أستيقظ على أصوات هادرة تأتي من الشارع البَعيد , ما بالي أحِس أنني نِمت نوم أصحاب الكهف , فمكثت يوماً أو بعض يوم ! غسلت وجهي وبدأت أكتشف الأشياء , ظللت واقفاً في مكاني لثلاث دقائق بلا حراك , حتى وقعت عيني بالصدفة على الجريدة المُلقاة على المائدة , إلتقَطْت الجريدة وبدأتُ أقرأ :
الثلاثاء 25 يناير 2022
درجات الحرارة : القاهرة 24 - الإسكندرية 21 - شر....
يا لها من درجات لطيفة , ليست باردةً عاصفة كالإسبوع المُنجلي ..
ماذا - بحق السماء - الذي قرأت للتو ؟!
اليوم ليس الثلاثاء , اليوم السبت ! هل نِمت أربعة أيام !!
...
يا إلهي ؟ كفّوا عن هذه الخِدَع السخيفة وأحضروا لي جريدة اليوم !
أبحث في المنزل , لا أحد .. لا بُد أنني أحلم , صفعت وجهي سبع مرّات , ودَلَقت على رأسي الماء البارد والساخن ثلاثة , وقرصت كل جزء في جسدي , وهرعت إلى الشرفة لكي ألقي بنفسي وأتخلّص من هذا الحِلم اللصيق , ولكنّي صُعقت من هَول المَنظر , وهَجَمَت على رأسي في لحظةً واحدة أشياء صعُب عليَّ استيعابها :
1- هذه ليست شرفة المنزل!
عُدت إلى الداخل لأرى , يا إلهي..
2- هذه ليس المنزل!
لرُبّما بِتُّ عند أحد أصدقائي ونسيتُ نفسي , يا للحرج والسخّافة , لابد أن أرتدي ملابسي سريعاً وأعود فأكلّم صديقي لكي....
3- ليس لي أصدقاء يسكنون في بنايةٍ تطُل على ميدان التحرير.
قرأت كثيراً في الروح وفي الأحلام , ولم تصادفني هذه الحالة المُريبة , المُرعبة , سأجري إلى أن تتحطم عظامي , وسأهرب حتى أبلغ النجوم , وسأفتح عيني إلى أن يُغلقها النوم , أو الموت.
ارتديت الملابس التي وجدتها أمامي وفكّرت أن ألقي نظرة سريعة على المرآة حتى أرى نفسي , ولكني خشيت ألا أراها , ألقيتُ نظرة سريعة على الجريدة وأغلقت الباب :
" الشعب المصري يتمسّك بالإستقرار ويلفُظ كل أنواع الشَغَب والإرهاب "
" اللواء محمد ابراهيم : تمكنّا من ملاحقة 3986 من الداعين إلى التظاهرات على موقع " فيس بوك " وجاري البحث عن البقية "
" ابراهيم : الأوضاع مستتبة في ميدان التحرير , واللي عايز يجرب يقرب "
" المتحدث باسم وزارة الداخلية : 100 تشكيل أمن مركزي على أطراف ميدان التحرير , والقوّات المسلحة تمدّنا بـ 30 مدرعة إضافية وتشكيلات من الصاعقة والقوّات الخاصة "
" حزب تحيا مصر : لا خروج عن الطريق الذي رسمه القائد المُلهم , نطالب كل من يُحب هذا الوطن بالقضاء على الخونة والعُملاء "
" حزب الوفد : ندين بكل قوة محاولات التخريب والخروج عن المسار الديمقراطي الذي اختاره الشعب "
في المِصعَد لم أرى في المرآة إلا عيني التي جحظت من التي قرأته منذ ثواني , وعندما انفتح الباب , سِرتُ كالآلي , وعندما خرجت من البوّابة الكبيرة , أوقعني شابّاً مسرعاً , فأعادني إلى الأحداث مجدداً بعد أن تلاطمت بي أمواج العقل والمنطق والذاكرة.
نظرت يميناً , فلم أرى للناس انتهاء , ونظرت يساراً , فلم أجد للحشود ابتداء , ما الذي يحدُث , هل هي مظاهرة حاشدة دعت لها حملة السيسي للترشُّح لفترته الرئاسية الثالثة ؟ ربما .. سِرتُ قليلاً ونظرت إلى اللافتة الكبيرة بمنتصف ميدان التحرير :
" يسقط يسقط حُكم العسكر "
(!)
, وإلى اللافتة الأكبر على مبنى مجمع التحرير :
" الشعب يُريد إسقاط النظام "
(!!!)
ورُحت أقترب من المنصّة لأسمع :
" النظام اللي نزلنا فوضناه , النظام الخاين , اللي جوّعنا وقتل عيالنا وشرّدنا وخلّانا نشحت من اللي يسوى واللي ميسواش , ضحكوا علينا وقالولنا إخوان , قلنا ماشي , نسيبهم يحطّوا عالناس شوية عشان نستقر وناكُل عيش , فين العيش اللي هناكله يا سيسي ؟! مش عايزين ناكل مصر يا سيسي عايزين ناكُل عيش نضيف من غير أمراض , عايزين عيالنا تكبر من غير فقر وجهل ومرض , إحنا خلاص خدنا على قفانا واتضحك علينا باسم الوطنية , ملعون أبو الوطنية اللي بتدوّقوا الناس بيها الذُل ! ملعون أبو الوطنية اللي بترخّص دم الناس ! دم ! هو انتو تعرفوا الدم ولّا عندكو منّه !
العيال اللي كل يوم تقتلوا منهم ميّات باسم الإرهاب ! من أول ما مسكتوا في 2014 سايبنكوا تدبحوا العيال عشان البلد تستقر ! تعذبّوا في السجون عشان البلد تستقر !
40 شهيد في الاتحادية في 2015
و300 شهيد في تصادم القطارات في 2016
و768 شهيد في أحداث وسط البلد 2017
و215 شهيد في طلعت حرب الأولى في 2019
و340 شهيد في ثورة الأولتراس 2020
و187 شهيد في سفنكس 2021
و579 شهيد في طلعت حرب الثانية في ذكرى محمد محمود 2021
كفااية دم بقى , كفاية عيالنا بتموت واحنا اللي بنقتلهم بإيدينا ! "
هرعت من مكاني إلى أبعد نُقطة عن هذه الرصاصات التي تخترق رأسي , ومررت من جانب مجموعة من الشباب , واستمعت قليلاً :
" انتَ فاتك اللي حصل اللي النهاردة الصبح ياض يا محمد , المنطقة اللي عند المتحف دي كانت كلها , كووولهااا مدرعات , والناس جاية من ناحية الكورنيش ودول بيستعدّوا , والناس من الكورنيش ماتشفش أخرهم يلا يا عمر , ألوف , ملايين , إحنا من ساعة ثورة يناير ويونيو ماشفناش الأرقام دي , كل اللي كنت اقولّه على كميّة العسكر اللي مستنيّنا في الميدان كان يرد عليَّ بكلمة واحدة : " يا روح ما بعدِك روح " , وفيه ناس كانت تقول " ماحناش أغلى من اللي ماتوا " أو اللي يقولك " العمر واحد والرب واحد " , الناس خلاص فاقت يا جدعان , فاقت , ومرة واحدة لما قرّبنا من ناحية عبدالمنعم والهتاف كان بيرُج وسط البلد كلها من كل ناحية " الشعب يريد إسقاط النظام " .. حسّينا ساعتها إننا مش لوحدنا , كان فيه مسيرات كبيرة تانية جاية من عابدين ومن الأوبرا ومن السيّدة ومن طلعت حرب , الناس اتجمّعت كلها في وقت واحد وقرّبت من الميدان , وفي لحظة واحدة يا احمد .. في لحظة واحدة .. الاقيلك ضرب الرصاص نازل على الناس في كل ناحية زي المطر , انا قلت القيامة قامت , تخيل يا محمد ألاف بيجروا في نفس اللحظة , كانت فوضى , بس اللي نجّحنا المرة دي يا عمر إن مش كل الناس جريت , آلاف مؤلفة جريت ناحية العساكر , فتحت صدورها للرصاص , الرصاص كان بياكُلهم أكل وهمّا مكملين , العساكر من كتر القتل اللي قتلوه ايدهم ارتعشت وعينيهم زاغت , وكل ما الناس تقرّب العساكر تتجنن أكتر , وفي لحظة واحدة امتدّت تلت ساعة .. كان العسكر اختفوا من الميدان , والمدرعات اللي داسوا علينا بيها , دُسنا عليها وهيّ رماد , الجثث كانت في كل ناحية , جثث الناس وجثث القتلة اللي خدوا جزائهم في الدنيا وهياخدوه في الآخرة , القتلة اللي ظلموا نفسهم وظلموا الناس .. كانت مدبحة أكتر من أي مدابح شفناها في البلد دي , 6700 روح طِلعِت لبارئها في اليوم ده "
أجري بسرعة نحو البناية العتيقة , حلّ المساء وكنت مذهولاً من عِظَم ما أرى وفظاعة ما أسمع .. صعدّت إلى البيت الذي استيقظت فيه وبحثت عن جهاز التحكم في التلفاز , وفتحت :
" مصادر استراتيجية : ما يحدث هو حرب أدارتها المخابرات الأمريكية في داخل العُمق المصري "
" مصادر أمنية : القبض على 10,300 من المشاركين في الأحداث "
" عاجل : مجهولون يحرقون أقسام القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد وينشرون على واجهاتها المحطمّة عبارة ( ولابُد من يوم معلوم .. تترد فيه المظالم .. أبيض على كل مظلوم .. إسود على كل ظالم ) "
" مرتضى منصور : أنا حذّرت منهم قبل كدة ! لكن محدّش سمع كلام دين أمي ! أنا قلتلكم روابط الألتراس الإرهابية دي هي اللي هتقوّم البلد محدش سمع كلامي ! قلتلهم اقتلوهم كلّهم محدش سمع كلامي ! "
" وائل الإبراشي : لا تخوّفنا كثرتكم أيها الإرهابيين , يامن تعبثون بمقدرّات الوطن , تهينون جيشه , تقفذون على طموح شعبه , هذا الشعب الذي ارتضى حُكم الرئيس القائد السيسي إلى الاستقرار , لكن أنتم لا تحبّون الاستقرار , مصر تواجه إرهاباً دموياً مسلحاً في الشوارع على الشعب أن يواجهه , لماذا لا ينزل الناس ليواجهوا المتظاهرين بأنفسهم , من يريدون تخريب الوط..."
" أحمد موسى : ازااااي ده يحصل ؟ فين الجييييييش ؟ فين الشرررررطة ؟ لييييييه ؟ إيه المبرر إن شوية الإرهابيين البلطجية دول يعملوا كدة ؟ موتوهم ! بهذه البساطة ! إحنا يا سيدي معندناش شرطة ولا جيش .. انزلوا موتوهم ! كل اللي عنه سلاح ينزل ! ست البيت المحترمة اللي بتخاف على مصر تنزل وف ايدها سكينة .. انزلوا احمو ماااااااااسر ! انزلو احمو القائد السيسييييييي ! "
" التليفيزيون المصري : الرئيس القائد السيسي يُلقي بياناً إلى الأمة الليلة "
" رولا خرسا : ايه اللي بيحصل ده يا ربي ؟ كدة ؟ تخربوا البلد كدة ؟ والناس تقولي السيسي لازم يطلع يتكلم , السيسي ذنبه ايه يا جماعه ؟ هو احنا هنحمله فوق طاقته ؟ لازم نحب بـ.."
" عكاشة : شوية حشاشين ؟ شوية حشاشين على شحاتين على بياعين يعملوا كدة في البلد ؟ يا بلد عرة ؟ طب اقسم بالله ! اقسم بالله .. اللي بيحصل ده يؤكد .. إن البلد مفيهاش راجل ! "
" لميس الحديدي : انقذووووو مصر ! انقذو مصر من أيدي هؤلاااء , فين الجيش ؟ فين أمريكا من اللي بيحصل ؟ فين السعودية ؟ فين البلاد العربية ؟ فين ليبيا ؟ فينكم من اللي بيحصل في مصر ! السيسي اللي ساعدكم واتعاون معاكم في أول فترته .. تخذلوه بهذا الشكل ! "
" مصادر قضائية : تأجيل محاكمة مبارك إلى سبتمبر 2022 نظراً للحالة الأمنية غير المستقرة للبلاد "
" عمرو أديب : فين الجييش يا صيييصييي ؟؟؟؟ فين الجييييش ! حاجة غريبة جداً يا جماعة , الواحد يصحى من النوم في البلد دي , ما يلاقيش جيش , احنا شعب يستاهل كل اللي بيجراله .. احنا شعب جاحد! .. شعب مفتري! .. شعب ابن ستّين وسـ.."
" مرسي من مستشفى السجن : هكذا أنتم يا أولاد مصر , صامدين , صابرين , شامخين في وجه الطغاة , لا ترتعد فرائسكم بمثل ما يرتعدوا , ولا أنتم هاربين بمثل ما يهرب القاتل من وجه القتيل , استمروا يا شعب مصر الكريم , لقد عهدت فيكم الصبر , كما عهدت فيكم القوة والتحدي , سنعبر هذه المحنة معاً , وسنبني مصر , وطناً لا مكان فيه لظالمٍ ولا مستبد , ولا كُرسي فيه لفاسدٍ أو غير مستحق , وطناً كريماً , حديثاً , يؤمن بأسباب التقدم , ينتج غذاءه وسلاحه ودواءه , يطلب من الله العون والخير , بسم الله الرحمن الرحيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } صدق الله العظيم "
" أسامة منير : الحب .. هو النعمة , اللي ربنا حباها للشعب ده .. الشعب .. اللي ميعرفش يكره .. الحب .. هو المعنى الجميل .. اللي بيساع المصريين كلهم .. إرجعوا حبوا بعض يا مصريين .. حبوا بعض بجد .. حبوا بعض أوي .. احضنوا بـ..."
" مصطفى بكري : من يتجرأ على رموز الوطن المصري ؟ هؤلاء العملاء ! خونة الوطن ! افتلوهم ! اقتلو.."
" خيري رمضان : تعالوا مع بعض .. هحكيلهم قصة عظيمة أوي .. قصة راجل وطني عظيم .. كان بيحب البلد دي ! وضحى بنفسه عشان البلد دي .. وهو دلوقتي مستي من البلد دي .. انها تقف جنبه .. اشوفكو بعد الفاصل "
" الداخلية : لا صحة لما تردد عن سقوط الداخلية .. الداخلية كما هي شامخة .. وقد تم القبض على قيادات روابط الألتراس الإرهابية وجماعات 6 إبريل التخريبة والإشتراكيين الفوضوية والأحرار التكفيرية وتم القضاء على عدد كبير من المخربين في أماكن حسّاسة من العاصمة وفي المحافظات أيضاً "
" بيان رئيس الجمهورية القائد عبدالفتّاح السيسي :
بسم الله الرحمن الرحيم { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } صدق الله العظيم , تعصف بمِصر اليوم , أحداثٌ جسام , تتطلب من كل وطني مخلص , ومن كل مواطن حريصٌ على هذا البلد , أن يفكر , ويتأمل ..
في البدء كان الكلام الذي يقال هُنا وهناك عن المطالب " الشرعية " التي يطالب بها الشعب المصري بعد الأزمة الإقتصادية الأخيرة , وقُلت لوزيريّ الدفاع والداخلية الفريق أول صدقي صبحي واللواء محمد ابراهيم بكل أمانة , وبكل صدق , اتركوا الشعب ليعبّر عن رأيه , ولكن هل هذا الرأي فوق رأي الوطن ؟ بالطبع لا.
شعب مِصر العظيم , لقد فوّضتموني في يوليو 2013 للقضاء على العُنف والإرهاب المحتمل , بكل إرادتكم , وانتخبتموني لرئاسة الجمهورية في 2014 , بكل إرادتكم , وانتخبتموني في الفترة الثانية من الفترات الخمسة المتاحة للرئيس في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة في 2018 , بكل إرادتكم أيضاً , لقد سلكنا الطريق معاً , تصدّينا للإرهاب بكل حسم , وبدأنا المشاريع التي أعدكم أنها ستنتهي وسنجني ثمارها معاً , وانتبهنا لمحاولات التخريب المستمرة , استمرار الشهور والأعوام , وخضنا معا الأيام الحلوة والمُرّة .. وسنُكمل في نفس الدرب , منتبهين لما يتربّص بنا من المخاطر , ومن يتمنى سقوطنا من الأعداء , أبداً لن نسقط ! أبداً لن نسقط ! ولن تسقط مصر ! مصر التي تحتضننا جميعاً , مصر التي ولدنا فيها وسنموت مدافعين عنها وعن ترابها , وسنُدفن فيه.
شعب مِصر , أعلم أنها كلماتٌ صعبة , وأعلم أن الظروف أصعب من الكلمات , ولكنّي أعلم أيضاً أنكم معي في الدرب سالكين , آملين في غدٍ مشرق. إن فترتي الرئاسية الثانية ستنتهي في يوليو القادم , يوليو 2022 , أدعو الشعب المصري لأن يهدأ قليلاً , ويلملم شتاته , ودعونا نفكّر في المستقبل معاً , إن المستقبل ينتظرنا , في الانتخابات القادمة , من يُريدني خادماً لهذا الشعب كما كنت دائماً , فله ذلك , ومن لا يريد , فالصندوق بيننا .. إنها الديمقراطية التي لن ننحرف عنها , والشرعية التي لا يمكن , أبداً , بأي حالٍ من الأحوال , أن تُنتَزَع .. والسلامُ عليكُم , ورحمة الله , وبركاته "
أغلق التلفاز , وأبحث عن نفسي في وسط هذا العبث , بل أبحث عن السرير الذي سيحمل جسدي الذي تحطّمت عليه السنين , وعن عقلي الذي بلغ حافّة الجنون , ووجدت السرير فقط كنعمةٍ أحمد الله عليها , على أن أنام , وأبحث عندما أصحو , لربما أصحو في زمنٍ مختلف , أو ربما أصحو في زمني أنا , يوم السبت في شهر سبتمبر 2014, أقرأ في الجريدة إنجازات الأبطال , وأقرأ على الشبكة حكايات المظلومين , وأنزل في الليل , فأجري مع القلّة التي أنتمي لها , هرباً من الموت أو التعذيب , وأنام وأصحو في وطني الذي رضيت به وطناً عظيماً ولم يرضَ بي إنساناً كريماً , وظللت أتكلّم في داخل عقلي حتى تداخلت الكلمات وتشابكت , وصنعت أشكالاً ورسوم , أعجَبَتني اللُعبة فَلَعِبت ورسمّت بالكلمات قلماً يكتُب , وانتهيت فرسمت بالأخريات يداً تبني , وفرغت فرسمت بالثالثات سلاحاً يدفع الظُلم , وبالرابعات عقلاً يُفكّر في العلم , وبالخامسات قلباً يشعُر بالناس , وبالسادِسات طفلاً يلعب بالكُرة , وبالسابعات أمّاً تُربي ابنها على العزّة والطموح وخوض الصعاب وعدم الخوف إلا من يومِ لِقاء الله , ثم جمعت الرسوم ورسمت مثيلاتها متراصّين في الشبكة , ثم عبثت بالشبكة وقسّمتها كُتَلاً جديدة , وصنعت بالكُتَل الناشئة حروفاً جديدة , وبالحروف كتبت , ولا أظنني كتبت إلا ما رأيت : { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } , وانتبهت إلى أنني لازلت مُلقَى على هذا السرير في الدور السابع , ومن هُناك الملايين لايزالون يصارعون الظُلم والظلام , ويهتفون بالعدل والحُريّة , وكان جفني العلوي يَعِد عدّاً تنازلياً ينزل معه إلى صديقه السفلي فيغلقا على عيني باب الحِلم , كأنه ينزل من الدور الذي أسكن , إلى الناس الذين ينشدوا ..
(7)
وَيْكَ يا مَنْ رَامَ تَقْييدَ الفَلَكْ
أىُّ نَجْمٍ في السَّما يَخْضَعُ لَكْ
(6)
وطنُ الْحُرِّ سَمًا لا تُمْتَلَك
والفتى الحرُّ بِأُفْقِهِ مَلَكْ
(5)
لا عَدَا يا أرضَ مِصْرٍ بِك عَاد
إنَّنا دُونَ حِمَاكِ أجمعين
(4)
لكِ يا مصرُ السَّلامة
وسلامًا يا بلادي
(3)
إنْ رَمَى الدهرُ سِهَامَه
أتَّقِيها بفؤادي
(2)
واسْلَمِي في كُلِّ حين
(1)
وفي الثانية الأخيرة , ابتسَمتُ للمستقبل الذي عايشته , وللثورة التي لا زالت هُناك تقاوم الظُلم , وتنتصر , وأغلقتُ عيني والبسمة في فمي , ونِمت.
*فانتازيا الثورة : الملحمة الأولى*

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق