السبت، 13 سبتمبر 2014

فانتازيا الثورة : الملحمة الثالثة

لسخرية التاريخ , اكتشفت الشعوب العربية كلها شيئاً لم يكن كأي شئ حدث أو سيحدث , استيقظ العرب يوم الأربعاء 1 ديسمبر 2010 , وقد ادركوا أنهم كانوا يحلمون.

في تونس , استيقظ 164 شابّاً تونسياً في عمر الزهور , وقد حسبهم الناس شهداء , استيقظوا وذهب هذا لعمله وفكّر ذاك في حلمه , وبرأ جسد البوعزيزي من النار , ثم وقف في ناصيته يبيع الثمر , وفي شاشة المقهى زين العابدين بن علي يقدّر حب الشعب وثقته.

في مصر , فتح 5231 شهيدٌ عينه على الحياة , وكانت كلمة مبارك في مجلس الشعب المنتخب , تهز قلوب المصريين , وتملأ أيديهم من التصفيق.

في ليبيا , عاد 6600 شهيد من المدنيين والعسكريين إلى بيوتهم , كُلٌ يدور في دوائره , والقائد العقيد من فوق الجميع , يدور في دوائره الخاصّة , ويُكلّم الناس من ذاته العُليا , إلى ذاته السُفلي.

في سوريا , وُجِد 114466 شهيداً فجأة بين أهليهم , وبشّار يُعلن للأمة العربية وقوف سوريا في حلف الممانعة والمقاومة , شامخة , قوية , والجماهير من تحته تهتف في نغمةٍ واحدة : منحبّك.

أغلق أدمِن ( كلنا خالد سعيد ) الصفحة , وسافرت أسماء محفوظ إلى ألمانيا لتستكمل تعليمها في جامعة هايدلبرج , وسافر وائل غنيم ليصبح مديراً إقليمياً لجوجل في أستراليا , وأغلقت الجمعية الوطنية للتغيير أبوابها , وأعلن محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين في حوار صحفي أنه يؤيد سيادة الرئيس في الترشّح لفترة رئاسية جديدة في سبتمبر 2011 ولا يمانع من تولية ابنه , وأن الجماعة تتفائل بمجلس الشعب الجديد.

في الجامعة العربية , يوم الخميس 16 ديسمبر 2010 , اجتمع الحكّام العرب ليناقشوا العدوان الأخير على غزّة , والذي راح ضحيّته ما يضاهي 2200 شهيد وآلاف المصابين , وبدلاً من ذلك , تناقشوا حول مستقبل الديمقراطية في المنطقة العربية , فقال زين العابدين :

" نحن شعب تونس الحُر , الشعب يختار قائده ويسير معه في خطى التقدم والليبرالية , أنا أفهم شعبي وهو يفهمني , من لا يستطيع فهم شعبه فهو يهرب من مسئوليته الأخلاقية , وبئس الهاربين "

وقال مبارك :

" الناس في مصر عارفة , عارفة كويس , بس انا كمان عارف , ولو الشعب مساعدكش مين هيساعدك ؟ الشعب بيصبر على أي حاجة ! شعب عظيم ! وانا وعدتهم بآفاق جديدة للديمقراطية في مصر "

وقال القذافي :

" اييه ايه .. انا عارف .. انا اعلم كل هادا .. الشعب يحبني اكتر منكم كلكم .. شوفو جماهير ليبيا .. ليبيا المجد .. ليبيا الثورة ! People are loving me .. هيهيهي "

وقال بشّار :

" تعو شوفو الشعب السوري .. تعو شوفو الحرية والنعيم .. تعو شوفو الجيش المتماسك القوي .. ما يقدر حدا على مس الشعب أو الجيش السوري بكلمة .. سوريا حفظها الله من أيام حافظ الله يرحم روحه .. سوريا أرض السلام والمحبة "

وقال علي عبدالله صالح :

" نحن هنا في اليمن السعيد .. أرض العروبة والقوة .. الشعب يُحب الزعيم ويسير معه أصاب أو أخطأ .. هُنا لا مكان للمؤمرات ولا المظاهرات وهذا الكلام .. هنا القبائل القوية والعائلات المجيدة .. كلها تؤيد الزعيم القائد منذ أيام الثورة .. ومن يعترض فليكتوي بناره .. تعالوا بلادنا لتروا كيف تهتف الشعوب في حُب الزعيم "

وفي الخلفيّة أنشد الشاعر أمل دنقل , صوتاً آتياً من الأزل :

( مزج أوّل ) :
المجد للشيطان .. معبود الرياح
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال " لا " .. فلم يمت ,
وظلّ روحا أبديّة الألم !

( مزج ثان ) :
معلّق أنا على مشانق الصباح
و جبهتي – بالموت – محنيّة
لأنّني لم أحنها .. حيّه !
... ...
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر :
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه !
" سيزيف " لم تعد على أكتافه الصّخره
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق
و البحر .. كالصحراء .. لا يروى العطش
لأنّ من يقول " لا " لا يرتوي إلاّ من الدموع !
.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق
فسوف تنتهون مثله .. غدا
و قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق
فسوف تنتهون ها هنا .. غدا
فالانحناء مرّ ..
و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى
فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلّموه الانحناء !
علّموه الانحناء !
الله . لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !
و الودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون !
فعلّموه الانحناء ..
و ليس ثمّ من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
و دمعة سدى !

( مزج ثالث ) :
يا قيصر العظيم : قد أخطأت .. إنّي أعترف
دعني- على مشنقتي – ألثم يدك
ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف
فهو يداك ، و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك
دعني أكفّر عن خطيئتي
أمنحك – بعد ميتتي – جمجمتي
تصوغ منها لك كأسا لشرابك القويّ
.. فان فعلت ما أريد :
إن يسألوك مرّة عن دمي الشهيد
و هل ترى منحتني " الوجود " كي تسلبني " الوجود "
فقل لهم : قد مات .. غير حاقد عليّ
و هذه الكأس – التي كانت عظامها جمجمته –
وثيقة الغفران لي
يا قاتلي : إنّي صفحت عنك ..
في اللّحظة التي استرحت بعدها منّي :
استرحت منك !
لكنّني .. أوصيك إن تشأ شنق الجميع
أن ترحم الشّجر !
لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقا
لا تقطع الجذوع
فربّما يأتي الربيع
" و العام عام جوع "
فلن تشم في الفروع .. نكهة الثمر !
وربّما يمرّ في بلادنا الصيف الخطر
فتقطع الصحراء . باحثا عن الظلال
فلا ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمال
و الظمأ الناريّ في الضلوع !
يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ..
يا قيصر الصقيع !

( مزج رابع ) :
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء
منحدرين في نهاية المساء
لا تحلموا بعالم سعيد ..
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد .
و إن رأيتم في الطريق " هانيبال "
فأخبروه أنّني انتظرته مديّ على أبواب " روما " المجهدة
و انتظرت شيوخ روما – تحت قوس النصر – قاهر الأبطال
و نسوة الرومان بين الزينة المعربدة
ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ..
ذوي الرؤوس الأطلسيّة المجعّدة
لكن " هانيبال " ما جاءت جنوده المجنّدة
فأخبروه أنّني انتظرته ..انتظرته ..
لكنّه لم يأت !
و أنّني انتظرته ..حتّى انتهيت في حبال الموت
و في المدى : " قرطاجه " بالنار تحترق
" قرطاجه " كانت ضمير الشمس : قد تعلّمت معنى الركوع
و العنكبوت فوق أعناق الرجال
و الكلمات تختنق
يا اخوتي : قرطاجة العذراء تحترق
فقبّلوا زوجاتكم ،
إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلى الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراع
فعلّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..

*فانتازيا الثورة : الملحمة الثالثة*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق