن راحه ، أو منحرفا ، يحض من حوله عليه ويزينه ،أو متدينا،لا ينفك يدعوهم إلى طريقه الحق.
المتسلط عدوه الأول المتسلط الذي مثله ، إذا اجتمعا فإما أن يعزفا عن بعض ، أو يفشخ أحدهما الآخر.
المتسلط لا يأبه بما يفكر الآخرون ، يستخف بكل شئ لا يطابق تفكيره ، ويعجب كيف للناس أن يهتموا بأمر لا يهتم به ، أو يشعرون شعورا لا يحس به ، أو يمشون طريقا لا يمشي فيه ، أو يطمحون لشئ لم يطمح إليه ، أو لا ييأسون مثلما ييأس ، أو يحبون ما يكره ، أو لا يعبدون ما يعبد.
المتسلط كثير الكلام ، كثير الظهور ، كثير الحركة ، وهو أرض خصبة ينمو فيها الانتهازي أو السفيه أو السفاح أو الإرهابي أو السياسي أو الإعلامي.
آيات المتسلط ثلاث : إذا حدث فخر ، وإذا سمع سخر ، وإذا ضحك شخر , وإذا واجه هرب , وإذا غضب انقلب.
المتظاهر والمتسلط أخَوان في الأخلاق , كلاهما عالي الصوت , قريب الشك , سئ الظن.
المتسلط إذا صادق يحاول أن يبسط سُلطته الناشئة على صديقه الجديد , إذا لاحظت ذلك عليك بالإبتعاد , لئلا تصبحا متلازمان في الحياة , حتى إذا ظهر لك شيئاً من ضَعف أخلاقه أو صفاته , وأردت أن تفلت , صَعُب الأمر , وخُذ أدب المُقَفّع مرشداً لك في التأمل والإختيار , يقول عبدالله بن المقفع في الأدب الصغير :
“ اجعلْ غايَةَ تشبُّثِك في مؤاخاةِ مَنْ تُؤاخِي ، ومُواصلةِ من تُواصِلُ ، توطينَ نفسِك على أنه لا سبيلَ لك إلى قطيعةِ أخيكَ - وإن ظهَرَ لكَ منِه ما تكْرهُ - فإنه ليسَ كالمملوكِ تُعْتِقُه متى شِئت ، أو كالمرأةِ التي تطلقُها إذا شئتَ ، ولكنَّه عِرْضُك ومروءتُك ، فإنَّما مروءةُ الرجلِ إخوانُه وأخدانُه ، فإنْ عثَرَ الناسُ على أنَّكَ قطعْتَ رَجلاً من إخوانِك وإنْ كنْتَ مُعذراً نزَل ذلك عند أكثرِهم بمنزلةِ الخيانة للإخاء والملالِ فيه ، وإنْ أنت مع ذلك تصبَّرت على مقارَّتِه على غيرِ الرضا عادَ ذلك إلى العيبِ والنقيْصةِ.
فالاتئادَ الاتئادَ! والتثبُّتَ التثَبتَ ! وَإذا نظرتَ في حالِ من ترتئيِه لإخائِكَ فإنْ كانَ من إخوانِ الدينِ فليكنْ فقيهًا غيْرَ مُراءٍ ولا حَريصٍ ، وإن كانَ من إخوانِ الدنيا فليكنْ حُرّاً ليسَ بجاهلٍ ولا كَّذابٍ ولا شريرٍ ولا مشنُوعٍ . فإن الجاهلَ أهلٌ أنْ يهرُبَ منه أبواه. وإن الكذَّابَ لا يكونُ أخاً صادقاً ؛ لأن الكذبَ الذي يجرِى على لسانِه إنما هو مِنْ فضولِ كذبِ قلبِهِ ، وإنما سُمِّى الصديقُ من الصدْقِ ، وقد يُتَّهمُ صدْقُ القَلبِ وإن صَدَقَ اللسانُ ، فكيفَ إذا ظهرَ الكذبُ على اللسانِ ؟ وإن الشريرَ يُكسبُك العدوَّ ، ولا حاجَة لكَ في صداقةٍ تجلبُ العداوةَ وإن المشنوعَ شانِعٌ صاحبَه . ”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق