الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

إمساكية حزيران

إمسك البيرة
يا عدوية
عندي تحبيرة
على المايّة
هرسم الإنسان
في معركته
هترك الفنان
يدوق وقته
يشرب الإدمان
وَجَع وَجَع
آه يا حُب زمان
زمان رِجِع
آه يا قلب شومان
شومان وِقِع
إمسكه يا عدنان
وسيب إيدك
الحساب الآن
ولا يفيدك
إحنا في الأكوان
نتاج صُدفة
تِخلَق الغِربان
من الصَدَفة
تِجمَع الألوان
خلال حدقة
تُلقُط المَشهَد
بلا سرقة
خد هنا يا احمد
خد الورقة
اكتب الأشعار
ولا تشيل
نيل بلا ثوار
هيجِف
والقدر دوار
بيلِف
عند كل عوار
يعدله
كل قتّال قُتَلة
يقتله
مايلاقيش ولا إيد
تحمله
واهو ياريت بيفيد
وبيعَلِّم
التاريخ بيعيد
ويتكلم
كل شعب عنيد
بيتظَلِّم
تحت نير البيد
ويَحتَج
يِجعَل الموازين
تَرتَج
وعروش سلاطين
تنبَج
فوق تيجان الطين
والنَسج
إمسك القفاطين
يا حاج
شكلها بِرْكة
مش نضيفة
وانت بَرَكة
ولبسَك قطيفة
وانت رايح
تحضر الفيفا
وانت صابح
تعشَق وليفة
لا تِليقْ لَك أي
تأليفة
انتظر يا خَي
هنجيبلَك
العَرين الجاي
من شِبلَك
يا هلا يا عُدَي
من قَبلَك
إمسك المُفتاح
وارميه
وادعي للفتَاح
يهديه
بالفَمِ المرتاح
إهديه
لِيَدِ السفّاح
وافديه
كل روح راحت
لملكوتها
الشايات ساحت
في بسكوتها
والحمْام ناحت
قبل موتها
والنفوس فاحت
من شرورها
والحبور راحت
بعد بُرْهة
وانا قاعد
بكتب وبنسى
وانا قائد
بنسِب وبَشرَب
إمسك البيرة
أنا ههرب!

السبت، 2 ديسمبر 2017

طه



طه، هذه رسالة غير مسجلة، بل مرتجلة لأنني فقط أردت أن أجري في خيالي حوارا بيني وبينك، في خيالي خارج الواقع، أتذكر؟ طه، فقدت الأمل في الواقع فأين وجدته؟ يخبرني صديقي بوسيلة تخاطرية بحتة، بأننا كنا دائما أبطالا لمعاركنا الخاسرة، أبطال من ورق، نحن من يصنعه ويملأه بالكلام الذي لا يفيد الفضاء المترسن، أنا أيضا يا طه أعلم فيم أنا وكيف هو الواقع، لكني لا أتصالح مع استمراريته وتجدده مع كل يوم، مع كل يوم يا طه نفتح أعيننا من الحلم ليقهرنا القبح مجددا ويقمع سعينا لتجميل وجه العالم بالوجود والعمل والأمل، كل ذلك ينصهر في زحام الشمس، يهان في ضوضاء السباب، يفسد من رائحة القمامة، يخجل من نظرات الشر، يطأ تحت لمسات السواد العظيم. وهذا أنا بشر، من جسد وحواس، لا من روح وعقل فقط. لو قدر لعقلي العيش منفردا لتحررت من آلام الجسد ومضيت في مذهبي، لو قدر لروحي التحليق مبتعدا لتنافرت من خروقات الحواس وسعيت في مهربي. أهرب لعالم لا يشبه هذا العالم. هل نستطيع إصلاح شئ؟ لو أننا ما استطعنا إعادة التكوين واكتشاف النور فهل لنا على الأقل أن نبشر بإحياء الموتى؟ وإن لم نستطع فإبراء المرضى؟ وإن لم نستطع فبناء السفن لعلها تحمينا من طوفان؟ وإن لم نستطع فقول الشعر ما دمنا لا نقدر على كتابة القرآن؟ طه، دعنا نفكر في كيفيات الحياة. لسنا أبطال منتصرين ولا أنبياء منصورين، فقط بشر من روح وطين، لكل منهما قدره، فلن تسمو روحنا لنصبح آلهة، ولن يدنو طيننا لنمسي شياطين، طين لكن لروحه متسع، روح لكن لطينه متبع، غير مفارق ولا مختلط، لا وطأته ولا امتطاها، طه...

الاثنين، 13 نوفمبر 2017

هَش الدبان (1) : دخل ولم يعد



إنه يوم الثلاثاء 7 نوفمبر 2017. أفتح عيني لأتبين الحقائق الواحدة تلو الأخرى. والذبابة تقف فوق رأسي تفكر في شئٍ أجهله. أقاوم نومي الثقيل وأمد يدي إلى التابلت. الساعة 11 وأنا لازلت في سريري، تحت لحافي، والآخرون يصنعون مجداً في الشوارع، في قاعات الدرس، في المباني والشركات، وأنا أكتفي بمجدي الصغير: أهش ذبابتي وأنهض من السرير.

سأقابل الرفيق حسب موعدنا في الثالثة عصراً أمام مترو المعادي. وأنا اليوم أمامي لن أفعل فيه شئ - بعد أن فات موعد كل شئ يمكن فعله - سوى أن أفطر وأحضر نفسي ثم أذهب لرحلة المترو الطويلة طوعاً وأقنع نفسي أن الأمور على ما يرام فهناك وقتاً - على الأقل - لإصلاح ما قد ينكسر في الطريق الذي لا يرحم.

وصلت مبكراً - جداً. وصلت المعادي في الواحدة الربع ظهراً ولم أكن أعلم أنني سأصل مبكراً إلى ذلك الحد. قلت سأتمشى أو سأجلس في الأنحاء حتى يأتي الموعد. جلست ولم أجد ما افعله ولم تكن جلستي على الرصيف مريحة. أرسلت رسالة للرفيق بأنني وصلت وأنه يمكنه النزول إذا كان جاهزاً أو أنني سأنتظره على موعدنا. على الفور اتصل بي وأخبرني أنه سيأتي خلال نصف ساعة وأن أنتظره في بينوس أمام سوبر ماركت مترو. أغلقت الخط وراجعت المحفظة فتأكدت أن المال الذي بحوذتي قليل جداً ولا يزال في اليوم متسع. نظرت ورائي فوجت ماكينة صرف آلي في واجهة سوبر ماركت مترو تابعة لبنك HSBC. وذهبت لكي أسحب مبلغ يكفيني بقية اليوم. وعندما أدخلت البطاقة داخل الماكينة، وكتبت كلمة السر، اخترت السحب، أظلمت الشاشة.

ما الذي حدث؟ انتظرت بضع ثوانٍ لعل الشاشة تظلم لتأتيني بشئ ما مثلما يحدث أحياناً في جهاز الكمبيوتر. لكن الشاشة أظلمت. وفي الخلفية أظلم المحل كله. إذ انقطع النور - لأجل حظي - في هذه اللحظة بالذات. دخلت البطاقة ولم تخرج، وكيف تخرج والنور مقطوع؟ اختبرت غبائي على أزرار الآلة برهة ثم وجدت رقم خدمة العملاء إذا واجهتني أي مشاكل. اتصلت فأجابتني الرسالة الصوتية بأن أدخل رقم الحساب. فأغلقت الخط. ثم دخلت للعاملين في المحل أخبرهم بما حدث دون جدوى. أخبرني أحدهم أن أخبر مدير الفرع. ومدير الفرع هناك يتحدث في تليفون طويل. عاد النور. واختفى مدير الفرع. دخلت الفرع وبحثت عنه بنفسي فلم أجده. دلني عليه أحد العاملين في مخبأ غريب وراء البضائع. انتظرت المكالمة الطويلة وأنا أفكر في الوقت الذي يمر والرفيق على وصول والبطاقة التي دخلت الآلة اللعينة على بعد عشرة أمتار ولن أستطيع استرجاعها. وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضَعُف الطالب والمطلوب.

أخبرني بأن لا يملك من أمر هذه الآلة شئ. وحتى إن وجد مندوب البنك صاحب مفتاحها لن يستطيع تسليمي بطاقتي. فلن أستلمها إلا من البنك نفسه. خرجت خائب الرجا وذهبت لأنتظر في بينوس. انتظرت قليلاً ثم جاء الرفيق الذي لم أره منذ 2014. جلسنا وتحدثنا ملياً عن أحوالنا وأحوال الرفاق والأصدقاء وعن آليات التغيير واستراتيجية التنظيم والمعركة الجديدة التي ينتظرها العالم بين يمين جديد ويسار جديد وعن كل من لا يواكب العصر فيتجمد ويخرج من الصيرورة التاريخية. تحدثنا عن الماضي والمستقبل، عن رأس المال والفلسفة، عن أن القادم يحتمل دائماً المحاولة. وذبابة عنيدة لم تتركنا، كلما هشّها أحدنا ذهبت للآخر أو عادت إليه.

كنت سعيداً بهذا اللقاء جداً. لم يعطل سعادتي سوى الفكرة التي في رأسي عن الكارت الذي لا أعلم كيف سأحصل عليه مجدداً. وعن المال الذي في جيبي لا أعلم متى سينفد. لكني عدت إلى المنزل على أي حال. دخلت على صفحة البنك على موقع فيسبوك فلم أجد زر الرسائل. فذهبت لصفحته على موقع تويتر وعلمت أن خدمة العملاء على تويتر لها مواعيد نهارية كذلك. كان الليل قد انتصف عندما تركت لها - وهي فتاة - رسالة بما حدث.

استيقظت يوم الأربعاء وفتحت الموقع فوجدت ردها بأن أراسل البنك الذي أتبعه. بحثت على الإنترنت فوجدت رقم آخر لخدمة عملاء HSBC تابع لفرع لا أتذكره ولا أتذكر سبب اختياره، لكنني استطعت أخيراً التحدث إلى أحدهم بعد انتظار وانتقال على الخط، وأخبرتها بما حدث، فأخبرتني أن الكارت سيكون موجوداً في فرع المساحة خلال 7 أيام عمل، وكان يوم الأربعاء، وقد استبعدت أن يكون البنك حدّث محتويات الآلة يومها، وكان الغد الخميس، ولم أكن لأنزل من بيتي وأترك المذاكرة لامتحان السبت، فعقدت العزم على أن أذهب الأحد، فصبرٌ جميل والله المستعان عما تصفون.

انقضى الأربعاء، فالخميس، فالجمعة، فالسبت; بأحداثهم ومقابلاتهم وإحراجاتهم جميعاً. ثم أتى اليوم المختار. يوم الانتصار. أنهيت امتحاني بنجاح وجريت لميدان المساحة. كان المدخل ضيقاً وأمامه مدخل إلكتروني آخر وأمام المدخل مباشرةً سلم وبجانب السلم ينكمش عامل الأمن أمام مكتبه المواجه لزجاج الشارع المتاخم لمؤخرة ماكينة الصرف الآلي. نعم، كان الموقف غريباً لكنني كنت أنظر نحو هدفي. أخبرت عامل الأمن بقصة الكارت المسحوب من بنك آخر فسألني عن الاسم واليوم والساعة والمكان وكنت أحفظهم عن ظهر قلب. اتصل بأستاذ محمد وطلب مني الانتظار. انتظرت في المسافة بين المكتب والزجاج. نعم، لقد انتظرت في هذه المسافة، وأفسحت مجالاً كي يخرج النازل ويدخل الصاعد كلما انفتح الباب. ثم نزل أستاذ محمد وأخبرني بأن هذه البطاقة بلا اسم، فاقترحت عليه أن يعود للكاميرا حتى يتبين أنني صاحب الكارت ويتركنا وشأننا، فقال أريد إثباتاً بأنك صاحب الكارت، فقط يمكنك الذهاب للبنك الأهلي وطلب ورقة عليها بيانات هذه البطاقة لأطلع عليها ثم أسلمك بطاقتك. استجبت لطلبه وأخبرته بأنني سألحقه قبل الخامسة مساءاً موعد ذهابه. ثم قطعت الطريق من ميدان المساحة لميدان الدقي طلباً لورقتي الصغيرة وأموالي الضائعة بين براثن السيستم. دخلت وإذا بجحافل المنتظرين تشرق أمام ناظري كشمس أيلول.

ابتلعت رقمي الكبير وانتظرت واقفاً. انتظرت حتى اقترب رقمي شيئاً فشيئاً. فاقتربت وانتظرت مجدداً. إلى أن جاء دوري، سلمت على موظفة الاستقبال وأخبرتها بالقصة وبالمطلوب. أخبرتني بأن المطلوب غريب وهي لا تعلم كيف يمكن ذلك، ونصحتني بأن أتوجه لخدمة العملاء بالداخل لسؤالهم. دخلت وسألت الموظف الوحيد المتاح هل يمكنني أن أسئلك؟ فأخبرني بأن أسأل الأستاذ في مقدمة المكتب متخصص الاستفسارات السريعة. ذهبت عنده لكنني وجدته مشغول في ورقة أمامه. غير عميلين منتظرين على مكتبه، وآخرين منتظرين بجانبه. فأخذت بعضي وخرجت. وكنت واضعاً في محفظتي إيصال قديم لدفع مصاريف الكلية من خلال البنك، وجدته بعدما بحثت في محفظتي القديمة حتى اكتشفت أن كل المعلومات على الإيصالات القديمة قد أمحيت. ذهبت مجدداً وقد تغير الجالس على كرسي الأمن فبحثت عن الوجه المألوف وأشرتله وأخبرته أنني لم أستطع الوصول للورقة المطلوبة لكن معي وصل دفع من الكلية. فأخبرني بأنه لا ينفعه. فقلت له أن يفحص الكاميرا ويتأكد من هويتي ويريح كلاً منا! فأخبرني أنه يريد ذلك لكن لا يمكنه وأن الكاميرا ستثبت أنك أنت من حملت الكارت لكن لن تثبت أنك أنت صاحبه!

خرجت خائب الرجا مجدداً. مع وصولي المنزل أرسلت رسالة لصفحة البنك الأهلى على موقع فيسبوك وأخبرتهم بقصتي. قصتي الأثيرة التي صرت أطور فيها وأجملها وأحاول اختصار كلماتها وحل ثغراتها مرة بعد مرة. أتى الليل ولم يرد البنك، وقد عقدت العزم على السعي لاستخراج بطاقة بدل فاقد. على أن أذهب لفرع الجامعة في الغد الاثنين وإما أن أحكي مشكلتي فيستطيعون حلها وإما أن أفقد الأمل في البطاقة الموجودة وأستخرج أخرى بدلاً منها.

اليوم الاثنين 13 نوفمبر 2017. ذهبت للامتحان - الحكومة الإلكترونية (!) - وانتهيت وطلبت من المراقب الخروج وأخبرني بالانتظار 5 دقائق حتى ينتصف الوقت. أخبرتني حبيبة بأنه هناك ورقة في الخلف لم أراها. قلبت الورقة فانقض علي 20 سؤالاً كنت سأتركهم وأمضي. انتهيت وشكرت حبيبة - هذه الفتاة الجدعة التي لن ترَ مثلها - وخرجت. قابلني محمد هشام في الخارج فقلت له أنني رايح لفرع البنك أخلّص حاجة، فقالي يلّا. في الطريق أخبرته بما حدث فأخبرني أن أستخرج بدل فاقد لكن هذا المشوار الذي نفعله ليس له فائدة. توقفنا في منتصف الطريق فشرحلي كيف استخرج كارت بدل فاقد لأخته من الفرع الرئيسي في قصر النيل واستلمه بعد ثلاثة أيام، لكن يجب أن أحضر معي الورق الذي استلمت به البطاقة منذ البداية. ظللت أفكر في طريق رجوعنا للرفاق في الكلية كيف سأجد هذا الورق الذي لا أعلم أين وضعته عندما رتبت أوراقي وأشيائي الكثيرة ووضعتها في أماكن متعددة!

عُدت للمنزل في أقرب أتوبيس إذ لم أنتظر ثانية واحدة حتى وجدته فركبت. ووصلت شبرا قبل الساعة 11 وتذكرت أنني الآن ذهبت للجامعة وعدت لمنزلي بينما أجدني في أيام أخرى نائم لا رجاء في. لم أغسل وجهي وإنما اقتحمت غرفتي مباشرةً وفرغت شنطة فاثنين فثلاثة ولم أجد الورق. مددت يدي لكومة الورق "المهم" "الذي سأقرأه يوماً ما" على المكتب وهي بطول 11 كتاب موضوعين جانبها. قلّبت في الجزء الأول منه فلم أجد شئ ولكني استعدت ذكريات لطيفة للأيام التي كنت أنتقى فيها هذا الورق من بين الجرائد والمجلات وربما أقتص مقالات بعينها أو من أوراق المبادرات والأوصاف لكيانات متعددة وأوراق قانونية وعلمية ودراسية وكراسة رسم هجرتها منذ سنين ودلائل لمعارض وأحداث ثقافية وبيانات ثورية! خرجت من عالم الذكريات وجلبت الجزء الثاني (الأصغر) أمامي بأمل ضعيف، ثم وجدتها!

أوراق بطاقة الدفع مقدماً من البنك الأهلي. ها هي بين يدي. تنهدت وقمت لأرتب أشيائي بعدما بعثرتها ولأغسل يدي ووجهي وأجلس. جلست وسألت أكثر من صديقة عن كيفية وضع البيتزا في الفرن فأجابوني لكن أمي اتصلت بي وخافت عليّ من الحرق فوترتني فتناولت البيتزا باردة لكنني أكلت على أي حال ثم حضّرت نفسي للرحلة من جديد، المساحة وإن لم تكن فقصر النيل. ذهبت إلى فرع المساحة ووجت عامل أمن مختلف عن سابقيه فقلت له أن يقول لأستاذ محمد أنني هيثم بتاع البنك الأهلي. فاتصل بمحمد وقال استاذ محمد. فقلت له لأ استاذ هيثم. فأغلق الخط. فقلت له أنا أستاذ هيثم هو أستاذ محمد. فقال لي أنه فعل ذلك بالفعل! فاعتذرت وكلمه مجدداً فتعرّف أستاذ محمد على الموضوع ونُقلت إليه رسالتي بأن الورق جاهز. فبعث بأحدهم لكي يستلم الورق والبطاقة. وبعدها بمدة نزل أستاذ محمد وأخبرني بأن هذا لا يمكن أيضاً. قلت له لماذا وقد طلبت مني أن أجلب ما يثبت أنني "صاحب" الكارت. وهاك الظرف الذي استلمت به إياه! فقال لي أنه يعلم أنني صاحبه وكل حاجة بس كإجراءات مش هيقدر يسلمني الكارت. وأن الورقة المطلوبة يمكن استخراجها من البنك وهذا الموقف حدث معهم مرة بالفعل وتم حله بهذه الطريقة. قلت له سأحاول مجدداً.

قطعت الطريق من ميدان المساحة إلى ميدان الدقي ودخلت البنك الأهلي. لكنني تعلمت هذه المرة. فأخبرته أن لدي طلب في خدمة العملاء. فأخرج لي رقماً لخدمة العملاء عوضاً عن الاستقبال الذي لم يفيدني بشئ. دخلت ووجدت أمامي 72 رقماً. لحظة دخولي وجدت الكرسي الأول خالياً، بجانب الفتاة العشرينية وأمها، فجلست. بعدها بدقائق قامت الفتاة لتجلس بجانب أمها من الناحية الأخرى. المهم انتظرت وكنت أقتل الوقت بسماع الأغاني وتكرارها بملل. الموظفة أمامي كانت تمرر الأرقام بسرعة وكنت أتابعها بعيني، أشجعها على المضي قدماً حتى ترتاح وأرتاح. زميلتها الموظفة الرابعة دخلت في اللعبة وصارت تتبادل معها تمرير الأرقام حتى ينجزا العمل. فقد صارت الساعة الثالثة عصراً - موعد انتهاء العمل الرسمي. انفض الجمع وخفت الحركة واقترب الرقم من 2167 - رقمي. قامت الموظفة الرابعة لتسأل آخر بضعة عملاء جالسين عما يريدون حتى يتم إنجاز التعامل مع العملاء. جاء دوري وأخبرتها، استغربت الأمر طبعاً وجادلت وكنت قد تعلمت فن البقاء على حق فذهبت لتسأل أحد المديرين وأخبرها كيف يتم عمل هذه الورقة ثم طلب مني أن أنتظر رقمي. انتظرت رقمي لكن جاء صوت بعيد يسأل هل من أحد قبل 2170؟ لم أستطع تحديد مكان الصوت فتأخرت، فانبرى العميل المجاور وقال أنه 2168. فسألَت هل من أحد قبل 2168؟ فقلت 2167. واعتذرت لجاري وذهبت للمكتب.

مسّيت على الجالسة بالمكتب وكان اسمها "ندى حواش" وعلى الفتاة الجالسة بجانبها. شرحت لها الموقف والطلب. طلبت الأوراق ثم بحثوا قليلاً ثم طلبت البطاقة. بحثوا ثانياً ثم أخبرتني أنني سأستخرج بدل فاقد لكن عليّ أن أعلم أي فرع أتبع أولاً. أخبرتها أن بطاقتي موجودة بالفعل على بعد شوارع وأن عليّ فقط أن أذهب لأخذها وأنني أريد ورقة من البنك تثبت ملكيتي للبطاقة. أخبرتني أن المعلومات التي أمامها ليست كاملة لكي تفعل ذلك وأن الرقم ناقص. قلت لها أن هذا ما أريده وأن الأستاذ ذو الشعر البرتقالي قال بإمكانية ذلك - أين هو؟ (أشارت للمكتب بجانبها) فهممت بالقيام لسؤاله فقالت لا عليك سأتصل به. ثم تحدثوا على التليفون الداخلي وكنت أستطيع سماع المكالمة من الطرفين مباشرةً وكان الأمر جديداً وممتعاً. فكرا قليلاً ثم تدبرا الأمر وأغلقا الهاتف وعلمت قليلاً. في وقت انتظاري خطر لي هاجس فسألتهما هل هناك هنا في البنك أحد خريجي سياسة واقتصاد؟ فنظرا إليّ ملياً وقالوا تلاتة. انت في سياسة واقتصاد؟ فتعرفنا على بعض واكتشفت أنهما من دفعة 2015 و2016 وأن إنجي - الفتاة الأخرى - كانت تُشَبه عليّ كذلك لأن ياسمين الدروي عرفتنا على بعض في زمنٍ بعيد. ثم قامت ندى فتحدثت مع إنجي قليلاً عن الأصدقاء والعمل في البنك حتى عادت ندى وفي يدها الورقة المطلوبة التي سأمضيها فقط من المدير (نفسه الذي كان مزدحماً يوم الأحد). ثم مضيتها وأخبرتهما فسعادتي بلقائهما في هكذا صدفة سعيدة وانطلقت لأنهي معاناتي في ميدان المساحة!

في طريقي قرأت الورقة مجدداً وكانت بعنوان "حسابكم طرفنا" هكذا بالخط تحت العنوان ومن تحته المتن. وذكّرتني هذه اللغة بلغة البيانات الثورية. وضحكت لذلك، ثم مضيت في طريقي.

وصلت هناك لأجد - كالعادة - رجل أمن جديد فطلبت منه أن يتصل بأستاذ محمد وأنني هيثم أحضرت المطلوب، وكانت الساعة الرابعة إلا ربع والبنك شبه مغلق فانسللت من تحت البوابة ودخلت لأنتظر على السلم. انتظرت حتى أتى أحدهم ليصعد بالورقة والبطاقة. ثم انتظرت ليطلب مني الصعود بدوري للانتظار فوق. صعدت وكانت الكراسي متصلة ومتراصة أمام الأبواب. لم تريحني فكرة الجلوس أمام الأبواب فذهبت لأقف بجانب النافذة الزجاجية الكبيرة. انتظرت مستنداً ومتكئاً وواقفاً. انتظرت ماشياً وجالساً على الكراسي التي سأجربها بل أنني سأرغب في النوم عليها بمرور الوقت. انتظرت فسمعت أصوات عمال الأمن يلعبون الكرة في جهاز ما، وسمعت أحدهم يتحدث عن جيشه، نومه، يومه، زوجته. انتظرت حتى تابعت المارة والسيارات والعمارات وأعجبت بالسحب. انتظرت حتى اكتشفت مكان كاميرا المراقبة فوق رأسي من الخارج، وآلات الطباعة والخزنة الجديدة الملقاة في ركن المكان. انتظرت حتى ذهبت لأفجر الكرات الصغيرة المنفوخة حول أي شئ جديد في المكان. انتظرت حتى تابعت صاحبة الكشك بالأسفل التي لا تكف عن مضغ اللبان. والسيارة بداخلها امرأة حائرة بين ولدها الطفل وابنتها الوليدة. والفتاة التي اعتقدت أنها آية صديقتي القديمة لكنها خالفت اعتقادي. فارتددت لأجد من وراءها نهى مسؤولة الميديا في STP سابقاً وكدت أنتصر على آية لكن نهى هزمتني أيضاً. وصديق أصدقائي الذي كان يعمل في البصريات في نموذج منظمة المؤتمر الإسلامي. وأتوبيس مدرسة Child Home التي كنت طالباً فيها أول ما رأيت تعليم. انتظرت حتى رأيت حياتي تسير أمام عيني. انتظرت حتى انتهيت إلى نفسي واقفاً وإبراهيم أبو جازية وعمر غانم يمران من تحتي!

أذّن المغرب. وحديث النوم وتعب اليوم أوقد الفكرة في رأسي. والملل دفعني لفتح كتاب الأحلام الأخيرة لنجيب محفوظ. وظللت أقرأ الأحلام وأحلم بالنوم على الكرسي. أقرأ كأنما أحلم بدلاً من نجيب. أقرأ فأنام. أنام فأحلم. أقرأ فأحلم. ظهر أستاذ محمد من بعيد. ثم اختفى مجدداً. وأنا أفكر فيما يحدث بالداخل. وأفكر فيما سيحدث بالخارج. ماذا سأفعل بالكارت. كيف سأحتفل. لماذا تأخرت. متى سأذاكر. ما الذي أفعله هنا. 

خرج موظف غريب في النهاية. واعتذر لي على الانتظار معللاً أنهم كانوا يجب أن يتصلوا بالرجل الذي أمضى على الورقة في البنك الأهلي! وطلب مني الإمضاء على ورقة فيها صورة بطاقتي وكارتي. وأعطانيهما، وذهبت أخيراً والكارت في حوذتي! بعد أيام طالت بيأسي، وأحلام مالت برأسي، لكنني الآن منتبه...

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

معركة ثرموبيلي والموت انتصاراً للحياة


في حربنا التي نخوضها طوعاً انتصاراً لمبادئنا، إذا كان المنطق والمبدأ يسيران في خطان متعاكسان تماماً، هل نحارب؟ 

في فيلم "300" نجد القائد ومعه الـ300 شجاعا، يدافعون عن إسبرطة، مدينتهم الفاضلة، بعيداً في الصحراء، حين يلقون كل أنواع الشرور والمتاعب، وحدهم. يلتقون كل أنواع الجيوش القادمة من الشمال، ويمرون فوق جثث جميع من أقسموا على كسرهم، غير آبهين بالجيش الذي يسد الأفق بعيداً، القادم لهم من تحت ملك الفرس، الذي جاء ليكسر اليونان، ممثلة في جيش إسبرطة الصغير الذي لم تقهره معاركه، بنفسه هذه المرة. 

يقف رسول الملك الإله الفارسي، طالباً من القائد الإسبرطي التحرر من خوذته ومن درعه ومن رمحه، والسجود تبجيلاً لملك الفرس الملك الوحيد على هذه الأرض. الذي يستطيع أن يسحقه الآن إذا أراد، إلا أنه سوف يسامحه، ويجعله أميراً عن اليونان جميعاً، ويوفر له كل السلطة والمال الذي يريد، طالما أنه سيخضع للملك الفارسي. الفارسي الذي كان يطمع فيما أبعد من قتل القائد العنيد وجيشه، وهو كسر كبرياؤه الذي أعياه في معارك دامت لشهور بين الجبال والصحاري. 

نص المشهد الأخير من معركة ثرموبيلي كما وردت في فيلم 300 : 

- الرسول: ليونايدس، مديحي لك، مبروك عليك، لقد صنعت من النكبة انتصاراً. بالرغم من وقاحتك.. الإله الملك معجب بشجاعة الإسبرطيين ومهارتهم القتالية. ستكون حليفاً قوياً. 

- افيالتيس - الخائن الذي دل الفرس على موقع الإسبرطيون - : استسلم يا ليونايدس. كن عقلاني من أجل رجالك. أتوسل إليك. 

- الرسول: استمع لزميلك اليوناني. يمكنه أن يؤكد لك مدى كرم الإله الملك. بالرغم من إهانتك وكفرانك، الإله مستعد أن يسامحك ويكافئ خدمتك. تحارب من أجل بلادك.. احتفظ بها. تحارب من أجل إسبرطة.. ستصبح أغني وأقوى من أي وقت. تحارب من أجل مَلَكيَّتك.. ستكون حاكماً على كل اليونان، تحت إمرة السيد الحقيقي للعالم. ليونايدس، انتصارك سيكتمل. فقط، سلم أسلحتك، واركع للمقدس زيركسيس. 

- صوت الراوي: مر أكثر من ثلاثين عاما منذ حادثة الذئب والبرد القارص، والحال كما هو. ليس الخوف ما يسيطر عليه، بل إدراكه المتفوق بما يدور حوله. نسيم البحر يقبل صدره ورقبته يرطب عرقه. النوارس تنعق، تشتكي رغم آلاف الجثث العائمة البحر. النفس الثابت للثلاثمائة من خلفه.. مستعدون للموت دون لحظة تردد. كل واحد منهم مستعد للموت. 

خوذته ضيقة.. 

درعه ثقيل..

*يلقي ليونايدس خوذته ثم درعه* 

- الرسول: رمحك. 

- ليونايدس - مشيراً برمحه إلى الخائن - : أنت هناك.. افيالتيس، فلتعيش للأبد. 

- ليونايدس، رمحك. 

*يهم ليونايدس بالركوع لينهض زيركسيس رافعا رأسه فاتحا ذراعيه مستشعرا عظمته مستعدا للتمجيد بلا أي تحدي لسلطته* 

- ليونايدس - صارخا - : ستيليوس! 

*يخرج ستيليوس من القبة المدرعة ليطعن الرسول برمحه، فيفاجأ الفارسي ويتأهب الجيش*  

- زيركسيس - صارخا - : اذبحوهم! 

*ينهال الجيش ليقضي على الثلاثمئة بينما يحمل ليونايدس رمحه ويوجهه* 

- صوت الراوي: خوذته كانت ضيقة، تقصر من رؤيته.. يجب أن يرى بعيداً. درعه كان ثقيلاً، يخل من توازنه.. هدفه بعيد جداً.  

*يتحرك السهم ليتهادى ظله فوق سلم العرش والملك الفارسي يراقبه مذهولاً ليجرح جانب وجهه الأيمن ويستقر مخترقا العرش بينما ظل محدقا في الرجل الذي تحدى سلطته، واقترب من أن ينهي حياته* 

*يموت الرجال ولكل منهم عدد لا بأس به من القتلة، وهم في موتهم ذلك لا يكفوا عن قتل قاتليهم، عن الانتصار لدمائهم ولما ماتوا من أجله، لعدم الاستسلام حتى النَفَس الأخير* 

- صوت الراوي: القدماء يقولون أن الإسبرطيون انحدروا من نسل هرقل نفسه. شجاعة ليونايدس شهادة على ذلك. زئيره طويلاً وعالياً. 

*يزأر ليونايدس أمام الملك الذي فزع لجرح وجهه وقصد لإخفائه بيده لئلا تتآكل صورته. يلفظ الجنود باقي أنفاسهم قرب النهاية ويقترب ستيليوس من ليونايدس* 

ستيليوس: ملكي، شرف لي أن أموت بجانبك. 

ليونايدس: شرف لي أنني عشت بجانبك. 

*يغالب ليونايدس الألم لينهض مجدداً ويقف مستقبلاً آلاف الأسهم فاتحاً ذراعيه* ليونايدس: ملكتي.. زوجتي.. حبيبتي. 

***

في حربنا التي نخوضها طوعاً انتصاراً لمبادئنا، إذا كان كل من المنطق والمبدأ يسيران في خطان متعاكسان تماماً، هل نحارب؟ هذا هو السؤال الذي سيطرق رأسك مباشرة بينما تشاهد هذا المشهد. المشهد الذي يجعلك - بكل عناصره ومؤثراته - متعاطفاً تماماً مع البطل، متماهياً معه، متسائلاً ماذا لو كنت مكانه، في هذا الموقف بالذات، ماذا كنت لتختار؟ المبدأ الذي حاربت من أجله؟ الذي مات من ورائك مئات الشباب من أجله؟ ومن أجلك أنت الذي قدتهم لكل هذا الغمار؟ أن تموت وأنت لا تشك في ضميرك وفي حريتك وأخلاقك وعهدك أمام نفسك وأمام الناس - الميتين والأحياء؟ أم حياتك وحياة 300 صديق من ورائك، اتبعوك إلى هنا لأنهم صدقوا فيك، حياتك وحياتهم التي ستأتي من بعد كسر أنف الكبرياء الإسبرطي وخز عين الحرية اليونانية وكتم صوت كل ثرثرات الهتافات والمعاني؟ 

أيهما سيكون أدعى بالاختيار حينها؟ موت بثقة في شرف المصير وراحة الضمير؟ موت دفاع لن يسميها أحدهم قبل موته هزيمة؟ أم حياة استسلام ومهادنة؟ وهل كان على القائد أن يسمع لكل الأصوات التي نادت برجوعه عن هزيمته المؤكدة؟ بدءاً من رفاقه السباقين الذين لم يرتضوا انقلاب ميزان الواقع المفزع فوق رؤوسهم، إلى آخر يوناني خائن، وفارسي مغرور، دعاه لأن يعيد النظر إلى فرصة جديدة للحياة. هل كان يمكنه التفكير للحظة في المراوغة؟ وهل لم يأت ذلك في باله حقا؟ وإذا كان سيسلم رأسه وسلاحه للفرس فكيف يضمن ألّن يذلوه كما أرادوا له ولبلاده الذل والشين في عشرات المعارك؟ وهل لو صدقوا وعودهم بالسلطة والإمارة سيسطيع أن ينقلب على الفارسي في لحظة قوة وتدبير؟ 

في لحظة واحدة، كان على قائد الجيش الإسبرطي، ومن ورائه اليونان تنعم بحريتها ومدينتها السياسية، أن يقرر ماذا يختار، موت يحفظ حياته وحياة رفاقه صفحة بيضاء خالدة في تاريخ اليونان، مدافعين عن بلاد تأبى إلا أن تموت مرفوعة الرأس؟ أم حياة جديدة، لا تشبه سابقتها، كسيئة تمحي حسنات المعارك؟ سيئة التسليم من بعد كل هذا السجال، وكهدر لكل قطرة دم سالت من أجل قائد أخرج مفتاح مدينته من جيبه وأعطاه لهمجي يظن نفسه إلها ويريد جميع الناس عبيداً يركعون تحت قدمه، طلباً للعيش. فهل كانوا ليسامحوه. أم أنه لم يكن بداً من اعتباره ذكرى، من قبل حتى أن يُقتل، لأنه حتى إن عاد فلن يعود ملكهم الحر، سيكون مملوكهم على العبيد، وسيحيل إسبرطة ولاية فارسية مكبلة، ليس لها فكاك. 

يتحدث برتراند راسل عن الإسبرطيين في تاريخ الفلسفة الغربية فيقول : 

ولسنا ننكر أن الإسبرطيين قد نجحوا أمدا طويلا في غرضهم الرئيسي، وهو خلق فصيلة من المحاربين لا تجوز عليهم هزيمة في قتال؛ ولعل معركة "ثرموبيلي" (480 ق.م) أن تكون خير مثل لشجاعتهم على الرغم من أنها هزيمة من الوجهة الفنية؛ فثرموبيلي ممر ضيق بين الجبال، أريد لجيش الفرس أن يتجمع فيه؛ فصد ثلاثمائة إسبرطي مع توابعهم كل الهجمات الأمامية؛ وأخيراً كشف الفرس عن طريق أطول يمتد خلال التلال، ونجحوا في مهاجمة اليونان من الجانبين معاً؛ فقتل كل إسبرطي وهو في مكانه، إلا رجلين كانا غائبين في إجازة مرضية، لأنهما يشكوان من علة أعينهما تكاد تبلغ بهم حد العمى؛ فأصر أحدهما أن يحمله مملوكه إلى ميدان القتال، حيث لقى حتفه؛ أما الآخر - وهو أرستوديموس - فقد قرر أنه أضعف بالمرض من أن يقاتل، ولم يعد إلى القتال؛ فلما عاد إلى إسبرطة، لم يتحدث إليه إنسان، وأطلقوا عليه "أرستوديموس الجبان" لكنه بعد عام واحد، محا عن نفسه هذا العار بموته باسلاً في موقعة "بلاتي" التي انتصر فيها الإسبرطيون. 

وبعد الحرب أقام الإسبرطيون نصباً تذكارياً في مكان القتال في ثرموبيلي كتبوا عليه: "أيها القادم الغريب، أنبئ أهل "لاكيديمون" أننا نرقد هاهنا طاعة لأوامرهم".

***

الموت أم الحياة؟ هل واتتنا لحظات كتلك؟ لحظات كان علينا أن نختار فيها حياتنا وموتنا؟ فمنا من اختار قضيته وموته، ومنا من اختار مهادنته وحياته؟ هل علينا أن نفضل بين من اختاروا المبدأ لآخر لحظة، وبين من اختاروا المنطق لآخر لحظة؟ أم علينا احترام كل اختيار لصاحبه، وأن نسأل أنفسنا نحن، إن كان اختيارنا سهلاً، ولماذا، وماذا فعلنا قبله، وماذا نفعل بعده؟ 

سأحمل روحي على راحتي .. وألقي بها في مهاوي الردى 
فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدا

قائل هذه الأبيات هو الشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود، وذلك قبل استشهاده بقرابة عشر سنوات، في معركة الشجرة عام 1948. استهل بها قصيدته "الشهيد". وإذ ترك المحاربون الإسبرطيون رسالتهم على الأرض التي ماتوا فيها طائعين، واقفين، فكيف ترك الشهيد الفلسطيني رسالته؟ 

سأحمل روحي على راحتي .. وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسرّ الصديق .. وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان .. ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن .. مخوف الجناب حرام الحمى
إذا قلتُ أصغى لي العالمون .. ودوّى مقالي بين الورى
لعمرك إنّي أرى مصرعي .. ولكن أغذّ إليه الخطى
أرى مصرعي دون حقّي السليب .. ودون بلادي هو المبتغى
يلذّ لأذني سماع الصليل .. ويبهجُ نفسي مسيل الدما
وجسمٌ تجدّل في الصحصحان .. تناوشُهُ جارحاتُ الفلا
فمنه نصيبٌ لأسد السماء .. ومنه نصيبٌ لأسد الشّرى
كسا دمه الأرض بالأرجوان .. وأثقل بالعطر ريح الصّبا
وعفّر منه بهيّ الجبين .. ولكن عُفاراً يزيد البها
وبان على شفتيه ابتسامٌ .. معانيه هزءٌ بهذي الدّنا
ونام ليحلم َ حلم الخلود .. ويهنأُ فيه بأحلى الرؤى
لعمرك هذا مماتُ الرجال .. ومن رام موتاً شريفاً فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود .. وكيف احتمالي لسوم الأذى
أخوفاً وعندي تهونُ الحياة .. وذُلاّ وإنّي لربّ الإبا
بقلبي سأرمي وجوه العداة .. فقلبي حديدٌ وناري لظى
وأحمي حياضي بحدّ الحسام .. فيعلم قومي أنّي الفتى.

وربما كانت هذه المقارنة الضمنية خارج صلب الموضوع، إلا أنني لم أجد بداً من الخضوع لهذا الشعور الذي جعلني أرى معركة الشجرة عام 1948 م ومعركة ممر ثرموبيلي عام 480 ق.م كانعاكسين لضوء واحد. وأقرأهما كنصّين لرسالة واحدة.

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

"عند موتك برضو غني .. ناس عاشتها بالتمني .. يفرق ايه الموت معاهم"
- محمود بنداري

أربعاء جديد وأجواء متداخلة

ضربتني الآن قناعة غامضة بأن الشعر يستيقظ بعد انتصاف الليل. قناعة ربما سأهجرها لأعوام قادمة. حدث ذلك بينما كنت آكل الملاعق الأخيرة من طبق الكشري الذي لم أكمله في وقت الغذاء، وأسمع "قوم فسرلك كيف بعيش للوطن"، ولا أعلم من المتهم الرئيسي في ذلك: الأكل أم الليل أم حامد سنو؟ أشعر أنني بالأمس، وكذلك غداً.. لأن هذه اللحظة ستُستسخ عشرات المرات بطول خط الزمن ذهاباً ورجوعاً، ستكرر وكأني أقف بين مرآتين يمثلان الماضي والمستقبل، وكل منهما يأخذني معه بنفس الطريقة، وينقلني بنفس الوضع، بينما أقف مكاني - أندهش. سأجد بعد ذلك أنني أقف على سلم يصعد في اتجاه آخر، اتجاه مجهول، ربما يصعد إلى ممر سيفضي في دقيقة إلى حضانتي القديمة. سأدخل وأسلم على طنط سهير وأذوب من جديد في ماضي لم يعد يسعني، كأنني أتذكر قول محمود بنداري "يا صاحبي في المجمل .. لبس الحياة ضيق .. وانا لبس روحي تخين .. محتاج مقاس أوسع .. عمركش شفت حزين .. بيغني يوم الأربع؟" سألاحظ لشئ ما في دماغي دائماً ما يسبقني بدقائق أو ساعات، أن اليوم هو الأربع فعلاً، وأنني ربما أكون حزيناً بمعنى من المعاني، وأنني لا أريد أن أكف عن الأغاني. كِدت أن أسقط أكثر من مرة في بئر الشعر بعد إذ أطلقت رهاناً صغيراً بأنني سأتوخى الحذر في سيري على ذلك الحبل، لئلا أقع فتبتلعني الجبال وترهصني الأوراق الرديئة. "لما اترك الأشعار .. حتماً هكون أجمل" قلت. "حتماً هكون أجمل؟ .. أنا already سئ .. يا صاحبي في المجمل .. لبس الحياة ضيق". هكذا كنا نتبارى بأحزاننا، لكننا في ذلك كنا فرحين، نكسر القدر بالسخرية، وتحدى الوجع بالبلاغة، البلاغة التي وجدنا فيها خيالنا سماءً نطير فيها بعيداً عن تراب الواقع ومهزلته. الملحمة التي نقلناها إلى أرضنا فسجلناها كآية تشهد أننا حاربنا مرفوعي الرأس. "ضيعت عمرك عالفرحة .. وكبرت فقير .. فكرك هتطير؟ .. عباس، مماتش بغلطة ريش .. أو لفة سير .. عباس، اتوضى، وصلى .. وصل للقمة الأعلى .. ونط، وعافر، طار .. من كتر الفرحة ماصدقش .. قلبه قرر ينهي المشوار .. ويقف في الجو .. عمرك يحلو .. لما تموت في اللحظة الأحلى" هكذا وقف الأخ في الجو، وهكذا أقف أنا الآن، أنظر للقادم وأنتظر. 

الخميس، 26 أكتوبر 2017

كل صوت تشويش

أفكار كتير بتضرب راسي في اليوم، في الصحو وداخل النوم، كتير منها بيقع وقليل بيبقى. من اللي بيبقى كتير بيكمل وكتير بيزهق. من اللي بيكمل كتير بيكبر وكتير بيقف. من اللي بيكبر كتير بيموت وقليل بيعيش. لخبطة في كل جزء من الحياة، كل نفس داخل وخارج لخبطة، كل دقة قلب اضطراب، كل صوت تشويش. أنا الحاجة الوحيدة الثابتة بس تبقى مشكلة لو معرفتش ايه أنا. ماعرفتش اتخيلني، ولو تخيلتني ماعرفتش امسكني زي كل خيال عارض. قررت قرار مش متأكد منه اني مش عايز اكتب شعر من بعد الفترة الأخيرة في الكتابة، إني عايز اتوقف شوية عشان اقدر اكتسب حاجات تاني، اني اكون أنضج من اني اكرر نفسي. لكن مش عارف هقدر على ده ولا لأ، واللي هيعرف هو سجلات المدونة دي. بفكر في الحاجات الصغيرة اللي لو رجع الزمن مكنتش هعملها رغم صغرها: كنت هفكر الأول قبل ما اكتب إهداء حوكا وبنداري في جروبي، وكنت همسك نفسي عن الرغبة في إسعاد ميمو بإني اعرف اختارله هدية صح ومش غلط تماماً، وحاجات ممكن تكون مهمة عندك وغير مذكورة خالص عن غيرك، بس عايز تفهمهم انك عرفت زي ما هم في وقت عرفوا. بمناسبة تويتة كيشو عن انه ماندمش على قرار التحويل من هندسة لحاسبات، انا كمان بفكر كتير اني مبسوط بكل اللي حصل رغم كل حاجة، كتير بحس بالضياع والتأخير وعدم الوصول لشئ، لكن كتير في المقابل بحس اني مبسوط واني في مكان مناسب رغم ضيق كل الأماكن. وحشتني ناس كتير مش عارف حتى ارجع افتح معاهم كلام على اساس ايه، اكيد كل واحد مشغول في اللي حصل له، أياً كان. باي باي.

الأحد، 22 أكتوبر 2017

مغامرات يارا وهيثم (2) : في جيوب الدبدوب

كنت ممدداً على سجادة الصالة أتتبع شروخ السقف، أحاول استكمالها. يئست، فشبكت عيني في طرف جناح المروحة الأقرب وظللت أدور وأدور حتى توحدنا، فقللت سرعة دوران حدقتي حتى توقفت الأجنحة، حين هبط علينا الشتاء. دخلت يارا وقد أظلمت المكان تماماً إلا من نار المدفأة القديمة. كانت تنفخ في يديها استجلاباً للدفء. ثم غطتني ببلوفر عندما رأتني بالفانلة البيضاء. ماذا تفعل؟ قالت. أفكر في الكتابة تحت تأثير الموسيقى. أجبت. وهل وصلت إلى شئ؟ سألَت. ليس بعد. أجبت. جلست بجانبي تحت دفء الظلام. أغمضنا أعيننا معاً. ثم فتحناها على ليل مضئ. في مدينة بعيدة. جالسين على سطح بناية شاهقة. نرفع أيدينا فنلمس النجوم. نحرك أقدامنا فنمشي في الشوارع. كنت أتخيل نفسي أعزف على آلة صنعتها. وكانت هي ترقص كأنما خُلقَت للموسيقى. والمدينة من تحتنا تشتعل. أخبرتها عن رسالتي التي ستصل مقر المنظمة السرية في الساعة الأولى من الاسبوع القادم. رسالتي التي ستغير وجه المدينة بعدما يفتضح كل شئ فيها. رسالتي التي ستفضح كل ما تحت الجلد الأبيض من دم ملوث. رسالتي التي ستضع الناس أمام حقيقتهم وجهاً لوجه. فلن يكون هذه المرة سبيلاً إلى الكذب. أخبرتها أنني شعرت بالذنب لأنني لم أذكر اسم الشاعر الذي اقتبست أبياته. اسلام محمود الذي لم أنصفه أنا بعد إذ لم ينصفه أحد. ينقلني حديث الشعر إلى مقدمة المتنبي التي ساقها فؤاد حداد فحولها من بيت إلى مطرقة تطرق رؤوس الكتب ورأسي: "وكم ذا بمصر من المضحكات .. ولكنه ضحك كالبكا .. كالبكا .. كالبكا" أبكي. أفيق مجدداً وقد دارت يارا حولي مرتين، نهضت من مكاني أحاول البحث عن شفرة مفقودة. شفرة جعلتني أصمت حتى عندما أطيل الحديث. لابد أنها مكونة من حروف وأرقام حتى يصعب علينا البحث. بحثنا على الكنبة، تحت السجادة، في أدراج المكاتب. بحثنا بين الكتب، فوق الكراسي، داخل الصناديق. في أحد الليالي شكّت يارا عندما وجدت الدبدوب يتسلل من سريره ويخبئ شيئاً ما خلف الستائر. لم تكن لتستطيع مواجهته بالحقيقة. لكن كفاها أنها علمت كيف ستمسك خيوط الأحداث الغريبة في البيت بعد ذلك. هذا سيسهل عليها حياكة القصص بلا رهبة ولا كسل. قلت لها أكثر من مرة أنني أنتظرها وتقول أنها تعمل على ذلك. لكنني لا أعلم كيف أتتبع صدق النية حتى إرادة الفعل. حاولت مرة وفشلت. هي لم تعاتب فشلي، ولم ألوم أنا خوفها. كل منا يعلم أن للآخر عالم أراد أن يخوضه. أراد أن يربي فيه العزم على الوقوف إذا غابت الأرض. عالم يستطيع تطويعه بما يتفق مع رغبته في التجربة. وإن أراد مع كل ذلك من يخبره بحلول غير مألوفة قد تمد له أيدي إذا انقطعت حبال. أمسكنا بالحبل ولعبنا حتى لهثنا من التعب. قمنا لننظر نظرة أخيرة على المدينة ثم قفزنا من ماسورة المدفأة فلم تحرقنا النار، لكن سبقتنا الأمطار، حين هبط علينا الشتاء.

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

مغامرات يارا وهيثم (1) : السقوط من أعلى الكومودينو

بالأمس نهرتني لأنني وضعت البسبوسة في الثلاجة. كنت جالساً في مكتبي أتأمل الحقيقة الأدبية بينما طرقت يارا الباب ودخلت. تأملتها. كانت ترتدي قميص كاروهات أزرق في بمبي وبنطلون جينز وتحتل المشهد كعادتها. ابتسمت لي وقالت أنها ستذهب للسينما. فاليوم يبدأ العرض الأول من فيلمها المفضل. ذَهَبَت هي بينما أعددت نفسي للبكاء. في الليل جلسنا على كنبة الصالة. أخبرتها بأنني أعمل الآن على قصة لم تكتمل أبداً في دماغي، بل لم تظهر أصلاً، قصة ستكشف حقيقتي أنا كما أرادت أمل استجلاءها. أسألها عن حياتها. تطلعني على لوحاتها الأخيرة لإعادة تخطيط جزيرة الوراق كما كلفهم أستاذ علي جبر في سكشن التاسعة صباحاً يوم الأحد الفائت. أطلع على اللوحات بينما أغيب في أفكار أخرى. أنتبه لنفسي وانتظارها ونظرها إلى انطباعات وجهي. أحرك عضلات عيني فتظهر غمازتها اليمنى بجانب خدي الأيسر. أنظر إلى عينيها من وراء العدسات البني وأخبرها أنها أجمل امرأة في العالم. ثم ينقطع النور. ويعود مجدداً فأجد نفسي ممدداً على أريكة غير منتظمة، تقسم ظهري أكثر ما هو مقسوم. ألج بداخل مواقع أسسها مهندسون في مكان وزمن بعيد. أهرب من القبح إلى اللوث. أسترجع قصيدة لشاعر غمرته موجة الثورة ولم يصعد مجدداً. "آه يا مصر وأكم .. قلنا آه من الألم .. قلت الكتابة آه .. ورق وحبر وقلم". كم ينشط إحساسي بالزمان رغم رعونته. أفيق من بكائي فأجد نفسي في المكتب مجدداً. أمام مكتبة ضخمة. بلا عناوين. وتصبح قصة حياتي وقتها بعنوان "من أين أبدأ؟". أجلس متربعاً أمام المكتبة، أمام السؤال، بلا عمل غير محاولة الإجابة، محاولة ستصبح فيما بعد هي والعدم سواء. محاولة ستعيد الشكوك حول قدرة الإنسان على تحريك الأشياء برأسه فقط. وبينما أعبر هذا السطر في عقلي إذا بشئ يتحرك في رأسي. إنها يد يارا تشد شعري منذ خمسة دقائق. أعجبك الفيلم؟ سألتها. جداااا. أخبرتني. سألتها عن خططها القادمة. أسرّت إلى بأنها تخطط لإعادة ترتيب الغرفة بما يحل علاقات الأشياء ببعضها البعض. الدولاب بالحائط، السرير بالكومودينو. التسريحة بالكرسي. تريد تجربة نسق جديد لحياتها اليومية، إلى جانب هدفها الأخلاقي من التجربة، وهو أن تتعلم الأشياء الفقد وتعتاده، قبل فوات الأوان. تسللت إلى المطبخ، وقمت بإحضار النسكويك لكي نشربه سوياً أمام المسلسل. فرحَت لإنني علمت ما تفكر به دون أن تقوله. تناقشنا حول العمارة والسياسة، ومن منهما يأتي قبل الآخر، وكيف اخترت بينهما بعد تفكير طويل، كدت أميّلها تماماً ناحيتي، وفشلت في اللحظة الأخيرة. كانت يارا دائماً هي هامش الخطأ في ادعائي المثالي. يارا نجاحي الذي فشلت فيه. يبعث نفسه للحياة ثم يلوح لي، وأنا من حفرتي أبتسم. تتحول اليد الملوحة إلى يد مستقيمة، مائلة إلى الأسفل، تمتد لتقول لي "قوووم". أتشبث بها، أقوم فأنفض التراب عن ملابسي وأتأمل الشمس. تضع يديها حول عيني محذراني من الوقوع في مغبة النور الساطع مرة أخرى. تجذبني للمشي بجانبها، تحت الشمس، بينما تهبط الشمس تحت البحر، فنغرق نحن في اضطراب لا نعلم من أين جاء. أصاب عالماً أبيض أو عالماً أسود. دائماً ما تختفي التحيزات في الحب.

الاثنين، 9 أكتوبر 2017

دماغ

كنت في اسكندرية لسبب أجهله. قاعد على قهوة عالرصيف وقدامي عالناحية التانية مبنى. عليه بانر غريب لحفلة مسار إجباري يوم 19. وماتسألنيش 19 ايه انما دي تفصيلة مهمة. فتحت الواتساب عشان اكلم مصلح لقيته بيكلمني هو بحب وإقبال شديد. قلتله فيه حفلة يوم 19 ماتيجي، قالي جاي وش. قلتله طب هتقول للعيال ولا اقولهم انا؟ مش فاكر انه رد عليا. كنت واقف قبل الحفلة لقيت ميم وكاف قدامي رحت حضنت ميم وبستها وباستني بعشم فشخ، ورحت بست كاف بتحفظ وسين كانت واقفة على مقربة غالبا. سلمت عليهم بحب وسألتهم رجعوا من جيم امتى قالولي من اسبوع، مع انهم كانوا رايحين اسبوعين وغادروا اخر الشهر اللي فات. بس فعلا مفيش مشكلة في التفصيلة. رحت عشان ادخل الحفلة دخلت الهول وخرجت ومفيش حد كلمني، واحد كان واقف سألني عايز تذاكر؟ استغربت من السؤال وقلتله ايوة عايز الحفلة، قالي فيه حفلة وندوة وحاجة تالتة وانت لازم تحجز حاجتين، قلتله قشطة هحضر الندوة والحفلة ودفعتله 90 جنيه ماعرفش منين. محمد عفت كان قاعد جنبي ومترقب بطريقة غريبة نيك وعلى وشه نص ابتسامة فقمت سلمت عليه بصوت عالي نيك ماعرفش ليه وكملت كلام مع الراجل، وعفت بدأ يضحك أكتر والست المنقبة اللي جنبه قلعت النقاب و- ماعرفش كانت لابساه ليه. كنت لسة هدخل قالي انا عايز واجبين، واجب منك وواجب منه - كان قصده على حد دفعله في نفس التوقيت بس ماعرفش ايه علاقتي بيه؟ قلتله يعني ايه؟ قالي الواجب يعني دماغ. قلتله ااه مش تقول، *بصوت عالي* : حد معاه دماغ يا جماعة؟؟ وعفت اتفشخ ضحك. محدش رد قلتله هتصرفلك وش وكان في دماغي مصلح. وكان لسة واحد بيقول الصيني جه، قتله ايواا الصيني ده تبعي. فتحت الباب لقيت السلم مليان ناس مختلفين جنسيا بطريقة مريبة حاولت ادور على اي دماغ بدون فايدة. لما دخلت تاني سين زعقتلي عشان حضنت ميم وبستها، المهم كانت مقاعدنا في الصف الأول جنب بعض. انت فين يا مصلح؟ وفين الندوة؟ وفين الحفلة؟ وانا كنت بعمل ايه على الرصيف في اسكندرية؟ افتكرت. قبلها بالظبط كنت بشهد خناقة غريبة على حاجات مش فاكر تفاصليها، كان ليا رأي في الخناقة قلته في الآخر والست صدقتني ودعتني لطلوع البيت عندهم، كنت هطلع البيت وتراجعت وقلتلها هبقى اجيلك، وهي بيتها مليان ناس رخمة ماعرفش كانت عايزاني اقعد معاهم ازاي. وفي رحلة بحثي عن الدماغ، دماغي اتفتحت فتحة خفيفة، وفتحت عيني وكانت متعلقة قدامي آخر تفصيلة، اللي ضحيت بيها عشان باقي التفاصيل.

الأحد، 8 أكتوبر 2017

أفكر

بينما أقرأ شذرات من الفكر السياسي في القرن التاسع عشر، أفكر. أفكر في نفسي مأخوذاً يوم الثالث من يوليو في شارع طلعت حرب، وقد تحطمت نظارتي تحت أقدام الجموع، ثم في هرولتي بعدها بدقائق، في عكس اتجاه الناس، باكياً - دون أن أدري السبب. أفكر الآن في هذين الحدثين ومعناهما، ثم أفكر أن أبدأ في الكتابة من هذه النقطة، ثم أتذكر أنني هجرت سلسلة المذكرات التي اعتزمت كتابتها عن مشاهدتي للأحداث في القاهرة على ضوء الثورة المصرية، فأفكر أنه يمكنني - بالتقاط هذا الخيط - أن أستأنف الكتابة وربما أكمل ما بدأت، ثم أفكر في أنني لا أتذكر أين توقفت تماماً، وفي أنني غير واثق أصلاً فيما كُتب، وأن كل هذا يتطلب مراجعة ما قبل استئنافه في عمل يتفق مع نسقي العقلي الحالي، فتتشوش الفكرة كلها. أفكر في قدرتي على تجسيد أفكاري، وهل أستطيع فعل ذلك إذا أردت أم أنني لابد أن أقرأ المزيد والمزيد. أفكر في أن فكرة القراءة فكرة صائبة يستهويني الوقوف عندها بدلاً من التجربة والخطأ - إذ جربت الكثير. أفكر في صديقي بنداري، الذي التقيته سريعاً في مسرحية دعاني إليها محمد الزمر في واتساب - الذي كنت مسحته فترة - فانتبهت لدعوته بالصدفة واستحسنت الذهاب. أفكر في أنني كنت أود الحديث معه، لكن ظروف اليوم ربما لم تكن تسمح، فلازلت لا أعلم عن أخباره شئ، ولا فيمَ - على الأغلب - ساهراً يُفكر الآن. أفكر في هذه الموسيقى التي لا تترك رأسي منذ أيام، أو ربما أسابيع. أفكر لماذا تماهت مقاييس الزمن في ذهني إلى ذلك الحد. أفكر في محاضرة الثامنة والنصف صباحاً، حيث سأكون جالساً في مقعدي هناك، منتظراً اجتماع عشرين فرد، لم يكن أحدهم يريد الصحو، أو حيث سأكون مغمضاً عيني، ربما لمتابعة شئ ما بالداخل، أجدى من محاضرة كسولة. أفكر في لقاء عبدالرحمن نزاهة من جديد، فلم نحظى بالحديث معاً غير مرات قليلة مختصرة، لكنه من الناس التي تستحق الاستماع لها بينما تتكلم. أفكر في انتظاري الدائم لأشياء تكتمل - لا، ليس في حياتي، وإنما في أيامي الصغيرة. أفكر في أناسٍ لم أعد أراها إلا بمحض الصدفة، الصدفة التي لو لم تحدث لما رأيتهم أبداً، وأن هذا هاجس أدعى للحزن من أي شئ آخر. أفكر في إمكانية إصلاح ذلك. ثم أعود فأفكر في نظارتي المحطمة، وفي نظارتي الجديدة التي سأمتني وسأمتها، وفي نظارتي التي لم أشتريها بعد، وفي الأشياء التي اعتدت رؤيتها، وفي الأشياء التي أريد أن أرى غيرها.

السبت، 7 أكتوبر 2017

امتزاج غير متوقع

قمت من جلستي لأطفئ التلفاز بعد نوم الجميع، وقد شغل على قناة المجد للقرآن الكريم في صوت خفيض بالكاد يتبينه أحد. انتظرت القارئ ليتم الآية، فقال : {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}. وها أنا عائد لاستنئناف متابعة الجزء الأخير من فيلم هاري بوتر، إذ أوقفته قبل قيامي عند بداية مشهد المعركة الأخيرة بين هاري بوتر واللورد فوردمورت. والآن سأترككم، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين..

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

رسالة إلى ليلى

عزيزتي ليلى
تحية طيبة وبعد

أعلم أنني لم أذكرك منذ زمن طويل، ولا أعلم إن كنتي ستعذريني في ذلك، لكن دعينا لا نستبق الأحداث، فكل شئ - كما أخبرتيني من قبل - سيأتي في وقته. أنا حزين يا ليلى، حزين جدا، ولا أعلم متى سيتوقف ذلك. لا أتذكر آخر مرة سعدت فيها سعادة حقيقية. سعادة خالصة، من قلب خفيف غير مثقل بالهم والسواد. نعم، لقد ترسب السواد في قلبي ولم أعد أستطيع الرؤية بلا شوائب. نعم، زمن الحياة النقية يبدو قد رحل بعيدا وأفسح مكانه لحياة أخرى غريبة، تكرر نفسها كموت لا يكف عن التلويح. ميتون يا ليلى، قبل أن نعيش. لم نعش حياتنا كما كنا لنعيشها حقا. إذ رضينا بالقليل فجاءنا الأقل، فسلبنا كل شئ وابتسمنا للهواء الذي نتنفسه. لا تدعيني يا ليلى أهرب من نفسي لتلك الفلسفة، اضبطي إيقاعي على حزني فقط، حزني الشخصي، الخاص، وليس حزن الجميع. اضبطي إيقاعي كما كنتي تضبطين إيقاع الهاتفين للحياة في آخر تجلياتها. كانوا يعلمون أنهم لن يبلغوا شيئا بمسعاهم، لكنهم بدوا وكأنهم امتلكوا القوة كلها، وانتصروا بالأمل. الأمل، هذا اللفظ المراوغ، تتعلمه، تحبه، تتلهى به، ثم تكتشف أنه كان خطأك الأكبر. هذا الأمل الذي يعطيك كل شئ، ثم يسلبه منك دفعة واحدة. نقطة الضعف التي تتسلل من خلالها الخيالات، كفيروسات تستعمر خلايا العقل حتى تسكره، فيضربه الواقع كي يفيق من خياله، ويظل يلهه الأمل فيضربه الواقع، وهكذا حتى يفسد عقله من طول الضرب، فيعود غير مباليا بكل شئ. يعود وقد عطبت مشاعره وصدأت ذاكرته ونضبت أغانيه. يعود وقد أدار ظهره للعالم، فعاش بغير وجه. صفحة صماء لا تعطي انطباعا، لا تتفاعل مع الناس. أين كنا يا ليلى؟ ولماذا دائما نقول ما لم نقصد قوله من البداية؟ نقول أشياء مختلفة عما قد رتبناه. تماما مثل أيامنا التي تسير وفق خطط لم نضعها في أي يوم قررنا أن نفكر فيه. فلماذا نفكر إذا؟ لماذا يا ليلى؟

رفيقك، هيثم
القاهرة
6 اكتوبر 2017

الخميس، 28 سبتمبر 2017

إلى أين تتجه الأشياء؟

الكيفيات (5) : كيف أصبح للصمت صوت؟

ربما جاءت اللحظة التي لا مفر فيها من الكتابة. اللحظة التي كلما واتتني قذفتها بعيدا. ككرة يستفزني كمالها كلما نظرتها من قريب، فدفعت قدمي صوبها منتصرا. والآن قد صرنا - أنا وهي معا - في مواجهة الحائط، فلن يطير أحدنا. كم وددت لو أنني أستطيع رفع ذراعي وتحريكهما فيرتفع جسدي عن كل مكان.

لكن متى كانت الأساطير في مدى أذرعنا؟ لا أستطيع إلا أن أمشي، كما أمشي كل يوم، لأخوض ذات الأحاديث، وأحل ذات الخلافات، وأقابل ذات الأشخاص. لا مجال للمراوغة في الحياة، ولكن ذلك ليس بموضوعنا، إن كان لنا موضوع.

والأكيد أن لنا ذات، ولن نذهب بعيدا للبحث عن مكونات هذه الذات كما ذهب الفلاسفة وعلماء النفس، ولا للبحث عن الذات نفسها كما فعل السادات، ولكن لتأكيد وجودها ربما مع عدم وجود أي شئ آخر ذي ثقل في حياتي، على الأقل إلى هذه اللحظة.

وربما تكون هذه هي المشكلة، عدم وجود الموضوع. وجود ملهيات دائمة التداخل والتلون، حالما تختفي تطغى رنة الصمت في الأذن، فالصمت - في النهاية - أصبح له صوت، كما أصبح للعدم شكلا وأشكالا.

أشعر أنني اقف هكذا، مفاخرا بنفسي، رافعا رأسي، متربعا على قمة الفشل. ألوح لكم، فلوحوا لي، وامضوا في طرقاتكم، وأفسحوا المجال للملوحين الجدد، فلا وقت لدي لاعتياد الأشكال وحفظها، فذاكرتي ممتلئة بحفظ قصتي، قصة صعودي الغريب على جبل اللاشئ، مديرا ظهري للناس والحجارة، ناظرا للشمس كي أرى. أي حمق أنا فيه؟

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

ديوان الفتح (5) : مسرح الرمال المتحركة

كإني رمل ف ساعة 
بضيق كل اما بوصل 
أو شعلة من ولاعة 
تحرق كل اما تحصل 
أنزل 
برملي 
وأمْلي 
واطلع 
بنفسي 
وجُمَلي 
واخُد نَفَس 
وانزل تاني 
وأعيد وازيد 
في ألحاني 
يا بُعبُع الشعر الحاني 
إمشي .. رَوَّح 
وهات معاك كرسي ومسرح 
عايز اعترف إني بفرح 
على غُرّة 
قاعد بترسم حرية 
يا سجين طُرة 
والجوقة ترسم عالشاشة 
أيام مُرة 
تَسقُط حيطانكو الغشاشة 
ف أعمق حُفرة 
وتذيع وراها بلاد بتضيع 
وعباد هايمة 
دايمة في جهل وقلة عيش 
وفتن نايمة 
مغروسة تحت بياد الجيش 
وعصَى الساحر 
مهزومة تحت آلات السوق 
واللوايح 
وتذيع وراها شموس تِعمِي 
وإنسان سايح 
رايح على برستيج إسمي 
وتنفيخ جسمي 
طايح في أفراد مش مجموع 
رابح ورق تأمين الجوع 
يا ألف هنا وألفين مبروك 
دمك مسفوك 
يا ألف عافية وميت بركة 
اسمَك في بيانات الشركة 
والشركة فوق تربة جريحة 
والبنت جنب التسريحة 
وتحت الصورة 
الفكرة لازم دايماً تفضل 
منصورة 
مشي الحواجب عالقورة 
وغطي الشفة 
شبه الموديل المشهورة 
بأشهر وقفة 
أشهر من النار على علم 
علم السلاح والانفتاح 
وكسر القلم 
على الوشوش الفقيرة 
فقر طبيعي 
يا بلد التسعين مليون 
بيعي .. بيعي 
كل السلع هنا متباعة 
في الفاترينا 
وإزازها يعكس أشكالنا 
المسكينة 
أشكالنا لما تَحَوَّلنا 
من ناس لجماد 
واقفين على إزاز الصورة 
وقفة حداد 
وفي طول وقفتي بصيت في مرايتي المكسورة 
وحسيت 
كإني رمل ف ساعة 
بضيق كل اما بوصل 
أو شعلة من ولاعة 
تحرق كل اما تحصل 
وانا لما هحصل هحرق 
والنار ماهيش بتفرق 
ازاي البحر يغرق 
دي جمل مش في الكلام 
أنا الأمل واليأس 
وأنا الغد والأمس 
وأنا القمر والشمس 
والحرب والسلام 
أنا كنت بقول ايه..
أنا جايلك في الكلام 
وفي أتوبيس الهيئة 
وانا قلت كل حاجة 
ولا نسيت شيئاً
مشاعري مضطربة 
لكن.. أفكاري متضايقة 
أنا خدت ميت ضربة 
طب ليه الخلايا فايقة 
ليه فايقة الخلايا
يابني ركز معايا 
مانتاش سامع غنايا 
ولّا انت أصلاً بعيد 
طب حلمت بمُنايا 
ولّا خيالك مريض 
يابني قريت الآية 
ولّا لعنت الورق 
يابني حكيت الحكاية 
ولّا ماضيك افترق 
يابني لبست العباية 
ولّا الملاك اتحرق 
يابني أكلت الكفاية 
ولّا لحست المرق 
يابني خلقت الرواية 
ولّا اختصرت الحدث 
يابني انتشيت بالغواية 
ولّا مشيت عالصراط 
يابني رفعت الراية 
ولّا انحنيت للبلاط 
يابني ناديت الداية 
ولّا قتلت الحلم 
يابني رفضت الجباية 
ولّا مشيت في الظلم 
يابني سامعني وشايفني 
ولا لامحني وحاسسني 
فكر في ايه اللي حابسني 
وانت هتوصل يابني 
يابني اعدل المرايا 
وبُصلي وركز 
إمشي ورايا 
إمشي واتعكز 
على العصايا 
اللي ذكرها الكنز 
عَلى خُطايا 
في طريق يَبرز 
لكل فارس 
مُغترِب غاضب 
لكل ساعي 
مُتّحد طالب 
أقطع دراعي 
وأمسكُه وأرفع 
وأقول ده دِرعي 
وضِلع م الأضلُع 
حماني إذ أشفِق 
وإذ أشرُع 
ورماني فوق شجرة 
بلا أفرُع 
فَرّعت 
فَ أثمَرْت 
كي أشبع 
وشربت ماء السماء 
ورضيت بالاحتماء 
تحت الرياح والرمل 
فوق الرماح والقتل 
كل اما اتقتل اروي 
وأزهِر 
كل اما اختفي 
أذوي 
وأظهر 
جوة الورق والشاشات 
أنا بقلب الصفحات 
وفي ليالي الشتات 
بتتبع البصمات 
واجري ورا العلامات 
والكتابات 
والأغاني 
كل اما اخلّص أرجَع 
أحكي واقول تاني 
طلعوا الحبايب ونزلوا 
وقربوا وبِعدوا 
وصَعّبوا وسَهِّلوا 
الحب مين يقتله 
يا مموتين القلوب 
الحب مين يقتله 
يا مضللين الدروب 
الحب مين يقتله 
يا مفجرين الخطوب
الحب مين يقتله
وانا خطبي أجَلّ وأجْلَى 
يتشاف من بُعد فرسخ 
وغُنايا أطَلّ وأحلى 
وجِدري عميق مترسّخ 
وابعد عني يا شيطان 
ألّا الحيطان تتوسخ 
أنا بيتي بين شُطآن 
الفراديس والبرزخ 
وانا مش طُوَى النسيان 
الأساطين بتأرّخ 
وده مش هوا الألحان 
ده البراكين بتصَرّخ 
تُعلن عن التغيير 
تُعلن عن القَلَبان 
سيُغَنّي في الدنيا 
شاعر شارب شومان 
يُخرُج من المجهول 
ويستقيم ويقول 
ويحب ويصدّق 
ويئب
و..
يبدأ

يوميات شاعر مأزوم

1. لم أجد موضوع 
2. لكن كُلي رغبة 
3. وتَورّطْتُ مجدداً 
4. ووَرّطْتَك مَعي 

1. الكلمات تُراوغ 
2. تَظهر وتَختفي 
3. والخيال غيرُ تام الوضوح 
4. لكي نستطيعَ تَمَثُّله 

1. الموسيقى نسبية 
2. لكنَّ الشاشة صَمّاء 
3. وقد يتعذَّر نقل أي شئ 
4. فنتعزَّى بالمُحاوَلة 

1. المُحاوَلة لا تضُر 
2. إلا من يهوَى الحِساب 
3. فيقولُ علا وارتَفَعْ
4. ولا يُريد أن يقول وَقَعْ

5. رَغمَ ما في ذلِكَ مِن مَنطِق

فتح العين (5)

عايز اخرج برة الذات
واقطف بلح أمهات
البلحة الأولى حامضة
والبلحة التانية غامضة
تفتكر التالتة تابتة؟

وأتوه في زحمة ناس
فاضت بها الإحساس
وغمرت المداين
أنا ماشي لكن، باين
رجليا مش ثابتة

بصيت لتحت، سِبت
بصيت لفوق ضِعت
هنا النجوم تِتشكِل
وهنا العباد تِتنكِل
كل الحبال فالتة

فكيت أيادي الأمل
وحجبته وِسْط الجُمَل
وحَلّيت الأتب
وقَريت من الكتب
سفر يوحنا ومتّى

أنا رسول نفسي
أنا بقول وبَنسِي
فني كَلوح نطّاط
نِمت على البلاط
وصحيت على شلتة

السبت، 23 سبتمبر 2017

"عزيزي بادفوت، الجو بدأ يبرد قليلا، الشتاء حتما في الطريق، أشعر بالوحدة الآن أكثر من أي وقت مضى، وأعلم أنك الوحيد من بين الجميع ستفهمني"

الأحد، 17 سبتمبر 2017

بين التحية والوطنية: سقط القناع


موضوع تحية العلم عملته الدولة لتأكيد السيطرة الجسدية والفعلية على الطلاب، الجسدية، انها تتحكم في أجسامهم في لحظة معينة، والفعلية، انها تتحكم في أفعالهم كمان في اللحظة دي، يعني تتحكم فيهم شكلا ومضمونا. بعد ما عدت سنين كان الطلاب فيها موجودين بأجسامهم حيث لا ترضى القوات، وكانت أفعالهم نابعة منهم مش من أي مظلة شوفينية أمنيتها تمشيهم على مزاجها وتكبت أحلامهم عشان عيون الدولة ماتتئذيش لما تشوف حرية.

وممكن ندلل على موضوع السيطرة الجسدية والفعلية ده بطابور الصباح في عائلة ونيس. ونيس كان فارض بالفعل إطار أخلاقي من الطبيعي جدا ان أسرته كانت ملتزمة بيه لدرجة كبيرة ومش خارجة عن سيطرته. بس يعمل ايه عشان يأكد السطوة الأخلاقية دي؟ يخليهم يقفوا كل يوم الصبح متراصين في مكان واحد قدامه، ويغنوا نشيد غير ذات معنى، وبالتالي يتأكد إن خضوعهم لسطوته الأخلاقية مكنش صدفة عشان هما أخلاقيين، لأ، عشان هو اللي أخضعهم، خضوع محض، خالي من الأسئلة عن جدوى الطابور والنشيد في مسيرة الأخلاق. ولو تجرأ حد منهم وسأل أو امتنع عن الطابور احتمال كل الأسرة تتشكك في أخلاقه واحترامه لأبوه، مش كحاجتين، إنما كحاجة واحدة متداخلة بشكل مربك للجميع.

ده يشبه الوطنية المفترضة اللي بعض الناس بتقول انه ايه يعني لما نظهر بعض الوطنية، وإن تحية العلم تبدو غريبة لكنها لا تدعو للرفض والسخرية زي ما بيحصل وإن دي مبالغة. لكن الحقيقة ان كل الناس عارفة ان الفعل ده فعل سلطوي ودون جدوى في مسيرة الوطنية الحقيقية. لكنها وطنية رأسية نازلة من عند اللي بايعين الوطن وولاده من البداية. وخضوعنا ليها هيبقى خضوع محض، شبه خضوع أولاد ونيس، خضوع للسلطة اللي قررت النهاردة توقف الطلاب طابور، كشكل مقابل تماما لوقفات الطلاب كانوا بيقفوها في وش الدولة وبيغنوا للوطن اللي سرقته منهم.

احترامي للعلم في تحيته بالتحية اللي تليق بيه، التحية اللي بتنبع من القلب، وبتطلع في إيمان بثورة رفعت الأعلام كلها وموتوها، في أمل في وطن يساعنا ويساع ولادنا رغم إحباط اللحظة، في قراءتنا لكل حاجة بتفتح عينينا على الدنيا اللي في خيالنا، وكتابتنا للعالم اللي يليق بإنسانيتنا. انا أعرف اثبت وطنيتني وأقف ثابت قدام سلاح بيدوس زناده ناس بيحيوا العلم كل يوم، وماظنش إني في أي يوم هحتاج ابقى زيهم.

ونذكر في هذا الصدد إعلان محمود درويش المدوي لما قال:

ﺳــــﻘﻂ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ ،
ﺳـــﻘﻂ ﺍﻟﻘﻨـﺎﻉ
ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ْ
ﺇﻻّﻙ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺡ ﻟﻸﻋﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ،
ﻓﺎﺟﻌﻞ ﻛﻞ ّﻣﺘﺮﺍﺱ ﺑﻠﺪ
ﻻ ……… ﻻ ﺃﺣـــﺪ ْ
ﺳﻘﻂ ﺍﻟﻘﻨﺎﻉ
ﻋﺮﺏ ٌﺃﻃﺎﻋﻮﺍ ﺭﻭﻣﻬﻢ
ﻋﺮﺏٌ ﻭﺑﺎﻋﻮﺍ ﺭﻭﺣﻬﻢ
ﻋﺮﺏ ٌ .… ﻭﺿﺎﻋﻮﺍ
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻏﻤـّﺲ ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮﻱّ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﻭﺍﺳﺘﺮﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ
ﻛـُﻦ ﺃﻧﺖ َ. ﻛـﻦ ﺣﺘّﻰ ﻳﻜـــﻮﻥ
ﻻ ……… ﻻ ﺃﺣـــﺪ

حوار متخيل (3) : لما الواقف ميّل

إعمل نفسك غبي ، تنجو من العتاب واعمل نفسك نبي ، وفاتح الأبواب واعمل نفسك شاعر ، بتقرا من الكتاب
اعمل نفسك غبي ، تنجو من العتاب ، وتصاحب الجميع واعمل نفسك نبي ، وفاتح الأبواب ، بتكلم السميع واعمل نفسك شاعر ، بتقرا من الكتاب ، وتبشر بالربيع
الخريف ابتدا ، والشتاء آت وجمعولك العدا ، وثأرهم بات وخفّتك تقلت ، وحضورك مات
يا نبي ، إرجع سَماك ، الأنبيا اتصلبوا يا غبي ، فهمك حَماك ، الأذكيا اتضربوا يا شاعر لم اقلامَك ، الصحف اتكتبوا
الصحف اتكتبوا وانت كتاباتك زبد ده طريق اللي انت ماشيه؟ ده خوف طويل الأمد وده شعر اللي انت حاشيه ده خليط قسوة وكمد رتبلي بيت القصيد عايز اجتمع بالعُمَد
رتبلي بيت القصيد أصل القصيدة اتبلّت رجعتلنا حافية ده شابّ عايز يصيد لكن السمك ملّت من ترعة القافية والعقل بيشلّت على دفوف دافية والوحي ليه اتأخر ده سرقته المافيا
مافيا غامضة تجتاز صحاري الضبع الضاري وتيجي قصيدتي؟
كلمت العمدة يجيبلي سلاح وفرق أفراح تروي مصيبتي وقلبنا اليوم وسابنا النوم وهجرنا القوم واتملى دارنا وانا من ده لده شطحت بعقلي ووسط مسائلي شفت حبيبتي!

الخميس، 7 سبتمبر 2017

كالضوء الذي دخل المكان، ولم يستقر فيه

أنتظر أحدهم، ليأتي، ويجلس معي، صدفة، بينما أجلس وحيدا، في مكان اعتدت على وجود الرفاق فيه، وإن اعتدت على الصمت معهم أيضا، كما أنا الآن، مع نفسي، فهل يمكن أن يكونوا موجودين، بطريقة أو بأخرى، بينما لا أراهم؟ في ذاكرة المكان، وذاكرتي، على نفس الكراسي، يصدحون بنفس الأصوات، ويعيدون نفس المواضيع، ويكررون نفس الإفيهات، بنفس الحماسة دائما، فأبتسم ابتسامة خفيفة، مثل التي ترتسم على وجهي الآن، متخذا نفس موقفي وأنا معهم هناك، فأنا أبذل قصارى جهدي لكي أثبت، أن اللحظتين لم تفقدا إمكانية التوحد، وبالتالي لم أفقد أنا إمكانية الاحتفاء بالذكرى، بدلا من الحزن على انقضاءها.

أمام أعيننا

سنكتشف، ربما بعد فوات الأوان الذي يكون لاكتشافنا فيه نشوة، أننا لا نملك خبرة تاريخية مسبقة بما ستكون عليه شكل علاقاتنا في المستقبل، كجزء من جهلنا الشامل بما سيكون عليه مستقبلنا، وإن كان الأخير قد داعبته صناعات المؤلفين وخيالات الحالمين والمكتئبين، الشموليين والفوضويين، وهذا مجال كبير للأدب والسياسة والفلسفة والاجتماع لن خوض فيه. ما استرعى تفكيري الآن، هو هذا الاشتباك الاجتماعي الجديد، الذي انبثق من تطور تكنولوجيا المعلومات فصارت المعلومات والناس شيئا متشابها، وصار الناس جزءا من شبكة كبيرة، يسكنها جزءا لا بأس به من التعداد السكاني العالمي، قابل للزيادة مع تطور الأجيال. الآن علمنا ما نحن بصدد اكتشافه. هذه الشبكة الاجتماعية التي داعبنا خيوطها الصغيرة في بدايات القرن، ستكبر مثلما نكبر تماما، لتعيد هي اكتشافنا. تساءلت: هل ستمر علينا العقود، فتشيب رؤوسنا، ولم نزل ننظر إلى تلك الشاشات، نبعث بالإعجابات، ونراسل أصدقائنا، ونكتب ما يأتي في ذهننا ونقرأ ما يكتب الناس؟ أعلم أن آباءنا الآن يحترفون الأمر مثلنا وربما أفضل، لكنني لا أتحدث هنا عن مسألة العمر كمسألة مستقلة، لكنني أتحدث عن عمرنا نحن، نعم أيها القارئ، نحن، أنت وأنا، وأصدقاءنا.

هل ستظل صفحاتنا مفتوحة لرحلة السنوات والعلاقات؟ هل سنتصالح مع مرور الوقت ونحن نراقبه، هناك في قائمة النشاط، يراكم الشهور والسنين والذكريات معا، جميعا؟ هل سنمرر في نفس المكان حبنا الأول، مراهقتنا الساذجة، نزقنا المندفع، أوهامنا في الصداقة، صدمات الوطن، لطمات المجتمع، ساقية العمل، مركبة الزواج، حافلة الأطفال، قطار العمر الذي يذهب من الشباب إلى الشيب، واثقا.. هل سنتحمل كل هذه الحكاية في كتاب واحد، كلوح محفوظ، مزود بخاصية اللمس؟

بالطبع لن يتحول جميعنا إلى أشباح مستخدمين، كانوا هنا ومضوا، فهناك من سيكمل الرحلة، لكنني أراها حتى الآن رحلة تستدعي الدهشة، أن تقلب صور صديقك، وقد تغير وجهه بفعل الأحداث، وصارت ضحكته ابتسامة، وتنمقه ميزة ماضية ذهبت مع الذين ذهبوا، فنتجت صورة غير متناسقة، صورة على أي حال.

ثم تتحول الذكريات السابقة إلى إشارات متبادلة هنا وهناك، وربما تعليقات بحكم المناسبات والضرورة والأحداث، بالون اجتماعي جمع فراغا كان موجودا، وسيظل على اي حال.

تشغلني الحياة، الحياة في كل شئ، توجد لتنتهي يوما بعد يوم، انظر للفقرات من فوقك كيف بدأت مندفعة، فتصاغرت، حتى سقطت في الفراغ.

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

ديوان الفتح (4) : برهان بارتفاع القمر

القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
يا صباح الخير
على الواقع
يا مساء الخير
على الأوقع
المشاعر تغلب
الفكرة
كنت شاعر عشت
عالذكرى
اللي أمسي
ظل في بكرة
سِبت أبوابي
بلا أكرة
رمّيت اعتابي
على السحرة
فاستحالت عِجل
وخواره
سَمّع اهل البيت
وأدواره
لما انا ضليت
فقلت امشي
لما نوره هل
في رمشي
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
ايدي جابت آخر
العالم
ايدي لمست أول
المعنى
راح تراجع ايه
كتير باعنا
واحنا شعرا مين
بيسمعنا
غير قلوب قاعدين
على الناصية
ناصية الميادين
بلا حاشية
نستعين بالدين
أو نسبه
نكره المضمون
أو نحبه
انت شاعر دون
بلا رقة
والليالي تهون
مش بتبقى
كنت بِتشدد
على الدقة
والعبث مدد
على أرضك
وانت ماشي تقول
كدة برضك
ايوة كدة يا بقف
يا مغفل
نظرتك للسقف
راح تنزل
فوْق دماغك فوُق
دي مش سما
بص تاني لفوْق
قبلما
تكتفي بالفكرة
ِتتعمى
عن مشاهدة ما
يدور حولك
انت لا قوتك
ولا حولك
انت يا فتوتك
بص جنبك
القدر مَوِّتك
على جنبك
وانت لسة بتكتب
المطلع
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
صدري راح ينزل
وراح يطلع
قلمي راح يغزل
وراح يقطع
والحياة بتذل
وبتمنع
وإنت لو بتمل
ولا بشبع
من كتابة القل
والمَجزع
بلغات بتشل
وبتِسمع
وَهو المطلوب
في المسائل
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع
كنت بحلم ايه
مانيش فاكر
كنت بحلم ليه
لما هصحى
والقصايد ليه
اصبحت عاجزة
عندها حساسية
مالفصحى
هو ده موشح
لأ دي مرثية
هي دي معلقة
دي منسية
دائرة مغلقة
على الداير
والمداين مقة
على الثاير
والمذابح تقع
في فبراير
وَتُسبب بقع
على قلوبنا
ده يادوب نمشي
ويا دوبنا
بص في الساعة
بقت عشرة
عدي خدلك بصة
عالنشرة
البنات حلوة
البلاد كشرة
اسمع الغنوة
بقت عشرة
هي دي مخزن
جراحاتك
يا جريح احزن
في آهاتك
مش في قلب الناس
القلوب تقسى
مش في ودن الناس
الودان تنسى
مش في عين الناس
العيون غلسة
تكشف العورات
من الشهوة
تمضغن القات
مش القهوة
والدواب تقتات
على الجيفة
شمعة في الظلمات
بس مخيفة
والسطور اوقات
تبقى سخيفة
لو كاتبها مات
وقت كتابته
والعناكب سكنت
مكتبته
كل أمله يعيش
كما الكامل
قام وفتح الشيش
وكان آمل
القمر كامل
ومتربع
بس انا خامل
وبتمطع

الخميس، 31 أغسطس 2017

دموع الشوارع

عندي رغبة في الحديث عن الغاز المسيل للدموع. لإن تجربة التعرض ليه لمن خاضها هي تجربة شديدة الحساسية. بدليل كل الثائرين السابقين الذين لا يتذكرون أيام الثورة إلا برائحتها. بالنسبة لي الدموع اللي كانت بتنزل مني - أيام ما كنت بتعرضله بنزق واقتراب وعدم معرفة وخوف سابق، كانت بتتماهى مع دموع حقيقية مرتبطة بأسى وغضب يشبه الغضب الطفولي البكّاء. لما أمك تضربك عشان كنت عايز حاجة وزنّيت عليها، فتغضب وتعيط وتقول "يووه!". نفس اليوه كانت بتتقال لما كنا بنُقبل على الشوارع في جماعات قوية بمطالبات ثورية ونتضرب على دماغنا فنجري في شوارع تانية لوحدنا. دموع مرتبطة بصعبانية على النفس بنحسها كل مرة وكإنها أول مرة، ونُعيد إفراز مشاعر الصدمة والغضب واليأس والانهيار لبلد بتدوس على اللي بيحاولوا يرفعوها وبترفع اللي متقّلينها بالسرقة والسماجة والسلاح التقيل. دموع مهما هربت منك مش هتعرف تهرب منها لإنها بتجمع فيها الوجع الجسدي والألم المعنوي والانهيار النفسي. بتنزل من عينيك شايلة صور حقيقية لناس تعرفها وماشية في طريقك، وناس تعرفها وقاعدة في بيتك، وناس ماتعرفهاش وحاربوا عشانك، وناس ماتعرفهاش وبتحارب عشانهم، وصور خيالية لبلد فيها حب وخير وجمال وعدل وأمل وحرية وحياة. بلد فيها تعاطف وفرص وشغف وحافز واتّساق. بلد فيها شوارع نضيفة وهوا صحي وأرض كريمة ومصانع منتجة وتعليم محترم وسوق فيه مكان للناس تشتغل اللي بتحبه. بلد فيها قانون أقوى من السلاح، ونظام يرتب الناس والبلاد في صورة منسجمة مش يقسم الأراضي للغيلان ويحاصر الناس في سجون صغيرة وكبيرة، وأمان للناس من شر الاستقطاب والكراهية والتقسيم والجهل والظلم الاجتماعي والفساد. دموع بنخرج احنا منها زي ما بتخرج منا، بعيون جديدة تشبه عيون اللي قام من النوم بعد ما نام مكسور، مستسلمة أو قابلة للتحدي.

مرايا النفس

الثقة بالنفس بتنعكس في رؤية الإنسان للآخر وللحياة. لو انت واثق في نفسك مش هتعامل الناس بتشكك، مش هتتردد في التجاوب مع أي غريب بتلقائية وعادية مش بتراجع وارتياب. وده ممكن ينطبق مش على الغرباء بس لكن على الأحداث اللي بتجد في الحياة اليومية. عدم الثقة بالنفس مش بس مرض داخلي مستقر، لكنه ممكن تتحول لسرطان بياكل كل يوم فرص للحياة، بيخلق حوالين الإنسان مراية حالما تخرج نتايجه بيُعيد عكسها مرة أخرى للداخل فيكبر المرض وتزداد المرآة سُمكاً وقسوة. عشان الإنسان يخرج من الحالة لازم يبدأ يتجاوب مع الخارج بكل تجلياته، أشخاص أو أحداث أو معرفة، عشان يبني أولاً ذراع من خبرة يستطيع طرق الحاجز بقوة في كل مرة جديدة، ويثبت ثانياً عكس اللي المرض كان مرسخه، وبالتالي يولد شروخ في سطحه تسرع من كسره، ومن ثم تجاوزه. لا أنكر إن في وسط الطروق دي هتحصل صدمات، ممكن تؤدي لارتدادات قد تنتج توقف جديد عن المحاولة. مثل تجاوب مع من كان الأدعى عدم التجاوب معه، أدى لنتايج سلبية إدت نقط زيادة للحالة الأولى المطمئنة شكلاً. لكن الأجدى التعامل مع الصدمات المفاجأة دي على إنها من خصائص المرض نفسه، لكن من مراكز خارجية، وبالتالي مش من الصح التعامل معاها كممثلة للواقع، أو حتى للحقيقة، أو حتى للحياة اللي لابد الخروج لخوضها واستكمالها بدلاً من موات منتظر خلف مرايا النفس وانعكاساتها المتشابهة.

الأربعاء، 30 أغسطس 2017

رعشة السمك (4) : مشي يشبه الوقوف

مشي الصَدَف
في قوقعته
اتنين سنتي
شاءت صُدف
ما توقعته
في مَحَزنتي
أنا المغني
في حانتي
بشرب سحايب
مَدخنتي
بلف في دواير
يأسي
لكنّي خايب
لا بأسي
باينّي ثاير
على يأسي
كشابّ عاري
بدمع جاري
وطلق ناري
في قلبه
ولسة مؤمن
بالانتصار
إكمنه ثار
وماحبش
يبقى ضحية
لهزيمته
دي مسرحية
إيه ده نمتوا؟
أنا مُتْ

الأربعاء، 9 أغسطس 2017

أصداء الخوف

الخوف مشروع؟
ولا تاكسي؟
هو انا مسموع؟
ولا منسي؟
في طريقي رجوع؟
ولا زحمة؟
انا كتري ضلوع؟
ولا لحمة؟

 الخوف واجب؟
ولا تردد؟
انا بتكالب؟
ولا بمهد؟
الله غالب؟
ولا الدهر؟
عرضنا حارب؟
ولا العهر؟

 الخوف حيلة؟
ولا مهرب؟
انتي جميلة؟
ولا انا بشرب؟
يادي النيلة؟
ولا يا ساتر؟
نرمي فسيلة؟
ولا سواتر؟

 الخوف خيانة؟
ولا دي اراء؟
البحر ورانا؟
ولا ده بير حاء؟
ربنا معانا؟
ولا دي تهلكة؟
الشاعر غنى؟
ولا ده كان بكا؟

الخميس، 3 أغسطس 2017

جواب (4)

رب اشرح لي
عايز افهم
العالم اصبح
مبهم
فاكرني؟
انا هيثم
ايه أخبار السموات؟

بكتب من بعد فراق
لميت كل الأوراق
وناديتك بالأسماء
واستأنفت الجوابات

العالم أصبح كافر
العدل في أرضك سافر
وفي ناس لسة بتعافر
قدام جنود وآلات

يارب العلم اتطور
وكلام الدين اتحور
وخلاص الكوكب كَوّر
واتلاشت المسافات

وابتدا عصر العولمة
والإنسان وصل السما
واللي زمان اتعمى
بقى بيعِد النجمات

وادي نور القرن انطفى
والسمك الميت طفى
والدم اِحمَرّ وصفا
تحت جموع الأموات

وادي العصر التنويري
وده كان مجمل تقريري
من أحمس للحريري
ومرورا بالقيادات

أما احنا فطَفّوا بريقنا
ومامتناش لما غرقنا
تحت عيونك،
في طريقنا
إبعت لنا العلامات...

الأربعاء، 2 أغسطس 2017

ما يفعله الحائط

هناك اتفاق ضمني، رابط خفي، بين من يمتلك - يعتقد أنه يمتلك - قوة، وبين من يعاديه، هذا الاتفاق يقوم على أنه إذا استخدم الأول سلاحه ضد الثاني، سيقوم الثاني بالتأثر، تبعا لوقوع هذا الاستخدام للقوة عليه مباشرة، ولكن ماذا لو انقضى هذا الاتفاق، بطريقة ما؟ أي ماذا لو لم يتأثر الثاني بعد هذا الفعل؟ أي ماذا لو لم ينتج هذا الفعل أي رد.. كأنه لم يحدث؟ كأنه صفر؟ أليس هذا تجريدا للقوي من سلاحه الوحيد؟ وما هو سلاحه الوحيد؟ ضعف الآخر. وفيم يتمثل هذا الضعف؟ في إمكانية تأثره بفعل من أمامه. فإن نحينا هذا التأثير - بطريقة أو بأخرى -، يكون الفاعل قد ذهبت فعلته جفاء، وطارت في الهواء، بل يكون الفاعل قد ارتدت فعلته - بنفس قوتها - حسب قانون نيوتن - إليه، كأنما يضرب في الحائط، فلا يضرب إلا يده.

وهذا ما عليك فعله.

الاثنين، 31 يوليو 2017

شيفرة شومان

بكتب ألمي
بسنون قلمي
برسم فرحي
بخطوط جرحي
وإن تهت، أشرح
وانا إن شرحت
يطول شرحي

الأحد، 23 يوليو 2017

رعشة السمك (3) : سكوت مسرب

الواد فلح
وراح يجيب
رز وبلح
ماجابش ديب
ولا جاب ديول
وانا أديب
كل اما اقول
عايز حبيب
يجيبولي نكتة
وانا اما بضحك
بيجيلي سكتة
واحكي سكوتي
على الحانوتي
اللي واقفلي
من ميت سنة
ودي قصيدتي
المُحَسّنة
مافيهاش
موسيقى
ولا مُنى
لكن دقيقة
من العبث
جمعت فيها
ما التبس
من الكلام
بشكل عام
من الحقيقة
الغائبة
ودي محاولاتي
الخائبة
لقول حاجة
من القضية
هذه الزجاجة
جواها ميا
والميا عذبة
وفيها سمكة
دي قصيدة كاذبة
من دون حبكة
مُلفَقَة
من دون سر
وطقطقة
بدون شعر

الجمعة، 21 يوليو 2017

أو النور الذي أغمض عيني

صباح النور عدو الضلمة، وصالنا بالكلام ابن الكلمة، المكتوبة بإيد كل عقل شب، المحسوسة بنبض كل قلب حب، وباسم الحب ببدأ قصتي وبستأنفها، أنا هيثم شومان. 

زمان كنت بفكر كتير، وبسرح وبصنع حاجات جوة دماغي، بس مكنتش بعمل بيها حاجة، اخري كنت ارسم او اكتب عناوين افكار او ارغي مع اصحابي المجانين زيي، زي حازم صفوت كدة، لما كبرت شوية جالي هسهس الشعر في ليلة من ليالي الثانوية الليلاء، لبيته، وجالي بعدها بسنة في ليلة من ليالي اسكندرية الظلماء، لبيته، وشجعوني اصحاب زايد اني افتش عن الشاعر جوايا، وفتشت، واتعلقت في حبال نازلة من سما الأخ اللي لسة مش عارف قيمة وجوده في الحياة، وطالما انت هنا وبتقرا فتأكد انك هتعرفه، وقعدت اضرب يمين وشمال في حواديت الشعر، وقلت اعمل مدونة. 

عملت مدونة اسمها "لوغاريتمات ( وأشياء أخرى .. )"، سجلت فيها مشاعر كتير معظمها كانت حزينة ومضطربة وحتى المدونة كانت سودة لونها اسود يعني وكنت حاطط صورة مكشر فيها، بعد كدة قلت لازم اغير بقى الموضوع ده فعملت مدونة اسمها "لوغاريتمات 2 ( النسخة السعيدة )" ودي طبعا كان لونها ابيض ومواضيعها كانت متفائلة وصورتي كانت بتضحك فيها، عايز اقول يعني ان اللون هو اللي فرق؟ ماعرفش. المهم بعدها بشوية لقيت ان أشعاري كترت فعملت مدونة اسمها "لوغاريتمات 3 ( النسخة الشعرية )" ودي كانت فرفوشة برضو لإني حطيت فيها القصايد اللي انا بحبها من أشعاري والقصايد اللي انا بحبها في الغالب بتبقى فرفوشة، بعدها بشوية لقيتني عايز ارجع ادون تاني فعملت مدونة اسمها "كيفيات"، ودي كانت من أروق الحاجات اللي عملتها، ماعرفش ده عشان عتبة تمبلر كانت جديدة عليا ولا عشان انا دماغي مع الوقت بقت أكثر تنظيما وروقانا، إنما لسوء الحظ بعدها بكام شهر مابقتش اعرف ادخل اكتب حاجة فيها. 

كل الأحداث دي تزامنت مع أحداث تانية متعلقة بالشعر، الكلية، وأشياء أخرى طبعا. في الشعر جيت في اجازة 2013 قلت هسمع كلام ميمو واعمل كتاب انا كمان طالما انا عندي قصايد كتير وطالما موضوع الكتابة والنشر بقى سهل في الكام سنة الأخيرة يعني، قعدت على مشروع الكتاب لحد ما بقى كتاب في ايدي في اوائل نوفمبر 2013 وكان اسمه "سباق الزمان وحكايات شومان"، وريته لكل الناس وحضنوني واتصورت بيه وفرحنا وعملنا كل حاجة وكلهم طلبوا ياخدوا نسخة وبتاع، حاولت اكتر من مرة انشره بلا جدوى لأسباب ممكن نفصلها بعدين. 

فضلت على عقدة الكتاب ده شوية وعملت عليه تعديلات ياما - على رأي يوسف - عشان يبقى اصغر في الحجم وأحسن في المحتوى والشكل وكانت آخر نسخة هي النسخة اللي صورتهالي مريم بدوي في يوم سينابون العظيم - انا بحب اليوم ده يا مريم شكرا - وطبعها معايا محمد مصطفى في أجازة 2014 الجميلة من أجل محاولة النشر تاني، وحاولت برضو كام مرة بلا جدوى. 

المهم بعدها بشهور فكيت عقدة الكتاب ده خالص وقلت خلاص بقى انا هفجر الكتاب ده وهعمل كتاب تاني بما إني كمان كتبت حاجات اجدد واسلوبي بقى احسن فلازم اعمل شيفت واطلع بالتقيل بقى، اشتغلت عالكتاب ده في اوائل 2015 يمكن وخلصته في الأجازة اللي كانت في رمضان تقريبا وكان اسمه "مائة طريقة للغناء بحرية"، لكن الكتاب ده بقى ماحصلوش ولا محاولة نشر واحدة، ولا عرفه أصلا غير ناس قليلين شافوه معايا أو مع ناس صحابي، لإني ماحبتش انشر عنه عشان مشكلة الأكونتات. مشكلة الأكونتات دي هي إن بقى عندي أكونتين أساسيين تماما بعد ما حولت من كلية هندسة لكلية سياسة واقتصاد في أكتوبر 2014، وطبعا من 2014 ل2015 الأكونت الجديد اتملى وبقى أساسي جدا في حياتي اليومية وبقى عليه ناس مهمة عندي - زي الأولاني - وده انا مكنتش عامل حسابه أوي لإني كنت عايز افضل عالأكونت القديم واضيف عليه الناس عادي، المهم ده اللي حصل يعني وانا كان هم من همومي اني اتراجع عن خطوة للتقسيم دي واعيش بشخصية واحدة واتفاعل مع كل الناس من بلكونة واحدة بدل الحيرة دي، قلت خلاص انا هشتغل على اكونت جديد جامع مانع وابقى انشر عليه موضوع الكتاب الجديد، وبالمناسبة ده تزامن مع رغبة في العودة للكتابة المنتظمة تاني، لإني لما أهملت الأكونت الأولاني وبقيت عالأكونت اللي محدش يعرف اني بكتب فيه، مابقاش بييجي على دماغي موضوع اني اكتب حاجة ده الا ما ندر، لإني كمان انشغلت بالتفوق في السنة الأولى وكان وقتي كله رايح والحمدلله راح في حاجة مفيدة وهي إني طلعت العاشر على الدفعة وأثبتت لنفسي حاجة مهمة. المهم، يعني تقدر تقول فترة الكلية الجديدة كلها كانت مسيطرة عليا فكرة اني مابكتبش وعايز ارجع اكتب، طب ارجع اكتب فين في أكونت من الاتنين ولا في مدونة من الاربعة، والموضوع وسع يعني وكان محتاج وقفة كبيرة اوي. الوقفة دي انا ناويلها زي مانتم عارفين من 2015 وكنت على وشك تنفيذها في اجازة 2016 لولا إني كنت مشغول في اجتماعات تحضير المدرسة الصيفية وبصيت لقيت الأجازة راحت، إنما راحت كذلك في حاجة مهمة أوي بالنسبة لي، رحت داخل في سنة تالتة، أو سنة الوحش، وما أدراك ما سنة تالتة، السنة دي انا ماعرفش هي عدت ازاي من غير حدث جلل زي التحويل أو التأجيل أو الهروب أو الانتحار، بس احب اقولكم ان كل الأفكار دي جاتلي اكتر من مرة خلال السنة بل إني شرعت في تنفيذ بعضها فعليا لولا أن هداني الله والناس، المهم سنة تالتة عدت بطولها وانا مفيش في دماغي حاجة أساسية أكتر من إن مسألة الأكونتات والمدونات دي لازم تخلص في الأجازة ويبقى عندي أكونت واحد ومدونة واحدة اكتب فيهم متى شئت، وبدل ما انشغل انا هكتب فين ولمين واقفل الدفاتر، انشغل في حاجات افيد، في المضمون وليس الشكل. 

وإن حدثت الأحداث وماقدرتش أضيف أي قيمة جديدة، فانا حطيت هنا معظم الحاجات اللي كتبتها بقصد الكتابة ووجهتها للناس - وده عشان اخرج التعليقات والرسايل والبوستات التفاعلية وغيرها من حيز التعبير، وعشان اخرج كذلك الحاجات اللي كتبتها وماوجهتهاش للناس أو وجهتها لبعضهم دون بعض في ظروف معينة -، منهم التدوينات من المدونات السابق ذكرها، الفصحى والعامية، البليغة والركيكة، العامة والشخصية، بأخطائها، بسذاجاتها، بحماقاتها، بغراباتها، بانفعالاتها، بكل ما حملت من تعبير عن مرحلة عشتها، ومنهم القصائد اللي كتبتها في كل الأوقات منها المنشور ومنها الذي لم ينشر بعد،الجيد والسئ ، ومنهم مشاريع غير مكتملة زي أنا والثورة وفانتازيا الثورة، ومنهم كتابات عشوائية كتبتها وسجلتها أو نشرتها على فيسبوك، أو بوستات أردت توثيقها.

حد يسألني بس ليه ماختارتش كويس انا هنشر ايه ونشرت غالب الحاجات اللي ليها لازمة واللي مالهاش؟ اقوله ان انا كدة كدة كان عندي مدونات منشور عليها حاجات بس متقسمة، انا جمعتها، وان مفيش حد بدأ رحلته من النهاية، كل رحلة ليها خطوات بدائية، بداية التعرف على الطريق، الخطأ، الوقوع، تجربة المشي، الرجوع، كل حاجة ممكنة في الطريق ده، وعشان نبني على حاجة لازم نكون عارفين أولها، أساسها، أنا ليه كتبت؟ رجعت قريت تدويناتي الأولى وعرفت ان انا كنت بكتب حتى وانا مش عارف انا عايز اكتب ايه، مهتم جدا اني اكتب حتى لو معنديش غير حزن وحيرة مش مفهومة معظم الوقت، يمكن دلوقتي ومع الوقت ومع النظر للصورة الأكبر تتفهم، أنا ازاي كتبت؟ بدأت أألف الكلمات واربطها ازاي؟ ايه الفروق اللي حصلت بين 2012 و2017؟ المعنى.. كان عندي معنى ولا كنت بحاول أشكله، الكلام كان بيجري ورا المعنى ولا العكس؟ ابتذلت قد ايه؟ عرفت امتى؟ كل ده مش هيتعرف غير لو بصيت عالخط ومشيت معاه من غير قطوع، وكل ده انا بحسبله الحساب وبفتخر بيه من أول حرف لآخر حرف لإن الأول هو اللي وصّل للآخر. وبمشي في ذلك على خطى أبو الشعراء وفؤادهم فؤاد حداد لما قال:

"أقولك الحق واضرب لك مثل ساير
وان كنت ماعرفشي لا اخبي ولا اساير 
من صغر سني وأنا صاحب مزاج ثاير 
واكمني ثاير لا يمكن يا ألف بائي  
تلاقي زيي على عهدك أليف باقي 
واكمني ثاير بقول من فات قديمه تاه 
لابد للحي يترحم على موتاه 
واللي أتى بالجديد لولا القديم ما أتاه 
يا أمتاه أنا ابنك عالأثر ساير" 

زي أي شئ بقدم عليه، هحاول، هحاول احقق تطلعاتي الأولى والأخيرة والدائمة في إن كل كتاباتي تجتمع في مكان واحد، اضيفلها متى كتبت، تكون أرشيف أبصله بعين اليأس يردني بعين الأمل ويشجعني اكمل اللي بدأته وأتم اللي بنيته حتى لو اللي بنيته مكنش في المدن والبيوت، حتى لو اللي بنيته كان في الخيال، المكان الأكثر رحابة وحرية اني ابني فيه، اللي اوناش الحكومة مش هتهده ولا أراضي الجيوش هتحده ولا ظروف الواقع هترسمه ولا جيوب الناس هتقسمه، البُنَى الممتد في العقول والقلوب، اللي مهما جار الزمن مابيقعش.

الثلاثاء، 18 يوليو 2017

شومانيزم (7) : حكايات شومان أو المدونة الأخيرة



ها أنا ذا. أعود لأربط عُقد حياتي بعضه إلى بعض. أعود لأصل بدايتي لنهايتي بلا انقطاع. أعود لأقول أنني ما انقطعت قط حتى لو ظننت. لأثبت نفسي قبل أن ينفيني الزمن من جديد وما أكثر ما يفعل هذا الزمن في الرجل المطمئن حتى يأخذ منه آخر شئ بقى له. وأنا لم يبق لي غير ذلك بعد ذهاب كل شئ.

سبق وأن سردت معاناة الأشهر الماضية بين الرغبة والعجز، الرغبة التي ظلت تشتعل حتى كادت تنفجر في داخلي وتحيلني ذرات متناثرة لا تملك من أمرها شئ. لا روح فيها ولا بينها اتصال. لكنني عزمت وتوكلت على الله. فجلست مجلس عزمت ألا أبرحه إلا وأنا قاضٍ ما أنا مُريده. وقد مر شهر منذ أخذت أجازة الصيف بعد آخر امتحان كتبت آخر جملة فيه: نقطة ومن أول السطر. وقد كان.

شهر. تركت فيه كل شئ وجلست إلى كلماتي أجمعها وإلى أغنياتي أسمعها. حتى اهتديت لما هو أمامكم الآن في هذه الحكايات الطويلة. التي جمعت فيها ما كتبت من شعر، ونثر، ما دوّنت من خاطرة وفكرة، ما جسدت من جد وهزل. وليس فقط. بل جمعت إلى كل ذلك مذكرات كتبتها في أيام وحدتي. لم أهتم أن يسمعها أحد ففتحت أذني لأسمعها وأشربها وأشعر بها.

ومنذ الآن أقول. لن يعجب أحد كل ما كتب هنا. فهنا هيثم بكل ما جمع ويجمع أي أحد من محاسن ومساوئ. مساوئ لن يقوّمها إلا بعد أن يعرفها وأنا في هذا المكان ما أردت إلا أن أعرف نفسي واُعرّفها لكل ذي نظر. أجعل للجميع قصتي التي لا أحب أن أكررها فأنا كثير الصمت. قصتي التي لو لم يقرأها أحد سأقرأها أنا مراراً وتكراراً، أقرأها وأعيد كتابتها كل مرة بشكلٍ مختلف. كل مرة بجمال جديد لم أره وحكمة جديدة لم أدركها ودرس جديد لم أتعلمه.

هنا حكاية المهندس والمعمار والشاعر والثرثار والمراهق والمجنون والمتردد والمتحدي والثوري والسياسي. هنا حكاية الإنسان. هيثم شومان.

فلنبدأ.

شومانيزم (6) : التدوين

بدأت تدوين يوم 11 ديسمبر 2012. في مدونتي الأولى لوغاريتمات، ثم أنها كانت مدونة سوداء الخلفية صفراء الكلام، وكنت أنازع نفسي فيها ولا أبصر منفذاً للسعادة إلا قليلاً، وقد اعتبرت ذلك، وجاء يوم قالت لي زميلة اسمها داليا أن الخلفية والخط الأصفر الصغير يصعبان القراءة ويجلعان القارئ يتألم ألماً جديداً في عينه بعد ألم الأحزان. فلم أكذب خبراً ورحت أنشئ مدونتي الثانية: لوغاريتمات (النسخة السعيدة :D) وكانت سعيدة فعلاً، فعندما أنظر إليها وإلى سابقتها الآن أتعجب كيف خرجت هذه من تلك كما يُخرج الحي من الميت. ولكن مدونتي الأولى لم تكن ميتة ولكني كنت أنا الميت من قبل ميلادي في 2011-2012، وكانت اللوغاريتمات 1 هي المولود الذي لم يرى شئ بعد، حتى إذا فتح عينه أنارت الدنيا من حوله من جديد، هكذا التففنا حول المجاز لا هو خرب ولا نحن خسرنا. هذه النسخة السعيدة بدأت بأول تدوينة يوم 21 أكتوبر 2013، ثم استمرت الكتابة تارة هنا وتارة هناك حتى توقفت الأمور لحظة.

وفي صيف عام 2014 أردت عمل مدونة لي على موقع Tumblr، فعملتها وأسميتها كيفيات. وكتبت فيها ما جال بخاطري من وقتها حتى يوليو 2015، عندما فقدت إمكانية الدخول والكتابة.



وظللت هكذا بلا مدونة لعامين - إلا عودة للسواد تشبه محاولة ميلاد جديد - هم ذات العامين اللذين انتظرت فيهما سماح الأوضاع لي ببعض الوقت أعيد فيه ترتيب نفسي وأفسح مكاناً لنَفَسي الذي أتنفسه فيما أقول. وها أنا ذا.

شومانيزم (5) : لوغاريتمات

لوغاريتمات هو اسم واحدة من أولى قصائدي والتي كتبتها لصديقي محمود بنداري والتي سرنا على طريقتها في درباً من الزمن فجعلتها "لوغاريتمات" كما هي في التسمية.

وقد جعلت من هذا الاسم اسلوباً لحياتي ( قبل أن أقول كتابتي وستعلم لماذا ) عندما أنشأت أول مدونة لي باسم "لوغاريتمات.. وأشياء أخرى" ثم أنشأت بعد ذلك مدونة معاكسة لها باسم "لوغاريتمات.. النسخة السعيدة" وعلى ذلك سنجد في التسمية لوغاريتمات (1) للإشارة لما دُون في هذه الأولى ولوغاريتمات (2) للإشارة لما دُون في هذه الثانية ولم يكن ذلك كله إلا محاولة لفك الالتباس.

شومانيزم (4) : أنا والثورة


أنا والثورة. هو العنوان الذي اتخذته لمذكراتي التي شرعت في كتابتها في ليلة من ليالي ديسمبر 2013. وقد استمريت في كتابتها ونشرها حتى توقفت عن نشر الأجزاء من بعد الجزء الرابع عشر لخوفي من شئ تأكد لي. فقد تعثرت في لحظة معينة شككت فيها بمنهجي الذي أكتب به. وآثرت أن أعود لأراجع ما فعلت وأكمل عليه بالمنهج الذي ارتضيته لنفسي حين فتحت حاسوبي وضغطت الأزرار. وهو أن أحكي ما رأيت. لكنني كما قلت وجدت اختلالات تجعل من منطقي هش ومن سردي مطية ومن تسلسلي انحراف.

وفي ليلة الثامن والعشرين من نوفمبر 2015، أردت أن أحكي ما حدث قبل عامين، فجلعت من بداية سردي الجديد كتاباً ثالثاً يسير كيفما يسير. ومن سردي الأول الكتاب الأول، وبالطبع يوجد فيما بينهما الكتاب الثاني الذي سيظهر عندما أضبط ما أردت ضبطه إن يشاء الله. وهذا تفسير القفزة الغريبة الموجودة بين الكتابين. فهنالك 14 جزءاً من الكتاب الأول وثلاثة أجزاء من الكتاب الثالث موجودون على الوسم الخاص بالمشروع على أن أكمل العمل فيه ما أذنت الأحوال بذلك.

شومانيزم (3) : مائة طريقة للغناء بحرية


مائة طريقة للغناء بحُرية. كتابي وديواني الثاني. بدأت فكرته تداعب خيالي في بداية الربع الثاني من عام 2015 وانتهيت منه في يونيو من العام نفسه. وقد كان دافعاً كبيراً لي لأخرج من أزمة الكتاب الأول المتعثر نشره وخلق بداية جديدة قد يصادفها الحظ. ولكن الذي حدث أنه لم يصادفني أنا. فطيلة الشهور من وقتها إلى الآن لم أجد فرصةً سانحة لكي أعلن عن حدثي الجديد للناس. فبعد أن قسمت مجتمعي الافتراضي إلى مجتمعين وجدت أنه من الصعب الاستمرار على هذه الطريقة ولابد من أن أتحد في كيان واحد مرة أخرى. وعزمت على ذلك إلا أن أوقفني وقتي الذي لم يعد ملكي أبداً إلى بداية هذا الصيف.

هذا الديوان هو تغريدتي الصغيرة وسط ضوضاء الواقع وثرثته. هو ما كتبته بعد أن صار الكلام جريمة، وما تخيلته بعد أن أغلقت أبواب الأفق على الرؤية. وقد طبعته مرة واحدة هي المرة التي وددت لو أخبر كل الناس بها لولا أن دوّرتني الدنيا في ساقيتها إلى أن حان وقت النزول. وما أصعب دوران الوقت حين لا يبقى إلا الانتظار سنداً وتعزية. وقد انتظرتك يا حمام الحرية لتُحلق فحلّق الآن ولا تآبه بخيالات الشياطين.

وهو كذلك غير منشور ولا أعلم إلام سيؤول. وهو يضم قصائد من 2012 - تتضمن قصائد من الديوان الأول - وحتى 2015. وهي متاحة في الوسم الخاص بالكتاب.

وكان الإهداء: